مشروع المسلخ البلدي العصري بسليانة معطّل ...التفاصيل    الإنطلاق في تكوين لجان جهوية لمتابعة تنفيذ برنامج الشركات الأهلية    عميد المحامين يدعو وزارة العدل الى الالتزام بتعهداتها وتفعيل إجراءات التقاضي الالكتروني وتوفير ضمانات النفاذ الى العدالة    جمعية "ياسين" لذوي الاحتياجات الخصوصية تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    وزير السياحة: 80 رحلة بحرية أي قرابة 220 ألف سائح اختاروا الوجهة التونسية في انتعاشة لهذه السياحة ذات القيمة المضافة العالية    اختتام الصالون الدولي 14 للفلاحة البيولوجيّة والصناعات الغذائية    الدورة الثانية من "معرض بنزرت للفلاحة "تستقطب اكثر من 5 الاف زائر.    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية خلال مؤتمر رابطة برلمانيون من اجل القدس باسطنبول    الكشف عن مقترح إسرائيلي جديد لصفقة مع "حماس"    بطولة انقلترا - غالاغر يمنح تشيلسي التعادل 2-2 أمام أستون فيلا    بطولة ايطاليا : تعادل ابيض بين جوفنتوس وميلان    2024 اريانة: الدورة الرابعة لمهرجان المناهل التراثية بالمنيهلة من 1 إلى 4 ماي    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    القلعة الكبرى: اختتام "ملتقى أحباء الكاريكاتور"    الكاف: قاعة الكوفيد ملقاة على الطريق    سوسة: وفاة طالبتين اختناقا بالغاز    استغلال منظومة المواعيد عن بعد بين مستشفى قبلي ومستشفى الهادي شاكر بصفاقس    بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و أوستابينكو    تعزيز جديد في صفوف الأهلي المصري خلال مواجهة الترجي    طبرقة: المؤتمر الدولي لعلوم الرياضة في دورته التاسعة    جدل حول شراء أضحية العيد..منظمة إرشاد المستهلك توضح    اليوم.. انقطاع الكهرباء بمناطق في هذه الولايات    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    كلاسيكو النجم والإفريقي: التشكيلتان المحتملتان    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    اكتشاف أحد أقدم النجوم خارج مجرة درب التبانة    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    كلوب يعلق على المشادة الكلامية مع محمد صلاح    إمضاء اتفاقية توأمة في مجال التراث بين تونس وإيطاليا    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    سوسة: القبض على 5 أشخاص يشتبه في ارتكابهم جريمة قتل    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط حفظ الصحّة    اعتماد خطة عمل مشتركة تونسية بريطانية في مجال التعليم العالي    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    القطب المالي ينظر في اكبر ملف تحيل على البنوك وهذه التفاصيل ..    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    البطولة الوطنية: النقل التلفزي لمباريات الجولتين الخامسة و السادسة من مرحلة التتويج على قناة الكأس القطرية    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    طقس اللّيلة: الحرارة تصل 20 درجة مع ظهور ضباب محلي بهذه المناطق    وزير الفلاحة: "القطيع متاعنا تعب" [فيديو]    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    عميرة يؤكّد تواصل نقص الأدوية في الصيدليات    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العدالة المؤجلة أو جرائم السلطة

أثارت محاكمة الرئيس التشادي الاسبق حسين حبري المثارة حاليا ،و موت الرئيس اليوغسلافي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش المفاجئ ، 1941 ، 2006 ، الكثير من التساؤلات ، حول أسباب تأخر محاكمات المتهمين بمثل هذه الجرائم في العالم ، و منها محكمة ميلوسيفيتش التي استغرقت 4 سنوات و 8 أشهر ، واجه فيها تهم ارتكاب جرائم حرب ، و جرائم ضد الانسانية ، و جرائم إبادة في البوسنة و كوسوفو، بلغت 66 تهمة ، كانت كافية للحكم عليه بالسجن مدى الحياة ، كما كان متوقعا . لكن موته قطع تلك المحاكمة ، التي كان من المنتظر أن تتنه بعد بضعة أسابيع ، وكان بامكانها أن تعزز شكوى البوسنة ، ضد صربيا و الجبل الاسود ، أمام محكمة العدل الدولية . فما هي أسباب تأخر محاكمات أشهر المتهمين في العالم بارتكاب جرائم في حق شعوبهم ، أو الشعوب الأخرى ؟ ، و ماهوالقاسم المشترك بينهم ؟ ، و العوامل السياسية و القانونية التي ساهمت في ذلك ؟ ، لا سيما و أن لدينا العديد من الامثلة من آسيا ، مرورا بافريقيا ، و أوربا ، و انتهاءا بالقارة الاميركية . حيث نجد أن البعض من الرؤساء استمرت محاكمتهم عدة سنوات ، ولم تصدر بحقهم أحكام قضائية ، مثل ميلوسيفيتش ،وبعضهم الآخر تمت محاكمته في وقت قياسي وأعدم ، مثل تشاوسيسكو في ورمانيا . وهناك نموذج ثالث ارتكب جرائم ، و لكنه لم يواجه أي محاكمات مثل أرييل شارون ، أو لا تزال محاكمته في بدايتها مثل الرئيس العراقي السابق صدام حسين .
