لدى استقباله الزنزري.. سعيد يؤكد بأن الحَقّ , حَقّ ولن يسقط بالتقادم    مصر تدفع بآلاف الجنود إلى سيناء وتعزز قواتها العسكرية    بسبب التطرف اليميني.. تسريح ما يقرب من 100 جندي من الجيش الألماني    عاجل: فتح جسر جديد على مستوى مستشفى الحروق البليغة ببن عروس أمام حركة الجولان    نحو ربط المطارات الداخلية بالأسواق العالمية: تونس تفتح الأفق أمام السياحة المستدامة    الشرطة البريطانية تعتقل أكثر من 400 شخص جراء حادثة طعن    كرة القدم العالمية : على أي القنوات يمكنك مشاهدة مباريات اليوم الثلاثاء ؟    مهرجان الفستق بماجل بلعباس ..تثمين ل«الذهب الأخضر»    الفنانة أنغام تعود إلى منزلها بعد فترة علاج في ألمانيا    تاريخ الخيانات السياسية (57) .. .الخليفة الطائع من القصر إلى الحجر    في الطريق الرابطة بين جندوبة وفرنانة ... 3 وفيات و 6 جرحى في حادث تصادم بين «لواج» وسيارة عائلية    بعد سرقة السيارات وتفكيكها...شبكة إجرامية تعربد بين تونس والجزائر    الانتخابات التشريعية الجزئية بدائرة دقاش حامة الجريد..المصادقة على رزنامة الدور الثاني    رغم كثرة الغيابات في رحلة بنزرت ...الإفريقي يريد الانتصار ومصالحة الجمهور    الطقس غدًا: تقلبات في هذه الولايات وأمطار رعدية في الأفق    شبيبة القيروان - زين الدين كادا يعزز الصفوف    تركيا: وزير النقل يسابق الريح... والشرطة توقفه بغرامة    بورصة تونس: "توننداكس" يستهل معاملات الاسبوع على ارتفاع بنسبة 1ر0 بالمائة    إطلاق أول مسابقة وطنية لفيلم الذكاء الاصطناعي    معهد الصحافة وعلوم الإخبار ينعي الصحفي الفلسطيني أحمد أبو عزيز خرّيج المعهد    عاجل/ دراسة تكشف عن مشكلة خفيّة في أجساد النساء خلّفها فيروس كورونا    عاجل/ نحو توزيع الكتب المدرسية على التلاميذ من أبناء العائلات المعوزة    عاجل/ من السعودية: تونس تدعو لتكثيف الجهود لوقف الإبادة ضدّ الشعب الفلسطيني    للتسجيل الجامعي عن بعد: البريد التونسي يكشف عن آلية جديدة للدفع    يأكل اللحم: تسجيل اول إصابة بالدودة الحلزونية في امريكا.. #خبر_عاجل    عاجل/ تسجيل تراجع في أسعار الذهب    بهاء الكافي: عودة قوية ب"الرد الطبيعي" بعد غياب    توريد كميات هامة من لحوم الضأن وهذا سعر بيعها للعموم.. #خبر_عاجل    نقابات التعليم الأساسي والثانوي بتونس الكبرى تقرّ تعبئة هياكلها استعداداً لاحتجاج 28 أوت الجاري..    قابس : برنامج ثقافي ثري للدورة السابعة لتظاهرة " أثر الفراشة "    عاجل/ من بينهم 4 صحفيين: استشهاد 15 فلسطينيا في قصف صهيوني على مجمع ناصر الطبي في خان يونس..    من بينها تونس: 7 دول عربية تشملها فرص الأمطار الصيفية    اتحاد بن قردان يعزز صفوفه بلاعب الوسط وائل الصالحي    شكري حمودة يوضح: التنسيق مع المصانع المحلية والدولية يحمي المخزون ويواجه النقص الظرفي    كيفاش نحضر صغيري نفسيا لدخول المدرسة لأول مرة؟    بشرى سارة: تقنية جديدة لتصحيح النظر بدون ليزر.. ومدتها دقيقة واحدة..    افروبسكيت 2025 - انغولا تفوز على مالي 70-43 وتحرز اللقب القاري للمرة الثانية عشرة عي تاريخها    لقاء اعلامي للصحفيين المهتمين بالشأن الثقافي بالمركز الثقافي الدولي بالحمامات    عدسات العالم تسلّط الضوء على الوعي الثقافي: المهرجان الدولي للفيديوهات التوعوية في دورته الخامسة    اصدار طابع بريدي حول موضوع الطائرات الورقية    وزير الخارجية يلتقي عددا من التونسيين المقيمين بالسعودية    الرابطة الأولى: برنامج مواجهات الجولة الرابعة ذهابا    أمل حمام سوسة يكشف عن خامس إنتداباته    الحماية المدنية: 113 تدخلاً لإطفاء حرائق خلال ال24 ساعة الماضية..    عاجل/ من بينهم 3 توفوا في نفس اليوم: جريمة قتل 5 أشقاء تبوح بأسرارها..والتحقيقات تفجر مفاجأة..!    