منذ ثلاثة أشهر أطل علينا عدد من النواب في المجلس الوطني التأسيسي، المنتمين إلى كتل النهضة و الحرية و الكرامة ووفاء و المستقلين الأحرار، وبقيادة حزب حركة النهضة ، بمشروع قانون "تحصين الثورة" من بقايا رموز النظام السابق، و يتضمن 14 فصلا يهدف إلى عزل كل من ساهموا بأي شكل من الأشكال في دعم النظام السابق و في إرساء منظومة الفساد، أي كل من تحمل مسؤولية ما ، وزير أو نائب أو وال أو مدير، أو عضو لجنة مركزية، و منعهم من الترشح أو التعيين في مناصب الدولة خشية أن يلتفوا على الثورة التونسية مثلما برره عدد من النواب. و قد أثار مشروع القانون جدلا كبيرا بين الفاعلين السياسيين الذين من بينهم من رأى فيه تحصينا فعليا للثورة ،و من رأى أنه محاولة لإقصاء الخصوم السياسيين لحركة النهضة الذين يمكن أن ينافسوها بجدية في الانتخابات القادمة و في مقدمتهم حركة نداء تونس، التي يزعم البعض من المناوئين لها انها" خليط من التجمعيين و الوصوليين و الدساترة من غير المخلصين للوطن" و تواصل الجدل إلى حد المطالبة بالإسراع في عرض المشروع على الجلسة العامة وتحرير عريضة ممضاة في الغرض صلب المجلس الوطني التأسيسي. ووسط هذا الجدل و في غفلة من الرأي العام سارعت حركة النهضة ب"تحصين" نفسها ،إذ قامت بالتعامل مع واحد ممن يستهدفهم مشروع الإقصاء، و تعيينه ممثلا للحكومة ومنسقا عاما لها في اللجنة المكلفة بالتحقيق في الاعتداء على الاتحاد العام التونسي للشغل يوم 4 ديسمبر 2012 بساحة محمد علي بالعاصمة، حيث تضم اللجنة الأطراف المعنية و في مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل و كذلك السيد حمودة بن سلامة الوزير السابق زمن بن علي ،و ممثل الحكومة الحالية في المفاوضات. ألا تكون حركة النهضة بذلك قد حصنت من تجد نفسها في حاجة إلى خدماته في الظرف الحالي؟ أم أن الوزير السابق غير معني بمشروع التحصين الذي تستميت النهضة في الدفاع عنه؟ أم أنه قد تم "التغرير" بها و أنها تجهل هوية ممثلها في اللجنة المذكورة؟ الأكيد أن لحركة النهضة ما يبرر لها هذا التصرف الذي تراه مقنعا، تماما مثلما فعلت مع المحافظ الحالي للبنك المركزي التونسي الذي أصرت على تعيينه رغم الضجة الكبرى التي أحاطت بتلك العملية داخل المجلس و خارجه وسط تجاهل تام للحركة و للحكومة لردود الفعل المسجلة أنذاك، و الأكيد أيضا أنه لا وجود لتحامل أو تجييش ضد هذا الوزير السابق من أي طرف بقدر ما يتعلق الأمر بازدواجية في التعامل من قبل حركة النهضة التي توشك أن ترفع في كل الوجوه القولة الشهيرة" افعلوا ما أقوله لكم و لا تفعلوا ما أقوم به"، و في هذه الحال نقول لها أيضا" حرام علينا حلال عليكم؟".