سوسة: إنقاذ مركب صيد بحري على متنه 11 شخصا من الغرق    فريق عربي يحصد جائزة دولية للأمن السيبراني    بطولة الرابطة المحترفة الثانية : حكام الجولة التاسعة عشرة    الرابطة الأولى: كلاسيكو مشوق بين النجم الساحلي والنادي الإفريقي .. وحوار واعد بين الملعب التونسي والإتحاد المنستيري    الحكومة الإسبانية تسن قانونا جديدا باسم مبابي!    المنيهلة - أريانة: إصابة 5 ركاب في حادث مرور    تسجيل 13 حالة وفاة و 354 إصابة في حوادث مختلفة خلال 24 ساعة    فاجعة المهدية: الحصيلة النهائية للضحايا..#خبر_عاجل    التشكيلة المنتظرة للترجي في مواجهة صن داونز    أجور مساعدي الصيادلة مجمدة منذ 2022 ماالقصة ؟    وزارة المرأة : 1780 إطارا استفادوا من الدّورات التّكوينيّة في الاسعافات الأولية    حريق بشركة لتخزين وتعليب التمور بقبلي..وهذه التفاصيل..    عاجل/ منخفض جديد وعودة للتقلّبات الجويّة بداية من هذا التاريخ..    الاطاحة بعنصر خطير نفذ سلسلة من "البراكاجات"..وهذه التفاصيل..    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    جندوبة : اندلاع حريق بمنزل و الحماية المدنية تتدخل    مؤسس "باينانس" قد يواجه السجن لمدة 3 سنوات    البطولة الايطالية : روما يعزز آماله بالتأهل لرابطة الأبطال الأوروبية    الإعلان عن نتائج بحث علمي حول تيبّس ثمار الدلاع .. التفاصيل    "ألفابت" تتجه لتجاوز تريليوني دولار بعد أرباح فاقت التوقعات    زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب هذه المنطقة..    قوات الاحتلال الإسرائيلية تقتحم مدينة نابلس..#خبر_عاجل    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    بطولة انقلترا : مانشستر سيتي يتخطى برايتون برباعية نظيفة    وصفه العلماء بالثوري : أول اختبار لدواء يقاوم عدة أنواع من السرطان    تواصل نقص الأدوية في الصيدليات التونسية    مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح    طقس الجمعة: سحب عابرة والحرارة تصل إلى 34 درجة    رحلة بحرية على متنها 5500 سائح ترسو بميناء حلق الوادي    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    اليابان تُجْهِزُ على حلم قطر في بلوغ أولمبياد باريس    هذا فحوى لقاء رئيس الجمهورية بمحافظ البنك المركزي..    زيتونة.. لهذه الاسباب تم التحري مع الممثل القانوني لإذاعة ومقدمة برنامج    الاستثمارات المصرح بها في القطاع الصناعي تتراجع بنسبة 3ر17 بالمائة خلال الثلاثي الأول من سنة 2024    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    جندوبة.. المجلس الجهوي للسياحة يقر جملة من الإجراءات    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    تحذير من هذه المادة الخطيرة التي تستخدم في صناعة المشروبات الغازية    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث عدد الباحثين    سعر "العلّوش" يصل الى 2000 دينار في هذه الولاية!!    رئيس الجمهورية يتسلّم أوراق اعتماد سفير تونس باندونيسيا    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    قرابة مليون خبزة يقع تبذيرها يوميا في تونس!!    خدمة الدين تزيد ب 3.5 مليارات دينار.. موارد القطاع الخارجي تسعف المالية العمومية    عاجل: غرق مركب صيد على متنه بحّارة في المهدية..    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أساليب التربية في القرآن الكريم التنبيه والإصرار
نشر في الحوار نت يوم 27 - 01 - 2011


من أساليب التربية في القرآن الكريم
التنبيه (65)
الدكتور عثمان قدري مكانسي
يكون التنبيه إلى أمر ما لأسباب عدّة منها :
أ جذب الاهتمام به لشرفه ورفعة شأنه وتعظيمه .
ب الاستعداد لفهمه ومعرفته ، والتأهب له ومقارنته بضده .
ج أن لا يضيع شيء مما يكون منه ، فلا يُضطر قائله إلى الإعادة .
د تفطين الغافلين للشيء ، ووقفهم عليه ، والتفكير فيه .
