يطالب العديد هذه الأيام بإجراء مناظرة تلفزية بين المرشحيْن المتأهليْن إلى الدور الثاني للانتخابات الرئاسية الباجي قايد السبسي والمنصف المرزوقي تماما كما يحدث في العالم الغربي لتتضح الرؤية أمام المواطنين. غير أن المناظرات التلفزية في الدول الغربية تُجرى على أساس البرامج ونادرا ما تخرج عن هذا السياق بينما يبدو الشعب التونسي اليوم منقسما بين ''مشروعين'' سيحدد أحدهما شكل تونس في السنوات القادمة. وأي برامج سيتحدث عنها المرشحان وماذا سيفهم منها الشعب خاصة وأن الرجلين بنيا خطابيهما على منطق التخويف, فالباجي يخوّف التونسيين من الرجعيين والإرهابيين بينما يخوّف المرزوقي التونسيين من عودة النظام القديم وعودة الاستبداد. ولئن يعود الفضل للأميركان في ابتداع ''المناظرات التلفزية'' التي باتت ركنا مهما من أركان الحملات الانتخابية في الولاياتالمتحدة وفي عدد من دول العالم فإن أول مناظرة شهدها العالم كانت عام 1960 ودارت بين المرشح الديمقراطي جون كيندي ومنافسه الجمهوري نيكسون وأذكر هنا طرفة لكنها حقيقية عن هذه المناظرة التي تابعها 75 مليون مشاهد عبر شاشات التلفزة واستمع إليها عبر الإذاعة حوالي 26 مليون مستمع. وكان معروفا عن كيندي وسامته وأناقته وجاذبيته التي تضاهي جاذبية نجوم السينما, بينما كان نيكسون متحدثا لبقا نادرا ما تزلّ لسانه ويتقن انتقاء مفرداته وألفاظه ويحبه الأمريكيون لحلاوة حديثه وواقعيته في طرح أفكاره لكنه يوم المناظرة بدا مهملا لهندامه ولم يحسن اختيار ألوان بدلته وربطة عنقه فطغت جاذبية كيندي على أجواء المناظرة فكانت النتيجة أن فاز كيندي بعد أن صوّت له أغلب الذين تابعو المناظرة على شاشات التلفزة بينما صوّت لنيكسون الأمريكيون الذين استمعوا إلى حديثه عبر الإذاعة. وهنا أعود لأحاول تطبيق هذه المعطيات على الباجي قايد السبسي والمنصف المرزوقي فأي الرجلين أكثر أناقة, وأيهما أكثر واقعية, وأيهما أجمل حضورا, وأيهما أكثر رصانة وأيهما الأقدر على التحكم في لسانه وعلى انتقاء ألفاظه؟ وأيهما الأبعدُ نظرا إلى الأمام والأقل انجذابا إلى الماضي؟ الخطر أنه قد يفشل الرجلان في الامتحان فزلات الباجي ''اللغوية'' عديدة وزلات المرزوقي اللغوية عديدة هي الأخرى وقد تزيد بحجم كبير أثناء المناظرة التلفزية لو اعتمدا نفس أسلوب حملتيْهما الانتخابية اللتين بُنيتا في جانب كبير منهما على شتم أحدهما للآخر. وتبقى مسألة أخرى مهمة جدا وهي من سيدير هذه المناظرة التلفزية وكيف سيتم توزيع الحديث فيها فليس هناك في تونس اليوم صحافي واحد يجتمع حوله التونسيون بسبب منطق التشويه والتخوين الذي يعاني منه المشهد الإعلامي في تونس اليوم فتمّ تصنيف أغلب الإعلاميين على أساس ولاءات حزبية أو إيديولوجية معينة وليس على أساس اعتبارات مهنية وإعلامية. وأخشى ألا يستفيد التونسيون من هذه المناظرات التلفزية في ظروفنا الحالية لأنها قد تحيلنا على خطاب هابط وألفاظ غير لائقة وقد تصبّ وابلا من السب والشتم على مذيع أو صحافي يعتقد أنه لا يقوم إلا بعمله ولن يرضى عنه شق مهم من التونسيين حتى يتّبع هواهم.