تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من المسجد إلى المتصفّح (2)
نشر في الحوار نت يوم 04 - 09 - 2010

السلام عليكم ورحمة الله، من الواضح أنّ هذا الموضوع قد نشر على حلقات في المنتدى ولكنّي أردت نشره في الموقع (الصفحة الخارجية العامّة) رغبة منّي في إشاعة الخير وإطلاع أكبر عدد من القرّاء الكرام على ما نحن بحاجة إليه ممّا يقال في حلقات المُدارسة بالمسجد... والله من وراء القصد... وفيما يلي حوصلة ثانية لما نشر...

(الدّعاء)
تغيّب الشيخ إبراهيم الليلة، غير أنّ الموعظة استمرّت... فقد حضر أخوه (والمؤمنون كلّهم إخوة) الشيخ سامح (أبو أحمد)، وهو شاب مصري كذلك، فتحدّث عن الدعاء ملخّصا أنّ الدعاء من الذكر وأنّ الذكر من أرقى الأعمال، مركّزا على تأكّد الدّعاء في رمضان... فلمّا جاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسأل، قال: يا رسول الله: أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)، وقد أطّرت الآية الكريمة بآيات رمضان والصيام فيه، فكان ذلك إشارة إلى تأكّد الدّعاء عند الصيام في رمضان...

ثمّ استفسر الشيخ، لمَ يستنكر البعض من النّاس عدم استجابة دعائهم!...، ليبيّن بعد ذلك معلّما ومذكّرا، أنّ للدّاعي شروطا لا بدّ من توفّرها فيه وفيما يدعو به وفي الطريقة التي يدعو بها كي يكون مستجاب الدعاء...
· فلا بدّ أن يكون الدّعاء بإخلاص، ومِن مخلص، قال تعالى: "فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين"، أي أخلصوا لله إذا طلبتم حوائجكم، وأخلصوا له أعمال البرّ والطاعة

· كما يجدر بالمؤمن أن يدعو وهو موقن بالإجابة، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "القلوب أوعية، وبعضها أوعى من بعض، فإذا سألتم الله أيها الناس فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة، فإنه لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل"...

· أكل الحلال وتطييب المطعم، فقد قام سعد بن وقّاص رضي الله عنه مرّة، فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة، فقال. "يا سعد، أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده، إنّ الرجل ليَقْذفُ اللقمة الحرام في جَوْفه ما يُتَقبَّل منه أربعين يومًا، وأيّما عبد نبت لحمه من السُّحْت والربا فالنار أولى به"، نسأل الله العفو والعافية... ونحن نذكر قصّة ذلك الشيخ الذي كان يعترض الصبايا يشاكسهنّ على قارعة الطريق ويقول عن نفسه، شيخ مفتون أصابته دعوة سعد...

· عدم الاستعجال المفضي إلى القنوط، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يُسْتَجَاب لأحدكم ما لم يَعْجل، يقول: دعوتُ فلم يستجب لي"... وعنه أيضا، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يزال يستجاب للعبد ما لم يَدْعُ بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل". قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: "يقول: قد دعوتُ، وقد دَعَوتُ، فلم أرَ يستجابُ لي، فَيَسْتَحسر عند ذلك، ويترك الدعاء"...

· الدعاء بالمعروف، أي أن يكون المدعو به من الأمور الجائزة الطلب والفعل شرعا، كما قال صلّى الله عليه وسلّم: (ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم) فيدخل في الإثم كل ما يأثم به من الذنوب، ويدخل في الرحم جميع حقوق المسلمين ومظالمهم...

قال الشيخ: وأمّا الاستجابة فإمّا أن تكون آنية في الدنيا أو أن تدّخر إلى يوم القيامة أو أن تُردّ بها مصائب لا يعلم أثرها على العبد إلاّ الله...

قلت: وقد قرأت قولا لابن عطاء ما نصّه: إنّ للدعاء أركانا وأجنحة وأسبابا وأوقاتا، فإن وافق أركانه قوي، وإن وافق أجنحته طار في السماء، وإن وافق مواقيته فاز، وإن وافق أسبابه أنجح... فأركانه حضور القلب والرأفة والاستكانة والخشوع، وأجنحته الصدق، ومواقيته الأسحار، وأسبابه الصلاة على محمد صلى الله عليه...

