رئيس مجلس نواب الشعب يستقبل ممثلي عمّال الإعاشة بالشركات البترولية بصحراء تطاوين    انتداب خريجي التعليم العالي : الشروط اللى تخليك تسجّل في المنصّة    توزر: استعدادات لإنجاح الأنشطة السياحية بمناسبة عطلة الشتاء واحتفالات رأس السنة    صالون الموبيليا والديكور والصناعات التقليدية بصفاقس : دورة جديدة بروح متجددة    ماكرون يؤكد رفض فرنسا توقيع اتفاقية "ميركوسور" بصيغتها الحالية    الجنسية الأميركية مهددة في عهد ترامب.."قرار" يقلب الطاولة..ما القصة..؟!    هامّ لتلاميذ الخاص: التسجيل عن بعد للحصول على بطاقة التعريف لا يشملكم    المنستير: عروض متنوعة خلال الدورة 12 من تظاهرة "الأيام الثقافية لفنون الفرجة" ببنبلة    المعهد الفرنسي بتونس يتجه الى جزيرة قرقنة:: اكاديمية دحمان للحصول على الشهائد الدولية !    عصام الأحمر: يشدد على ضرورة وضع برامج عربية مشتركة وتوحيد السياسات للوصول إلى تنمية شاملة    تأجيل محاكمة العميد الأسبق للمحامين شوقي الطبيب إلى 12 فيفري المقبل    تونس: كيفاش تستعدّ الديوانة التونسية لعطلة الشتاء ورأس العام    القصرين: سائقو التاكسي الفردي يجدّدون احتجاجاتهم للمطالبة بالترفيع في عدد الرخص    رسميا: نعيم السليتي جاهز للمشاركة في كأس أمم إفريقيا    فيلم "هجرة" للمخرجة والكاتبة السعودية شهد أمين : طرح سينمائي لصورة المرأة وصراع الأجيال    عاجل: منع جماهير منتخبات عربية وإفريقية من دخول مونديال 2026... وهؤلاء المعنيون    حزب التيار الشعبي يلتقي قيادات من حركات المقاومة الفلسطينية    وفاة رضيع نتيجة البرد القارس في خان يونس..#خبر_عاجل    تظاهرة كروية جهوية من 23 الى 26 ديسمبر 2025 بالمركز الثقافي والرياضي للشباب بن عروس    زيلينسكي: روسيا تتهيأ ل"سنة حرب" جديدة في أوكرانيا    بعد 13 عامًا..العثور على طائرة مفقودة في الهند    نهائي السوبر: الترجي ضد النجم – وقتاش؟ وفين تشري التذاكر؟    جمعية أجيال قصر هلال في جبل سمّامة: الجبل يحتفي بالدكتور فنطر    كوتش يفسّر للتوانسة كيفاش تختار شريك حياتك    تزايد حالات التهابات الأنف والأذن والحنجرة: تحذيرات من دكتورة تونسية    الملتقى الوطني للاتحاد التونسي لاعانة الاشخاص القاصرين ذهنيا من 19 الى 21 ديسمبر 2025 بمدينة سوسة    الجامعة النيجيرية لكرة القدم توجه إتهامات خطيرة لمنتخب الكونغو الديمقراطية    الاولمبي الباجي يعزز صفوفه بمحرز بالراجح ومحمد علي الراقوبي    دار الصناعات التقليدية بالدندان تحتضن معرض "قرية وهدية" من 22 الى 30 ديسمبر الجاري    سيدي بوزيد: اضراب جهوي لأعوان الشركة الجهوية للنقل القوافل    فتح باب الترشح لجوائز الإبداع الأدبي والفكري والنشر لمعرض تونس الدولي للكتاب    المسرح الوطني التونسي يقدم سلسلة عروض لمسرحية "جرس" بداية من الجمعة 26 ديسمبر    لا تفوتوا نهائي كأس العرب لكرة القدم بين المغرب والأردن..