يظهر أن الديمقراطية هي مجرد شعار يرفعه المضطهدون عندما تسلط عليهم سياط التعسف وما إن يشعروا بالقوة حتى ينتفضوا ويتحولوا إلى مستبدين مثل جلاديهم في الماضي ... فكلمة ديمقراطية لها سحر خاص في المعارضة وتفقد معانيها وأبعادها عند الاستحواذ على السلطة ونخشى أن نكون على حق في تخوفاتها لأن ما يجري في المكاتب ووراء الجدران لا يبشر بخير فمنذ يوم 24 أكتوبر حتى قبل صدور الارقام الأولية المؤقتة تم الاستحواذ على كرسي الوزير الأول بكل سهولة ولسان حالهم يقول ( أنا صاحب الأكثرية أفعل ما أشاء...) ومن هنا بدأت الصفعات وتسلسلت مؤشرات خطيرة للغاية تؤكد أن القوم لن يحترموا آراء الآخرين بل لن يستشيروا أي أحد وسيفرضون رؤيتهم للأشياء ... وإلا فما معنى أصحاب 120 كرسيا يتقاسمون – الغنيمة- ويعلنون عن مواقفهم وقبول هذا ورفض ذاك ويؤكدونها بلغة التهديد خاصة وأن أهل القانون يؤكدون أن المجلس التأسيسي لن يجتمع قبل صدور النتائج بالرائد الرسمي أي في أحسن الأحوال بعد يوم 15 نوفمبر ثم ينتخب رئيسا للمجلس ( لا نريد أن يكون قد عيّن من قبل مثل ما كان يقع في الماضي القريب ويكون التصويت مجرد عملية تمثيلية ) وتنطلق المشاورات حول طبيعة الحكم الذي يصلح للبلاد وعلى ضوء هذا يتم تشكيل أعضاء الحكومة من أفراد مقتدرين قادرين على تسيير أمور الشعب ولذا فالكراسي لن تكون شرفية بل هي لمن هو الاجدر فهناك شعب ينتظر اصلاحات كبرى وهنا لا يمكن للعواطف أن تتحكم في مصير أمة بإطلاق شعارات وهمية تزيد في الشعور بالاضطهاد وخاصة بالحرمان ... ويتساءل العاقل لماذا هذا الاصرار على حجز الكراسي ؟ يكفي الفائزون مقاعد المجلس التأسيسي الذي من أهدافه كتابة دستور البلاد وهذا أهم ما ينتظره الشعب حتى لا يقع الاحتيال على المواطنين وتنتزع منهم اختياراتهم وأحلامهم ... وعلى المهرولين نحو الكراسي الحكومية عليهم أن يتيقنوا أن نسبة كبيرة من الشعب التونسي لم تصوّت بالمرة ولم تعط صوتها لأي كان وعلى أصحاب 120 مقعدا أن يحترموا هؤلاء الذين هم بالفعل الاكثرية المطلقة التي لا تثرثر ولا تهرول ولا تهدد بل تلاحظ في صمت ...والويل لمن يصدّق مباهج الحياة ويبهر بسراب الفوز وعليه أن يطالع كتب التاريخ من آدم إلى يومنا هذا ويرى أن العرش كان متحركا وهزازا ومن تكالب عليه وجد جثته في المزبلة الكبرى واللعنات تمطره مجرد أن يذكر اسمه ... ونحن على برّ الأمان لا داعي للاستحواذ على كل شيء في البلاد فإن المركبة قد تهتز وراكبوها لن يرحموا أي أحدا ... ومن زعموا أنهم لا يرغبون في الكراسي عليهم التفرغ لصياغة دستور يكون الحصن الحصين للوطن وأما المناصب فهي زائلة ... م . ك