لم يعد يفصلنا عن الموعد المقترح من قبل حكومة "الترويكا" لاجراء الانتخابات في جوان القادم الشيء الكثير، ومع ذلك ما تزال اكثر القضايا صلة بهذه المسألة تراوح مكانها. وقد أقر رئيس الحكومة المؤقتة حمادي الجبالي في آخر خطاب له "بضرورة الإسراع ووضع الدستور والاستعداد للانتخابات القادمة قصد ضمان الانتقال الديمقراطي ". غير أن الحديث عن الانتخابات والانتهاء من وضع الدستور والمصادقة عليه لا ينتهي ولكن دون ان تتبعه خطوات جدية للتجسيم والاكثر من ذلك ان الدعوة للانتخابات لم يسبقها اي اعداد للارضية القانونية التي تضمن هذا الموعد من ذلك أن القانون الانتخابي والهيئة المشرفة عليها لم يريا النور بعد مما يشكل عائقا حقيقيا. غير أن ابرز القراءات المعمقة في هذا الباب تؤكد على ان المشكل الأساسي حاليا منحصر في قانون العزل السياسي و"تحصين الثورة" وتحديد سقف عمري للترشح للانتخابات الرئاسية وهما مسألتان لهما صلة رأسا بحزب نداء تونس ورئيسه الباجي قائد السبسي. إن ما يمكن أن يفهم على الاقل داخليا وخارجيا في هذه المرحلة حول الصعوبات المحيطة بوضع قانون العزل السياسي قد يضع مصداقية الأطراف الحاكمة على المحك وهو ما دفع بها إلى اختيار أسلوب آخر من العزل يكون في ظاهره قانونيا وفي باطنه سياسيا، وهو ذلك المقترح المتعلق بوضع سن75 سنة كأقصى حد للترشح وهو ما يؤكد قطع الطريق أمام الباجي قائد السبسي كمرشح محتمل فوزه في الانتخابات الرئاسية القادمة. وإذ يبدو هذا القانون منطقيا بالنسبة للبعض فان البعض الاخر لا يرى فيه ذلك إلا ضربا لشخصيات سياسية معينة إذ تكفي الإشارة إلى أن جل قيادات الأحزاب شارفوا هذه السن على غرار مصطفى بن جعفر وراشد الغنوشي والطيب البكوش. ووفقا لما تقدم فإن هذا المقترح يعد سابقة لم تشهدها البلدان الديمقراطية عدا تونس زمن بن علي إذ أن العديد من رؤساء الدول وزعمائها تجاوزوا ال80 من عمرهم على غرار رئيس ايطاليا والرئيس الأمريكي ريغن الذي كان يقود بلاده وهو في الثمانين من العمر. وانطلاقا من هذا الواقع يمكن القول بأن معضلة حكام تونس اليوم تنحصر في هاجس السعي لقطع الطريق بطريقة قانونية امام الباجي قائد السبسي، وهي مسألة تحيلنا الى القول بأن "عقدة" التحول الديمقراطي لم تعد تتركز حول اختيارات سياسية واجتماعية بل في شخص رئيس نداء تونس. فهل يعلن الباجي انسحابه من الحياة السياسية حتى يسهّل على تونس عملية الانتقال الديمقراطي أم سيبقى الحال على ما هو عليه حاليا بحيث لا يتقدم الحكم ولا تستفيد المعارضة ؟