ارتفاع طفيف في الحرارة مع ظهور الشهيلي محلياً    العودة المدرسية 2025: كلفة تجهيز التلميذ الواحد تصل إلى 800 دينار!    الأبراج ليوم 25 أوت 2025: يوم تحت شعار الخيارات الحاسمة    اليوم: انطلاق بيع اشتراكات النقل المدرسية والجامعية    سوسة: مهاجر إفريقي يُقتل طعناً بسكين على يد أصدقائه    متابعة: إعصار سيدي بوزيد يخلف أضرارا مادية دون إصابات بشرية    تاريخ الخيانات السياسية (56) .. أفتكين و بختيار وسطوة الترك    وفاة مفاجئة لفنان مصري.. سقط أثناء مشاركته بمباراة كرة قدم    هام/ كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية..    طبرقة تستعيد بريقها: عودة مهرجان "موسيقى العالم" بعد 20 سنة من الغياب    طقس اليوم: درجات الحرارة تصل إلى 41 درجة بتوزر    أولا وأخيرا .. هاجر النحل وتعفن العسل    موعدُ رصد هلال شهر ربيع الأوّل..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد سجن الشابين جابر الماجري وغازي الباجي: هل عاد شبح المحاكمات السياسية؟


سفيان الشورابي*
قررت محكمة الاستئناف بالمنستير اقرار الحكم الابتدائي القاضي بسجن لمدة سبع سنوات ونصف ناشطي الانترنات غازي الباجي وجابر الماجري. وجاء قرار السجن على اثر نشر جابر لصور كاريكاتورية ونصوصا على صفحته الشخصية على الفايسبوك ادعت هيئة المحكمة أنها تسيء الى الرسول (ص). سبب كفيل لأن يلقي به في السجن بينما تمكن صديقه الذي كشفت اجراءات التحقيق العدلي أنه زوّد الماجري بكتب تدافع عن الالحاد من بينها دراسة سبق أن كتبها ونشرها على صفحات الانترنت بعنوان "وهم الإسلام"، من الفرار بجلده وهو الآن يتنقل بين الدول الأوروبية بحثا عن ملاذ آمن.
السلطات القضائية اتهمت الشابين بالتجاهر عمدا بفحش وترويج نشريات وكتابات أجنبية المصدر أو غير أجنبية من شأنها تعكير صفو النظام العام والنيل من الأخلاق الحميدة، والإساءة للغير عبر الشبكات العمومية للاتصالات، طبق أحكام الفصلين 121 ثالثا و226 من المجلة الجزائية والفصل 81 من مجلة الاتصالات.
سجن قاس لشابين في مقتبل العمر، ذهبا ضحية جهاز قضائي لم يحقق استقلاليته بعد ويطبق ذات القوانين الجائرة التي استند اليها النظام السباق لتصفية خصومه السياسيين.
ناشطي الانترنات جابر الماجري وغازي الباجي يمكن اعتبارهما سجيني رأي بامتياز. حيث أنه تمت محاكتهما لشبهة حدوث "ضرر معنوي حاد" ادعى احد المواطنين انه أصابه لما تفحّص صفحة الفايسبوك لجابر لماجري. "المتضرر في معنوياته" قدم شكاية ضد ذلك الشاب متهما اياه أن "ما ارتكبه في حق الأمة الاسلامية يُعد تعديا صارخا على الأمة والدين". حجة ضعيفة وواهية لشخص ما كان له أن يلج الى صفحة الفايسبوك لذلك الشاب تفاديا "للضرر معنوي حاد أصابه". فهل كان ذلك الشاب يبغي احداث ذلك "الضرر المعنوي" للمشتكي لما نشر ما نشره؟ وهل سنشاهد في المستقبل أشخاصا آخرين يسجنون كتابا أو رسامين أو مخرجين لمجرد أن "معنوياتهم" تضررت تبعا لانتاجاتهم الأدبية أو الفنية؟
الشابين هما سجيني رأي لأنهما سُجنا من أجل رأيهما حول مسائل دينية. فكل ما قاما به يتنزل في اطار الفصل 19 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي ينص على ان "لكل فرد الحق في حرية الرأي والتعبير..."
وحسب المقاييس الخمسة لمنظمة العفو الدولية في تصنيف سجناء الرأي، فإن هاذين الشابين ينطبق عليهما معيار "الانتماء الى ديانة غير مدعومة من طرف السلطة".
كما تتوفر في الشابين المذكورين صفات السجناء السياسيون وفق القانون الدولي. فينسحب عليهما الوصف الذي وضعه مجلس اوربا لتعريف السجين السياسي، حيث تتوفر اثنتين منهما وهما: "اعتقال مرتبط بانتهاك للحقوق الأساسية للإنسان (التفكير، العقيدة، التعبير، التجمع)" و"الاعتقال الراجع لأسباب سياسية ليست لها علاقة بالجريمة".