والقرآن الكريم أنزله الله تعالى على نبيّه الكريم ليقرأه على الناس ، مبشراً ونذيراً فهو
القرآن الكريم رسالة إلى الخلق من ربهم ليتفكروا فيه ، ويعملوا به ، فلا بدَّ أن يكون التنبيه متواتراً متلاحقاً بأساليب وطرق متعددة ، منها :
1 الاستفهام ب ((هل أتاك)) : كقوله تعالى : (( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1)؟ ))(1) وليس الرسول الكريم عارفاً بهذا الحديث ، ولا السامعون ، فلِمَ كان هذا الاستفهام ؟! إنه لتعظيم خطره والتنويه إلى أهميته ، فيُصاخ السمعُ ، وتتأهبُ النفسُ مستعدّة لتلقّيه .
ومثاله كذلك : (( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) ))(2) والرسول الكريم لا يعرف قصّة الملائكة الثلاثة الكرام : جبريل وميكال وإسرافيل مع سيدنا ابراهيم عليه السلام ، فهذا الاستفهام ليس للتذكير إنما لجلب الانتباه والتركيز فيما يأتي من خبر .
وعلى هذا المنوال نفهم قوله تعالى :
أ (( هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15) ؟ ))(3) .
ب وقوله سبحانه (( وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) ؟ ))(4) ،
ج وقوله :(( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) ؟ ))(5) .
2 الاستفهام ب " أرأيتَ ،أرأيتم " : وذلك للتفكير والتدبر والمقارنة دون الحاجة إلى الإجابة اللفظيّة ،
كقوله تعالى : (( أرأيت من اتخذ إلهه هواه ، أفأنت تكون عليه وكيلاً؟ ))الآية 3 من سورة الفرقان .
وكقوله تعالى : (( أفرأيت الذي تولّى وأعطى قليلاً وأكدى )) الآية 33 من سورة النجم .
وكقوله تعالى (( أرأيت الذي يكذّب بالدين؟ فذلك الذي يدع اليتيم )) الآية الأولى من سورة الماعون .
وكقوله تعالى : (( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ . . . ))(6) .
وكقوله جل وشأنه : (( قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47) ؟ ))(7) .
وكقوله تعالى : (( أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) ))(8) .
وقوله سبحانه : ((أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) ))(9).
وقوله جل شأنه : (( أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) ))(10) .
وقوله جل شأنه : (( أفرأيتم النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ
الْمُنْشِئُونَ (72) ))(11) .
وكقوله تعالى : (( أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) ))(12) .
وقوله سبحانه : (( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا . . . ))(13) .
والأمثلة كثيرة في هذا الباب .
3 اذكر : فعل الأمر الذي خرج عما وضع له إلى التنبيه ، لأمر نبيهٍ شريف يستحق أن يُقلَّدَ أو يُتخذَ مثالاً يحتذى .
كقوله تعالى : (( وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي
وَالْأَبْصَارِ (45) ))(14) .
وقوله سبحانه : (( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ
وَعَذَابٍ (41) ))(15) .
وكقوله جل شأنه : (( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57) ))(16) .
وقوله سبحانه : (( وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ ))(17) وقوله تعالى : (( وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ ))(18) .
والأمثلة في هذا الباب كثيرة .
4 التكرار : وهو سمة ظاهرة في القرآن الكريم ، أفردنا له عنواناً خاصاً . ولأنَّ مِنْ أغراضه التنبيه ننوّه إليه هنا باختصار :
أ تكرار جملة بعينها من أول السورة إلى آخرها ، كقوله تعالى في سورة الرحمن : (( فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13) ؟ ))(19) .
وكقوله تعالى : (( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) ))(20) .
وكقوله تعالى : (( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68) ))(21) وذكرت سبع مرّات في سورة الشعراء بعد كلِّ قصة للأنبياء الكرام ، عليهم صلوات الله وسلامه ، مع أقوامهم .
ب تكرار تعبير بعينه للتنبيه إلى خطره ، كقوله تعالى :
(( سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) ))(22) .
وقوله سبحانه : (( الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) ))(23) .
وقوله سبحانه : (( الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) ))(24) .
ج تكرار ألفاظ بعينها ، مثال ذلك : " كلّا " في سورتي المدثر والمطففين ، و " يوم الفصل " في سورة المرسلات ، و " ليلة القدر " في سورة القدر .
5 النداء : وهو من أهم الأساليب في التنبيه الوارد كثيراً في القرآن الكريم ،من أمثلة ذلك:
قوله تعالى : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ))(25) .