موعد والنقل التلفزي..    معهد الرصد الجوّي يكشف موعد وصول التقلّبات الجوّية    عاجل: الدولة تنظّم ''شدّان الصغار'' في الدار...وهذه أبرز الشروط    اختفى منذ أيام: العثور على جثة شاب متوفي وسط ظروف غامضة..    نائب بالبرلمان: تسعير زيت الزيتون عند 15 دينارا للتر لن يضرّ بالمستهلك..!    رحلات وهميّة نحو تونس: عمليّات تحيّل كبيرة تهزّ الجزائر    لاعب النادي الإفريقي يعمق جراح النجم الساحلي    دراسة تحذر.. "أطعمة نباتية" تهدد صحة قلبك..تعرف عليها..    الستاغ: هاو كيفاش تتمتّع بإجراءات تسهيل الخلاص بداية من 22 ديسمبر    بطولة الكويت: طه ياسين الخنيسي ينقذ الكويت من الخسارة امام السالمية    عاجل/ بداية من اليوم: تونس تدخل تحت تأثير منخفض جوّي قادم من الجزائر..    عاجل/ رصدت في 30 دولة: الصحة العالمية تحذر من انتشار سريع لسلالة جديدة من الإنفلونزا    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    ترامب مخاطبا الأمة: "الرسوم الجمركية" هي كلمتي المفضلة    عامر بحبة... منخفضًا جويًا قادمًا من الصحراء الجزائرية سيبدأ تأثيره على البلاد تدريجيًا    ترامب في خطابه إلى الأمة: الجيش الأمريكي هو الأقوى في العالم    ديوان الزيت يدعو المتدخلين في القطاع لطلب تخزين زيت الزيتون لدى الخواص    عاجل/ عامين سجن في حق هذا الفنان..    هام: منظمة الصحة العالمية تحذّر من الانتشار السريع لل Grippe    مستشفى شارل نيكول: نجاح أول جراحة الكلى الروبوتية في تونس    عاجل/ "الستاغ" توجه بلاغ هام للمواطنين..    شيرين تردّ على ''الكلام الكاذب'' عن صحتها وحياتها    الدكتور محسن حمزة/طبيب ... شباب القرن الحادي والعشرين يريد خطابًا يُحاوره لا يُلقّنه    ندوة «الشروق الفكرية» .. الشّباب والدّين    د. الصحبي بن منصور أستاذ الحضارة الإسلامية/جامعة الزيتونة.. السّؤال خارج الخطاب التقليدي خطوة لفهم الدّين لا ابتعادا عنه    8 أبراج تحصل على فرصة العمر في عام 2026    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشعراء يكتبون الثورة
نشر في المصدر يوم 15 - 02 - 2011

ونحن نحتفل بالشهر الأول لثورة الكرامة التونسية يحق لنا اليوم أن نأخذ نفسا ونذهب بعيدا عن الرصد اليومي للحراك السياسي والاجتماعي الكثيف الذي عشناه ونحاول من خلال ما كتب الشعراء قراءة زخم اللحظات المجيدة التي حولت البلاد من عهد الخوف إلى عهد الأمل...
ثورة النّار للشاعر جمال الصليعي من مدينة دوز
إلى فتى الأمّة محمّد البوعزيزي) (
مر النّار تكتب تفاصيل أغفلها النّائمون
وأنت تراقص قدّ اللّهيب على حشرجات السّبات
وأنجز قليلا من الموت
تحتاجه كي تفيق الحياة
قليل من الزّيت فوق "إذا الشّعبُ " يكفي
