بعيدا عن تأثير الحس الشائع والأفكار الرائجة، وما يبدو في الظواهر "الخداعة"..تعلمنا أن نحاول التخلي عن أفكارنا المسبقة ، وتمثلاتنا السابقة للأشياء... ، لنحاول وضع الواقع وظواهره على محك البحث الموضوعي وفق قواعد منهجية محددة.. هل تخفي الترويكا غير ما تعلن، هل يصح على الحكومة ما تعلن سياقات بعض المتعاطين مع أدائها، إعلاميا، من تقييم سوداوي وسلبي ، يصل حد إتهامها بالعجز والسلبية..منذ ما قبل توليها الأمر؟؟ هل يعتبر ذلك تجنيا وعدم إنصاف للأدمغة "المحللة" وللأقلام المتألقة بين الأعمدة والفضائيات والإذاعات، ولو بدا منها السلخ المستمر والتنبير" الممنهج على حركة السلطة وفعلها ..فهي مقصرة بل قاصر ، مطلقا..ايا كانت عزيمتها ومردودها ؟؟ هل في الإمكان مراجعة أحكامنا المسبقة حول ما يجري حولنا ، بعيدا عن عقلية التآمر والتدبير بليل؟؟ حملت أسئلتي معي ، وحدثت نفسي بمزيد من الصبر.. حصل أن بلغ إشتياقي لفنجان قهوة يعدل أوتار دماغي ، ويضبط موازين أفكاري.. صادفت يومها أحد خلان الوفاء فجمعت رقيق التحايا وسؤالي عن أخباره بدعوة إلى إحتساء فنجان يطفىء رغبتي الجامحة في تلمظ قهوة بصحبة صديق..جلس بقربي وسرح بعيدا..لم يفهم صاحبي كثيرا مما يجري بعد ثورة 14 جانفي ، وقد أعمل فكره وسعى إلى تفكيك بعض ما أشكل من ألغاز في راهن البلد، وتأويل ما يدور في محيطه ، من فوضى ومن هموم ومن..مظاهر إحتفال وحبور.. كيف يكون اليوم سجناء السنين الطوال ، حكاما؟؟ كيف يكون مانديلا تونس..شورو وبن سالم في مواقع بارزة من السلطة والحكم..والجبالي ، المحكوم بالإعدام قائدا لحكومة الثورة الشرعية؟؟ ثم انظر حال الآخرين..ما الذي يجمع البعض في أحزاب تفرخ مع الأيام..من أين لهم المال؟؟ لم يفهم..حاول قلت له..كرر المحاولة.. من أين يأتي البعض من الأقلام بما يلزم من لزوميات نشر الصحف والدوريات..ومنها ما يطبع بالألوان؟ من أين جاء بعض الزعماء والمناضلين ، ومن أين للبعض كل "الصفاقة" كلها، حتى ينتصبوا مرشحين في الصف الأول يبغون النطق باسم الصورة والنيابة عن الشعب في صياغة مستقبله ونحت مصيره؟؟ قلت له حاول أن تفهم.. أدار رأسه وسأل..ما الذي يغذي في الإعلام رغبة جنونية جامحة في تقويض السلطة ، وإسقاط الحكام الجدد، وهم أبناء الثورة بامتياز، واعز من بذلوا في سبيل الحرية والكرامة ، لا أفهم؟؟ قلت له حاول.. قال.. أحس بدوار رهيب.. جماعة النهضة فازوا في الإنتخابات، وأراهم قمة في التواضع..كلهم يخصم من راتبه لفائدة المجموعة..وزير النقل الهاروني، يحضر للوزارة في سيارة أجرة..وزير التعليم العالي بن سالم ..يأتي في سيارة نقل الخضار..ووزير الفلاحة..بن سالم يجني الزيتون..وغيرهم من الراسبين..يزهون معلنين كبر الفائز الموهوم..وكلهم بإرادة الشعب..مهزوم..لا أفهم.. سمعت في الإذاعات وفي القنوات ، أحاديث عن فوضى وعنف وفتنة..وعن استفراد بالحكم وعن ترويكا تركت الشعب وغطست في حساباتها الإنتخابية القادمة..ما أقرأ في معظم الصحف..ما أشاهد في تلفزيوناتنا..وما يبث في راديوناتنا..يوحي بتحكم لوبي صهيوني لعى إعلامنا..حدجت بحاجبي ، ولكنه مضى يغمغم.. سمعت عن خطر العمائم واللحي والنقاب..وعن مقص وجدي غنيم..وما يتربص بالنساء والبنات..قال لا أفهم..إعلام يصف الحكومة الجديدة كأنها حكومة عتلر أو نتنياهو..ما هذا؟؟ لم أجب.. قال ببساطة أنا زوالي..و اشعر أن الشعب يريد تونس في العلالي..ولكن بعض الفرقاء وصورهم وأصواتهم في معظم وسائل الإعلام..يضع العصا في العجالي..ولكن..ما للسياسة ومالي؟؟ قلت على رسلك حاول مجددا ستفهم لا محالة.. قال لي سمعت أن معظم المتحدثين والمتحاملين هم من اليسار..أولم يسقط اليسار في العالم..ألا تذكر ما كتب الدكتور مصطفى محمود وكان من الشيوعيين..وكتب كتابا عنونه..سقوط اليسار؟؟أوليسوا كما يقال علمانيين ؟؟أوليسوا يدعون التقدمية والديمقراطية؟؟ لأم يروا أن البلدان العربية التي جرت فيها إنتخابات نزيهة أشارت لميل الجماهير الواضح للإسلاميين..