لقد قرأت عديد العناوين عن قضية اختطاف الطفل منتصر احتوت جلها مضامين مثيرة منها ما هو قريب للواقع و منها ما هو بعيد كل البعد، الا أن ما راعني و حرك في رغبة الرد وكشف الحقائق عن الطفل منتصر وعن عائلته،... عنوان كبير وصورة أكبر وقصة هوليودية وفلم غريب الأطوار، وأنت تقرأه للصحفي "المحقق" تقول بأنه كان جالسا فوق إحدى أرائك القصر الرئاسي بقرطاج مقيما داخل صالوناته يعيش شبحا بين بن علي وزوجته وأصهاره الطرابلسية. لقد كنت في زمن المخلوع مديرا للدراسات و تطوير الكفايات بالادارة العامة للتكوين للأمن الوطني، وبصفتي أخصائي نفساني تم الاتصال بي يوم الجمعة 22 أكتوبر 2010 على الساعة الثانية بعد الظهر، ولأول مرة في مساري المهني من قبل المدير العام للأمن العمومي آنذاك مشيرا عليّ بالحضور بمقر إدارة الشرطة العدلية بالقرجاني في الحين. كانت الساعة تشير الى الثانية و25 دقيقة حين وصلت الى المقر المذكور، كنت قد فهمت منذ أول وهلة أن الموضوع كان متعلقا بالطفل منتصر وأن التعليمات أعطيت للاستعانة بأخصائي نفساني في البحث العدلي. كان المدير العام في انتظاري رفقة مدير الشرطة العدلية ورئيسة الادارة الفرعية للوقاية الاجتماعية ورئيس الادارة الفرعية للقضايا الاجرامية ومدير الشرطة الفنية والعلمية، كان الجميع مجندين ليلا نهارا لهذه المهمة، ثلاثة أيام دون أن يغادر أحد ذلك المكتب. كانت أطباق الأكل على حالها والجميع يحلل ويناقش ويستقي المعلومة ويعطي التعليمات ووو... لحظات ووجه المدير العام لي الكلمة في شكل تعليمات " دكتور، السيد الوزير يشك في مصداقية الأب، سوف ترافق المكلف بالبحث لبضعة دقائق وسيكون مرفوقا بأب الطفل منتصر واسمه جمال، حاول بسرعة أن تشكل فكرة عنه وتبدي رأيك فيما إذا كان الأب صادقا أو مخادعا، وهل يمكن أن يكون هو من افتعل عملية الاختطاف...". رفضت أن يكون ذلك بهذه الطريقة المهينة للعلم ولعمل الأخصائي النفساني وطلبت أن أجري مقابلة نفسية معمقة مع الأب، كما طلبت أن يتم توفير مكتب شبيه بمكتب محقق فيه واجهة بلورية كاشفة من جهة وغير كاشفة من الأخرى وطلبت أن يتم إحضار فريق التصوير السمعي البصري من الشرطة الفنية والعلمية حتى يتسنى لنا تسجيل المقابلة. وووجهت برفض قطعي من القيادة، إلا أنني تمسّكت بمطالبي وأقنعت الجميع بقيمتها، وبالفعل كان هناك مكتب للتحقيق بهذه المواصفات في مقر إدارة الشرطة العدلية، مواصفات علمية، إلا أنه للأسف الشديد كان مهجورا، رميت به عديد الفضلات، مكتبية ولوجستية وأخرى.. ورغم ذلك عملت على أن يتم تنظيفه وإزالة الأوساخ والفضلات منه والمجيء بمكتب خشبي وكراسي وطاولة مكتب، ثم حل وفد الشرطة الفنية والعلمية بالكاميرا وكانت أوّل مرة لهذا الوفد أن يصوّر من وراء البلور غير الكاشف مقابلة في إطار بحث عدلي، وجاء المرحوم الأسمر الطرابلسي محافظ الشرطة أوّل رئيس مصلحة جرائم القتل مصحوبا بالسيد جمال، تركه في مكتبه وجاءني إلى مكتب التحقيق، انبهر بما صنعناه به وقال:" آشخصّ كان جينا نستعملوا فيه هكّا". رتّبنا الأمور مع بعضنا واتّفقنا أن أقدّم نفسي كأخصائي في عمليات الاختطاف، وعلى جمال أن يجيبني على كل أسئلتي حتى وأن كانت شخصية جدا، وكان لي ذلك وأجريت مقابلة نفسية معمقة للغاية بقيت زهاء الساعتين مع المعني روى لي فيهما قصة