قلنا ذات يومٍ أنّه «لَنْ يَفُكَّ عُزْلَةَ الوزيرِ غَيْرَ الرّئيس» وكنّا نقصد وزير الداخلية لطفي براهم .. ومرّت الأشهر وَلَمْ يتحرّر الوزير بَعْدُ ! وطبيعيّ أَنْ تُثَارَ الأسْئِلَةُ ويَلْجَأ المَرْءُ إلى البَحْثِ عن الدّوافعِ وخفايا الأمور وما عَلِقَ بالأَسْبَابِ مِنْ شُُبُهَاتٍ. وَمَرَدُّ ذلك غرابة الوَضْعِ الذي لا نعتقد أنّنا عرفنا مثيلاً له .. يُعيَّنُ وزيرٌ وتُسَدُّ أمامه كلّ السّبل لتعيين فَرِيقِ عملهِ إبتداء مِنَ الحاجب الى رئيس الديوان وأمّا عَنِ الكوادر الأمنيّة فحدِّث ولا حَرَجَ ... إصْرَارٌ على إبْقَاءِ الوضْعِ على ما هُوَ عليهِ، إصْرَارٌ ما بَعْدَهُ إصْرَارٌ إلى حَدٍّ يَدْفَعُنَا دَفْعًا الى طَرْحِ سؤال مَنْ المُسْتَفِيدِ مِنْ هَذَا التّعطيل الذّي يُرَادُ بِهِ تأْبِيدُ الوَضْع الحالي. وقد نُسْأل عَنْ وَجْهِ الغرابة في الابقاء على الفريق الأمني الحالي خصوصا في ضوء ما يتردّد مِنْ ترويجٍ للنجاحات الأمنيّة في الحرب ضدّ الإرهاب، نقول، إنّ تحقيق بعض الانتصارات في حربنا ضدّ الإرهاب وارتفاع منسوب الأَمْنِ والآمان في تونس لا يجب أن يحجب عنّا النقائص وارتدادات زلزال الاختراقات في المنظومة الأمنيّة .. اختراقات أصابت في العُمْقِ سلامَةَ هذه المنظومة وأدخلت البلبلة في أدائها وكادت تصيبها في مَقْتَلٍ لَوْلاَ هبّة المجتمعين المدني والسيّاسي ضِدَّ حُكْمٍ رَاوَحَتْ أَطْرَافُهُ بين انعدام الكفاءة والتّواطئ الذّي مثّل غطاء سياسيا وفعليّا في أغلب الأحيان لتنامي وتغلغل بذور الإرهاب والإرهابيين ... وتضاف الى هذه الاختراقات التي ما تزال تداعياتها تُعِيقُ تعافي المنظومة الأمنية بالكامل ، حالة التحلّل والانسياب التّي أصابت الأجهزة الأمنية بعد 14 جانفي 2011 وتحديدا إبّان حُكم «التّرويكا» فضلا عَنْ تهرّب الأمنيين أعوانا وكوادر مِنْ تحمّل المسؤوليّة جرّاء التخوّف مِنَ الملاحقات القضائيّة وغياب الحماية القانونية والسياسيّة لَهُمْ، ولنا في إحالة اطارين أمنيين لا لُبْسَ في وطنيتهما على القضاء خير مثال، وكلّ هذا يدخل في اطار القضاء المُبْرم على المنظومة الأمنية. وقد « تَفَنّنَ » البعض مِمّن احترف عمليات تدمير وتخريب الدّولِ والأوطانِ في ابتكار الوسائل الشيطانية لشلّ هذه المنظومة مِنْ خلال ضرب الجانب الاستعلاماتي فيها تحت شعار محاربة «البوليس السياسي» وثانيا مِنْ خلال السيطرة على المصالح الفنيّة بما جعل العمل الأمني يشتغل بصفة عشوائية نظرا لغياب المعلومة وبما حَرَمَ تونس مِنَ العمل الاستباقي الأمني الذي يُمثّل الجانب الاستعلاماتي والمخابراتي عماده الأساسي. كانت هذه حَالُنَا ومازالت تقريبا لولا بعض الأجهزة والمسؤولين الذين رفضوا اقتسام الوطن مع أعدائه .. نحن نعرف بناء على المنطق السّليم أنّ مَنْ يُعَرْقِلُ التّعيينات في وزارة الداخلية لا بدّ أن يكون ضِمْنَ إحدى خَانَاتٍ ثَلاَثٍ، فإمّا هو يريد توظيف شبكة المسؤولين الحاليين لغايات سياسيّة أو حزبية أو شخصيّة وهو في الغالب مُرْتَبِطٌ بأجندات قد تكون مِنْ بينها الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2019، أو هو يريد التّستّر على حقائق ويَخْشَى مع أيّ تبديلٍ أن يَنْكَشِفَ المستور وتتعرّى الحقائق وتكشف القبور عَنْ آثامِ البعض وقَدْ لا نكون مضطرّين إلى «ذَبْحِ بَقَرَةٍ» مِنْ أَجْلِ ذلك، وأمّا ثالث الفرضيات فهي أنّه لا يجوز تغيير فريقٍ فائزٍ .. وفي اعتقادنا أنّ فرص صمود هذه الفرضية ضئيلة للغاية ... فمنطق السياسة والرياضة يقول أنّ تغيير الممرّن لا بدّ أن يحمل معه الجديد، وهو إلى ذلك تغييرٌ فرضه وجود نقائص ما وأنّ الأداء الأمني شَابَتْهُ إخْلاَلاَتٌ استوجبت تغيير الوزير .. قلنا ونجدّد القول أن تعيين الوزير فُرِضَ على البَعْض فَرْضًا وبشقّ الانفس تمكّن بحِرْصٍ معلوم المصدر أنْ يعيّن آمرا للحرس خلفا له ثمّ بمعاناة كبرى عيّن مديرا عامّا للأمنِ الوطني ثمّ «استبْسَلَ» المعرقلون لكلّ تغْييرٍ فوضعوا الأسلاك الشّائكة والمطبات والألغام للحَيْلُولَةِ دونَ ذلك .. نسْأَلُ رئيس الحكومة صاحب السّلطة الترتيبية في الموضوع : هل وصلتك مقترحات مِنَ الوزير الجديد ؟ وإذا كان الأمر كذلك لماذا هذا التباطؤ في التّعيين أو أنّ ضغوطات ما تَحْمِلُكَ على ذلك ؟! نسأل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني التي يُفترض أنّها تعاين يوميّا تداعيات التّهديدات الارهابية وتغلغل الجريمة المنظمة وتحلّل الأداء الأمني، لِمَ هذا الصّمت والكلُّ يَعْلَمُ خَفَايَا رغْبَةِ البعض في شَلِّ عَمَلِ وزارة الداخلية التي تعيش منذ أشهر على وَقْعِ تعيينات لَمْ تَتِمَّ إلى حَدٍّ قَدْ يَدْخُلُ مَعَهُ العمل الأمني في شبهِ غيبوبة نتيجة هذه الانتظاريّة المقيتة. إنسياب وتَحَلُّلٌ يبعثان على القلق البالغ. في ضوء وَضْعٍ أمني دقيق مع نهاية سنة وبداية أخرى ... والمفارقة أنّ بعض الكوادر الأمنية العليا وجد في خِضمّ هذا الوضع الدقيق وفي ضوء تواصل التهديدات، وجد البعض وقتا للفُسْحَةِ. ونحن في «العَشْرِ الأوَاخِرِ» لسنة 2017 وهي فترة عادة ما تَشْهَدُ أجواء احتفالية في تونس، كما تعرف بذات المناسبة حركيّة سياحيّة داخلية هامّة وتَدفُّقًا مِنَ السيّاح الأجانب، مع ما تعرفه تونس مِنْ استمرار للتهديدات الارهابية، تقول الأخبار أن اطارا أمنيّا كبيرا قد يكون مدير اقليم كبير في تونس الكبرى استهوته أجواء «لاليغا» الاسبانية فذهب لمشاهدة مقابلة برشلونة و«الريّال» وإطار آخر يَحْرُسُ فيما تردّد حدودنا الجويّة فضّل التنقل الى باريس وهو آمِنٌ ... سألنا أحد العارفين بشؤون البلاد والعباد، كيف يحدث هذا ؟! قال : « لباريس سِحْرها و«لليغا» الاسبانية جاذبيتها» ثمّ انطلق في حال سبيله يهذي «La ligua .. La Ligua» !!