مفهوم الجريمة السياسية : ولا يقف مفهوم الجريمة السياسية ، أو جرائم السلطة ، عند مفهوم الابادة الجماعية لعرق معين ، كما كان أثناء محاكمات نورمبرغ ، و إنما يتعداها في القانون الدولي الحديث ، إلى القتل العمد ، و التعذيب ، و الخطف ، و ما شابهه . ويقول خبراء القانون الدولي الجنائي " لم يتخذ مفهوم ،الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، شكل القانون المكتوب ، إلا بعد وضع ، ميثاق محكمة ، نورمبرغ ، التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية لمحاكمة النازية . أما القانون الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الناشئة فيتضمن ،في المادة السابعة ، تعريفاً للجرائم المرتكبة ضد الإنسانية ، مشيرا إلى إنها أفعال معينة، مثل القتل العمد، ، والتعذيب ، والاسترقاق ، والاختطاف ، والاغتصاب ، والاستعباد الجنسي ، وما إلى ذلك " أما جرائم الابادة فهي التي " ارتكبت في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين ، وعن علم بالهجوم ". كما " توجد تعريفات مماثلة لهذا المفهوم في النظام الأساسي لكل من المحكمة الجنائية الدولية الة بيوغوسلافيا السابقة ، وتلك الة برواندا. والذي يجعل جريمة ما في عداد الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية هو ما تتسم به من اتساع نطاقها وطابعها المنهجي " . أما أسباب تأخر إصدار الاحكام في جرائم السلطة فيوجزها الدكتور ترنكة في 8 عناصر هي " كثرة وثائق القضية ، وعمليات و آليات جلب الشهود لا سيما إذا كان عددهم كبيرا ، إعطاء وقت للمتهم لدراسة الملف والرد عليه ، بشكل مباشر ،أوعن طريق محاكميه ، الوقت المخصص لجلسات المحاكمات ، مرض المتهم ،وهي هذه جميعها توفرت في محاكمة الرئيس الصربي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش ، إضافة لفرار المتهم ، أوامتناعه عن الحضور أوعدم الاجابة على اسئلة المحكمة ،أوما يسمى بدفاع الصمت ، وعدم توفر المال لمواصلة المحاكمات ، وهذه شهدناها في محاكمات مختلفة في جرائم السلطة " .