وقوله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا . . . ))(26) .
وقوله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ))(27) .
ولا بدّ من جواب للنداء نلحظه من الأمثلة السابقة : ( اعبدوا ربكم ) ، ( إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار ) ، ( إنما المشركون نجس ) .
6 حروف القرآن الكريم : والمقصود بها الحروف التي تصدَّرت كثيراً من سور القرآن الكريم ليتُنَبِّه إلى أمور منها :
أ أن القرآن كلام الله المعجز ، وهو مهو مؤلف من هذه الحروف التي تقرأونها في أول السور ، فمَنْ شك أنه من عند الله فليأت بمثله ! . .
ب أن هذه الحروف فواتح السور ، لها أسرارها العظيمة الجليلة .
وقد تبدأ بعض هذه السور بحرف تسمى به ، كسورة " ق " وسورة " ص " .
وقد تبدأ بحرفين وتمسى بهما كسورتي " يس " و " طه " وقد لا تسمّى بهما ، كسورة النمل فقد بدأت بالحرفين " طس " وسورتي غافر وفصّلت ، وأخواتهما الشورى ، والزخرف ، والدخان ، والجاثية ، والأحقاف فقد بدأت بالحرفين " حم " .
قد تبدأ بثلاثة أحرف ، كسورة البقرة وأخواتها آل عمران والعنكبوت ، والروم ، ولقمان والسجدة ، فقد بدأت بي " ألم " .
وسورتي الشعراء والقصص اللتين بدأتا ب " طسم " .
وسورة هود وأخواتها يوسف ، ويونس ، وإبراهيم ، والحجر ، التي بدأتا بالحروف "آلر".
وقد تبدأ السورة بأربعة أحرف ، كسورة الرعد التي بدأت ب " آلمر " .
وقد تبدأ السورة بخمسة أحرف كسورة مريم التي بدأت ب " كهيعص " .
ولعلَّ المتفحص لآيات القرآن الكريم يجد كثيراً من أدوات التنبيه التي تحرك الوجدان والمشاعر ، وتشحذ القلب والعقل ، وتدفع إلى التفكر والتدبّر ، وترقق الأحاسيس ، وتذكر بالله
سبحانه وعظمته .
------------------------------------------------------------------------
(1) سورة الغاشية ، الآية : 1 .
(2) سورة الذاريات ، الآية : 24 .
(3) سورة النازعات ، الآية : 15 .
(4) سورة ص ، الآية : 21 .
(5) سورة البروج ، الآيتان : 17 ، 18 .
(6) سورة الأنعام ، الآية : 46 .
(7) سورة الأنعام ، الآية : 47 .
(8) سورة الواقعة ، الآيتان : 58 ، 59 .
(9) سورة الواقعة ، الآيتان : 63 ، 64 .
(10) سورة الواقعة ، الآيتان : 68 ، 69 .
(11) سورة الواقعة ، الآيتان : 71 ، 72 .
(12) سورة النجم ، الآيتان : 19 ، 20 .
(13) سورة الملك ، الآية : 28 .
(14) سورة ص ، الآية : 45 .
(15) سورة ص ، الآية : 41 .
(16) سورة مريم ، الآيتان : 56 ، 57 .
(17) سورة الأحقاف ، الآية : 21 .
(18) سورة الأعراف ، الآية : 86 .
(19) سورة الرحمن ، الآية : 19 .
(20) سورة الشرح ، الآيتان : 5 ، 6 .
(21) سورة الشعراء ، الآيات : (67 68) ، (103 104) ، (121 122) ، (139 140) ، (158 159) ، (174 175) ،
(190 191) .
(22) سورة المدثر ، الآيتان : 26 ، 27 .
(23) سور الحاقة ، الآيات : 1 3 .
(24) سورة القارعة ، الآيات : 1 3 .
(25) سورة البقرة ، الآية : 21 .
(26) سورة الأنفال ، الآية : 15 .
(27) سورة التوبة ، الآية : 28 .

------------------------------------------------------------------------
------------------------------------------------------------------------
------------------------------------------------------------------------
من أساليب التربية في القرآن الكريم
الإصرار(66)
الدكتور عثمان قدري مكانسي
أسلوب شديد في التأكيد يدل على :
1 ثبات في التصور ، وقوة التوجّه .
2 إصرار على الاستمرار في تحقيق الهدف .
