يعتبر الإقتصاد التركي اقتصادا ناشئا، حسب تصنيف صندوق النقد الدولي، كما يعرف الإقتصاديون و علماء السياسة تركيا بأنها دولة صناعية حديثة، و هي تعد من المنتجين الرائدين للمنتجات الزراعية في العالم، زد على ذلك المنسوجات و السيارات و معدات النقل و مواد البناء و الإلكترونيات الاستهلاكية والأجهزة المنزلية… و حديثا أصبحت تركيا حديث العالم فيما يخص صناعة الأسلحة و تطويرها و الإتجار بها. سنة 2001 مرت تركيا بأزمة حادة جدا، من ما إطارها إلى وضع خطة صارمة من أجل تدارك الأوضاع، و التخلص من ثقل الديون، و منذ سنة 2002 تم إرساء مفهوم "تركيا الجديدة" المنضبطة ماليا و المتحولة هيكليا و المشجعة على الخصخصة. و بذلك تعافت تركيا بسرعة من أزمة 2001 كما نجت من الأزمة المالية لسنة 2008 بأقل الأضرار، و منذ ذلك الحين حرصت الدولة على تجنب الديون و خصخصة المشاريع الدولية و دعم المؤسسات العامة، و منذ تولي حزب العدالة و التنمية الحكم تعاقبت على تركيا ثلاث حكومات، تمكنت من تركيز إصلاح شامل للإقتصاد ليفوق أداؤه حاليا العديد من الدول الأوروبية… مثلت تركيا منذ سنة 2001 وجهة اقتصادية تجارية هامة، و ذلك بسبب ما توفره من ائتمانات رخيصة، من ما أدى إلى توافد رؤوس الأموال عليها، و بذلك سجل اقتصادها نموا بنسبة 5.7 بالمئة في 2001، و منذ ذلك الحين و الإقتصاد التركي لا ينفك عن تحقيق النسب الإيجابيا، و ذلك راجع إلى قوة التصدير، و انتعاش الطلب المحلي.. و من هنا تمكن الأخطبوط التركي من فرض نفسه داخل الأسواق العالمية، ليصبح وجهة اقتصادية تلهث ورائها كل دول المعمورة. ما تقدمه تركيا على المستوى الإقتصادي و التجاري مغر جدا، فالسلع التي تشرف على تصديرها نحو دول العالم تتميز بالجودة من جهة و بانخفاض تكلفتها من جهة أخرى، و هاتان الميزتان هما ما تبحث عنه كل دولة، و هذا هو السبب الرئيسي الذي جعل من تركيا اليوم وجهة اقتصادية عالمية. و لكن نحن لن نتحدث عن هذه التجارة و هذا الإقتصاد من بابه الواسع، بل سنخص بالحديث المغرب دون غيرها. لا شك أن السلع التركية اليوم تعتبر منافسا شرسا لكل السلع الأخرى، حيث أن الحريف أصبح يبحث عن تلك السلع خصيصا، لأنها أولا منخفضة الثمن نسبيا من ما يجعل منها في متناول الجميع، و ثانيا جودتها مقبولة عموما إذا ما قارناها بثمنها، و لمواجهة هذا الغزو القوي، من الفتك باقتصاديات الدول وجب اتخاذ العديد من الإحترازات، و هو تحديدا ما فعلته دولة المغرب مؤخرا، حماية لاقتصادها. تربط المغرب بتركيا عدة اتفاقات دبلوماسية و تجارية، و البَلدان في بحث مستمر عن تنويع ما بينهما من علاقات خاصة في مجال الإستثمار، و تملك المغرب بنية تحتية قوية، من ما يرشحها لاحتضان الإستثمار التركي و تسويقه في كامل إفريقيا.. و لحماية اقتصادها اتخذت المغرب مؤخرا عديد الإجراءات تجاه التجارة التركية في البلاد، و ذلك بالمصادقة على تعديل اتفاقية التبادل التجاري الحر مع تركيا، بحسب بيان لرئاسة الحكومة. ينص الاتفاق على فرض رسوم جمركية لمدة 5 سنوات على عدد من المنتجات الصناعية التركية، لتبلغ 90 بالمئة من قيمة الرسوم الجمركية المطبقة. كما ورد في الاتفاق أن لا يطبق الجانب المغربي أي رسوم أخرى ذات أثر مماثل للرسوم الجمركية على الواردات التركية، باستثناء ما تتيحه المادتان 18 و 19 من اتفاقية التبادل الحر بينهما. كما فرضت الرباط قيودًا صارمة على المتاجر التركية في المغرب، وحذرت من إغلاقها في حالة عدم الالتزام بتلك القرارات، و وفقا لصحيفة "سبق" فإن المغرب باتخاذها لمثل هذه الإجراءات، فإنها تشجع على الإستهلاك المحلي خاصة و أنها اشترطت من خلال وزارة التجارة على سلسلة متاجر "بيم" التركية المنتشرة في المغرب، بأن يكون نصف المعروض فيها من إنتاج مغربي، وحذرت من أنه في حالة عدم الالتزام سيتم غلق 500 متجرًا تمتلكها العلامة التجارية التركية في المغرب. و بلغت قيمة الواردات المغربية من تركيا 2.3 مليار دولار في 2019، بزيادة 16 بالمئة مقارنة مع 2018. في المقابل بلغت قيمة صادرات المغرب إلى تركيا، العام الماضي حوالي 700 مليون دولار. يمكن تقويم هذه الإجراءات التي اتخذها الجانب المغربي تجاه التركي، بأنها مدروسة و مفيدة للإقتصاد المغربي حتى لا يتدهور أمام نظيره التركي، فمن غير المعقول السماح للسلع الأجنبية بالتفوق على التجارة الداخلية، ذلك أن مثل هذا المنزلق الخطير سيؤدي إلى ضياع الهوية المغربية و انتفاء اقتصادها، و تحولها إلى مجرد سوق تركية، و من ثم استنزافها وصولا إلى الإفلاس و السقوط. و بذلك هذه الخطوات التي تم اتخاذها مهمة جدا للحفاظ على استقرار اقتصاد الدولة المغربية.. و لكن ما لاحظناه أن الكثيرين عابوا على الحكومة المغربية حصر هذه الإجراءات على الجانب التركي دون الأوروبي و غيره، مع العلم أن المنتوجات الأوروبية غزت القارة الإفريقية منذ زمن بعيد.. فلما لم تتخذ المغرب مثل هذه الخطوات مع أوروبا و غير أوروبا؟ في جميع الأحوال ما قامت به المغرب عموما مهم، للحفاظ على استقرار اقتصادها أمام زحف السلع التركية.