لتأتي "إذا الشّعبُ " رافلة مزدهاة
يواعدك الجوع بين الرّغيف البعيد
وبين مواعيدَ عرقوبها خُلَّبِيُّ اللّغات
ولست فقيرا ...

ولكن نواطير مِصْرِكَ أعطت عناقيدها للجناة
ونحن الذين اصطخبنا لشاعرنا إذ أراد الحياة .

وجاء البُغاة
فقالوا : نرى خيركم في الممات
لنا الأرض قالوا وخيراتها،
من عليها،
وشطآنها السّاحرات
ونمنحكم :

قفّة الفقر
والجهلَ
والحزبَ
والصُّحُفَ الكاذبات
مر النّار تكتب فقد كذبت هذه النُّخَبُ المشتراة
تريك أناقتها في النّهار
وفي اللّيل تأوي إلى فُرُش الموميات
لها عسل الوهم في قَطِران الطُّلاة
مر النّار تكتب
فإنّ لنا من رصيد الدّماء كفايتنا دائما للنّجاة
لنا فائض من كرامة شعب أبيٍّ
ولكنّ طيبتنا مدخل للطّغاة
وفي آخر الصّبر مقبرة للطّغاة
مر النّار تكتب
فأمّك حاضرة للشّهادة ، كانت أعدّت بنيها
لكلّ الدّروب
وكلّ الجهات
مر النّار تكتب تفاصيل يجهلها السّاسة العابرون
وأهل الخراج
ووفد الجباة

مر النّار تكتب :

"إذا الشّعب يوما أراد الحياة
فلا بدّ أن تستجيب الحياة "
ولا بدّ أن يركع الظّالمون الطّغاة
دوز في 01/01/2011
وقبل هذا كان الشاعر التونسي آدم فتحي يكتب لابنته والطغاة مازالوا ناصبين سلاحهم متمنيا ان يكون ...حجرا:
ليْتَنِي حَجَرٌ يا ابْنَتِي
( شعر آدم فتحي)
ليْتَنِي حَجَرٌ يا ابْنَتِي لَيْتَنِي مِنْ حَجَرْ
كَيْ أرَى ما أرَى دُونَ أنْ أنْفَجِرْ
لَيْتَنِي كُنْتُ لَوْحًا مِنَ الزِّنْكِ أو خشَبًا أوْ رُخامًا
فلا أتوجَّعُ أو أتفجَّعُ أو أتصدَّعُ أو أتبَعْثَرُ أو أنْتَثِرْ
كُلَّمَا امْتَدَّ فِيَّ السُّؤالُ شُروخًا وأَقْبِيَةً وسِهَامًا
إلى أَيْنَ بَعْدُ، نِيامًا وماشِيَةً ونَعامًا؟
وماذَا فَعَلْتُمْ بِأَحْلامِكُمْ يا أبِي، مُنْذُ خَمْسِينَ عَامًا؟
وأَيَّ بِلادٍٍ تُرِيدُونَ أَنْ تُورِثُونَا، حَشِيشًا وبرْدعَةً ولِجَامًا؟
وماذا تُرَى تَفْعَلُونَ بِأَحْلاَمِنَا وَهْيَ تُولَدُ كَيْ تتَدَاعَى
وتَكْبُرُ كَيْ تَنْكَسِرْ
آهِ يا مَيُّ يا مَيُّ لَوْ تَغْفِرِينَ ولَوْ مَرَّةً لأَبِيكِ
خَصاصَةَ عِيشَتِهِ وهَشاشَةَ حِيلَتِهِ
وهْوَ أعزَلُ يحْرُسُ وَرْدَتَهُ في فَمِ الذِّئْبِ
لَوْ تَسْمَعِينَ لَهُ كَيْفَ يَطْوِي على خَفْقَةِ القَلْبِ أعْذارَهُ دُونَ أنْ يَعْتَذِرْ
كَيْفَ يَشْكُو ويَكْتُمُ شَكْوَاهُ كَيْ لا يُرَى شاكِيًا
كيْفَ يَبْكِي ويَضْحَكُ كيْ لاَ يُرَى باكيًا
كَيْفَ يَدْفنُ دَمْعَتَهُ في الذَّهابِ ويَدْفنُ شَمْعَتَهُ في الغِيابِ
ويَفْرشُ لَوْعتَهُ في طرِيقِكِ كَيْ لا تَعُوقَ خُطاكِ الحُفَرْ
آهِ كَمْ ضاعَ يا ابْنَتَهُ فِيهِ يَجْرِي ورَاءَ هَوَاءٍ جَدِيرٍ بِفَاكِهَةِ الرُّوحِ
مُنْشَغِلاً عن سماءٍ مُطّوقةٍ بالسُّفُوحِ
مُطِلاًّ على نفْسِهِ في بلادٍ تَليِقُ بما سَالَ مِنْ دَمِنَا
في عُرُوقِ الشَّجَرْ
