أنس الصبري/ عضو باحث بالمركز الاوروبي لدراسات محاربة الارهاب والاستخبارات بألمانيا تحركت الماكينة الدبلوماسية الجزائرية في محاولة لرأب الصدع العربي، بزيارات مكوكية يقودها وزير خارجيتها عبد القادر مساهل، نحو عدة دول شرق اوسطية وخليجية، وصفها الملاحظون بزيارات الوقت بدل الضائع، اثر تأزم العلاقات الخليجية القطرية وافتكاك باريس للملف الليبي. تحاول الجزائر بقيادة وزير خارجيتها عبد القادر مساهل، لملمة جراح المنطقة العربية التي تعيش تفكك لم يشهده التاريخ، من خلال التحرك على عديد الجبهات، حيث باشر عبد القادر مساهل زيارات لعدد من الدول الخليجية وشرق أوسطية تندرج في إطار وساطة لحل الأزمة بين قطر وعدد من الدول، خاصة وانها اتخذت موقفا غامضا او متحفظا مع بداية الأزمة ودعت إلى تغليب منطق الحوار كسبيل وحيد لحل الخلافات، الأمر الذي دفع الدول المعنية إلى الاتفاق حول قدرة الجزائر على الوساطة، لاسيما وإنها تمتلك تجربة ناجحة في حل الأزمات. وتحصلت الجزائر على مكانة مرموقة بعد التعاطي الدبلوماسي مع زيارات مسؤولين خليجيين خلال بداية الأزمة، فوزير الدولة الشؤون الخارجية القطري سلطان بن سعد المريخي، الذي اثني على موقف الجزائر، ودعاها صراحة إلى التوسط، اعتبره المحلل الجزائري عبد الرحمن خنيش، في تصريح ل"الجريدة"، انها تصريحات مجاملة دبلوماسية، بالنظر لعلاقات البلدين الفاترة خلال ما يسمى "ثورات الربيع العربي"، و تابع ان السعودية أيضا تحاول التقرب من الجزائر، الا أن العلاقات السابقة التي عرفت في بعض مراحلها توترات، تجعل الجزائر في موضع قوة، خاصة بالنظر لموقفها من سوريا والذي اغضب الرياض، غير ان التطورات في سوريا اعاد حسابات السعودية، وأيضا الوضع في اليمن، جعل الجزائر تتحدث من موقع قوة، مشيرا إلى أن علاقات الجزائر مع البحرين ومصر والإمارات متزنة، وقال إن كل هذه العوامل دفعت الدول الخليجية إلى اعتماد الجزائر كوسيط موثوق به. و حاولت جهات التأثير على الجزائر وإدخالها في الأزمة الخليجية بشكل سلبي، بعد أن أقدم الصحفي الإيطالي، توماسو ديبانديتي، على فتح صفحة خاصة باسم وزير الطاقة الجزائري، مصطفى قيطوني، عبر "تويتر"، وشرع في نشر سلسلة تغريدات تعبر عن موقف دبلوماسي حول الخلاف الخليجي، الامر الذي دفع الجزائر الى إصدار بيان يدين انتحال صفة الوزير، مهددة بمقاضاة الأطراف التي تتعمد التشويش على الموقف الرسمي المحايد من الأزمة، خاصة وان الصحفي الايطالي نشر، أن الجزائر تعبر عن دعمها المطلق في جميع الميادين، السياسية والاقتصادية لإمارة قطر، وقال بيان التنديد الجزائري، ان وزير الطاقة يكذب كل التصريحات التي نسبت اليه في حساب تويتر المزور، لأغراض خفية ودنيئة، وأشار الى أن "وزارة الخارجية هي الوحيدة المخولة بالحديث عن السياسة الخارجية للجزائر. ورجح مراقبون أن يكون موقف الصحفي الإيطالي ينم عن خطوة مدروسة من قبل جهات أخرى تعمل على توريط الجزائر في الأزمة الخليجية، رغم دعوتها مجمل البلدان المعنية بانتهاج الحوار كسبيل وحيد لتسوية خلافاتهم، وحثها على ضرورة التزام مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام سيادتها الوطنية في جميع الظروف. واعتادت الجزائر لعب لحل الأزمات وتبنى سياسة الوساطة لتسوية الخلافات، واغتنمت فتور الجهود الدولية والإقليمية لحل الأزمة مع الدوحة للدخول على الخط، وراحت تبحث لنفسها عن موطئ قدم في الأزمة عبر الجولة الحالية لوزير الخارجية عبد القادر مساهل، التي وصفتها الخارجية الجزائرية بأنها غير مسبوقة، حيث تشمل 9 دول عربية، وقالت ان الأزمة الخليجية على جدول أعمال وزير الخارجية حيث سيحمل رسائل من بوتفليقة إلى قادة الدول العربية. وسبقت زيارات وزير الخارجية لقاءات جمعت الرجل الثالث في الدولة الجزائرية، رئيس البرلمان السعيد بوحجة، كلا من سفيري قطر والمملكة العربية السعودية بالجزائر، في لقاءين منفصلين، بالإضافة إلى لقاءات سرية لسفير قطر مع قيادات من تيار الإخوان في الجزائر، تهدف إلى إيصال رسائل للرئاسة الجزائرية بغية التحرك لحل الأزمة، وهي لقاءات أغضبت الدولة الجزائرية، وبادرت بالتحرك للعب دور الوساطة بعيدا عن محاولات الضغط من طرف الإخوان.