بقلم: محسن مرزوق* يعمل السيسلاميون (اي الجماعات السياسية التي تغتصب الاسلام لأهداف سياسية) على الترويج لخديعة يتحول بها كتاب الله إلى مصدر مشروعية لمشروعهم السياسي. فيتقدمون بوصفهم مكلفين بتنفيذ حكم الله ويجعلون بذلك أنفسهم موضوع بيعة وميثاق يجمعهم مع المسلمين باعتبارهم هم، اي السيسلاميون، واسطة بين تعاليم الله ومخلوقاته. إن هذا الادعاء باطل وهو خديعة هدفها استعمال الاسلام بدون موجب حق لخدمة أهداف سياسية خاصة. فلقد بين سبحانه وتعالى وبصريح العبارة وفي سورة مدنية متأخرة أن ميثاقه معقود مباشرة بينه وبين المؤمنين لا واسطة ولا توكيل فيه. قال تعالى : "وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (سورة المائدة، الاية7)". ورغم أن في سورة المائدة مواضع عدة يتوجه فيها الله لليهود فإن المعنى واضح وعام وكوني. وهو ما يفسر الفرق بين الميثاق الديني الذي يربط المؤمنين بخالقهم حصرا وبين المواثيق الدنيوية حيث يصير اللأمر "شورى" بين المسلمين اي قائما من منظور الدولة الحديثة على القوانين المدنية الوضعية وعلى رأسها الدستور. ولا يحق لأي كان من البشر أن يحشر نفسه في ميثاق أراده الله بينه وبين مخلوقاته ولم يعط لأحد توكيلا لتمثيله فيه. ولهذا السبب أيضا لم يعط رسول الله صلعم أي توجيه حول شكل السلطة الدنيوية بعده فلم يعين شكلا لها ولا عين أو أوصى شخصا بها. ولهذا السبب احتار المسلمون ثم اختلفوا ثم تقاتلوا قتالا مريرا من أجل السلطة رغم أنهم كانوا من اكثر الناس علما بالقرءان وكانوا صحابة الرسول صلعم أي أوثق الناس به وبسيرته. ولو كان كل ما في السياسة يمكن حله بالرجوع للكتاب أو السيرة أو الصحابة او التابعين لما تقاتل الصحابة أنفسهم في حروب رهيبة من أجل الحق في الإمارة. إن الفرق بين دائرة الأخوة الدينية التي تقوم على ميثاق مباشر بين المؤمن وربه ودائرة المواطنة التي تقوم على مواثيق بين المواطن والمواطن من جهة والدولة من جهة أخرى هي تاسيس لكيان الدولة الحديثة. وهو كما تبين مجال يوضحه كتاب الله بشكل واضح. فلتتوقف حركة الخديعة إذن. أليس "...الَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ" (نفس السورة). وقد يكون جحيما في الدنيا وفي الاخرة.