ليْسَ فيها قراصِنَةٌ فَوْقَ ما يُسْتَطاعُ
ولا فُقَرَاءُ يُطِيعُونَ ما لا يُطاعُ
ولا أُمَرَاءُ يَبِيعُونَ مَا لاَ يُبَاعُ
ولا تتخَفَّى طَواحِينُها في ذِئابِ البَشَرْ
مائِلاً عنْ طَريقِ القوافِلِ مُلْتَحِفًا بأغانِيهِ في كُلِّ عاصِفةٍ
واقفًا في سفينَتِهِ يتحَصَّنُ ضِدَّ الشِّباكِ وضِدَّ الجِهاتِ
وضِدَّ الهَلاكِ وضِدَّ النَّجاةِ وضِدَّ دَوَاهٍ أُخَرْ
مُوحِشَ البَحْرِ مُسْتَوْحِشَ البَرِّ مُسْتَأْنِسًا بنَدَى قَلْبِهٍ ونِدَا شَعْبِهِ
مُصْغِيًا في سُكُونِ اللَّيالِي إلى خُطُواتِ السَّلُوقِيِّ مِنْ خَلْفِهِ
راجِيًا أن يَطُولَ السَّفَرْ
رَيْثَما يَتبَيّنُ ماذَا يُرِيدُ وعَنْ أيِّ سِرٍّ يُراوِدُ هذا المَدَى
ومتى يَتسَنَّى لَهُ أنْ يَعُودَ من البَحْرِ أو أَنْ يَعُودَ من الحِبْرِ
أو أَنْ يَعُودَ من الحَرْبِ في هَيْئَةِ المُنْتَصِرْ
هُوَ ذَا...أَكَلَتْهُ الدُّرُوبُ فلاَ هُوَ عادَ بِعُشْبَةِ جِلْجَامِشَ الأَبَدِيَّةِ
لا هُوَ لاَقَى عَرَائِسَ عُولِيسَ لا هُوَ شَيّدَ قَلْعَتَهُ عَاليًا
لا هُوَ ارْتَدَّ عَنْ حُلْمِهِ وانْكَسَرْ
لَكِِ أَنْ تَحْمِلِي المِشْعَلََ الآنَ يا مَيُّ. فَلْتَحْملِيهِ
دَمِيتُ ولكنّني سأظلُّ على عَهْدِنَا مَا حَيِيتُ
يَدِي في يَدَيْكِ وكَفِّي على الجَمْرِ كَيْ لا يَعَضَّ على قَدَمَيْكِ
وإنْ طالَ هذا السَّفَرْ
تَتَمَشَّيْنَ حذْوِي على حَذَرٍ مِثْلَ مَنْ يَتَمَشَّى على كِسَرٍ مِنْ شَذَى الرُّوحِ
شَعْرُكِ يُومِضُ في لُجّةِ الكَلِماتِ وأنْتِ تُعِيدِينَ تَرْتِيبَ فَوْضَى الحيَاةِ
وتَأْثِيثَ قَلْبِي بمُسْتَقْبَلٍ مُمْكِنٍ مُتَسَائِلَةً كَيْفَ تَنْمُو صِغَارُ النَّبَاتَاتِ
والدُّودُ كَيْفَ يَرَى دَرْبَهُ في المَسافاتِ والحاجِبُ المُتَقَوِّسُ في قُزَحٍ
هَلْ يَنَامُ وتَنْصُلُ ألْوانُهُ في المَطَرْ
والنُّجُومُ التي انْتَثَرَتْ في السَّماواتِ كالبَيْضِ أَيُّ الدَّجاجاتِ
تَحْنُو عليها لِتَفْقسَ أمْ أنَّها صَدَفُ الذِّكْرَياتِ
وحَلْوَى تَنَاثَرُ مِنْ عَرَباتِ السَّهَرْ
لنْ أَخِرَّ على الأرْضِ إِلاَّ لأَزْرَعَ فيها مَزِيدًا من الحُلْمِ لَمْ يَحْتَضِنْهُ الرَّبِيعُ
وحُرًّا كَمَا أسْتَطِيعُ، سَعِيدًا على قَدْرِ مَا أسْتَطيعُ
سَأَمْضِي إلى آخِرِ القَهْرِ، أمْضِي إلى آخِرِ الصَّبْرِ
أمْضِي إلى موْعدِي المُنْتَظَرْ
رغْمَ يَوْمٍ يَحِنُّ إلى أمْسِهِ لاَ إلى غَدِهِ، وغَدٍ يَتَعَمَّدُ إِخْلافَ مَوْعِدِهِ
صارِخًا في المَدَى حَيْثُ لا شَيْءَ يُرْضِي البَصِيرَة لا شَيْءَ يُرْضِي البَصَرْ
غَيْرَ شعْبٍ يمُوتُ ليَحْيَا، ويَكْتُبُ بِالدَّمِ فوْقَ عِبَارةِ يَحْيَا
إذَا الشَّعْبُ يَوْمًا أرادَ الحياة
ولم تُوقِظِ الرُّوحُ فِيهِ المَوَات
ولم يَنْفُضِ القَلْبُ عَنْهُ الحَجَرْ
فَهَيْهاتَ أَنْ يَسْتَجِيبَ القَدَرْ
