ما كنت أحسب يا تونس الخضراء أن تصير أرضك الطيبة سجنا كبيرا لأبنائك و كم رددنا بصوت عال : فلا عاش في تونس من خانها, حين كان غيرنا يقول ياللسخافة و السذاجة بل فلا عاش في تونس من ضحى من أجلها وعمل على رفعتها و عزتها واستقلالها نعم أقول هذا وأنا أتذكر الاستاذ الفاضل صادق شورو ورفاقه المجاهدين القابعين وراء القضبان منذ ما يقارب العقدين وأتحدى أيا كان إذا وجد في تاريخنا أطول من هذا السجن أقول هذا و أنا أرى بأم عيني سيارات" الهامر" ومن فيها وسيارات فخمة تحمل لوحة" ولد شلبية" وأحسب أن هذا الرقم لا وجود له في قاموس ادارة النقل البري , أقول هذا وأنا أرى قصور حي النصر ومن يسكنها وأتذكر حالتي و حالة إخوان لي كانوا رفاقي في الجامعة وصاروا عمالا في دكاكين تجارة أو بدون عمل مثلي, لا أجر ولا تأمين على المرض ولا حرية تنقل داخل الوطن فضلا عن جواز السفر ولا حرية مراسلات فضلا عن البحث العلمي, أشاهد فضائيات تونس X وملايين الدنانير المهدرة فيها ومن ينشطها فلا يستطيع عقلي الا أن يقرأ" فلا عاش في تونس من خانها" بالمقلوب , وأما "و لا عاش من ليس من جندها" فأنا اسال الخضراء وبكل بساطة هل نوافل تونس كانوا من جنودك البواسل أم من بيدهم الحل والعقد في المال والقرار والسياسة كانوا من أبطالك المجاهدين وكنا, نحن المحرومون, من الخونة والمعادين لأصالتك يا خضراء؟ وما تقولين يا خضراء في من رسموا أسماءهم في زمرة النخبة المثقفة والواقع أن ثقافتهم أسفار على ظهر حمير, ليس لهم من الكفاءة والبراعة سوى تبييض الأسود وتسويد الأبيض, تصدوا بكل بسالة لأي نقد أو لوم أو نصيحة لجلالة السلطة وقد مكنتهم ثقافتهم من معرفة كل شيء والجواب عن كل شيء حتى صارت الشمس تحسدهم لسعة إطلاعهم على كل حصى في تراب الخضراء وكانت "براهينهم" حاضرة جاهزة كسرعة صواريخ الحرب الباردة التي عدلت لتسابق الثواني في الوقت. في السبعينات كان لي زميل فرنسي يدعى قارنياي, كان يكبرني سنا وله خبرة طويلة, درس في عدة جامعات فرنسية وعربية وإفريقية, لاحظ أنني أفتح مكتبي في غالب الأحيان قبل السادسة صباحا ولا أعود إلى البيت إلا بعد التاسعة مساء, فقد كنت أعمل أكثر من 10 أضعاف واجبي في الكلية وكنت أدرس في معهد الترقية الإجتماعية بين 6و9 مساء, ذات يوم أصر زميلي هذا على أن يقول لي "أنا أكبر منك وأكثر منك تجربة ولأنني حقيقة أحبك, أنصحك عليك بصحتك وبعائلتك, فاعلم أنك في عالم ثالث وسيأتيك يوم تصبح فيه نكرة ودولتك لا تعترف لك بهذه التضحيات" أخذت نصيحته مأخذ الجد دون التأثر بها وبعد بضع سنوات وبالتحديد سنة 1983 حدث شغور في منصب مدير "د1" للعلوم والتقنية للعالم العربي والشرق الأوسط بمنظمة اليونسكو فنصحني عدد من الرموز العلمية الدولية للترشح لهذا المنصب ووعدوني بتزكية ملفي, نصيحة زميلي قارنياي ساهمت في دفعي لتقديم ترشحي ولما وصل الملف إلى نقطة ما جاءني العميد وقال لي بالحرف الواحد "السيد الوزير يرجوك سحب ملفك وإلا فاغلق الكلية وأتني بالمفتاح" في الكلام المنقول عن الوزير 3 أمور. 1 حظي في الفوز كان وافرا 2خدماتي في الجامعة لا يمكن الإستغناء عنها 3شعور الوزير بصدق وطنيتي إلى حد التضحية بهذا المنصب المرموق عالميا لصالح الجامعة سحبت ملف ترشحي وواصلت عملي حتى صارحتنا السلطة بعدائها لكل صوت حر وكل فكر أصيل فوقع ما هو معلوم لدى الجميع وأوقف مرتبي في صائفة 1987 وواصلت عملي رغم ذلك ضمن لجنة الإنتداب مع الإختفاء عن البوليس السياسي الذي كان يبحث عني لتقديمي لعدالة بورقيبة في أخر حياته, لم تغلق الكلية وتم إنتداب 14 أستاذا بولونيا وواصلت الكلية عملها وواصلت أنا في محنتي حتى هذه الساعة. ودرءا لكل شبهة وإيمانا مني بوجود قضاة نزهاء وأصحاب ضمير, قمت بتقديم عريضة لدى المحكمة الإدارية بتاريخ 31 10 1989 لتمكيني من إستئناف عملي طبقا للقانون وخاصة الفصل56 من قانون الوظيفة العمومية, المحكمة عقدت أول جلسة لها في 24 10 2002 وقررت تأجيل التصريح بالحكم ليوم 28 11 2002 ولم يتم ذلك, وعقدت جلسة ثانية بتا ريخ 25 10 2007 وقررت تأجيل التصريح ليوم 22 11 2007 –مع إلحاق قضية الجوازات المقدمة سنة 2006- ولم يصرح بأي حكم فلم يبق لي سوى أن أفوز بترسيم قضيتي في كتاب "قينس" للأرقام القياسية بعدما مضى على تقديم شكايتي 18سنة ونصف دون حكم, ومن المنطق السليم أنني صاحب ومعي الحق ويوم يعلى صوت الحق فيك ياخضراء سأقاضي من يريد قتل الحق , وإلى ذاك الزمان المنظور سأصارع البؤس والحرمان والظلم مع إخواني وزملائي صادق شورو وعباس شورو ومحمود الدقي ومحمد غرائبة ومنصف مرزوقي ومع كثير من أبناء تونس الخضراء.