إنجاح مشروع التقارب العربي من بوابة الوحدة الخليجية لم يكن سهلا وبذلت فيه السعودية والإمارات والبحرين خاصة ضغوطات متنوعة ومرهقة على ''الدولة المارقة'' في مجلس التعاون الخليجي الذي ومنذ تأسيسه في بداية ثمانينيات القرن الماضي لم يشهد أزمة كالتي عصفت به مؤخرا بسبب التعنت القطري ودعم الدوحة المكشوف لجماعة الإخوان المسلمين ضد دولة مصر. بيان قمة الدوحة التي اختتمت أشغالها أمس أكد على دعم السيسي ومساندة مصر حكومة وشعبا وهو ما صادقت عليه قطر التي ناصبت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي العداء وحاكت ضده المؤامرات وأطلقت أبواق قناة الجزيرة لتشويهه واستدرار عطف الرأي العام لفائدة الإخوان المسلمين. وهكذا بات الإخوان المسلمون الخاسر الأكبر في معادلة التقارب العربي والوحدة الخليجية وفقدوا بالتالي آخر بيت عربي يمكن أن يؤويهم ولم يبق لهم في المنطقة غير البيت التركي. غير أن معادلات الإرهاب وتوسع تنظيم داعش قد تغيّر هي الأخرى الموقف التركي من الإخوان المسلمين. وعلى اعتبار أن التخلي عن الإخوان المسلمين من طرف قطر جاء استجابة لموازين قوى متحركة في المنطقة فيبدو واضحا أن الموقف الخليجي الصادر أمس بالإجماع سيؤثر على الأوضاع في سوريا ولبنان والعراق وفلسطين وليبيا وستتهاوى عديد الجماعات المسلحة الناشطة على الأراضي السورية والعراقية بصفة خاصة بعد ''تجفيف منابعها'' ولن يبقى أمامها إلا المنبع التركي. وأفترض كما أتفهم جيدا أن يعيش الرئيس التركي رجب طيب إردوغان حلة من الاستياء والإحباط من إعلان بيان الدوحة أمس وهو الإخواني بامتياز وكان طيلة الأشهر الماضية شرسا في تهجمه على المصريين الذين لفظوا الإخوان ولعنوا فترة حكمهم. إردوغان بنى في السنوات الأخيرة علاقات متينة مع قطر على أساس العقيدة الإخوانية أولا, وعليه بات الإثنان في خندق واحد للدفاع عن الإخوان المسلمين. وهذا في نفس الوقت يؤكد بالنسبة إلى إردوغان استمرارية الانشقاق الخليجي لأنه يعلم أن الموقف القطري مخالف لموقف بقية دول مجلس التعاون الخليجي وبالتالي سيفسح الانشقاق الخليجي الذي هو في الواقع انشقاق عربي, المجال واسعا أمام تركيا للصعود إقليميا وللعب دور الريادة في المنطقة العربية الذي طالما لعبته مصر وهكذا يتحقق لإردوغان الحلم التركي أو بالأحرى الحلم العثماني. غير أن هذا الحلم اصطدم بواقع لمّ شمل العائلة الخليجية التي أخذت تتوسع بضم الأردن والمغرب وقريبا مصر وربما دولا عربية أخرى لعل مجلس التعاون الخليجي يعوّض يوما ما جامعة الدول العربية التي تبرهن كل يوم على فشل ذريع في التعامل مع الإرهاب ومع التنظيمات الإسلامية التي باتت تهدد بالفعل كل بيت عربي وخاصة البيت الخليجي وهو ما تقاومه بشدة السعودية والإمارات بصفة خاصة. من أجل ذلك سقط الإخوان المسلمون من المعادلة نحو هاوية قد لا يدركون قرارها إلا بعد سنوات طوال بعد أن تمدّ لها السلطات المصرية يدها من جديد وتقبل ''المصالحة'' معها وحينها يكون الإخوان المسلمون عادوا ليتخلّوا عن حلمهم بالسلطة في مصر كما سيتخلّى إردوغان عن الحلم العثماني ولكن إلى حين لأن التجربة أثبتت أن الإخوان لا يؤتمنون مهما أكرمتهم.