حراك كبير وغير مسبوق تشهده الساحة الوطنية تتصاعد وتيرته مع اقتراب موعد الانتخابات الذي اعتبره الجميع موعدا حاسما وهو كذلك لأنه سيضفي الشرعية المفقودة حاليا على من سيحكم البلاد بعد يوم 23 أكتوبر 2011 ويكون محصنا بالشرعية. لكن في الأثناء تتصاعد كذلك أحداث العنف والتخريب وسط عمل حزبي مشوش يتشبث بالشرعية التوافقية للحكومة المؤقتة من ناحية وينتقدها انتقادا لاذعا على أداءها ويحملها مسؤولية الوضع المشتعل الذي تشهده البلاد من ناحية ثانية. وهذا يعني أن الأحزاب حاليا مكتفية بلعب دور المعارضة وهو أمر مشروع لكن دون القيام بدور التوعية والتهدئة الذي تفرضه الحالة الاستثنائية الحالية. من جهة أخرى نجد اللجان الوطنية التي تم إحداثها ثم تدعيمها بعناصر تمثل معظم الأطياف السياسية والجمعياتية وهو ما أضفى عليها نفس الشرعية التوافقية. وكان من المفروض أن تساند وتدعم هذه الهيئات العليا عمل الحكومة وقد تم هذا في مرحلة أولى لكن تغير المشهد حيث برزت بوادر خلافات حادة تب صلب هذه اللجان لتخرج عن إطارها الأصلي وتصبح علنية وهو ما زاد حسب رأيي في تأجيج الاحتقان وبروز انفلات شبه كلي للأوضاع في البلاد إلى درجة قد تؤول إلى ما تحمد عقباه. ومع أملنا بأن يعود الوئام بسرعة على مستوى كل الهياكل والآليات التي وضعت للسير بالبلاد نحو انتقال ديمقراطي سلمي وسليم، فإننا نستغرب ونتساءل لماذا يتخاصم هؤلاء والحال أنهم يعرفون جيدا أن الاختلاف قائم بينهم وأنه عليهم أن يتجاوزه وأن يتوافقوا من أجل المصلحة العليا للبلاد؟ إن الوفاق ممكن إذا تخلص المختصمون من عقد "الشوفينية" الحزبية والفئوية الضيقة لان تجربتنا أكدت ذلك، فقد بينت الدعوة التي أطلقتها جريدة "الخبير" للمصالحة الوطنية والتي انضم إليها وساندها إلى حد الآن العديد من الأحزاب ومن الوجوه السياسية ومؤسسات المجتمع المدني باختلاف انتماءاتهم في إطار وفاق وانسجام واندفاع لفائدة المصلحة الوطنية فقط ودون أي خلفية سياسية. إذن هنا يكمن مربط الفرس. إن التجاذبات السياسية الحزبية الضيقة هي التي تجعلهم يتخاصمون حيث نتوافق. فرجاء...رجاء...انزعوا عنكم الخلفيات الحزبية الضيقة التي تسيركم وارحموا هذا الوطن بالعمل على إنجاح ثورة شبابه المتعطش للحرية والكرامة فقط، وهذا ممكن دون أدنى شك.