تجمع الأطراف السياسية المعنية على أن الوقت قد حان للاستعداد بما يلزم من الجدية و الالتزام لموعد2009 وقد سبق أن دعا مجلس الإطارات الذي عقده التكتّل الديمقراطي من أجل العمل والحريات يوم الأحد 6 جانفي 2008 إلى أن تكون 2008 " سنة الحوار الوطني بين السلطة وأحزاب المعارضة وسائر مكونات المجتمع المدني من أجل وضع أسس الإصلاح السياسي المنشود ومتطلباته الدستورية والعمليّة والتي من شأنها أن توفّر الأرضية الضرورية حتّى تكون سنة 2009 موعدا انتخابيا حقيقيا تجري فيه انتخابات حرّة نزيهة وشفافّة تقطع مع سابقاتها وتعيد الأمل للنفوس وترسي لنخوة وطنيّة دائمة الجذوة وضامنة للرقيّ والاستقرار " وإذ " أكدّ هذا البيان على أهميّة العمل المشترك الذي انخرط فيه التكتل الديمقراطي سواء في إطار هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحرّيات أو في إطار التنسيق مع حركة التجديد "، فقد أكدّ كذلك " على عدم اتخاذ مواقف متسرّعة من انتخابات 2009 ...وعلى " أنّ الأولويّة اليوم هي الحفاظ على وحدة الصف ودفع فكر العمل المشترك " موقف التكتل إذن واضح حيث نعطي الأولية إلى دفع العمل المشترك و إلى جمع الصف المعارض للحدّ من الاختلال الخطير لميزان القوى الحالي، و الهدف كذلك واضح و هو يتمثل في تغيير قواعد اللعبة في أقرب وقت ممكن، و أعني بذلك قواعد اللعبة السياسية في مجملها و بدون اختزالها في المجلة الانتخابية فما بالك بتلخيصها في حق الترشح للانتخابات الرئاسية رغم ما لهذا الحق من أهمية في نظام سياسي رئاسوي مثل نظام بلادنا. لقد علمتنا تجربة 2004 أن الترشح الرمزي لم يأت بأي نتيجة و أن إمكانية الترشح التي توفرت للأخ محمد علي الحلواني، و هو المناضل الذي لا يجوز التشكيك في إمكانياته و لا في صفته كمعارض و لا في حجم التعبئة الذي حققته حول ترشحه المبادرة الديمقراطية، لم تزحزح الأوضاع بالقدر الذي يضمن للحملة الانتخابية الحدّ الأدنى من التعددية و الحرية و يحول دون التلاعب بالنتائج التي كانت مزرية و بعيدة كل البعد عن واقع التجاوب الشعبي مهما كانت محدوديته نتيجة فقدان العملية الانتخابية لأي مصداقية. لكم كررنا أن الانتخابات تتويج لمسار و أنها امتحان لا طائل من ورائه - بل قد لا يكون له معنى- إذا لم يقع الاستعداد له في ظروف يتساوى فيها المتنافسون في الحقوق و الواجبات. و لا يختلف اثنان في أن هذه الظروف غير متوفرة و أنها لن تتوفر بالمبادرات الفردية بقدر ما يمكن توفير أفضل الحظوظ لتغييرها عبر تجميع القوى، كل القوى، المؤمنة بضرورة التغيير. إن هذه القوى مدعوة إلى تجاوز الاختلافات الإيديولوجية و الحساسيات الذاتية و إلى جمع شتاتها و تنسيق أعمالها من أجل أن تكون انتخابات 2009 انتخابات حقيقية تتوفر فيها الضمانات الأساسية كحياد الهيئة المشرفة وحرية التنظم و الاجتماع و حق التعبير و حق الانتخاب لكل المواطنين، كما يضمن فيها حق الترشح للانتخابات الرئاسية و التشريعية بشروط معقولة و قارة و غير إقصائية. إن موعد 2009 سيكون حاسما للسلطة حيث أن الوضع المتأزم في بلادنا لم يعد يتحمل أي إرجاء للإصلاح السياسي و لمراجعة القوانين المنظمة للحياة السياسية في اتجاه تنقيتها من مظاهر الانغلاق و التعسف و التمييز.هل يعقل - و قد انطلقت الحملة التجمّعية للانتخابات الرئاسية منذ سنتين- أن يتواصل منذ عشر سنوات تنظيم الانتخابات الرئاسية بقوانين استثنائية تسن عشية الانتخابات و أن تبقى الأحزاب و معها سائر المواطنين يجهلون حتى آخر لحظة ما سيطبخ لهم؟ لقد بلغ الاستخفاف حدّا لا يطاق في وطن يعجّ بالطاقات و الكفاءات و النخب المستنيرة التواقة إلى الأفضل. و سيكون هذا الموعد حاسما أيضا بالنسبة إلى المعارضة و اختبارا لنضجها و قدرتها على تجاوز الخلافات الهامشية من أجل التأثير الفعلي على مجرى الأمور و تحقيق النقلة النوعية في مجال التنمية السياسية الحقيقية.و بعيدا عن التفاؤل المفرط أعتقد أن هذا ممكن. إن قراءة سريعة لتجربة 2004 تؤكد أن المعارضة فشلت في تعبئة الرأي العام الواسع كما فشلت في تحقيق النقلة النوعية المأمولة على طريق إرساء الديمقراطية ببلادنا، و هو الشأن الذي يهم كل المواطنين بالأساس، و أن السبب الأصلي في فشلها يرجع إلى أن جزءا هاما من مجهودات المعارضة أهدر في إيقاد نار المنافسة إلى حدّ الصراع في صفوفها، منافسة من أجل أهداف لا علاقة لها غالبا بالمسار الديمقراطي و المصلحة الوطنية. و لو كنا قادرين على استخلاص الدرس ليتبيّن لنا أن المطلوب اليوم من كل الأطراف المعنية هو أن تدفع نحو كلّ ما يجمع- و لو كلفها ذلك بعض التنازلات أو حتى بعض التضحيات بالنظر إلى المصالح الحزبية و الذاتية- و أن تتجنب كل ما من شأنه أن يحدث شروخا أو يخلق ظروفا توصد الباب أمام إمكانيات التوافق عندما يحين الوقت لاتخاذ القرار الحاسم. إن تونس اليوم ليست في حاجة إلى منقذ بل هي في حاجة ماسّة و أكيدة إلى إصلاح مؤسساتي عميق تساهم في نحته و إنجازه كل القوى المحبة لتونس و الواعية بأن البلاد لن تتحمل عواقب انتكاسة أخرى في 2009 لا يقدر الآن أحد على التكهّن بمدى خطورتها.