فاللهمّ اجعلنا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات... وتقبّل منّا الدّعاء وانفعنا به في آخرتنا ودنيانا... وصلّ وبارك على محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا...



(سمكة وصيّاد)

الحمد لله الذي به تتمّ الصالحات والصلاة والسلام على خير الأنام محمّد بن عبدالله، وبعد

حدّثنا اليوم الشيخ إبراهيم عن قصّة صيّاد آخر وسمكة أخرى...، فقد توكّل على الله مسترزقا... رمى شبكته ودون تأخير سحبها فوجد بها سمكة غاية في الجمال أذهلته عن مواصلة الصيد، فقفل راجعا إلى البيت... ولمّا طلب إلى زوجته قلي السمكة بادرته بعد حين بجوهرة فريدة استخرجتها من بطن السمكة عند تهيئتها وتنظيفها... سرّ الرّجل وزوجه أيّما سرور ثمّ سرعان ما انطلق إلى جواهري المدينة يريد بيعها واشتراء ما به يدخل السرور على العائلة المعوزة... اعتذر الجواهري عن الشراء، فالجوهرة غالية القيمة ترجح دكّانه بكلّ ما فيه... نصحه بالتوجّه إلى العاصمة حيث إمكانيات الشراء متوفّرة أكثر... لم يتأخّر، فسافر بعد أن أعلم زوجه... وهناك ظلّ متنقّلا من جواهري إلى آخر، والكلّ يعبّرعن عدم القدرة على الشراء نظرا لقيمة تلكم الجوهرة... نصحه واحد منهم بالتوجّه إلى قصر الملك إذ لا أحد غيره يملك قيمة ما لديه... طرد عنه خوفه ورهبته من الملك ثمّ توجّه إلى القصر معلما الحرس والعسس والحجّاب أنّ لديه حاجة الملك... كان اللقاء بين الفقير والملك وكانت المفاجئة كبيرة، فقد أعجب الملك أيّما إعجاب بتلك الجوهرة معبّرا عن عدم قدرته على تقييمها وضبط ثمنها... ثمّ اقترح الملك اقتراحا أرضى الصيّاد الفقير... قال له: لديك ثلاث ساعات كاملة تنتقي فيها كلّ ما يعجبك من كنوز القصر...

ابتدأ الصيّاد الفقير جولتك مشدوها، فجرّته الرّوائح إلى مطبخ القصر، وهناك أرسل شهوته راتعة فيما يأكل الملك، فمازال يملأ بطنه حتّى ما ترك فيها مجالا للنّفس... شبع شبعة لم يتخيّلها أمثاله حتّى في المنام الذي كثيرا ما يثير المحرومين... خرج من المطبخ يتقوّى على السير فإذا أمامه غرفة نوم الملك... لم يتأخّر في دخولها ولم يتأخّر إعجابه بها وبما فيها من أسرّة وبسط وفرش، فارتمى على سرير لم يطأه قبله إلاّ الملك نفسه فما لبث أن استغرق في نوم عميق لم يقطعه إلاّ وخز الحرس يعلمه بانقضاء الثلاث ساعات، دون أن يأخذ لزوجه المسكينة وأولاده المنتظرين له متضاغين ما يسدّ رمقهم!... ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله!...

مشهد مؤسف حقّا... وهنا سأل الشيخ: أيّها الإخوة هي قصّة قد تكون نهايتها جدّ مؤسفة، فما المغزى منها هداكم الله؟!... تكلّم شاب لبيب مبيّنا أنّ الدنيا خضرة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدنيا خضرة حلوة فمن أخذها بحقها بورك له فيها، ورب متخوض فيما شاءت نفسه في مال الله ومال رسوله صلى الله عليه وسلم له النار يوم القيامة"... أمّن الشيخ على ذلك، ولكنّه بعد تحريض الحاضرين ودعوتهم إلى الاجتهاد أكثر، أشار إلى أنّ الثلاث ساعات هي هذه الأيّام الثلاثون التي أكرمنا الله بها في رمضان... فليجتهد كلّ واحد منّا في الطاعات فيها، حتّى لا ينقضي رمضان إلاّ وقد بات حاله أحسن ممّا كان عليه قبل رمضان... وهل يكون حال من غفر له ما تقدّم من ذنبه كما كان قبل رمضان؟!... فعن عروة بن الزبير أنّ عائشة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم أخبرته أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغّب الناس في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة أمر فيه، فيقول: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"... وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبيّ صلى الله عليه و سلم صعد المنبر فقال: "آمين آمين آمين"، قيل: يا رسول الله إنك حين صعدت المنبر قلت: آمين آمين آمين، قال: "إنّ جبريل أتاني فقال: من أدرك شهر رمضان ولم يغفر له فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين فقلت: آمين، ومن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يبرهما فمات فدخل النار فأبعده الله قل: آمين فقلت: آمين، ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله قل: آمين فقلت: آمين"...