الاتفاقات الدولية : وهناك اتفاقات دولية تنظم العلاقة في المجال الجنائي ، و منها اتفاقية جنيف بشأن حماية الأش المدنيين في وقت الحرب ، ومدونة لقواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين ، وإعلان الأمم المتحدة للقضاء علي جميع أشكال التمييز العنصري ، والبروتوكول الاختياري الأول الملحق بالعهد الدولي ال بالحقوق المدنية والسياسية بشأن تقديم شكاوي من قبل الأفراد ، ومبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية ، والعهد الدولي ال بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة ،و الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، والعهد الدولي ال بالحقوق المدنية و السياسية ، ومجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأش الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن ، و إعلان بشأن المبادئ الأساسية لتوفير العدالة لضحايا الجريمة وإساءة استعمال السلطة ،والاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها ،اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 3068 (د-28) المؤرخ في 30 نوفمبر 1973، أما تاريخ بدء النفاذ فهو 18 يوليو 1976، وفقا لأحكام المادة 15.وإعلان بشأن المبادئ الأساسية الة بإسهام وسائل الإعلام في دعم السلام والتفاهم الدولي وتعزيز حقوق الإنسان، ومكافحة العنصرية والفصل العنصري والتحريض علي الحرب ، و قد اعتمد ونشر علي الملأ من قبل المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة في دورته العشرين ، يوم 28 نوفمبر 1978. وإعلان بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد اعتمد ونشر علي الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 36/55 المؤرخ في 25 نوفمبر 1981.وإعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة اعتمد ونشر علي الملأ بموجب قرارالجمعية العامة للأمم المتحدة 1514 (د-15) المؤرخ في 14 ديسمبر 1960 .
أوغيستو بينوشيه : و يعد كل من الرئيس التشيلي السابق بينوشيه ،والروماني السابق تشاوشيسكو ، والتشادي حسين حبري ، و الاثيوبي منغيستو هيلاماريام ، و البنمي مانوال نوريغا ، والجنرال الكوري جنوبي جون هوان وروتا ، والمالي موسى ترواري ،و اليبيري تشالز تايلور، و الكمبودي بول بوت ، و اليوناني جورج بابادوبوس ، والاندونيسي سوهارتو ، بالاضافة إلى الرئيسان السابقان في صربيا ، و العراق ، سلوبودان ميلوسيفيتش ، و صدام حسين ، ورئيس الوزراء الاسرائيلي آرييل شارون ، و عدد من الدكتاتورين الصغار ، أمثلة صارخة ، و نماذج تجسد جرائم السلطة في العصر الحديث .
ففي 23 أغسطس 1973 أصبح أوغستو بونيشيه رئيسا لهيئة الاركان في تشيلي ، و مالبث أن دبر مع اطراف خارجية كبرى انقلابا ضد الرئيس الليندي ، ليحل مكانه و يبق يظل في السلطة حتى 1990 أي 17 سنة كاملة . و قد ظل قائدا للجيش حتى 1998 ، ليأمن مكر الحكام الجدد و هم أنصار الليندي ، ثم سافر إلى لندن حيث اعتقلته السلطات هناك ، بناءا على مذكرة توقيف صادرة من محكمة اسبانية ، و لكن رئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارغريت تاتشر ، رفضت تسليمه ، ووضعته بدل السجن تحت الغقامة الجبرية . و في 1999 انتخب رئيس جديد لتشيلي هو ريكاردو لاغوس ، و بعد سنتين عاد بينوشيه إلى تشيلي حيث استقبله أنصاره في المطار بحفاوة بالغة ، مثلت له حصانة من المحاكمة إلى حين ، و في 2004 رفعت المحكمة الدستورية عنه الحصانة ، من أجل محاكمته على الجرائم التي ارتكبها بحق معارضيه ، أثناء فترة حكمه ،بعد توجيه اتهامات له بالتهرب الضريبي و الخداع و جرائم تزوير أخرى تتعلق ب 27 مليون دولار اختفت في حسابات بنكية أجنبية ، و لكنها ما لبثت أن تراجعت ، بزعم شيخوخته ، 90 عاما ، ولوجود أنصار له داخل مفاصل الحكم ، و رفضت 3 قضايا ضد بونيشيه .و لكن صعود ميشيل باشليه إلى السلطة مؤخرا ، عاد عقارب الساعة للوراء فهي ابنة جنرال قتله بونيشيه سنة 1974 ، فأحس البائس بأن خصومه ينتصرون عليه و هم تحت الثرى . و في 28 يناير الماضي أعادت الولايات المتحدة ابنة بونيشيه الحليف السابق إلى الارجنتين ،بعد رفض طلبها اللجوء السياسي ، هربا من تهم التهرب الضريبي في بلادها ،و قد فرت قبل يوم ، اعتقال والدتها و اربعة من أقاربها ، بتهم تتعلق باتهرب الضريبي . و إضافة إلى الفساد المالي يتهم أوغيستو بينوشيه بقتل 119 من المعارضة بشكل مباشر ، سنة 1975 ، و بالمسؤولية عن قتل و اختفاء أكثر من ثلاثة آلاف شخص بين 1973 و 1990 ، توزيع أموال الشعب في أكثر من 100 مصرف أجنبي . و لم يجرئ أحد على اتخاذ موقف قضائي حاسم بسبب علاقة بينوشيه الخارجية التي منعت سجنه في اسبانيا و قوته الداخلية المتمثلة في أنصاره و رجاله في مفاصل السلطة .
