عاد الحديث بقوة عن اتفاقية التبادل الحر والشامل والمعمق المعروفة اختصار باسم ال»آليكا ALECA» بين تونس والاتحاد الاوروبي ليطرح بقوة رغم ان زخم التوترات السياسية التي تمر بها بلادنا وما يشوب المشهد من تحولات متلاحقة يعجز احيانا التونسيون على متابعتها عن كثب جعل من هذا الاتفاق يغيب عن صدارة الاولويات وكات بعض الاطراف تريد استغلال هذه الفرصة لتمريره في غفلة من التونسيين. يقول الاتحاد الاوربي ان «الاليكا» مشروع اتفاق بينه وبين تونس لتوسعة وتعزيز تعاونهم الاقتصادي. وان هذا الاتفاق عبارة عن أداة اندماج فعلي للاقتصاد التونسي في السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي وانه لا يتعلق الامر باتفاق تجاري جديد بل سيكون وسيلة لاندماج أعمق للاقتصاد التونسي في فضائه الاورو- متوسطي. استدراج «ناعم» يؤكد الاتحاد الاوروبي انه تم تحديد اليات هذا الاندماج لتكون عبر ملاءمة تدريجية للنصوص المنظمة للمناخ التجاري والاقتصادي والتقليص من العوائق غير الجمركية وتبسيط وتسهيل الإجراءات الديوانية وتحسين شروط نفاذ المنتوجات والخدمات إلى كل من السوق التونسية والأوروبية على حد سواء. وهو ما يظهر وكانه عملية «استدراج ناعمة» من الاتحاد الاوروبي لتونس للانخراط في هذه الاتفاقية عكس ما حدث له مع مصر والاردن والمغرب حيث اوقفت هذه البلدان مفاوضاتها مع الاتحاد الاوروبي حين اكتشفت ان هذه الاتفاقية ستكون بمثابة رصاصة الرحمة على فلاحتها وانها سترهن امنها الغذائي لدى الاتحاد الاوروبي ليقينها من عدم قدرة منتجاتها الفلاحية على منافسة نظيرتها الاوروبية سياسة المراحل سياسة الاستدراج الناعم التي سلكها الاتحاد الاوروبي مع تونس لجرها بقوة الى موقع التابع المطلق لاقتصاديات بلدانه اتبع خلالها سياسة المراحل مستغلا خاصة ما تعانيه تونس من ازمات لجرها جرا الى الامضاء على الاتفاقية التي انطلق العمل بها مع بلادنا سنة 1995 عبر اتفاق شراكة نصّ على رفع الحواجز الجمركية على توريد وتصدير المنتجات الصناعية واستثنى قطاعي الخدمات والفلاحة اذ كان اقتصاد تونس في تلك السنوات يمر بظروف صعبة هي في الحقيقة انطلقت منذ الاستقلال ومازالت متواصلة الى اليوم في غياب اي رؤية استراتيجية ومنوال تنمية مدروس كما ان الظروف السياسية انذاك كانت متازمة في بلادنا وكان الاتحاد الاوروبي يساوم تونس بملفات غياب الديمقراطية والتضييق على الحريات وكانت يومعها تشكل «اليد التي تؤلم النظام» ما جعله يرى في الامضاء على اتفاقية الشراكة وسيلة منه للتخلص من تلك الاتهامات ولتخفيف ضغط الاتحاد الاوروبي عنه .. لينجح الاتحاد الاوروبي في قطع اول خطوة على طريق بسط سيطرته على الاقتصاد التونسي اذ كان الهدف من وراء الاتفاقية وضع أسس فضاء اقتصادي جديد مشترك بينه وبين تونس وضمان اندماج تدريجي أكبر للاقتصاد التونسي في السوق الأوروبية مراعاة لمصالحه وليس لمصالح تونس. وقود لحرب تجارية عالمية من المؤكد ان الحرب التجارية بين الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدةالامريكية أصبحت أمرا واقعا بعد ان اقتنع مسؤولو الاتحاد أن السياسة التجارية الأمريكية منذ مجيئ دونالد ترامب صارت تعتمد على فرض الرسوم الجمركية من جانب واحد خاصة بعد ان اعتبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاتحاد الأوروبي في تصريح ادلى به في شهر ماي الفارط بانه عدو ورغم خفوت حدة تلك الحرب في الفترة الحالية الا ان نارها ملتهبة تحت الرماد لان «كعكة العالم» صغرت في حين كثرت الايدي الممتدة اليها بعد بروز قوى عاليمة جديدة مثل الصين التي نافست الاوربيون بقوة في القارة الافريقية «حديقتهم الخلفية» بل افتكت منهم زمام المبادرة اضافة الى قوى اخرى واعدة مثل الهند وتركيا زيادة على ان «الدب الروسي» استفاق من غفوته وصار منافسا شرسا لاوروبا .. كل ذلك يحتم على الاتحاد الاوروبي العمل بقوة لاستعادة سيطرته على عديد الدول التي يعتبرها «مجالا حيويا» لاقتصاده سيكلفه ضياعها الكثير من محده وقوته .. طبعا هذه الرؤية من الاتحاد الاوروبي ليست وليدة اليوم بل ان ارهاصاتها بدات في البروز منذ نهاية القرن الفارط وهو ما دفعه الى نسج حبائله بمتانة هذه المرة لاستدامة سيطرته على ما يعتبره «محميات» خاصة به وشرع في إنشاء جيل جديد من الاتفاقيات تحت عديد العناوين الفضفاضة والمغرية من قبيل السياسة الأوربية للجوار والتبشير بإرساء منطقة رخاء واستقرار الا ان الهدف منها يبقى إعادة صياغة علاقات الاتحاد مع جيرانه بما يتوافق مع مصالحه الخاصة تجعل تلك البلدان قاعدة لربح المنافسة الحادة مع القوى الصاعدة او القديمة وتربط سياسات الدول المستهدفة بمصالح الاتحاد الأوروبي وطل ذلك يمر حتما عبر إرساء خلفية اقتصادية ملائمة لمصالحه الحيوية لن تتحقق الا بتعميق اتفاق الشراكة. إعادة سيناريو سنة 1995 في شهر افريل الفارط اعلن رئيس الحكومة يوسف الشاهد أنه سيقع إمضاء اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق بين تونس والاتحاد الأوروبي السنة المقبلة 2019 وهو اعلان صريح على ان هذا الوعد من الشاهد يدخل في اطار «صفقة» يتم بموجبها تبادل المنافع بين الشاهد تحديدا والاتحاد الاوروبي فالاول يريد تحصيل الدعم لمشروعه السياسي ونجسيم طموحاته اما الاتحاد الاوربي فله مغانم كثيرة من امضاء الاتفاقية تحدثنا عنها آنفا وما يؤكد هذا المعطة ان يوسف الشاهد اعتبر ان ملف الأليكا ينطوي على أهمية خاصة لتونس رغم اقراره أن بلادنا ليست في مستوى نمو دول الاتحاد الأوروبي وليست على نفس المستوى فيما يتعلق بمواجهة التحديات الاقتصادية فاذا كان رئيس الحكومةواعيا بهذه النقاط لم منح وعده للاروروبيين بان الاتفاقية ستمضى في سنة 2019 ولم وافق على ما رفض مهدي جمعة الموافقة عليه حين كان رئيسا للحكومة .. فالثابت اذن ان الاتحاد الاوربي لعب على التناقضات التي تشهدها تونس والقائمة على صراع محتدم على السلطة ليمنح «بركاته» لمن يمنحه امضاء على اتفاقية ستذبح الاقتصاد التونسي من الوريد الى الوريد.