... نهاية الكابوس... منتصر حر... عصابة جناة... أسابيع من الاختطاف... عناوين وعناوين تشير إلى قضية الطفل منتصر الذي تمكنت أجهزة الأمن مؤخرا من العثور عليه سليما معافى بعد فترة تعتبر طويلة نسبيا (51 يوما) من تاريخ اختطافه من داخل سيارة والدته... قضية منتصر وخاصة إبان تبني جهاز إعلامي مثل التلفزة الرسمية وفي نشرة الأخبار الرئيسية لخبر اختطافه ونشر صور تقريبية للجناة حوّل القضية إلى قضية رأي عام أسالت الكثير من الحبر والكثير من الأقاويل والإشاعات حول مدى صحة ما تم ترديده سابقا بخصوص قضايا اختطاف الأطفال في تونس بين داعم لهذه الأقاويل (بعد محاكمة أستاذة جامعية بسبب تبنيها لخبر وهمي نشر عبر الانترنات يخص اختطاف أطفال من داخل فضاء محضنة ومقاضاتها ابتدائيا بثمانية أشهر من أجل نشر أخبار زائفة) وبين رافض لهذه الإشاعات لكن في حدود التشكك بخصوص كل نفي معتبرين هذا الشك على علاقة مباشرة بالثقة المحدودة في وسائل الاعلام، محملين المسؤولية للسلطة الرابعة التي قد يمكنها أن تساهم بشكل من الأشكال في اخفاء الحقيقة. لم تشهد تونس من قبل وفي هذا المجال قضايا مماثلة إلا في حادثين فقط سجلا بالعاصمة وتحديدا بحي النصر... شابها قضية منتصر في أدق التفاصيل من اخفاء ملامح الوجه والاستعانة بالغاز المشل للحركة وطلب الفدية وإثر حادثة اختطاف الطفل منتصر انتقد البعض اصرارنا على عدم وجود عصابات تختطف الأطفال في تونس، حيث أن هذا الموقف كان مردّه فقط تلك التجربة الطويلة في متابعة أهم القضايا والجرائم التي حدثت على الصعيد الوطني من خلال ريبرتاجات ميدانية... وخلال فترات كان فيها مسموح للمختصين في الشؤون القضائية من الصحفيين بالبقاء على اتصال مباشر بالفرق المختصة في مكافحة الجريمة وضمن اتفاق ضمني بنشر المعلومات في حدود ما هو مسموح به قانونا إلى حين الانتهاء من الأبحاث وبالتالي نشر كافة الحقائق مدعومة بالصور للمواطن ليكون على بينة وليغلق باب الإشاعات نهائيا، وهنا تكمن خبرة الصحفي المختص في هذا المجال حيث أنه يمتلك المعلومة كاملة لكن امتلاك المعلومة يجب أن يضاهيه شرف حفظ المعلومة إلى غاية انجاح القضية وبالتالي حماية المتضرر... هل لدينا عصابات أطفال؟ حادثة منتصر فعلا لم تكن الأولى فقد سجلنا في تونس حادثتين مشابهتين... لكنهما لم يكونا ضمن عصابات تختطف الأطفال عشوائيا، فالحادثة الأولى سجلت بجهة النصر حيث اختطف 3 شبان طفلا في عامه الخامس من داخل منزل أبويه... طرقوا الباب ملثمين ومن ثم أصابوا المعينة المنزلية بغاز مشل للحركة وقاموا بشدّ وثاقها، واختطفوا الطفل... لهذه الحادثة كان وقع الصدمة على المواطنين والأجوار حيث عهدت القضية لأعوان الادارة الفرعية للقضايا الاجرامية... يومها لم يتدخل الإعلام بطريقة عشوائية بل تمت متابعة التحريات بكثير من الحرفية ومن الحيطة وتبين أن والد الطفل وهو رجل أعمال ويمتلك مصنعا بالعاصمة قد اختلف مع أحد العمّال وقام بطرده بعد حرمانه من الامتيازات التي من المفترض الحصول عليها هو وزميل له الأمر الذي حزّ في نفسيهما بعد سنوات من العمل وقررا بمساعدة طرف ثالث هو صديق لهما الحصول على حقهما بطريقة خاصة دون اللجوء إلى الجهات المختصة بخصوص الطرد التعسفي والحقوق المادية للعمال وبعد اختطاف الطفل عزم المطرودان على تقييم منحة الطرد بمبلغ 120 ألف دينار طالبا بها الأب مقابل إخلاء سبيل الطفل. لكن قبل حصول الثلاثي على مبلغ الفدية الذي اعتبروه حقهم المكتسب تمكنت مصالح الفرقة المختصة من تحديد مكان تواجد الطفل آنذاك داخل أحد المنازل بجهة سيدي بوزيد حيث تمت إعادته إلى والده سالما، وأوقف الجناة وأحيلوا على المحاكمة ومعهم صاحبة المنزل التي احتضنت الطفل. الفدية سيارة أما الحادثة الثانية وسجلت بدورها بالعاصمة بجهة المنار فقد تعرض فيها طفل عمره ثلاث سنوات ونصف فقط للاختطاف من أمام أنظار المارّة بالطريق العام ونفذ العملية المتهم الرئيسي وشريك له لكن بعد أبحاث دقيقة استمرت لحوالي 6 أيام أمكن العثور على الطفل المختطف بعد أن طالب الجاني بفدية مادية قيمتها 85 ألف دينار. وكشفت الأبحاث يومها أن والدة الطفل المتزوجة من ثري قد وعدت صديقا كان سابقا خطيبها باهدائه سيارة من النوع المميز، إلا أنها بعد زواجها وانجابها لطفلها الأول نسيت وعودها بحسب تصريحات الجاني آنذاك وأنها عاشت حياة الثراء وتناسته فهددها إن لم تهده السيارة ومن ثم عمد بمشاركة صديق له إلى اختطاف طفلها بعد أن أخفى ملامحه كليا وطالبها بفدية هي ثمن للسيارة. ليس لنا عصابات هذان الحادثان هما فقط ما تم تسجيله في خضم اختطاف الأطفال في تونس سابقا، حيث أن عددا من القضايا الأخرى كانت متعلقة، إما بفرار أطفال (إناث وذكور) من محل سكنى الوالدين أو القضايا التي ارتبطت بتحويل الوجهة والاغتصاب وهي جرائم غير متعلقة بالعصابات التي تختطف الأطفال التي هي ليست موجودة لنا في قواميس القضايا التي عرضت على هيئة المحاكم في تونس، لكن تورط أكثر من شخص في عملية مساءلة لقضية الطفل منتصر حتى لو كانت المشاركة سلبية، تجعل من المجموعة وطبقا للقانون تأخذ عنوان «عصابة» بمفهوم الفصول القانونية وليس عصابة بمفهومها الدولي.