منذ انتخابات أكتوبر 2011 والتي فازت فيها حركة النهضة بالمرتبة الأولى والتي أفرزت ما سُمي وقتها بحكومة الترويكا وقدم النهضة لم تغادر قصر الحكومة بالقصبة عن طريق الوزراء وكتاب الدولة والمستشارين. ومع تعاقب الحكومات في العشر سنوات الأخيرة كانت حركة النهضة الرقم الأساسي في تشكيلة تلك الحكومات السياسية إذا ما استثنينا حكومة المهدي جمعة التي تُعتبر حكومة "تكنوقراط" ولم تشارك الأحزاب في تشكيلها على الأقل بشكل رسمي ومعلن. ورغم تأخر النهضة في تشريعيات 2014 إلى المرتبة الثانية بعد حزب حركة نداء تونس وفقدانها بالتالي لامتياز تكوين حكومة إلا أن نداء تونس أشركها في الحكومة بعدد كبير من الوزراء وكتاب الدولة والمستشارين. واليوم تجد النهضة نفسها للمرة الأولى بعيدة عن مطبخ القصبة الذي تفوح منه رائحة تعيينات ملغمة وموجهة حسب تخمينات النهضة التي أفصحت عنها في بيانها الأخير. وهو أمر ليس بغريب عن النهضة التي مارست نفس السياسة عند إجبارها على مغادرة الحكم إثر اعتصام الرحيل. واتهمت وقتها عديد الأحزاب والأطراف السياسية بتلغيم الإدارة التونسية بعدد من التعيينات النهضوية مستشهدين بما صدر ساعتها بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية. هي أزمة سياسية بامتياز تعيشها تونس اليوم، ليس لأن النهضة ليست في الحكم بعد أن سعت إلى الإطاحة بحكومة إلياس الفخفاخ وهي التي خالفت سابقا إرادة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي عبر التمسك بيوسف الشاهد رئيسا للحكومة متعللة بقاعدة "الاستقرار الحكومي". هي أزمة لأن منطوق الفصل 89 من الدستور التونسي يفيد أن حكومة تصريف الأعمال هذه قد تستمر إلى حدود سبعة أشهر أخرى. وبالتالي فإن رواية أن عشرة أيام كافية لحسم هوية الشخصية الأقدر تبدو رواية وردية بالنظر إلى التجاذبات الحادة التي تعيشها الأطراف السياسية والنيابية اليوم. وهذا يعني إحساسا عاما بعدم الاستقرار وتراجعا في حماس أعضاء الحكومة الحالية التي لن تكون قادرة على اتخاذ القرارات الحاسمة على اعتبار أن وظيفتها تقتصر على تصريف الأعمال. هذا إلى جانب تراجع ثقة دوائر السياسة والمال العالمية وتوجس المستثمر الأجنبي بسبب ضبابية المستقبل السياسي والأمني في تونس الأمر الذي يؤثر حتما على مناخ الاستثمار. هذا دون أن ننسى التصنيفات السيادية الائتمانية التي تجريها وكالات عالمية على غرار ستاندرد أند بورز وفتش رايتينغ وتعتمد فيها على مؤشر الاستقرار الحكومي والأفق السياسي للبلاد.