من المؤكد أن تفاعل الفنان مع الثورة الأخيرة للشعب التونسي تختلف عن تفاعل الإنسان العادي، ومن المؤكد أيضا أن زاوية تناول «الثورة» كموضوع في الأعمال الفنية يختلف من فنان الى آخر، ذلك ما يمكن تجلّيه من معرض «لعنة الكرسيّ» للفنانة التشكيلية آمال بن صالح زعيّم، الملتئم ببهو دار الثقافة ابن رشيق بالعاصمة، وسيتواصل الى غاية يوم 10 مارس الجاري. آمال زعيّم واصلت في معرضها الاخير أسلوب الحرق والتركيب لتنتقد اللهفة الكبيرة او التكالب غير المحدود للرؤساء العرب على الكرسي من جهة، ومن جهة أخرى أكثر عمومية، تكالب الناس على الكراسي. كيف جسّدت آمال زعيّم هذا المعنى الاجتماعي السياسي بأسلوب فني جمالي، هذا هو السؤال، لكن الاجابة تبدو أبسط من السؤال بكثير فالفنانة التشكيلية ارتأت أن تواصل «سياسة الحرق الفني» التي ابتدأتها في السنة الماضية فطالت ألسنة اللهب كرسيا باليا بطبيعته وحبلا سميكا في شكل «مشنقة» وسلسلة حديدية سميكة بدورها كانت بمثابة السلاسل المقيّدة وربطتهما الى هذا الكرسي للدلالة الرمزية عن الرسالة الفنية السياسية التي أرادت ايصالها بمعرضها هذا والمعنون ب«لعنة الكرسيّ»... عنوان في الواقع تركّب من مصطلحين الاول هو «لعنة» والثاني هو «الكرسيّ» ويمكن من خلال المصطلح الاول فيهم موقف الفنانة التشكيلية، من المصطلح الثاني... موقف جسّدته فنيا بتركيب بسيط بيد أنه لا يخلو البتة من البعد الرمزي رغم سهولة فهمه. الكرسي بهذا المعنى لا يدوم لأحد بل على العكس تذهب آمال زعيّم الى كونه يمثّل لعنة لمن تكالب عليه. «لعنة الكرسيّ» لا يبتعد هذا العنوان كثيرا عن المثل القائل: «جنت على نفسها براقش...»، لكن التناول الفني على بساطته جعل العنوان معبّرا عن لب المعرض المتمثل في ذلك الشكل المتركب من كرسيّ بال ومشنقة وسلسلة حديدية... كرسيّ لا يدوم للمتكالب عليه... ومشنقة هي المآل الأقرب لنهاية اللاهث وراء الكرسيّ... وسلسلة تقيّد حرية «المتكرسي» (عذرا على هذا الاشتقاق اللغوي الحيني) رغم النفوذ المنتهية صلوحيته حتما. هكذا كانت «لعنة الكرسي»، وهكذا هي دوما آمال زعيّم تبحث عن التفردّ والتميز في مواضيعها الفنية وفي تناولها التشكيلي لهذه المواضيع.