ما إن أعلن الباجي قائد السبسي ،في حوار مباشر على قناة نسمة التلفزية، عن عزمه الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة حتى تعددت ردود الفعل وسارع الكثيرون،من الأحزاب الحاكمة خاصة،إلى تحليل المسألة وربطها بالسن القصوى للترشح و التي حددها أحد فصول مسودة الدستور،''المخيبة للآمال''مثلما قرأها المختصون من خارج المجلس،حيث أنه لا يجب أن تتجاوز سن المترشح ال75 سنة عند تقديم ترشحه لمنصب رئيس الجمهورية. ''المحللون'' لهذا الترشح الذي فاجأهم ،و قد يكون أيضا فاجأ حلفاء حركة نداء تونس،لم يتصوروا أن الباجي قائد السبسي الذي ''يهدده''مشروع قانون تحصين الثورة ،الذي وضعوه من أجله حتى لا ينافسهم،لا يملك من الجرأة ما يكفي ليتحداهم و يتحدى كل العراقيل التي وضعوها أمامه و أمام كل من يريد الخير لتونس،لكنه فعلها و تحداهم ،و أعلن عن ترشحه وعبر عن استعداده للامتثال للقانون لكل قانون منصف سواء منه ما تعلق بمشروع تحصين الثورة أو بسن الترشح للانتخابات الرئاسية،و تحداهم أيضا حين قال إنه مستعد للاستجابة لكل الشروط المطلوبة لعملية الترشح وخاصة منها ملفه الصحي وتحديدا الملف الخاص بصحته النفسية ليقيم الدليل على أنه سليم المدارك العقلية و قادر على تسيير دواليب الدولة في صورة اختياره من طرف الشعب التونسي. الباجي قائد السبسي، ومن منطلق اقتناعه بأن قانون تحصين الثورة الذي يحرصون عليه ،أي الترويكا الحاكمة و أطراف أخرى،لا يشمله لذلك أعلن ترشحه باعتباره لم يكن تجمعيا ولا مسؤولا في حكومة بن علي الرئيس السابق، وهو أيضا لا يشمله، حسب رأيه، رغم تمسك الكثيرين بمحاسبته على ''تعذيب'' اليوسفيين زمن الزعيم الحبيب بورقيبة،علما بأن كل المطالبين بمحاسبته و خاصة من حركة وفاء لم يطرحوا المسألة حين قاد قائد السبسي البلاد بعد الثورة و مكن التونسيين من إجراء انتخابات ديمقراطية أوصلتهم إلى المجلس الوطني التأسيسي. لكن و إن تمكن قائد السبسي من الإفلات من قانون تحصين الثورة فإن مسودة الدستور وضعت أمامه حاجزا آخر و هو تحديد السن القصوى للترشح،تحديد يعد هجينا في الدول الديمقراطية، فهذه الدول التي يحاول الكثيرون محاكاتها والاستئناس بها لم تضع شرط السن أمام من يرى في نفسه القدرة و الكفاءة على التسيير وإدارة البلاد. وإذا نظرنا من حولنا إلى دول الجوار فسنجد أن الرئيس الايطالي الحالي جورجو نابوليتانو يبلغ من العمر 88 سنة وقد تم انتخابه لولاية ثانية وهو ما يحدث لأول مرة في تاريخ الجمهورية الايطالية، ولم يجد ذلك أي اعتراض من الطبقة السياسية في ايطاليا ولم يكن مخالفا للتقاليد الانتخابية المعتمدة هناك ولا حتى متناقضا أيضا مع مبادئ بناء الديمقراطية بأي شكل من الأشكال،علما و أن الباجي قائد السبسي يبلغ من العمر حاليا 87 عاما،و بالتالي فإن السن ليس عائقا أمام من يرغب في الترشح و خاصة إذا كان سياسيا محنكا مثل رئيس ايطاليا و رئيس حركة