بعد أكثر من أربعة أشهر من انطلاق عملية "غضب الرقة"، تمكنت قوات سوريا الديمقراطية من استعادة المدينة من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية، ولكن، وكما حدث في الموصل، اختفى مقاتلو التنظيم المتطرف الذين قاتلوا بشراسة على مدى أربعة أشهر. التقديرات الخاصة بعدد المقاتلين الذين انضموا إلى تنظيم الدولة الإسلامية متضاربة للغاية، وإن كان الرقم الذي اتفقت عليه عدة جهات أمنية قبل عامين هو ثلاثين ألف مقاتل في سوريا والعراق. أين يختفي، إذا، مقاتلو التنظيم المتطرف، في كل مرة، بعد طردهم من أحد معاقل التنظيم؟ ومع تطور العمليات القتالية، جرت، كما في كل مرة، اتفاقيات مع مقاتلي تنظيم الدولة للانسحاب إلى مناطق أخرى مازال التنظيم يسيطر عليها. في كافة الأحوال هناك من يتم اعتقاله، ولكن الجهات التي تقوم بذلك، مثل الجيش العراقي، ترفض الإفصاح عن أعدادهم وأماكن اعتقالهم وهناك من يتمكن من الفرار محاولا العودة محل إقامته الأصلي سواء في سوريا والعراق أو في الخارج، وهناك من يندس وسط المدنيين مخفيا هويته. ولكن السؤال يظل مطروحا، أين يتبخر مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية؟ سؤال آخر يتعلق بما هو معلن عن هذا التنظيم، فعلى خلاف تنظيم القاعدة الذي نعرف مؤسسه وقائده الحالي وعددا من قادته ومقولاته السياسية، لا نمتلك من تنظيم الدولة الإسلامية سوى صورة قائده البغدادي على منبر مسجد في الموصل، وهوية بعض مقاتليه الذين جاؤا من أوروبا، وبالرغم من ذلك، تمكن من إقامة شبه دولة على مساحات شاسعة في سوريا والعراق، وبسرعة مذهلة. تنبغي الإشارة إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية خدم الجميع، سياسيا، في لحظة أو في أخرى، حيث سمح لبعض الدول بالتواجد عسكريا على الساحة السورية بعد أن كان دورها يقتصر على التمويل، وشكل، ومازال يشكل، مبررا لبقاء أنظمة تقول أنها تحاربه، ولعب دور الشريك التجاري لدول أخرى واحترم دوما مصالح القوى الكبرى في المنطقة. إقليميا ودوليا يبدي الجميع مخاوف كبيرة من عودة مقاتليه، ولكن أغلب الاعتداءات التي شهدتها أوروبا باسم التنظيم، قام بها أشخاص لم يقاتلوا في سوريا والعراق، والسؤال، هل ينتظر التنظيم عودة مقاتليه للتواجد في دول عربية وأوروبية؟، أم أنه متواجد بالفعل في هذه البلاد بسبب انتشار فكر سلفي متطرف تم التسامح معه إلى أبعد الحدود، وتمويله بملايين الدولارات على مدى العقود الماضية، وأيضا، بفضل آلية فكرية وتنظيمية تمنح أي فرد شرعية كاملة للتحرك باسم التنظيم والجهاد - بين قوسين - مما يسمح له بحصاد الآلاف ممن يعانون من أمراض اجتماعية ونفسية. ربما كان من الأجدى النظر لموطأ أقدامنا، بدلا من إلقاء النظر بعيدا نحو سوريا والعراق، بحثا عن هذا التنظيم المتطرف.