لَيْتَنِي قَشَّةٌ يا ابْنَتِي لا تخافُ العَجَاجةَ
بل لَيْتَنِي مَوْجَةٌ لا تُبَالِي إِذَا هَزَّها بَحْرُ بنْزرْتَ أَيْنَ تَقُودُ الزُّجَاجَةَ
أو قَمْحَةٌ تَتَكَسَّلُ في شَمْسِ بَاجَةَ
أو حَنَشٌ في مَسَارِبِ نَفْزَاوَتِي يُوقِظُ العَنْزَ مِنْ نَوْمِهَا ويُثِيرُ الدَّجَاجَةَ
مُلْتَحِفًا بِشُعَاعِ القَمَرْ
لَيْتَنِي لِحْفَةٌ في رِيَاحِ المَرازِيقِ
أو سَعْفَةٌ تَحْتَ حِمْلِ العَلِيقِ
تُزَخْرِفُ رَمْلَ الجَرِيدِ ولا تَتَوَقَّفُ إِنْ نَسِيَتْ نَفْسَهَا في الطِّرِيقِ
لِتَسْأَلَ عَنْ حَجَرٍ أو بَشَرْ
لَيْتَنِي حَجَرٌ خَرَّ مِنْ بَيْنِ غَمْضِ الجُفُونِ على رَأْسِهِ
في الطَّرِيقِ إلى تَاءِ تَالَةَ أو بَاءِ بُوزِيدَ فاصْطَرَّ كالحلَزُونِ على نفْسِهِ
لا رِسَالةَ تَشْغَلُهُ لا بَرِيدَ ولاَ صَرَّ لا قَرَّ لاَ بَرْدَ لا حَرَّ لا صالِحِي لا مَطَرْ
لَيْتَنِي مَا وَرِثْتُ دَمَ المُتَنَبِّي ولا قَلْبَ دَرْوِيشَ
بَلْ لَيْتَنِي مَا عَبَثْتُ مَعَ المَوْتِ حتّى أَعِيشَ
إلى حِينِ أَصْرُخُ لَيْتَ الفَتَى حَجَرٌ لَيْتَنِي حَجَرٌ لَيْتَ رُوحِي وقَلْبِي وعَقْلِي حَجَرْ
لَيْتَنِي حَجَرٌ كَيْ أَرَى مَا أَرَى: الدَّمَ يُهْرَقُ والحُلْمَ يُزْهَقُ والصَّمْتَ يُطْبِقُ
مِنْ غَيْرِ أَنْ أَتَفَطَّرَ أو أَتَفَجَّرَ أو أَنْتَحِرْ
لَيْتَنِي حَجَرٌ، كيْ أَرُدَّ على كُلِّ هذا الرَّصَاصِ، وأَهْدِمَ سَقْفَ الرَّصَاصِ، وأَصْرُخَ في جَبَرُوتِ الرصَاصِ
ارْفَعِ اليَدَ عنْ دَمِنا، وارْفَعِ اليَدَ عن شَعْبِنَا، وارْفَعِ اليَدَ عنَّا، فقدْ نَفَدَ الصَبْرُ منْ صَبْرِنا وانْدَثَرْ
لَيْتَنِي حَجَرٌ...غَيْرَ أنِّي بَشَرْ
قَدَرِي أَنْ أَظَلَّ أدُقُّ على بَابِ حُلْمِي بلَحْمِي وعَظْمِي
إلى أنْ أمُوتَ على البابِ أو أَنْتَصِرْ

اما الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي فقد كتب قصيدة لمحمد البوعزيزي أسماها "تونس" بكل بساطة :

عِزٌّ لأمِّ مُحَمَّدٍ وَفَتَاها
عزٌّ لتُونِسَ أرْضِها وَسَماها
عِزٌّ لِكُلِّ أُخَيَّةٍ تَبْكِى عَلَيْهِ
بِخَيْرِ مَا تَبْكِى الكِرَامُ أَخَاها
تَبْكِيهِ بالجَمْعِ المُلِحِّ وُجُوهُهُ
بَاتَتْ لِوَجْهِ مُحَمَّدٍ أَشْبَاها
وَجْهٌ يُلِحُّ مُكَرَّراً وَمُكَرَّرَاً
حتى يُطَبِّقَ مُدْنَها وَقُرَاها
وَجْهٌ يُلِحُّ تَعَدَّدَتْ أَسمَاؤُه
أَفْدِى أَسَامِيَهُم وَمَنْ سَمَّاها
وَجْهُ المُقَيَّدِ فى السَّرِيرِ مُلَثَّماً
هَدَمَ المَمَالِكَ غَائِباً وَبَنَاها
أنتَ الشهيدُ وَأَنْفُ غَيْرِكَ رَاغِمٌ
وَجَدَ المَنِيَّةَ مُهْرَةً فَعَلاها
وَرَدَدْتَ صَفْعَتَهُم بأُخْرَى أَصبحَتْ
تَجْتَاحُ أقصاها إلى أقصاها
وَفَّى مُحَمَّدٌ بْنُ مَنُّوبِيَّةٍ
بِدُيُونِ قَوْم قَلَّ مَنْ وَفَّاها
وَفّى مُحَمَّدٌ بْنُ مَنُّوبِيَّةٍ
سَلِمَتْ يَدَاهُ سَيِّداً وَيَدَاها