جزى الله الشيخ إبراهيم خيرا، وجعلنا ممّن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه، ونسأل الله أن نكون ممّن صام رمضان وقام لياليه إيمانا واحتسابا فغفر لهم ما تقدّم من ذنوبهم، وصلّ اللهمّ وبارك على محمّد النّبيّ الأميّ وعلى آله وصحبه وسلّم، والحمد للهربّ العالمين....


(خلوة ووقفة مع آية)

قال تبارك وتعالى: [بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11) إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12)]... كنت في وضعيّة خاصّة لمّا مررت بهذين الآيتين الكريمتين من سورة الفرقان، فقرأتهما قراءة جديدة وتوقّفت عندهما وبهما عند صور أعجز عن التعبير عنها... ثمّ ذكرت آية سورة الرحمن: "يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ"، فرأيت النّار بآيتي الفرقان ممن تتعرّف على المجرمين فتعرفهم ولذلك فهي تُسمعهم تغيّظها وزفيرها، تنبئهم بما ينتظرهم لمّا يساقون إليها زمرا (نسأل الله العفو والعافية)... ثمّ أقلعتُ عن الخوض أكثر، فعلمي لا ينجدني وكتب التفسير لا تصاحبني في ظروفي تلك... ففرت إلى التمثيل والمقاربة – ولله المثل الأعلى – فرأيت النّار كأنّما كانت أسدا قد جوّع داخل قفصه، ورأيت الكفّار أولئك الذين بطشوا في الدنيا وتكبّروا ولووا رؤوسهم واستهزؤوا وكذّبوا وظلموا بمثابة فريسة ضعيفة وهنانة أحضرت وحبست بانتظار الوقت المناسب لإطعام ذلك الأسد...، كان السياج الذي يفصلهما يزيد من لهفة الأسد وشرهه... يحدّث نفسه بأخذها أخذة لا تعلم هي مدى بشاعتها... يبالغ في ذرع الأرض جيئة وذهابا، ويكثر من التكشير عن أنيابه يستعرضها ومن الزئير يرهبها به متوعّدا... فيأخذها الفرَق ويُنهيها الخوفُ حتّى لتكاد تلج الأرض لولا عدم قدرتها على ذلك... ترى نبض قلبها يكاد يخرق جلدها... تراها لا تقوى على النّظر باتّجاه الأسد... تركض في كلّ الاتّجاهات تبحث عمّا يمكن أن يمثّل حماية – دون جدوى – لها... ثمّ يحين وقت الإطعام فتفتح الكوّة فتُدخل منها المسكينة وقد صاحبها منادٍ يردّد أين المفرّ... فيأخذها الأسد ملبّيا نداء جوعه بلا رحمة... يكسّر عظامها تكسيرا ويمزّق جلدها تمزيقا... يسفك دمها دون اقتصاد... يقطّع لحمها أشلاء دون تمييز أو مراعاة مفاصل فيه... يأكلها حيّة متحرّكة تملأ معدته عويلا ومناشدة!...

أذهلني هذا المشهد الذي صنعه تفكّري، وتأثّرت كثيرا لهذه الخاتمة الدمويّة وكدت أبكي للفريسة الضعيفة لولا انتباهي أخيرا لدورها الافتراضي الذي إنّما أردت به تقريب مصائر أناس كفروا حتّى عُرفوا بسيماهم... حتّى رأتهم النّار من مكان بعيد... حتّى سمعوا لها تغيّظا وزفيرا... نسأل الله العفو والعافية... اللهمّ أجرنا من النّار ومن حال أهل النّار، وارحمنا واغفر لنا يا عزيز يا غفّار....