حياته منذ الصغر وكيف عاش وكيف كبر وكيف تزوج وكيف أنجب الأبناء وكيف وكيف وكيف الى أن وصل الى يوم عيد ميلاد منتصر ومن الغد عملية الاختطاف. شخصية جمال كانت متزنة للغاية، لم يتبين من المقابلة ما يوحي بأنه كذاب ومخادع أو أنه متحيّل أو مجرم، إلا أن طريقة تفاعله مع عملية اختطاف ابنه المدلل هي التي حيرت جميع المسؤولين، ولن أدخل في تفاصيل المقابلة من باب احترام أخلاقيات العمل النفسي، لكن تشكلت لي قناعة تامة بأن السيد جمال بريء من الشكوك التي حامت حوله كما يستحيل عليه بأن يكون على علم بمختطفي ابنه أو حتى له شكّ ضئيل في من يمكن أن يكون. قبل نهاية المقابلة كان قد وصل وزير الداخلية السابق الى ادارة الشرطة العدلية رفقة جل المديرين العامين للأمن الوطني وبقوا في انتظار ما ستؤول إليه المقابلة النفسية وما أن أتممت المقابلة قدّمت للجميع تقريرا شفويا مفاده أن لا علاقة للأب بخطف إبنه وأن لا عداوة له مع أي كان، وأن العملية هي عملية إختطاف من أجل المال، وقد كنت رسمت ملامحا للمختطف فقلت أنه كان يعمل أكيد في شركة الجد، ولا بدّ أنه كان من محترفي فنون القتال ويمكن أن يكون عون قوات أمن داخلي معزولا عمل مع الجد بعد عزله، وكنت قد إقترحت أن يتم البحث فورا في بطاقات الإنخراط الموضوعة على ذمة الجامعات المشرفة على مختلف فنون القتال لعله يتم التعرّف على المختطف من خلال صورته الحقيقية من قبل أحد الشهود، إلا أن إقتراحي جوبه للأسف بالرفض الكلّي، وتم الإقتصار فقط على تدخّلي مع الأب ولم يسمح لي بأي مقابلة أخرى لا مع الأم ولا مع الشاهدين، إعتقادا من القيادة بأن لا جدوى من ذلك، رغم أن المرحوم الأسمر الطرابلسي إنبهر من نوعية المقابلة ونوعية الأسئلة وقال لي بالحرف الواحد " 20 سنة وانا نبحث وماحضرتش على بحث من هالنّوع!" ومع ذلك، ورغم أنّه لم يسمح لي بمواصلة العمل معهم في فرق البحث، إلاّ أنني بقيت باتصال بزملائي المشرفين على البحث، وكانت المعلومات تصلني أوّل بأوّل، إلى أن جاء أحد مفتشي الشرطة الذي لم يكن يعمل بالقطاع العدلي بتاتا، بل كان تابعا لإحدى الإدارات الخاصة بمعلومة مفادها أن سيارة تحمل نفس مواصفات السيارة التي إختطفت منتصر كانت مكتراة بصفة غير قانونية من عامل بسيط بمحل لبيع البيتزا بجهة رادس، ولولا هذه المعلومة التي إنطلقت منها العمليات الفعلية للمتابعة والملاحقة والبحث عن منتصر لعجزت الفرق الأمنية على العثور عليه. ولإحكام غلق ملف منتصر، وحتى لا تبقى قصته صهوة يركبها صحفيّون "يدّعون في التحقيق معرفة" وتركبها صحف تبتغي من ورائها تسويقا أكثر ومالا أوفر، إتصلت أنا يسري الدالي الأخصائي النفسي ومدير الدراسات وتطوير الكفايات السابق بالإدارة العامة للتكوين للأمن الوطني المحال على التقاعد الوجوبي من قبل السيد وزير الداخلية الأسبق فرحات الر اجحي، والصحفي الحالي بجريدة الخبير بإدارة الشرطة العدلية التي نفت ما جاء من روايات مفادها أن للطرابلسية ضلع بموضوع الإختطاف، وذلك أكيد ومؤكّد ليس في إطار مؤامرة لتلميع صورة الطرابلسية، لكن بغاية كشف الأساليب السخيفة في التعامل مع المعلومة، والعمل على القطع مع طرق إستحمار المواطن التونسي الأبيّ واستبلاهه. كما إستضفت بمقر الجريدة السيد جمال بن رجب والد الطفل منتصر بن رجب وأجريت معه الحوار التالي: - الخبير: سيد جمال، كيف كانت ردود أفعالك وأنت تقرأ كل ما كتب عن منتصر خاصة تلك التي فيها زيف؟ - السيد جمال: توتّرت كثيرا وعشت ضغطا نفسيا كبيرا، خاصة جرّاء ما كتبته جريدة الراية وجريدة Le Quotidien اللتان أساءتا إلي وإلى عائلتي بكتابة أشياء غير لائقة وغير صحيحة بالمرّة، إضافة إلى وجود صورة إبني في الصفحة الأولى لها إنعكاسات سلبية على صحته النفسية وسلوكاته الإجتماعية، خاصة وأنّ هاته "التحقيقات" نشرت ونحن على مشارف العودة المدرسية وقد كنا نتمنّى أن يعود منتصر لمقاعد الدراسة وهو بعيد عن أنظار الصحافة هادئ البال كغيره من الصغار، الصغار الذين صاروا هم كذلك في حالة رعب من عمليات الخطف التي تسببها لهم مثل هذه التحقيقات الهوليودية التي يمكن أن تشجّع المجرمين على عمليات الإختطاف. - الخبير: هل كان للطرابلسية وبن علي يد في عملية إختطاف إبنك منتصر؟ - السيد جمال: لا، بتاتا، لم تكن للطرابلسية وبن علي أية علاقة بعملية الإختطاف. - الخبير: هل كانت عملية ألإختطاف عملية إنتقامية فيها مقايضة من أجل أن تتنازل شركتكم عن مقاولات أشغال لفائدة الغير أو لإجبارها على دفع جزية معينة لجهة معيّنة؟ - السيد جمال: لا، مستحيل. شركتنا تتعامل مع الإدارات العمومية في كامل الشفافية وبكل الحرفية المطلوبة والحمد لله، حتّى أنّ والدنا تحصّل على وسام المؤسسة سنة 2006 من قبل الرئيس المخلوع وهو ما تم تأويله خطأ من قبل الر أي العام. - الخبير: هل تعرّفت على مدبّر العملية؟ - السيد جمال: لا، لم أره، رغم أنني طلبت ذلك. - الخبير، ما كانت دوافعه؟ - السيد جمال: حسب البحث، كانت دوافعه بحتة للغاية، لقد عمل بأحد فروع شركتنا بالجنوب سنة 2005 – 2006 وحسب إدعائه طلب إستخراج شهادة عمل لفائدته حتى يقدمها ضمن أوراق سفر كان يريد أن يقوم به إلى فرنسا حيث كان ينوي البقاء كلاعب محترف في إحدى رياضات القتال، إلاّ أنه لم يحصل على الشهادة (رغم أننا في المقر الإجتماعي لم نتلقّ أي طلب في ذلك الوقت لمثل هذه الشهادة)، فسافر إلى سوريا وكان ينوي دخول تركيا واليونان ومنها فرنسا، فبقي بسوريا سنة ثم سجن فيها، وعاد إلى تونس سنة 2008 وتم إيداعه السجن كذلك وخرج لينتقم ويخطط لإختطافي أنا ومساومة أبي رفقة أخيه العامل بمحل تجاري بجهة رادس وصديق له، واكترى ثلاثتهم سيارة بطريقة غير شرعية لمدّة أسبوع من مواطن تعوّد على كراء سيارته بتلك الطريقة مدّعين أن لديهم سلع سيأتون بها من الجنوب، والحال أنهم قضّوه في مراقبتي إنطلاقا من مقر الشركة وعرفوا بعدها أن لي إبن صغير تأخذه في الصباح والدته إلى روضة الأطفال فقررو تغيير خطتهم ونفّذوها على إبني منتصر... - الخبير: ماذا تقول للصحافة وللصحافيين؟ - السيد جمال: أتركونا لحالنا، فمنتصر بحاجة إلى أن يعود إلى حياته اليومية بصفة عادية، كره أن تنشر صوره بالصحف والجرائد، وكره الحديث عن عمليات الخطف وعن ملابسات ما عاشه في تلك الفترة الحالكة، فرجاء رجاء من الصحافة والصحفيين أن يتركوا منتصر يكبر وينسى مثلما يكبر أبناؤهم. إنّ ما أردت تبليغه من وراء ما كتبته هذا، هو رجاء ونداء للصحافة والصحفيين بأن يتثبّتوا مليا فيما يكتبون وفيما ينشرون حتى نكون جميعا في مستوى الرسالة التي عهدت إلينا ونكون أوفياء للمعلومة وأوفياء لحرفيتنا وأوفياء للقارئ الكريم.