كان لبورقيبة قط إعلامي سمين ومدلّل ينام ويستيقظ على صوته الصادح في الإذاعة بالمدح والتمجيد و"التبسيس" و"التلحيس" وكان هذا المذيع الرديء متخصصا في إذلال خلق الله في الجهات المنسية يستغلّ فقرهم ورضاهم بالفتات الذي يلقى إليهم من حين إلى آخر فيحملهم على مدح لبورقيبة لا رغبة لهم فيه. ويستهدف النساء بصفة خاصة فيكرههم على الزغاريد. وقد كتبت عنه مقالا في جريدة الرأي عنوانه "وإذا المزغردة سئلت بأي ضغط زغردت" كما كتبت عنه في "المقامة الثورية" كلاما أخرجه عن طوره وجعله يهمّ بالوشاية بي لدى بورقيبة لولا نصيحة من أحد أصدقائه حذّره فيها من أنّ بورقيبة إذا قرأ ما كتبته فيه سيتخذ من كلامي مادة للسخرية منه... المهم، هذا المذيع اكتسب بدغدغته لغرور بورقيبة حظوة لم يكن يحلم بها وصار بيده أن يربط ويحلّ ويوزّر ويعزل، وبذلك أصبح مقصدا للكبراء والوزراء والمدراء يتملقونه ويطلبون رضاه ويتقون شرّه... إلى أن طرد بورقيبة في تلك الليلة النوفمبرية السوداء. فكان هذا المذيع أوّل المعلنين عن رحيل سيّده وخرج إلى الشارع بمصدحه ليعرض آراء الناس في التغيير المبارك وارتياحهم لرحيل بورقيبة. فمَن من أبواق بن علي، يا ترى سيكون أوّل المعلنين عن رحيله. إنّهم والله لكثر ولا ريب في أنّ المعركة بينهم ستكون حامية الوطيس. إلى السيدين منصف بن مراد ورضا الكافي بمناسبة عيد الصحافة بعض الصحفيين من جماعة المنزلة بين المنزلتين يؤلمهم الشعور بالقيد أو يريدون التقرب إلى السلطة فيتخذون من الأقلام الحرة والمضطهدة مرمى لانتقاداتهم وتلاميذ يتلقون نظرياتهم في الاعتدال والحرية والمسؤولية. في شهر فيفري الماضي كتب السيد بن مراد مقالا عنوانه "هل أصبح شتم السلطة ديبلوما في الديمقراطية" حلّل فيه "المفهوم الصحيح" لحرية التعبير وشجب فيه ما يعتقده الآخرون حرية تعبير. وهو في الحقيقة تجريم وثلب وتشخيص ليستخلص من كل ذلك خلاصة مفادها أنّ المجرّحين والثالبين والمشخّصين هم أصل الداء لأنّ النظام حسب رأيه لا يمكن أن "يمدّ يده لأحزاب أو أشخاص يستعملون خطابا جارحا يتجاوز كل الحدود". أمّا السيد رضا الكافي فقد كتب في هذا الشهر مقالا عنوانه "الإعلام حرية ومسؤولية" جاء فيه بالخصوص أنّ تونس ليست جنّة إعلامية ولكنّها ليست جحيما إعلامية كما تدّعي بعض "بؤر التآمر" التي تتمثل مهمّتها في الصراخ على ذئب "لا وجود له" ويستدل السيد رضا الكافي على وجود حرية التعبير بأنّه حرّ في الكلام عن حرية التعبير !! أبدأ بالردّ على السيد بن مراد فأجيب عن السؤال الذي طرحه في عنوانه وأقول له إنّ شتم السلطة ليس ديبلوما في الديمقراطية ولكنّ الكلام بصدق عن نظام بوليسي عضوض يمكن أن يعتبر عنوان صدق وشجاعة وحرية، هذا فضلا عن كونه يؤدي خدمة للضحايا والمستضعفين الذين ما كان أحد سيعلم بمعاناتهم لو اكتفينا بالحرية المسؤولة التي نمارسها في جريدتك. ولا أردّ عليك يا سيد بن مراد فيما يخص الثلب والتجريح وغيرها من المصطلحات التي تلوى أعناقها. ولكنّي أكتفي بسؤالك عن الموقف السليم والمعقول من نظام يهتك أعراض الناس ويبتزّهم بواسطتها. أمّا التشخيص فما الفائدة من نقد الأوضاع إذا لم نعيّن المسؤولين عن إفسادها ؟ وثمّة شيء آخر أنبّهك إليه يا سيد بن مراد وهو أنّك تجرّح في النظام أكثر منّا لما تقول إنّه يعطّل بلادا بأكملها ويوقف أحوالها ليعاقب فئة قليلة تجرّح فيه كما تقول. للسيد رضا الكافي أقول إنّ تونس ليست جحيما للإعلاميين بل هي سجن لهم ولسائر المواطنين... وليس عندنا يا سيد الكافي بؤر للتآمر بل نحن ضحايا تآمر إعلام ما مع السلطة ومع رأس المال... والذئب موجود والله وأنت تكتفي من الحرية بالحديث عن الحرية لأنّك تخشاه. وللسيدين الكريمين مع أقول، إنّ الحوض المنجمي في بلادنا يعيش منذ شهور على وقع انتفاضة الفقراء والمحرومين من التنمية والعاطلين عن العمل. وفي المنطقة غبار ودخان واعتقالات وقتل وحصار يذكّر بغزة ولم نر أحدا منكما أرسل فريقا صحفيا لتغطية هذه المأساة ولا نشر عنها ما ينير الٍرأي العام. ولهذا فليس مسموحا لكما أخلاقيا و"ديونتولوجيا" أن تصدّعا رؤوس الناس بالحديث عن المناهج الصحفية الصحيحة وعن الحرفية وأخلاقيات المهنة... وكل عيد صحافة وأنتما بخير. source : www.kalimatunisie.com