تعتبر المسألة التربوية أولوية بالنسبة للحركة الإسلامية . وهذا ما يميزها ويعطيها شخصيتها المتميزة عن غيرها من الحركات . باعتبار أنها أعطت لمسألة إعادة صياغة الإنسان وفق قيم الإسلام ومبادئه ، الأولوية على غيرها من الأولويات . وتزداد خطورة المسألة التربوية وأولويتها بالنسبة للمهام الراهنة للحركة الإسلامية ونحن نستحضر عاملين اثنين : 1- ضخامة التحديات التي تواجه الأمة وعلى رأسها الإتجاه العالمي الراهن الهادف إلى فرض نموذج ثقافي واحد هو النموذج الثقافي المادي وما يفرضه هذا التوجه من ضرورة تحصين الذات تحصينا يمكن الأمة من المحافظة على أخر حصونها بعد اختراق حصونها السياسية والأقتصادية . 2- ضعف النموذج الإنساني الذي تصوغه الحركة الإسلامية المعاصرة ومعاناته من مجموعة من الإختلالات في الجوانب المكونة من شخصيته . من الإيجابيات : -الإهتمام المستمر بالمسألة التربوية - استطاعت الحركة أن تعيد الثقة في الإسلام للشباب - استطاعت الحركة تخريج أجيال من الشباب الملتزم بالسمت والخلق الأسلاميين - غلبة التوسط والإعتدال على أعضاء الحركة وظهور اثار العمل التربوي السابق في الشورى والعمل المؤسساتي مقابل هذه الإيجابيات ، هناك مكامن خلل : - تضخم أخلاق الحفظ والأمانة في مقابل ضعف أخلاق القوة والعلم - تضخم الإهتمام بالمظهر أكثر من الجوهر - تضخيم جانب واحد من الإسلام ، حتى يصبح محور كل شيئ : قد يكون هذا الجانب هو تصحيح العقيدة أو العبادة أو بعض جوانب السلوك... - مفاهيم الجماعة قد تصبح الة حادة وقوالب صارمة ، يقاس بها الناس كل الناس ، بدلا من أن تكون وسائل تعين على الفهم - ضعف الفاعلية ، حيث نجد أن الحركات الإسلامية تتحرك بجزئء من طاقتها الفعلية ذلك أن الدعاة والعاملين اليوم ، يتحركون وفق نموذج في الذهن ، مرتبط بعصر النبوة وبالجيل الفريد وينظرون من خلال ذلك العصر . والخلل ليس في هذا المنظور ، من خلال ذلك العصر . إنما الخلل المنهجي في عدم إدراك الفروق الجوهرية بين عهدهم الذهبي وعهدنا نحن . ذلك أن الجيل الفريد كان يعيش الوحي لحظات لحظات ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم ، يوضح لهم معالم الطريق ولهذا كان انتصار قيم المناخ الذاتي للحركة الإسلامية الأولى على قيم المناخ العام الجاهلي ؛ من خلال قوة الوحي وقوة وجود شخص الرسول صلىالله عليه وسلم ، وقوة الدين . واليوم تغيب هذه المقومات ، نعم يوجدالوحي لكن الإنسان هو المطالب اليوم باستنباط فقه الحركة وفقه الدعوة وفقه ادارة التدافع . وإذا كانت الدعوة في زمن النبوة ، قائمة على أساس مقابلة دين جديد بدين قديم ؛ حيث كانت الرؤية واضحة لكل المسلمين : توحيد مقابل شرك ، وأرضية الإنطلاق هي الدين . فإن الحركة الإسلامية اليوم لا تتحرك في مجتمع يعيش فيه الكفار ، أنها ليست ناطقة باسم الدين ، كما كان الشأن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لذلك فإن الشأن الحركي الإسلامي ظروفه مختلفة . نعم كل العاملين للا سلام يأملون في أن تسود شريعة الله في الأرض ، لكن هم مدعوون اليوم للدفاع عن العدل والحرية والأخلاق الرفيعة : نعم هذا هو العنوان المرحلي الذي ينبغي أن يؤطر العمل للمستقبل . أن المسألة التربوية تؤرقنا ، لكن يلزمنا من باب ما لايتم به الواجب فهو واجب ؛ أن نكون واعين بالخلل الحاصل في المنظور الإسلامي للتربية على المستوى الذاتي للحركة الإسلامية . خاتمة : إننا جميعا أبناء الحركة الإسلامية نردد كلاما حول التربية والمنهج ، لكن ألا يعتبر العجز عن صياغة ميثاق أخلاقي بين فصائل العمل الإسلامي ببلادنا فشلا تربويا وسياسيا لهذه الفصائل . إننا مدعوون بجدية لتعميق النقاش ، حول إعادة رسم الأولويات وإعادة الفهم ؛ بناءا على إعادة طريقة الفهم لكل العلائق القائمة في المجتمع ، لكي لا ننتج الأزمة ولكي لا نعيد انتاجها .