سَلِمَتْ يَدَاهُ سَيِّداً لِمَصِيرِهِ
لَمْ يَرْضَ للنَفْسِ النَّوَارِ أَذَاها
حَيِّ الشَّهِيدَ وَأُمَّهُ وَبِلادَهُ
فَبِهِمْ يَبِينُ ضَلالُها وَهُدَاها
حَيِّ الذينَ غَدَتْ خُطاهُم سُنَّةًً
للعالمينَ فَطَابَ مَن أَحياها
حَيِّ الجُمُوعَ أَتَتْ لِتَلْقَى مَوتَها
يومَ االقِتَالِ فَخَافَ أن يَلقاها
حَيِّ الأَكُفَّ العالياتِ كأَنَّها
عَمَدُ السماءِ تَمَايَلَتْ لَوْلاها
حَيِّ الأَكُفِّ أَتَتْ بِكُلِّ غَرِيبَةٍ
كالأنْبِياءِ إذا شَفَتْ مَرْضَاها
فالشَّمْسُ تَمْكُثُ فَوْقَها لِتُحِسَّها
والرِّيحُ تُبْطِئُ بَيْنَها لِتَرَاها
قَدْ أَمْسَكَتْ بِزمَانِها مِنْ عُنْقِهِ
لَمْ تُخْلِهِ إِلا وَقَدْ أَرْضَاها
أَيْدِى الذينَ إذا المُلوكُ تَجَبَّرُوا
كانوا لِتُونِسَ أُمَّها وَأَبَاها
إنَّ الدِّماءَ وَوَسْطَهَا شُهَدَاؤُهم
عَلَمُ البِلادِ هِلالُه قَتْلاها
ذَكَّرْتُمو جِيلاً تَجُورُ وُلاتُه
أنْ لم يُبَايِع وَالِياً أو شَاها
مَنْ مِنْكُمو اختارَ الوُلاةَ بِبَيْعَةٍ
مَن جاءَ يَطْلُبُها ومن أَعطَاها
مَنْ يَذْكُرُ اليومَ الذى أَمْسَى بِهِ
عَبْدَاً وَصَارُ العَبْدُ فيه إِلها
يا أَهْلَ تُونِسَ إنَّ أَيْدِيَنا لَهَا خَمْسَاً
كَأَيْدِيكُم تَذَكَّرْنَاها
يا أهلَ تُونِسَ والعُرُوشُ قَريبَةٌ
لم تَعْلُ إلا حينَ أَعْلَيْناها
يا أهلَ تُونِسَ لا كِفَاءَ لِجُودِكُم
جَلَّتْ هَدِيَّتُكُمْ وَمَنْ أَهْدَاها
يا أَهْلَ تُونِسَ إنَّها الأُولَى
وَكَمْ تَرنُو أواخِرُها إلى أُولاها
يا حاكمينَ نَصِيحَةً أن تَرْهَبُوا
إن النفوسَ رَهِينَةٌ بِرَدَاها
والحارسُ السَّاهِى على أبْوابِكُم
لو طالَ أَرْؤُسَكُم لَمَا أبقاها
والخادمُ المَحْنِيُّ فى رَدَهَاتِكُم
أعلى يَدَاً منكم وَأَوْسَعُ جَاها
فلتذكروا أَنَّا نَبِيتُ بِقُرْبِكُم
فى لَيْلَةٍ نِمْتُم وَمَا نِمْنَاها
أَوَلَمْ تَرَوا ما كانَ من أَسْلافِكُم
فى أَيِّ أَرْضِ فِرَنْجَةٍ مَثْواها
فاروقُ أو عَبدُ الإلهِ وَصَحْبُه
وَجُيُوشُ غَزْوٍ نَحنُ أَجْلَيْناها
قُلنا لهم شِعْرَاً كما قُلْنَا لكم هَذِى
القَصَائَدَ نَفْسَها قُلنَاها
إذْ لا جَدِيدَ هُنا سِوَى نِسيانِكم
وقعاتنا الأُولى فَكَرَّرْنَاها
فَتَذَكَّرُوا لِتُخَلِّصُوا أَشْعَارَنا
مِنْكُم وَنَكْتُبَها كَمَا نَهْوَاها
وَلْتَسْمَعُونا فَالمُوَفَّقُ بَيْنكم
مَن كانَ يَسْمَعُ حِكْمَةً فَوَعَاها
سَئِمَتْ بِلادُ المسلمينَ طُغَاتَها
فَجِدُوا بلاداً للطغاةِ سِوَاها
ومن مصر كتب الشاعر أحمد بخيت قصيدة بعنوان قافية تونسية هذا نصها:
"قافية تونسية "
ستنجو أمة من حوت يونس ..

وأول شاطئ الأحرار تونس
وأم تكره الطغيان أمي
وأجمل أمهات الأرض تونس
سنهتف بالرصاصة حين تعوي .
نحب الله ثم نحب تونس
يبدل صانع الشعر القوافي .
وما بدلت قافية بتونس
أنا هو أحمد الشعراء لكن .