فما لهم يحولون بين الشعب وبني ما يريد؟ سكت فأجاب..إنهم أغرب غرائب هذا الزمن..يواصلون لعبة من سبقهم في السلطة قبل الثورة..لعبة التصدي لإرادة الناس وتجفيف المنابع وطرد أصحاب الفكرة ومحاصرة الصادقين المتمسكين بدينهم.. لم أعقب.. فمضى يذكرني بأحبتنا المثقفين الشبان الذين سجنوا وهجروا وغربوا..مد لي نسخة من رواية سمير ساسي..برج الرومي..وأردفها بنسخة من "إنتماء" لطفي السنوسي..ثم زفر..إقرأ يا أخي ..تأمل ما جرى لسادة البلد..هذان بعض من آلاف دفعوا ضريبة الصبر والتمسك بالحق..بينما كان الآخرون أدعياء الضال يتنزهون، وينتصبون على مقاعد السلطة، ويتعاونون معها في قمع الإسلاميين؟؟ رايته مصرا على فكرته..قال لا تنس صولات أدعياء الحداثة ،الذين ساروا في ركاب بورقيبة ، في استئصال الإسلام من هذه الربوع..هم صالوا وجالوا ولم يبالوا..واليوم عندما خرج المارد من القمقم..وطلع الإسلاميون من غيابات الأقبية والزنازين والمنافي....ليحتضنهم الشعب..ويعلن تزكيتهم في إنتخابات أكتوبر2011..عندما باحت صناديق الإقتراع بفوز الإسلاميين ..وصفعتهم بأصفار وأصفار..غصفروا وقرروا التنادي بالصفحات الصفراء..أنظر إلى صبيانيات غلمان بني علمان..قبل تشكل الحكومة كشروا عن أنياب الهجمة المضادة..الرافضة لإرادة الشعب..ها إنك تراهم يشككون ، وينشرون الشبهات ، ويتحركون في كل إتجاه..ينثرون ضجيجا..ويعلنون أن في الأمر لبسا..أنظر يا أخي الصحف..بات معظمها أصفر..وجلها يحمل على الحكومة..ويعارض في كل حال.. هممت بالحديث..فقال..لا فائدة لا تقل لي حاول..لقد علمت أنهم توازعوا جل مواقع الإعلام وفي إحدى القنوات..تمنع مسؤولة بث تقارير تشير إلى مؤشرات النمو وتبرز مجهود الحكومة حتى أنها منعت بث تقرير تلفزي أعده بوبطان في الجنوب ، بدعوى أنه حاور ملتحين"سلفيين"..إنها جاهلة..فالتونسيون سلفيون بالطبع..هواهم على دين الفطرة، وحبهم ممدود للسلف الصالح.. ذات مرة شاهدت في الأخبار تقريرا عن منزل إنهدم على ساكنيه تحت وقع هطول الثلوج..وكأنها مأساة حلت بالوطن..وعلمت من أصدقاء أن فاعل خير بادر لإعادة بناء المسكن ، وطبعا لم تأت التلفزة للتصوير..لأن الأمر لا يبعث على الذعر والفزع..إنه تهافت الفتافت..إنهم صغار يحاولون الإجتماع، يتحالفون مع بعض أصحاب المال والمشتاقين لكراسي الأمس الذي راح بغير رجعة..وحالهم يقول ألا ليت البنفسج يعود يوما..ولكن هيهات.. أنظر كيف يسبون الداعية وجدي غنيم..ويدعون أنه جاء حاملا مقصا..ليته انهال به على ألسنتهم.. أفهم..نعم سأحاول أن افهم..إنهم يحاسبون الشعب على إختياره ويعاقبونه على غلطته..وهي إختياره ل..النهضة.. قلت لا تبالغ.. قال..أنظر كم حملوا على الشيخ الغنوشي قبل مجيئه..وهم لا يعرفون فكره ولم يقرأوا كتبه التي استلهم منها قادة تركيا..أنظر ما يكيلون للسلفيين..بدعوى التشدد ..أنظر حديثهم عن المنقبات..لا عجب..فإعلامهم نشأ في بوتقة المعاداة لكل ما يتصل بالدين..ونبذ زمرة الفكرة واستبعاد حملة المشروع..إنهم فتية آمنوا بربهم..ولكنهم في هذا البلد..يلقون الجور والنكد..هم أهل البلد..كما تغنى بهم الفنان توفيق المستاوي..تذكرت..أين مجموعات الصدق وعشق الوطن..أين عشاق الوطن وأولاد الجنوب والمرحلة وفرقة شمس..التي قدمت أحد أبنائها، العزيز عامر الدقاشي شهيدا في زنازين الأسر والتعذيب؟؟ قلت على رسلك..فقال لا تحزن..لن يفلحوا في تغطية عين الشمس بالغربال.. قد قال الشعب كلمة مدوية بعد عقدين من التجفيف والخنق والتصحر.. وسيقولها بنبرة الوفاء والعزة..سيقولها قريبا في مواعيد قادمة وسيخذل الخائبين "المتسردكين"..عندي آمال مجنحة..تحلق خارج قمقمهم المظلم..ستنتصر إرادة هذا الشعب..وسيجد الشعب قريبا دواء لعقار مرضى النفوس..سيخسأ أعداء البلد..ويشفي قلوب قوم مؤمنين.. ودعت صديقي وأنا شبه متيقن من عدم قدرتي على زحزحة قناعته بطبيعة ما يجري..وبخلفية من يحركون الوقائع من وراء ستار..