3 التحدي في إنقاذ ما يراد . . .
وإذا وجد مؤمنون بقضية ما فيهم هذه الصفات فهذه قضيّة نافذة بإذن الله ، وأصحابها واصلون إلى ما يصبون إليه ، فما بعد العزيمة والإصرار من تراجع أو انحسار ، وهكذا أصحاب المبادئ ، وهكذا يجب أن يكونوا .
والأمثلة في القرآن الكريم على هذا الأسلوب وافرة جداً ، نقتطف من رياضه طاقة وافية إن شاء الله .
فالكفار يوم القيامة حين يرون العذاب يتمنّون الخلاص منه وأنّى لهم ذلك وعلى الرغم من أنهم بخلاء ، كانوا يسلبون الناس أموالهم وأراضيهم ، ويقتلون من يقف أمام رغباتهم المتوحشة في امتلاك كل شيء ، . . ولو أنهم امتلكوا المال الكثير ، والذهب الوفير ، لقدموهما وأضعافَ ذلك بكثير كي ينجوا من النار ، لكنّ إرادة الله تعالى كتبت على هؤلاء الشقاء ، ولا بدّ من العقاب الدائم الأبدي ، لكل من طغى وتجبّر واستكبر
(( فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) ))(1) .
وتأمل الإصرار في إظهار دين الإسلام ، دين الحق على كل الأديان المحرّفة ، والشرائع الممسوخة ، على الرغم من تآمر المتآمرين ، ومكر الماكرين :
(( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8)
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ
وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) ))(2) وليس بعد هذا الإصرار من إصرار ، والنصر حليف المسلمين إن شاء الله.
وحين أصرّ الكفار من قوم نوح على الإشراك بالله ، وعبادة الأصنام ، وكان أحدهم يمسك بيد ابنه ، ويأخذه إلى نوح فيقول له : يا بني ! إن جدك أخذ بيدي إلى هذا الرجل الكاذب !! وحذرني منه ، والآن انا أحذرك منه فلا تؤمن به ، وحين أصرّوا على اتخاذ الأوثان آلهة فقالوا : ((. . لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ
وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23)
وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24) . . ))(3) .
أمر الله سبحانه وتعالى نوحاً عليه الصلاة والسلام أن يصنع سفينة ، ليحمل فيها أهله المؤمنين ومن آمن معه ، فقد كتب الله على الكافرين الغرق . . ونهاه أن يحدثه في نجاة الذين ظلموا . .
(( وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37) ))(4) .
إن ديننا دين البرّ ، ودين الاعتراف بأولي الفضل والإحسان إليهم ، والوالدان صاحبا المنّة والفضل على أبنائهما بعد الله سبحانه وتعالى ، وقد أمرنا الله عزّ وجلّ في أماكن عدة في كتابه الكريم ، بعد الأمر بتوحيده وعبادته ، أن نحسن إلى آبائنا ولو كانوا كافرين ، وأن نطيعهم فيما يأمروننا به ، ونرفق بهم مع الإصرار على الإيمان بالله ، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
(( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا
وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا
إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)
وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9) ))(5) .
(( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)
وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا
وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ))(6) .
فالإحسان إلى الوالدين أمر مشروع ، لكنّ الطاعةَ في العقيدة لله فقط سبحانه .
وهذا سيدنا إبراهيم عليه السلام يقسم أنْ يحطم الأصنام ، في أول فرصة تسنح له : (( وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) ))(7) .
وأصرَّ قبل إلقائه في النار ، وبعد إنقاذه منها أن يلجأ إلى الله ، فهو غوث المستغيثين
(( فَرَاغَ إِلَى آَلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (92)
فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94)
قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)
قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97)
فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98)
وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) ))(8) .
وباهتمامه عليه الصلاة والسلام وإصراره على نشر الحق كان أمةً وحده وصار خليل الله وصاحب الملّة السمحاء . . .
وهذا سيدنا موسى عليه السلام ، أحد الانبياء الخمسة أولي العزم ، يصرّ على مرافقة الرجل الصالح ليتعلم منه ، فهو ينطلق مسرعاً إلى مكان اللقاء مزمعاً على ذلك ، ولو سار الدهر كله (( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) ))(9) .