نداء تونس،لأن ثراء التجربة السياسية و الخبرة و الحنكة في التعامل و إدارة الشؤون تصبح هي الحكم الوحيد و الشرط الأساسي للتقدم لرئاسة الجمهورية. و لا أظن أننا ديمقراطيون في تونس أكثر من ايطاليا و لا أعرق منها رغم الاختلاف الكبير بين البلدين،فإيطاليا اختارت للمرة الثانية رئيسا شهد له الايطاليون بالقدرة على تصريف أعمال البلاد ،و تونس، ما بعد الثورة و بعد الحكم مدى الحياة و بعد رئيس واحد طيلة 23 سنة، و بعد حكومتين فاشلتين بعد الانتخابات أزمتا وضعية البلاد و شوهتا مكانتها وصورتها،يتم تحديد السن القصوى للترشح !! . أريد أن أسأل من قال في حديثه عن قائد السبسي و عن ترشحه''إن هذا الرجل جزء من أجندا ضد الثورة و تيار لا نطمئن إليه''أين كان و لم لم يصدح بموقفه منه حين ترأس الحكومة الانتقالية و حمى البلاد من عديد المخاطر أنذاك و سلم السلطة إلى ''أبناء عمومته'' في مظهر ديمقراطي راق؟ أريد أن أسأل من حاول التظاهر بلباس الديمقراطية و صرح أنه من حق كل تونسي الترشح ،لكن السن محددة ''إلا إذا تم تغييرها في المجلس الوطني التأسيسي من قبل الأغلبية''و هم الأغلبية و بالتالي فإنه لن يتم إدخال أي تحوير على السن المحددة؟ الباجي قائد السبسي أعلن ترشحه للانتخابات و هو ما خلق جوا من التوتر و التفاؤل في نفس الوقت، و هو ما سيربك بالتأكيد حسابات حركة النهضة ،التي يرغب شق منها في إطالة الوضعية الحالية في انتظار المرور إلى الخلافة أو النظام الايراني،و هو أيضا سيربك بالتأكيد المجلس الوطني التأسيسي الذي يرنو إلى الاستدامة،و بالتالي فإن الرسالة هي أن الأولوية هي الانتخابات الرئاسية. قد يكون القرار مناورة ليتحرك التونسيون لإنقاذ بلادهم و قد يكون أيضا صحيحا أمام ما آلت إليه الأوضاع،و مهما يكن من أمر فإن تونس عرفت في فترة رئاسته للحكومة استقرارا و بعض التطور و الأمن أيضا و لا أحد بإمكانه أن ينكر ذلك و بالتالي فإنه على كل ''المتشدقين'' بالشرعية أن يدركوا أن الشرعية استقرار و ليست اغتيالات و اغتصاب و تعد على الأشخاص و الممتلكات،و أن الشرعية سلم اجتماعية و حوار و ليست انغلاقا و صدا. وقد اعتبر الكثير أن الباجي قائد السبسي بث في نفوس التونسيين شحنة جديدة من الأمل بعد اليأس وفقدان الأمل من الترويكا ومن المجلس الوطني التأسيسي عله يرسم منحنى جديد في مسار تونس بعد حكم الترويكا ليكسر القاعدة ويفتح الباب أمام معركة حاسمة في المرحلة الانتخابية المقبلة. كما أن رئيس تحرير القدس العربي عبد الباري عطوان قال أن إعلان السبسي للترشح للانتخابات الرئاسية القادمة هي ضربة استباقية قد تقلب معادلات سياسية وسلطوية قائمة في تونس، وأن هذه المفاجأة فتحت الباب أمام تكهنات كثيرة تدور حاليا في أروقة النخب السياسية حول هذا التحرك المفاجئ و''الصاعق'' لقائد السبسي الذي قيل عنه أنه لبى نداء التونسيين ووعد بتحقيق حلمهم المنشود بعد أن ضيعته حكومة الترويكا.