لأكثر من سبب لن يخرج اجتماع وزيرة الخارجية الأميركية رايس مع نظرائها المغاربيين عن إطار التمنيات والمجاملات، فمشاكل المنطقة أكبر من ان تحل في اجتماع كهذا يعقد في الهزيع الأخير من ولاية الإدارة الاميركية الحالية. في استطاعة رايس ان تعبر عن انشراحها لدمج جماهيرية الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي في المنظومة المغاربية التي كانت تعول على اقامة شراكة سياسية واقتصادية معها، اقتصرت لفترة طويلة على تونسوالجزائر والمغرب. غير ان دمج ليبيا تصادف وتحفظات على موريتانيا نتيجة تداعيات الانقلاب العسكري الأخير. فما ان يصلح مسار ضمن المنظومة المغاربية إلا ويصاب آخر بالعطل. في مقدور رايس ايضاً ان تقفز فوق هذه التناقضات تاركة للعواصم المعنية تدبير علاقاتها مع موريتانيا والمجلس الأعلى للدولة تحديداً. فالكل متفق على الانخراط كلياً أو جزئياً في الحرب على الارهاب، خصوصاً ان هذه الصيغة الفضفاضة قابلة لاستيعاب أي تكييف للمفاهيم وللأعداء المحتملين. بيد ان هذه الحرب يلزمها الانطلاق من قواعد، ليس اقلها التنسيق الشامل بين الدول المغاربية المعنية أكثر من غيرها باستشراء وتنامي الظاهرة الإرهابية. بيد ان غياب التنسيق في القضايا والملفات ذات الطابع الاقتصادي والتجاري ينسحب سلباً على المجال الأمني، والاقرب الى ذلك انه يصعب تصور تعاون أمني واستراتيجي بين الجزائر والمغرب في التصدي للإرهاب، فيما الحدود البرية بين البلدين مغلقة، لا تضمن حتى الانسياب العادي في تنقل الأشخاص والبضائع. في إمكان الوزيرة رايس ان تطلب الى الشركاء المغاربيين الاتفاق على حد أدنى في دعم المسار الذي تسلكه الأممالمتحدة في التعاطي ونزاع الصحراء، اقله ان جهود المنظمة تعكس قناعات المجتمع الدولي لناحية إنهاء نزاع طال أمده، إلا ان الشركاء المغاربيين معنيون في غالبيتهم بالصراع كأطراف مباشرة أو غير مباشرة. وما لم تستطعه الأممالمتحدة منذ حوالي 18 سنة لا يمكن إنجازه في بضعة أسابيع. شيء واحد يمكن ان يجد صداه لدى الإدارة الأميركية، ومفاده ان الموقف المغاربي من المنظومة الأوروبية الجديدة، الاتحاد من أجل المتوسط، لم يكن متجانساً، خصوصاً ان ليبيا عارضت الفكرة من اساسها، في حين انسحبت شظايا خلافات حول استضافة الأمانة العامة لتحدث بعض الشرخ في الموقف المغاربي. غير ان رايس لن تكون مغاربية أكثر من نظرائها، فقد سبق للجماهيرية الليبية ان وصفت الاتحاد المغاربي بأنه أكذوبة كبيرة، فيما يستدل على تعثر جهود البناء المغاربي الى درجة العطب الذي أصاب بنيانه انه لم يقدر على عقد قمة مغاربية واحدة منذ حوالي 14 سنة، فكيف يمكن لتنظيم كهذا لا يوجد إلا في الحلم ان يحقق أهداف شعوب ودول المنطقة في التضامن والتفاهم والتعاون؟ مشكل الاتحاد المغاربي سيظل قائماً ما دام ثمة خلاف جوهري بين الجزائر والمغرب. وربما كان مصدر الخلل في الاتحاد انه انشئ بهدف إذابة خلافات البلدين وغيرها ضمن مشروع سياسي واقتصادي أكثر طموحاً، إلا انه تأثر بتلك الخلافات التي كان معولاً ان يؤثر فيها، فقد حافظ على كونه بناء فوقياً ولم يعر كثير اهتمام لركائز ذلك البناء الذي يبقى عرضة للانهيار في غياب الأسس المتينة والسليمة التي يقف عليها. الأكيد ان الإدارة الأميركية انتبهت متأخرة الى منطقة الشمال الافريقي، على رغم انها تقرن مفهومها للشرق الأوسط الكبير بالشمال الافريقي، ومصدر ذلك انها لم تكن راغبة في مقايضة الأوروبيين على مناطق نفوذهم التقليدية، لكنها اليوم، وهي بصدد التراجع قليلاً الى الوراء، تريد ان تجعل من المنطقة خلفية لأكثر من رهان. فهي أقرب نقطة الى أوروبا والمنفذ الطبيعي نحو افريقيا. ولا بأس من استبدال منهجية فرض الحلول التي اعتمدتها في مناطق أخرى وأظهرت محدوديتها بأسلوب الحلول الوفاقية التي تصدر عن الدول والأطراف المعنية. قد تكون الوزيرة رايس أرادت التحقق من بعض الانتقادات التي وجهت اليها لأنها زارت منطقة الشمال الافريقي في نهاية ولاية الإدارة الاميركية الحالية ولم تفعل ذلك من قبل. غير ان مؤشر اهتمامها بما يجري في المنطقة الآن لا يعني ان الأمر يتعلق برفع العتب، بقدر ما يعكس جانباً من المنظور الاميركي الذي لا يختلف حوله الديموقراطيون والجمهوريون. انه البعد الاستراتيجي الذي قد يحمل المنطقة الى الصدارة.