لاقت التعينات الأخيرة في قطاع القضاء استياء وتململا كبيران لدى القضاة فقد انتقد المرصد الوطني لاستقلال القضاء في تونس استمرار الحكومة التونسية في تعيين المناصب الكبرى بالجهاز القضائي. وأطلق المرصد تحذيرا من تواصل هيمنة السلطة التنفيذية على القضاء منبها إلى أن الحكومة تدخلت بشكل فج في تعيينات القضاة. وأشار إلى أنه تم تعيين قرابة 70 قاضيا خلال الخمسة أشهر السابقة وهو ما يعد سابقة خطيرة لم يسبق ان حدثت حتى خلال النظام السابق. واعتبر المرصد أن الحديث عن سلطة قضائية مستقلة في تونس لا يعد سوى مغالطة للواقع. من جهة أخرى دعا أحمد الرحموني رئيس المرصد الوطني لاستقلال القضاء المجلس التأسيسي إلى الاسراع بوضع هيئة وقتية لتنظيم القضاء وإعادة هيكلة المجالس العليا لللقضاء بطريقة متدرجة. واعتبر الرحموني أنه لا يمكن الحديث اليوم عن عدالة انتقالية في ظل تواصل الهيمنة على القضاء مؤكدا أن مسار العدالة يقتضي أن يكون هناك اصلاح حقيقي للجهاز القضائي برمته. واثار تدخل حركة الحكومة في تعيينات القضاة مخاوف كبرى لدى الرأي العام وهو ما اعاد انتاج الصورة النمطية لتغول الحزب الحاكم واكتساحه لكل مؤسسات الدولة ويربط المتابعون هذه المخاوف بما عاينوه من سعي مكشوف لحركة النهضة نحو الهيمنة على الإدارة والاعلام. حيث يؤكد المتابعون أن التعيينات الأخيرة للولاة تنم عن سعي نحو اعادة تكريس هيمنة الحزب الحاكم على كل مفاصل الادارة فتعيين ولاة من النهضة أعاد للأذهان ما كان يحصل سابقا ونفى ما سوقت له أحزاب الترويكا سابقا حول ومقاومة الفساد والمحسوبية والفصل بين الحزب والدولة وغيرها من الشعارات الفضفاضة. وحسب ما كتبته الصحيفة الالكترونية اللندنية ميدل ايست أونلاين فإن حركة النهضة قامت بتعيين 2000 شخص من كوادرها ونشرتهم في معظم الادارات بتزكية شخصية من رئيس الحركة راشد الغنوشي واتهمت الصحيفة حركة النهضة بجنوحها نحو أسلمة الادارة وهو ما من شانه أن ينعكس على استقلالية الادارة ووقوعها في براثن التحزب. كما لا يخفى على أحد النية الواضحة للحركة في السيطرة على الاعلام وهو المحدد الرئيسي للرأي العام في البلاد فمنذ ان تشكلت الحكومة كان الاعلام هو الغنيمة الأولى للحركة التي أرادت قنصها فبدأت في مرحلة أولى التشكيك في الاعلام وقدرته على مواكبة التحولات السياسية للبلاد لتمر بعد ذلك نحو محاولة تطويعه وتلجيمه عبر تعيين مديرين "تجمعين" "قادرين على تطبيق التعليمات" على رأس المؤسسات الاعلامية العمومية. وآخر المطاف كان التهديد ببيع الاعلام العمومي في محاولة يائسة لفرض الطاعة. هذه الممارسات وغيرها بدأت تخلق حالة من الاستياء والخشية لدى الرأي العام في تونس من عودة الديكتاتورية وتغول الحزب الحاكم على كل مفاصل الدولة من ادارة واعلام وقضاء وهو ما بدا واضحا في الشعارات الجديدة التي بدأت تظهر والتي تقرن أفعال حركة النهضة صاحبة الاغلبية بأفعال التجمع سابقا من قبيل "صحة اللحية يا تجمع" وغيرها من الشعارات التي تندد بمحاولات النهضة التسرب لكل مفاصل الدولة.