وقّع الثلاثاء الماضي ممثلو 6 دول متوسطية على اتفاق تم بمقتضاه تحويل منتدى غاز شرق المتوسط إلى منظمة إقليمية مقرها العاصمة المصرية، الأمر الذي ما يضفي طابعا رسميا على مجموعة تسعى إلى ترويج صادرات الغاز الطبيعي من منطقة شرق المتوسط. وتهدف الدول الست المؤسسة للمنظمة وهي مصر والأردن وقبرص واليونان وإيطاليا وإسرائيل إلى إنشاء سوق إقليمية للغاز، وترشيد كلفة البنية التحتية، وتقديم أسعار تنافسية، لتوحد تلك المجموعة التي تُعتبر غريما إقليميا لتركيا، التي دخلت منذ فترة في خلاف شديد مع عضوي الاتحاد الأوروبي اليونان وقبرص على خلفية حقوق التنقيب عن الغاز في المنطقة. هذا المولود الإقليمي الجديد قد يكبر في الأيام القادمة بانضمام أعضاء جدد على غرار فرنسا التي تبدو قريبة جدا من المنظمة إلى جانب انضمام الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد الأوروبي بصفة مراقب. ولسائل أن يتساءل ما الجدوى من إنشاء هذه المنظمة وماذا ستستفيد الدول الأعضاء؟ أولا بالنسبة إلى مصر صاحبة المبادرة والمنظمة لمراسم التوقيع التأسيسي للمنظمة والمستضيفة لمقرها الرسمي بالقاهرة، فإن الأمر يبدو بالغ الأهمية بالنسبة بالنظر إلى طموحها في سعيها التحول إلى مركز إقليمي للطاقة في المنطقة، بعد أن زاد الاهتمام بسوق الطاقة في مصر إبان اكتشاف حقل "ظهر" البحري العملاق في 2015، ما شجع القاهرة للترويج لنفسها كمركز إقليمي. أما إسرائيل التي تربطها بمصر مبادلات تجارية تتعلق بالغاز الطبيعي فإنها ترمي إلى الاستئثار بنصيب وافر من الغاز الطبيعي في شرق المتوسط دون الاضطرار إلى الدخول في صراعات إقليمية خاصة مع جيرانها العرب الذين تسعى إلى تحسين العلاقة بهم. وستعزز هذه المنظمة الدور الإسرائيلي في تصدير الغاز الطبيعي إلى كل من مصر والأردن ومنهما إلى دول أوروبية وآسيوية عدة. وأما اليونان وقبرص فيبدو أنهما وجدتا في هذه المنظمة الإقليمية مظلة للاحتماء تحتها من المطامع التركية في المنطقة، خاصة بعد نشوب خلاف شديد بين تركيا واليونان حول التنقيب عن الطاقة أعماق البحر الأبيض المتوسط، الأمر الذي أثار حفيظة الاتحاد الأوروبي وخاصة فرنسا التي لم تُخف مساندتها للموقف اليوناني ودعت إلى إجراء حوار عاجل. من جهتها ردت القاهرة الفعل بتوقيع ترسيم الحدود البحرية مع أثينا وهي الحدود التي لم تعترف بها أنقرة كما لم تعترف بمنظمة غاز شرق المتوسط. أما إيطاليا فإن انضمامها إلى هذه المنظمة يدخل في صميم أمنها القومي التي يهددها المخطط التركي بالاستحواذ على مصادر الطاقة في ليبيا. والحال أن شركة "إيني" الإيطالية هي أكبر مستغل للنفط في ليبيا وتعمل على توسيع نشاطها في المنطقة المتوسطية خاصة بعد الاكتشافات الضخمة لمخزون الغاز في شرق المتوسط. وتبدو المصالح الأوروبية متوافقة بشكل كبير مع أهداف المنظمة والساعية بالأساس إلى تنويع مصادر طاقاتها، وعدم الاعتماد الكلي على الغاز الروسي عبر إمدادها بغاز المنطقة. ونشير في الختام إلى أن الاهتمام بمنطقة شرق المتوسط باعتبارها منطقة غنية بالنفط والغاز بدأ يتعاظم منذ أواخر القرن الماضي. وقدر تقرير لهيئة المسح الجيولوجية الأميركية عام 2010 وجود 122 تريليون متر مكعب من الغاز، و1.7 مليار برميل من النفط في هذه المنطقة، تراوح قيمتها بين 700 مليار و3 تريليونات دولار، بحسب أسعار الخام المتغيرة. وبخلاف الثروة الطبيعية، تمثل هذه المنطقة أبرز نقاط عبور النفط والغاز من الشرق الأوسط إلى دول الاتحاد الأوروبي، حيث تطل على القارات الثلاث الأوروبية والإفريقية والآسيوية. ويبقى السؤال الأخير ما مصير المخططات التركية وهل ستقدر على الوقوف لوحدها في وجه ست دول توحدت تحت راية منظمة إقليمية مع إمكانية تضاعف عدد أعضائها؟ بعض الخبراء والمحللين يرون أن مسألة انضمام تركيا إلى هذه المنظمة مسألة وقت لا غير وستلتحق بها بعد مفاوضات لن تكون سهلة ولكنها ستطفئ فتيل حرب محتملة في المنطقة لترضى بحصتها من الغاز دون أن تستحوذ على حصص جيرانها المتوسطيين.