لم يكن عبثا أن يخصص الزعيم الراحل وباني الدولة التونسية الحديثة يوما للاحتفاء بالمرأة التونسية التي كانت لها مواقف حاسمة ولعبت أدوارا مفصلية عبر التاريخ خاصة أيام النضال ضد المستعمر الفرنسي. هذه المرأة التي آزرت الرجل وساندته وتقاسمت معه أعباء الحياة هي التي دخلت مبكرا معترك هذه الحياة فكانت سباقة إلى التعليم وتحصلت على أعلى الشهائد وتبوأت مراكز الريادة العربية والإفريقية في عديد المهن فقادت الطائرة والباخرة وحكمت بين الناس بالعدل في زمن كان المجتمع الذكوري يعتبر المرأة كائنا مكملا للرجل ومؤثثا لكيانه الرجولي ووعاء لنزواته ورغباته الحسية. هذه المرأة التي حسمت في 2014 نتائج الانتخابات بعد أن أحست بالخطر على مكاسبها فصدحت بأعلى صوتها ضد دعاة الرجعية وانخرطت في العمل السياسي والنقابي والحقوقي فأقنعت. هي المعترفة بالجميل لبورقيبة وللباجي قائد السبسي والمتمسكة بمكتسباتها المضمنة في مجلة الأحوال الشخصية على غرار منع تعدد الزوجات وسحب القوامة من الرجل وجعل الطلاق بيد المحكمة. هي سليلة عليسة ووريثة الكاهنة البربري والسائرة على خطى الجازية الهلالية، فجمعت الذكاء والفطنة والمثابرة والتضحية والجمال. فالمرأة التونسية اليوم تفخر بالتحرر والانعتاق وتنافس سيدات العالم الغربي وعيا ونضجا، وهي المعتزة بثقافتها الإسلامية المعتدلة والنافرة من سيدات الكهوف والمخابئ. لقد شاركت المرة التونسية بفعالية في الثورة التونسية كما شاركت من قبل في النضال ضد الاحتلال وفي بناء دولة الاستقلال الحداثية، فرفضت تسويقها من قبل النظام السابق كسلعة. ولعلنا نختزل هذه المسيرة النضالية للمرأة التونسية بعد الثورة في مشهد تلك المظاهرة الحاشدة يوم 14 جانفي 2011 حيث هبت النساء أمام مقر وزارة الداخلية رافعة صوتها ضد الدكتاتورية. واليوم، تجد المراة التونسية نفسها أمام تحد جديد يتمثل في الدفاع عن مكتسباتها والذود عنها ضد الردة والرجعية ومحاولات الالتفاف للمساهمة في بناء تونس الجديدة. في عيدكن.. يحق لكنّ الاحتفال والترحم على من بدأ هذه المسيرة من الطاهر الحداد إلى بورقيبة إلى الباجي قائد السبسي. وعاشت نساء بلادي، نساء ونصف.