أعز من القصيد عليّ تونس
وأرتجل الدموع ولو دعتني
سأرتجل الدماء لأجل تونس
كأن الله يغفر كل ذنب .
سوى شرك به أو كره تونس
معاذ الله ماشبهت لكن .
ملائكة السماء تحب تونس
وأشهد حين تمتحن الخطايا .
لقد برِئت أمام الله تونس
يدي بيضاء والدم عبقري
فخذ قلبي وضمد جرح تونس
سينتحر الطغاة غدا جميعا .
إذا زأر الرجال زئير تونس
أ أخطئ في اسم اولادي لأني
أناديهم جميعا باسم تونس؟
وكتب الصحفي عبد الباري عطوان رئيس تحرير القدس العربي قبل الجميع وغداة خروج الطاغية ذليلا كتب قائلا:

للشعب التونسي.. شكرا
شكراً للشعب التونسي.. شكراً لدماء الشهداء الزكية التي عمدت هذا الانتصار الكبير.. شكراً للجيش الذي انحاز الى الشعب، وادار ظهره للديكتاتورية والفاسدين، ووضع تونس وأمنها واستقرارها فوق كل الاعتبارات.
كنا نخشى ان تضيع هذه الانتفاضة هدراً، وان تذهب التضحيات سدى، ولكن هذا الشعب الذي يملك ارادة الانبياء وصمودهم وتضحياتهم، اصر على الذهاب حتى نهاية الشوط.
الطاغية هرب، مثل كل الطغاة الآخرين. هرب بأمواله وفساده، وادرك ان لحظة الحقيقة قد دنت، ولكنه لن يرتاح في منفاه الفاخر، ولن يشعر بالأمان، فأرواح شهداء الانتفاضة ستظل تطارده، ودماؤهم ستتحول الى كوابيس تحرمه من النوم حتى في قبره.
اكاديمية العزة والكرامة التي ارسى اسسها الشعب التونسي ستظل مرجعية، تقدم الدروس البليغة الناجعة لكل الشعوب المقهورة في العالم بأسره، والعالم الاسلامي على وجه الخصوص.
الجيش التونسي الذي انحاز الى الشعب، ورفض ان يوجه بنادقه اليه، مثلما رفض ان يكون حارساً للفساد والقمع ومصادرة الحريات، يستحق ايضاً الشكر والتقدير، وقدم بذلك درساً للجيوش العربية الاخرى التي انحرفت عن دورها الوطني وتحولت الى اداة قمعية يستخدمها الحاكم الديكتاتور لقمع شعبه، وتثبيت دعائم فساده.
انتفاضة الكرامة التونسية هذه فاجأت الكثيرين بمن في ذلك 'عرافو' مراكز الابحاث والدراسات في الغرب، ومنجمو الفضائيات في الشرق، واثبت هذا الشعب التونسي، الصغير في تعداده، الكبير في عطائه، وتضحياته، وطموحاته، انه القامة الشامخة في محاربة الطغاة، والانتصار للعدالة ومكافحة الظلم.
فهذا الشعب، وقبضاته الغاضبة، وحناجره الهادرة، ومواجهاته الشجاعة لرصاص القمع بصدور شبابه العامرة بالايمان، هو الذي اجبر الرئيس التونسي على النزول من عليائه، واستخدام مفردات لم تكن موجودة مطلقا في قاموسه، وكل الحكام العرب الآخرين، من قبل مثل: نعم للتعددية الحزبية.. نعم للمعارضة السياسية.. نعم لانتخابات برلمانية حرة.. نعم للاعلام الحر.. لا للرقابة.. لا للرئاسة مدى الحياة.. نعم للمحاسبة.. نعم لمكافحة الفساد والتحقيق مع المتورطين فيه.
سلسلة من الخطوات بدأت باطلاق الرصاص الحي على المحتجين دون رحمة، وبهدف القتل، وانتهت باقالة الحكومة والدعوة الى انتخابات عامة في غضون ستة اشهر، لانتخاب برلمان جديد يتمثل فيه مختلف الوان الطيف السياسي.
تنازلات كبيرة وعديدة، واحد منها كان كفيلاً وحده بتنفيس هذا الاحتقان، ومنع نزول الناس الى الشوارع، وتجنب ازهاق ارواح اكثر من ستين شخصا، لكن النظام وبطانته تصرفا بطريقة تنطوي على الكثير من الغرور والغطرسة، بل والعجرفة، واعتقدا انهما يستطيعان السيطرة على الناس واذلالهم وكسر ارادتهم من خلال القبضة الامنية الحديدية.
