ما إن انتصبت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وهاجس الانتخابات لا يكاد يفارقنا لندخل منذ مدّة ليست بالبعيدة في سجال عقيم حول تاريخ الانتخابات التشريعية والرئاسية والجمع أو الفصل بينهما والحال أن تحديد التاريخ هو من صميم صلاحيات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. فلقد اقتضى الفصل 33 من القانون الأساسي عدد 23 لسنة 2012 المؤرخ في 20 ديسمبر 2012 والمتعلق بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات وفي باب الأحكام الانتقالية أنه "خلافا" لما ورد بالفصل الثالث مطة خامسة من هذا القانون يتولى المجلس الوطني التأسيسي بصفة استثنائية تحديد مواعيد الانتخابات والاستفتاءات القادمة وعلى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات اقتراح رزنامة على ضوئها". ثمّ صدر بتاريخ 27 جانفي 2014 الدستور التونسي للجمهورية الثانية الذي اقتضى في فصله 148 في باب الأحكام الانتقالية فقرة ثالثة أنه "تجرى الانتخابات الرئاسية والتشريعية في مدّة بدايتها أربعة أشهر من استكمال إرساء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات دون أن تتجاوز في كل الحالات موفى سنة 2014". أفهل بعد هذا التأسيس القانوني حديث وسجال سياسي وقانوني منذ صدور الدستور الذي حدّد التاريخ الأقصى للانتخابات. المتأكد من خلال قراءة معمقة وقانونية ولصيقة بالفصول السابق ذكرها فإن مقولة الهيئة حول انتظار تحديد تاريخ الانتخابات لا تستقيم منطقا وقانونا ضرورة أن الفصل 33 من القانون الأساسي عدد 23 لسنة 2012 المذكور آنفا قد تمّ استيعابه بعد صدور الدستور الأعلى درجة في سلم الهرم القانوني إذ أفصح المشرع من خلال المجلس الوطني التأسيسي ومن خلال الفصل 148 من الدستور على موعد الانتخابات التي لا يجب أن تتجاوز سنة 2014. وبالتالي فعلى الهيئة المشرفة والمنظمة للانتخابات أن تحدّد اليوم أو الأيام بعينها استنادا إلى الفقرة الخامسة من الفصل 3 من قانونها الأساسي التي اقتضت أن الهيئة "تضع رزنامة الانتخابات والاستفتاءات وإشهارها وتنفيذها بما يتفق مع المدد المقررة بالدستور والقانون الانتخابي". ولا أدل على ذلك ما قات به الهيئة العليا المستقلة السابقة التي أشرفت على انتخابات 23 اكتوبر 2011 فقد حدّدت بمفردها تاريخا لإجراء الانتخابات انطلاقا من رزنامة أعدتها بنفسها ولكن طبيعة المرحلة اقتضت تغيير التاريخ المحدّد بتاريخ توافقي لم يكن في قطيعة مع ما حدّدته الهيئة. أما في خصوص الجمع أو الفصل فتلك المسألة يجب أن تحسم كذلك داخل الهيئة بعيدا عن الاعتبارات السياسية والمالية لأن في كلا الخيارين يجب أن تضع الهيئة نصب أعينها الوصول بنا إلى انتخابات نزيهة وديمقراطية وشفافة وهي مواصفات خلقت الهيئة لتحقيقها. إذن في تقديري أن المسألة قانونية وفنية بالأساس الغاية من وراء الفصل فيها التعبير من خلال العملية الانتخابية لا تشوبها إرادة الناخب أية شائبة. فكان على الهيئة قبل أن تعبّر عن ميلها للجمع بين الانتخابات مستندة في ذلك حسبما عبّرت عنه وسائل الإعلام، إلى معطيات مالية بحتة وجب عليها أن تأخذ في الاعتبار معطيات أخرى لها تأثير على العملية الانتخابية لتأمين حسن سيرها طبق ما يقتضيه القانون والمعايير الدولية. كما كان على الهيئة قبل تقدير العملية الانتخابية "ماليا" أن تدرج ضمن تقديرها ذاك الفاعلين الآخرين في العملية الانتخابية من هيئات إدارية وقضائية فلو أخذنا على سبيل المثال المحكمة الإدارية المدعوة بمقتضى القانون الانتخابي النظر في نزاعات الترشحات وخاصة والأهم نزاعات النتائج الأولية أمام الدوائر الاستئنافية درجة أولى ثمّ عند الاقتضاء أمام الجلسة العامة نهائيا فإنه كان على الهيئة كفاعل أساسي في العملية الانتخابية أن لا يغيب عنها دور مختلف المتدخلين في العملية الانتخابية من محاكم وهيئات إدارية مثل الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري والتي من خلال عملها الرقابي والتعديلي تساهم في تحقيق العدالة الانتخابية التي تنشدها الأحزاب والمجتمع المدني والمواطن. هذه مساهمة بسيطة من قاضية عاشت المسار الانتخابي لسنة 2011 في جانبه القضائي.