ولما لقيه عرّفه بنفسه ، وسأله أن يسمح له بمرافقته للتعلم منه فاعتذر الرجل الصالح ، فلن يستطيع أحد أن يرضى بما لا يعرف لحدوثه سبباً ، ولا يسأل عن السبب ، فأصرّ موسى على التعلم منه ، ووعده أن يصبر فلا يسأل ، ثم لا يعصي له أمراً يريده ، فنزل الرجل الصالح على إصراره على أن يختبره في الأمور الثلاث الأولى :
(( قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66)
قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68)
قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) ))(10) .
ثم إننا نرى الإصرار الذي ينبع من الإيمان العظيم لسيدنا موسى ، بدينه وقضيته حتى يقف أمام فرعون ذلك الجبار المتكبر غير هيّاب ولا وجل ، يجادله ويحاجّه فكرةً بفكرة .
(( فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17)
قال : (( قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19)
قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21)
وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22)
قال فرعون : (( وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23)
قال : (( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24)
قال : (( لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25)
قال : (( رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26)
قال : (( إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27)
قال : (( رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28)
قال : (( لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29)
قال : (( أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30)
قال : (( فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (33)
قال للملأ حوله : (( إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) ))(11) .
فالقارئ يرى ويسمع ذلك الحوار الساخن بين نبي الله المؤمن بدعوته المتحمس لها ، المعتمد على الله سبحانه وتعالى ، وبين ذلك المتأله المتغطرس الذي يأنف أن تنزع الألوهية منه وتعود إلى صاحبها الله سبحانه إنّه إصرار رائع على وضع الحق في نصابه .
ونرى أحد إخوة يوسف يقف محتاراً ، فقد وعدوا أباهم أن يعودوا بأخيهم بنيامين إلى فلسطين ، وها هو يَسرِقُ ويُستَعبَدُ حين انكشف ، ولن يصدق أبوهم هذه القصة فهو الأب يعرف أنّ ابنه رجل صالح لا يسرق . . .
فكيف يعود هذا الأخ دون أخيه ، فيصرّ على أن يبقى في مصر ، ولا يخلف وعده ، إلا
إذا سمح له أبوه بالعودة :
(( فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ
الْحَاكِمِينَ ))(12) .
أما مؤمن ( يس ) ، فقد علم بتكذيب أهل المدينة الأنبياءَ الثلاثة ، فانطلق من مسكنه البعيد في الطرف الآخر من المدينة يسعى لنصرة أنبياء الله ، ويعلن إيمانه على الرغم من هياج الكفار وتهديدهم الرسلَ وغضبهم منهم ، ويصل الرجل المؤمن ، ويصدح بكلمة الحق ، ويصرّ عليها ، فيقتلونه في سورة هياجهم ، ويدخل الجنّة ، وهذا ما كان يصبو إليه .
(( وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20)
اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21)
وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22)
أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23)
إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24)
إِنِّي آَمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25)
قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26)
بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27) ))(13) .
وهؤلاء المسلمون في المدينة ، تحيط بهم الأحزاب من كل جهة . . . أخافوا واستسلموا أم ازداد إيمانهم وثبتوا ؟.
قالوا : هذا ما وعدنا الله ورسوله من المحنة والابتلاء ، ثم النصر على الأعداء ، والله صادق الوعد ، ورسوله صادق البشرى . . وأصروا على الجهاد والثبات فنالوا ثمرة ذلك الصبر والإصرار والنصر ، ولله المنّة والفضل .
(( وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ
قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22)
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ
فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ
وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ
وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) ))(14) .
فبالثبات والإصرار يبلغ المجتهد مأربه وينال رغبته .
------------------------------------------------------------------------
(1) سورة النازعات ، الآيات : 37 39 .
(2) سورة الصف ، الآيتان : 8 ، 9 .
(3) سورة نوح ، الآيتان : 23 ، 24 .
(4) سورة هود ، الآية : 37 .
(5) سورة العنكبوت ، الآيتان : 8 ، 9 .
(6) سورة لقمان ، الآيتان : 14 ، 15 .
(7) سورة الأنبياء ، الآية : 57 .
(8) سورة الصافات ، الآيات : 91 99 .
(9) سورة الكهف ، الآية : 60 .
(10) سورة الكهف ، الآيات : 66 69 .
(11) انظر : سورة الشعراء ، الآيات : 16 34 .
(12) سورة يوسف ، الآية : 80 .
(13) سورة يس ، الآيات : 20 27 .
(14) سورة الأحزاب ، الآيتان : 22 ، 23 .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.