* * *
الرئيس التونسي اعترف، تحت تأثير الغضبة الشعبية وليس تطوعا، بانه تعرض للتضليل من قبل بطانته، التي حجبت عنه الحقائق، وقمعت الشعب باسمه، وصادرت حرياته وابسط حقوقه، ولكنها 'صحوة' متأخرة ثلاثة وعشرين عاما، وهي بالمناسبة الفترة نفسها التي قضاها الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة والمدينة على رأس الدولة الاسلامية (10 سنوات في مكة و13 سنة في المدينة) ونحن هنا لا نقارن لا سمح الله، وانما لنذّكر بالعدالة وحجم الانجاز رغم صعوبة الظروف وضخامة المؤامرات.
ثلاثة وعشرون عاما من ديكتاتورية الحزب الواحد، واحتكار السلطة من قبل مجموعة صغيرة، سيطرت على القرار، ونهبت ثروات البلاد، وتغولت في الفساد، وفوق كل هذا وذاك، مارست القمع الفكري والاعلامي، لحجب الحقائق عن العالم الخارجي.
تونس 'البيضاء' وعلى مدى الثلاثة والعشرين عاما الماضية تحولت الى دولة بلا صديق ولا شقيق ولا نسيب، ولا اقرباء معزولة منبوذة بسبب ممارسات النظام التي ادت الى زهد الكثيرين عن زيارتها، او التواصل معها، خاصة من رجال الفكر والصحافة والاعلام. وجميعهم من محبيها وشعبها دون اي استثناء.
الرئيس التونسي باقالته الحكومة ودعوته الى انتخابات عامة، استنفد كل ما في جعبته من تنازلات، ولم يبق الا التنازل الاخير والاكثر الحاحا، اي رحيله من السلطة فورا مثلما تطالبه بعض او معظم قطاعات الشعب التونسي كما بدا واضحا من خلال الشعارات التي رددها المتظاهرون.
وها هو يرحل الى غير رجعة، ويتجرع كأس النبذ والنفي مثل كل الطغاة الآخرين مثل تشاوشيسكو وماركوس وشاه ايران.
يستحق منا الشعب التونسي الشكر مرتين لا مرة واحدة، الشكر لانه اثبت ان الشارع العربي ليس ميتا مثلما توقع الكثيرون، ونحن منهم، وانه قادر على الانتفاض وتقديم التضحيات من اجل التغيير، والشكر ثانيا لانه فضح الانظمة الغربية التي تشدقت دائما بدعمها للحريات وحقوق الانسان وقيم العدالة والديمقراطية.
فلولا هذه الانتفاضة المباركة لما جلست السيدة هيلاري كلينتون مثل الاستاذة توبخ تلاميذها وزراء الخارجية العرب الذين التقتهم في 'منتدى المستقبل' الذي انعقد في الدوحة يوم امس الاول، وتلقي عليهم محاضرات في الديمقراطية وحقوق الانسان والحكم الرشيد وتطالبهم بالاستماع الى اصوات شعوبهم في هذا المضمار.
ولولا هذه الانتفاضة لما تجرأت السيدة كلينتون نفسها على خرق التقاليد الدبلوماسية المتبعة، والالتقاء بقادة احزاب المعارضة في اليمن اثناء زيارتها لصنعاء وحثهم على التقدم باقتراح 'بدائل' عن حكم الرئيس علي عبدالله صالح.
الايام المقبلة قد تكون عصيبة جدا بالنسبة للكثير من الانظمة العربية الديكتاتورية ان لم يكن كلها، فالاوضاع المعيشية في تونس افضل كثيرا من نظيراتها في معظم الدول العربية، والديكتاتورية التونسية اقل قمعا من ديكتاتورياتها.
امريكا غيرت انظمة معادية لها بالغزو والاحتلال ومقتل مئات الآلاف من الابرياء مثلما حصل في العراق وافغانستان، وها هو الشعب التونسي يقلب المعادلة، ويغيّر نظاما صديقا للولايات المتحدة بالاحتجاجات الحضارية المشروعة التي تكفلها كل القوانين والاعراف الالهية والدولية والوضعية. وربما لهذا السبب جاء اول رد فعل امريكي على انتفاضة تونس البيضاء بعد ثلاثة وعشرين يوما من انطلاقها.
ختاما نقترح على السيدة كلينتون، وبعد التجربة التونسية المشرفة هذه، ان تعد جزيرة في المحيط الهندي لاستقبال الكثير من اصدقائها او حلفائها من الديكتاتوريين العرب، واكرام وفادتهم مثلما خصصت معتقل غوانتنامو لاعدائها من رجالات القاعدة، وربما لا نبالغ اذا قلنا ان الاولين اي الزعماء العرب اكثر خطرا عليها من الاخيرين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.