الاتحاد الأوروبي معتاد على الأزمات. ولكن يمكن القول بثقة إن لا أحد من قادة دوله الثماني والعشرين المجتمعين في مالطا اليوم الجمعة كانوا يتوقعون أن الأزمة التي تتصدر جدول اعمال قمتهم ازمة اسمها الولاياتالمتحدة. يصارع الاتحاد الأوروبي، مثله مثل كثير من دول العالم، لفهم رئيس مثل ترامب لا يفوت يوماً على ما يبدو دون أن يفتح معركة جديدة مع دولة جديدة سواء أكانت معادية أم صديقة. وتتبدد آمال القادة الأوروبيين بأن لغة ترامب النارية خلال الحملة ستلين الى لغة اكثر اعتدالا حين يصبح قائد اقوى جيش في العالم، وحل محل هذه الآمال شعور بالقلق والحيرة بشأن طريقتهم في التعاطي معه. على هذه الخلفية يدعو بعض القادة الاوروبيين نظراءهم الى ان يدركوا ان ترامب يمثل تحدياً كبيراً لا يهدد بتقويض مشروع الوحدة والأمن الاوروبي الذي عملوا عليه 70 عاماً فحسب، بل يهدد كل شيء يمثله هذا المشروع بما في ذلك الديمقراطية الليبرالية نفسها. وكتب رئيس المجلس الاوروبي دونالد توسك رسالة إلى زعماء الاتحاد الاوروبي يقول فيها ان ادارة ترامب تمثل تهديدا بمستوى تهديد الصينوروسيا "والحروب والارهاب والفوضى في الشرق الأوسط وأفريقيا". ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مارك ليونارد مدير المجلس الاوروبي للعلاقات الخارجية قوله "ان ترامب اول رئيس اميركي منذ تأسيس الاتحاد الاوروبي لا يؤيد تعميق التكامل الأوروبي، ليس هذا فحسب بل هو يقف ضده وينظر الى تدمير الاتحاد الاوروبي على انه في مصلحة اميركا". والأدهى من ذلك ان الاوروبيين، كما يقول مدير المجلس الاوروبي للعلاقات الخارجية "يعدُّون ترامب اكبر تهديد للنظام العالمي". وأضاف ليونارد أن ترامب بدلا من ان يكبح التحديات التي استعرضها توسك في رسالته من روسيا مرورا بالصين الى التطرف الاسلامي فانه "يضخّمها على ما يبدو، وهذا أمر مخيف". وقالت ليسلي فينجاموري أستاذة العلاقات الدولية في كلية لندن للدراسات الشرقية والأفريقية ان مواقف ترامب من اوروبا وامتناعه عن الالتزام بعقد لقاءات قمة مع الاتحاد الاوروبي أو حتى حلف الأطلسي "مبعث قلق بالغ للاوروبيين". وأضافت أن تعامل الأوروبيين مع روسياوالصين سيتطلب حسابات مغايرة بالكامل من دون وقوف اميركا وراءهم. ثم هناك ألمانيا التي تعتبر ركيزة الاتحاد الأوروبي، لكونها الأكبر والأغنى والأقوى نفوذاً بين اعضائه. ولهذا السبب ينظر الاوروبيون باستياء الى تهجمات ترامب على المستشارة انغيلا ميركل بسبب سياستها تجاه قضية اللاجئين، وتصريحاته بان الاتحاد الاوروبي نفسه أداة لخدمة مصالح المانيا. وقال شارل غرانت مدير مركز الاصلاح الاوروبي ان الفرنسيين ينظرون الى ترامب على انه أكبر تهديد للتلاحم الاوروبي "وهم يرون أن القوى الدولية الكبرى، روسياوالصين والآن الولاياتالمتحدة ، تريد تدمير الاتحاد الاوروبي". ولفت فرانسو هيسبورغ مستشار المؤسسة الفرنسية للأبحاث الاستراتيجية ان مواقف ترامب قد تدفع الاتحاد الاوروبي الى القيام بمحاولة جدية لبناء قدرات دفاعية خاصة به على الضد من مصالح حلف الأطلسي أو الولاياتالمتحدة. وقال هيسبورغ "في عالم ترامب لا توجد اراض مشمسة بل ظلام وكراهية فقط".