فهذه المسألة من حيث المبدأ تتعلق بشابين يُحاكمان على رأيهما الذي ربما لا يتفق معه قليل أو كثير من الناس، ووقعت معاقبتهما نتيجة اصداحهما بذلك المعتقد. أفكار لا تسر ما اصطلح على تسميته ب"ثوابت" المجتمع. وهي نظم اخلاقية وقيم اجتماعية سائدة لا يُعلم التاريخ الدقيق لتحولها الى "ثوابت" للمجتمع حتى يجتهد المشرعون لسنّها، ومنفذي القوانين لتطبيقها. ثم وألم تكن قبل ذلك، أفكار يحملها عدد محدود من الأشخاص كانوا هم أيضا عرضة للقمع والمحاصرة؟
على العموم ليس هذا اطار للجدل حول مسائل تخص وعي الجماعة، وآليات القهر الاجتماعي، ووظيفة الدولة، والحريات الأساسية وضوابطها، بقدر ما تكشف قضية المهدية الحاجة الى تثوير عقليتنا في التعاطي مع هذه الملفات الشائكة.
فلو سلمنا فرضا أنه وقعت ثورة في بلدنا، فالثورة لا بد ان تنعكس على كل ارث الماضي. فلطالما سجن النظام السابق كل متبن لأفكار أو آراء لا تتوافق مع سياسته. وحكام اليوم كانوا مطاردين أو مسجونين لنفس الاسباب وعدد منهم وقف خلف المعتقلات لعدة سنوات لذات القوانين التي تحرم الشابين من حريتهما حاليا.
المحاكمة سياسية لا شك في ذلك، فالمحكمة تساير الرأي العام المتدين في غالبيته الذي يهيج بسرعة كلما وقع توظيف مشاعره الدينية. وهذه المحكمة التي كان من المفترض عليها أن تذود على حقوق الانسان هاهي تواصل مرة نفس الخطيئة الكبرى التي تعودت على ارتكابها؛ الرضوخ لأحكام حزب السلطة التنفيذية وأهواء المجتمع. فانتبهوا مثلا أن المحكمة استندت في حكمها على قوانين مخالفة للفصول التي وردت في المرسوم عدد 115 لسنة 2011 المؤرخ في 02 نوفمبر 2011 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر التي تتضمن احكاما عقابية أقل وطأة مما ارتكزت عليه المحكمة في حكمها، فقط من أجل أن تثبت أنها تحمي المجتمع من "الأفكار الهدامة" ! وطبعا لا معنى للحديث عن أهم مبدأ للقضاء المتمثلة في الحيادية.
الشابان قد يُلامان لأنهما "خدشا" الحياء وتعديا على رموز الإسلام وصرّحا بمواقف تمس المشاعر الدينية لغالبية التونسيين وتعكير صفو النظام العام. تثبتوا في تلك المصطلحات. هي مفاهيم ضبابية ومبهمة وتحتمل تأويلات متعددة ومختلفة على اختلاف المرجعيات الفكرية والانتماءات الجغرافية والثقافية وغيرها من المؤثرات "غير الثابتة". مبررات تخضع لمزاج القضاة التي قد تؤدي في بعض الأحيان الى خراب البلاد لمجرد حدوث تأويل في غير محله.
مساندي الحكم بسجين الشابين يدافعون على فكرة وجود حدود لحرية التعبير، طيب لنترك السؤال عن الجهة المؤهلة لوضع تلك الحدود والخط الفاصل الذي وجب التوقف عنده للحديث عن هذا الموضوع والنأي عن ذاك، ولنقل: ماذا لو تركنا الباب مفتوحا على مصرعيه أمام حرية التعبير للجميع دون استثناء أو منع؟ هل سيتضرر احد "معنويا ضررا حادا"؟ هل سيضمحل المجتمع ثقافيا؟ هل سينهار؟ فإذا كان محصنا ذاتيا في عقيدته وإيمانه وأفكاره، فلماذا يجزع من افكار قد لا يتبناها قطاع واسع من الناس؟ ألم تنتشر الأفكار السائدة حاليا بفضل الاقناع والحجة، فما الذي يصدها عن حماية نفسها بنفس ذلك الاسلوب؟
من أسباب انهيار النظام السابق هو ممارسته الوصاية على وعي التونسيين. وصاية استخدمت من أجل تحقيقها مؤسسات وأنماط تفكير وذهنية عامة تُوظف حاليا لنفس هذا الغرض؛ ممارسة الوصاية على ذكاء التونسيين.
ودولة ما بعد الثورة هي دولة تحمي حقوق مواطنيها مهما كانت أفكارهم. ولا خيار سوى اطلاق سراح هاذين الشابين وإلغاء جميع القوانين المعادية للحريات. الحريات لكل التونسيين دون تمييز.
صحافي، عضو لجنة مساندة سجيني الرأي جابر الماجري وغازي الباجي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.