رحم الله أمير الشعراء أحمد شوقي الذي أبدع في نظم قصيدته الشهيرة ''نكبة دمشق'' التي قال في مطلعها: سلام من صبا بردى أرقّ ودمع لا يكفكف يا دمشق تذكرت هذه القصيدة الرائعة وعدت لأقرأها بكثير من الزفرات وأنا أتابع خبر قصف طائرات الكيان الصهيوني لمواقع قرب دمشق عاصمة العروبة ولم ترد الفعل ولو بمجرد بيان أي من الدول العربية ولم يجتمع العرب والمستعربون كما كانوا يفعلون في جامعتهم العربية ولم يحتجّ ''أصدقاء سوريا'' المزعومون. ألهذا الحد هانت دمشق؟ ولهذا الحد عمى كره بشار بصيرتهم عن وطن عربي يمزق ويُنتهك من قبل العدو المشترك الكيان الصهيوني. يتحدثون ويتشدقون بالربيع العربي الذي لم ينجح إلا في تونس لأن التونسيين بحداثيتهم وسلميتهم الفطرية حادوا به عن المخطط الأصلي واستثمروه لصالحهم ومع ذلك فإن الطريق لا تزال طويلة أمامنا نحن التونسيين. خراب ودمار وتقتيل وتشريد وأسلحة كيميائية وطمس لمعالم المدينة الأثرية والحضارية في محاولة لفسخ الهوية العربية الإسلامية عن عاصمة الدولة الأموية التي كانت أكبر دولة في تاريخ الإسلام. يمرّ حدث قصف دمشق كأي حدث حدث عادي وتتناوله وكالات الأنباء ونشرات الأخبار بكل جمود دون أن تتحرك النخوة العربية. ففي أي عصر بتنا وبأي محرار أصبحنا نقيس درجة حرارة مشاعرنا المتجمدة. عندما اجتاحت إسرائيل بيروت وعندما قصفت مفاعل تموز العراقي وعندما قصفت حمام الشطبتونس كانت الأمة العربية تتحرك لهذا الحدث الجلل ويتدخل المجتمع الدولي وكان الرأي العام العالمي يشعر بمدى خطورة ما أقدم عليه الكيان الصهيوني. اللحظة الفارقة التي تعيشها الأمة العربية والتي ستفصل بين مرحلتين في التاريخ العربي هي في رأيي لحظة قصف الكيان الصهيوني لدمشق أول أمس الأحد دون أي ردة فعل عربية بل أكاد أقول إن دولا عربية متدخلة في الشأن السوري وتسعى للإطاحة بنظام بشار الأسد قد تكون ساعدت ووفرت الغطاء للقصف الإسرائيلي لدمشق وهؤلاء ''المستعربون'' هم نكبة دمشق الحقيقية. المخططات الصهيونية التي أسموها مغالطة ''ربيعا عربيا'' انكشفت مع تدمير ليبيا وسوريا واليمن واشتممنا رائحتها النتنة المنبعثة من رجلي ''عراب الثورات العربية'' الصهيوني الهوى برنار هنري ليفي وهو يجوب بهما أرجاء الوطن العربي لعله يصل بخرابه إلى الجزائر الشقيقة التي بقيت حصنا منيعا وستبقى كذلك رغم كثرة الخونة والمتآمرين. وكذلك ستبقى دمشق منيعة رغم القصف والدمار وستستعيد عافيتها وستضيء من جديد مصابيح ساحة الأمويين وستصدح المآذن بالأذان والكنائس بالنواقيس وسيعود الأنس إلى حارات دمشق القديمة وسيملأ الأطفال أزقة الصالحية وباب توما بصخبهم وسيتدق الماء عذبا زلالا من نافورة السبع بحرات في قلب دمشق. وكما قال الشاعر الدمشقي الأصيل نزار قباني: كل ليمونة ستنجب طفلا ومحال أن ينتهي الليمون اركبي الشمس يا دمشق حصانا ولك الله حافظ وأمين.