(محطّة تنقية أخرى)

قال تبارك وتعالى: [يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ]... وكان صلّى الله عليه وسلّم يعلّمنا ولايزال دعاء: "يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك"... وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما، في هذه الآية: إنّ المؤمن إذا حَضرَه الموت شهدته الملائكة، فسلموا عليه وبشروه بالجنة، فإذا مات مَشَوا مع جنازته، ثم صَلَّوا عليه مع الناس، فإذا دفن أجلس في قبره فيقال له: من ربك؟ فيقول: ربي الله. فيقال له: من رسولك؟ فيقول: محمد صلى الله عليه وسلم. فيقال له: ما شهادتك؟ فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنّ محمدا رسول الله. فيُوسَّع له في قبره مد بَصَره. وأما الكافر فتنزل عليه الملائكة، فيبسطون أيديهم - "والبسط": هو الضرب - يضربون وجوههم وأدبارهم عند الموت. فإذا أدخل قبره أقعد، فقيل له: من ربك؟ فلم يَرْجع إليهم شيئا، وأنساه الله ذكر ذلك. وإذا قيل: من الرسول الذي بُعثَ إليك؟ لم يهتد له، ولم يرجع إليه شيئًا، كذلك يضل الله الظالمين...

حول موضوع الموت والجنازة وشهودها، دندن الشيخ إبراهيم، مبيّنا أنّ الجنازة والصلاة عليها هي من أهمّ محطّات التنقية التي تقدّم الحديث عن أربع منها والتي يجب الانتباه إليها، فالموت يأتي بغتة... يستوي عنده الصحيح والسقيم والصغير والكبير... فلا بدّ إذا من التفكير فيه والإعداد لما بعده قبل حلوله... فإنّ "كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ"... فالدنيا ليست عند المسلم إلاّ جسر إلى الآخرة أو هي وسيلة يطوّعها إلى مساعدته في التزحزح عن النّار... وأمّا الحياة فهي هناك - بعد مرحلة القبر - في الجنّة بإذن الله تعالى، صحبة النّبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا...وممّا يؤكّد أهمّية صلاة الجنازة باعتبارها محطّة تنقية ما جاء في الحديث الشريف: «ما من مسلم يموت فيصلى عليه أمة يبلغون ثلاثة صفوف إلّا غفر الله له»، قال الطبرانى في معجمه: الأمة أربعون إلى المائة وجاء التصريح بالعدد فى حديث مسلم وهو: «ما من مسلم يصلى عليه أربعون إلا شفعوا فيه»... فهنيئا للمسلمين هذا الشرف وهنيئا للفرد فيهم أو منهم هذه الحظوة... وهنا سأل الشيخ إبراهيم عن عدد الحضور في جنائز المسلمين في الغرب، سائلا الله أن يكثّر سواد المسلمين وأن ينعم عليهم في بلاد إقامتهم برفع الأذان عاليا في مكبّرات الصوت – كما في بلاد الإسلام – بدل أن يظلّ الأذان مكبوتا "مخنوقا" داخل المساجد والمصلّيات... ثمّ ذكر وذكّر بجنازة الصحابي الجليل سعد بن معاذ ذلك الذي اهتزّ لموته عرش الرحمن، والذي حضر جنازته سبعون ألف ملك، ما نزلوا إلى الأرض قبل قبل نزولهم لحضور الجنازة، كما حدّث بذلك مالك عن يحيى بن سعيد... مهيبا بالحضور على أن يعملوا على إشهاد النّاس جنائزهم وعليها، فقد جاء عن أبي هريرة قال: خرجتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة، فلما صلى على الميت قال الناس: نِعم الرجل! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجَبت! ثم خرجت مَعه في جنازة أخرى، فلما صلوا على الميت قال الناس: بئس الرجل! فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: وجَبت. فقام إليه أبيّ بن كعب فقال: يا رسولَ الله، ما قولك وجبت؟ قال: "قول الله عزّ وجلّ: "لتكونوا شُهداء على الناس""... وفي الآية يقول تعالى: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا..."

وحديث الشيخ عن الموت وعن الجنائز جرّه – كعادة الدعاة المخلصين – إلى النصح للشباب ولسائر المؤمنين بالحرص على طاعة الله سبحانه وتعالى، والمرابطة ببابه، فهو الكريم الذي لا يفزع عند الشدائد والمحن والملمّات إلاّ إلاّ إليه... خاتما بالدعاء من أجل صلاح الحال والمآل وصلاح الشباب والكهول والشيوخ ذكرا وأنثى وصلاح الدنيا والآخرة... فجزاه الله عنّا كلّ خير...

وإلى لقاء بإذن الله...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.