النموذج الآخر ، الذي يحمل قواسم مشتركة مع بينوشيه ، و كل بينوشيه ، و هي الاستبداد و سرقة أموال الشعب ،و المختلف تماما عن المدلل بينوشيه ، من حيث المصير ، هو الرئيس السابق لبنما ايمانوال نوريغا ، كما يحمل اسما آخر هو أنتونيو ، الذي تولى الحكم في بلاده سنة 1984 و في سنة 1989 غزت الولايات المتحدة الاميركية في عهد الرئيس الاميركي جورج بوش الاب ، بنما ، و اعتلقت نوريغا ، بعد مطاردة مثيرة ، بتهمة تهريب المخدرات إلى أسواقها ، و تنظيم اعتداءات على جنودها المرابطين في قناة بنما ، و قال وزير الخارجية الاميركي الاسبق كولن باول الذي كان ضابطا كبيرا و أحد المسؤولين عن عملية غزو بنما " سنحطم صورته كروبن هود " و قالت الولايات المتحدة إنها عثرت في منزول نورييغا على " مواد تتعلق بالسحر، ومكتبة ة بالكتب التي تتحدث عن هتلر، وألبومات من الصور الجنسية الإباحية، وصور التعذيب، وملصق جداري كبير يحتوي على صور جميع القسيسين الكاثوليك في بنما، وصور لمسؤولين كاثوليك آخرين في أمريكا الوسطى، مما يوحي بأنهم موضوعون على لائحة القتل ". وقد تبين أن مخابئ المخدرات المزعومة في مخبأ نورييغا ما هي إلاّ طعام الطامال المكسيكي المحتوي على شرائح من الورق مكتوب عليها أسماء أعداء نورييغا. وقد أخرج نوريغا من سفارة الفاتيكان بعد ابلاغ السفير عنه ، مما جعله يسب السفيروالفاتيكان اثناء تسليمه للاميركيين . وفي 10 يوليو 1992 حكمت القضاء الاميركي على نوريغا بالسجن لمدة 40 سنة ، ثم خففت إلى 30 سنة يقضيها حاليا في ميامي .
نيكولاي تشاوتشيسكو : النموذج الثالث ، الشبيه نسبيا من حيث المصير ، و إن كان أكثر سوءا بلا ريب ، هو ديكتاتور رومانيا السابق نيكولاي تشاوتشيسكو . السكرتير التنفيذي للحزب الشيوعي الروماني عام 1965 ثم رئيساً للبلاد عام 1974. استمر عهد تشاوتشيسكو الى عام 1989، حيث لوحق ثم أُعدم هو و زوجته أمام عدسات التلفزيون . بعد ادانته بجرائم الابادة و تدمير الاقتصاد و الممتلكات الة ، و بالفعل اتسم حكمه بالشدة و الدموية. انتخب ايون اليسكو خلفاً له، وقد بقي في السلطة حتى عام 1996 عندما أصبح ايميل كونستانتينسكو رئيسا للبلاد. وُوفق على انضمام رومانيا الى الاتحاد الاوروبي ابتداءاً من العام 2007، بعد سلسلة من الاصلاحات السياسية، الاقتصادية و الاجتماعية اللتي قامت بها الحكومة في الفترة الأخيرة .
بول بوت : الذي أبدت حكومة الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية حماساً لفكرة محاكمته لمسؤوليته المباشرة عن حصد ما لا يقل عن مليون ونصف إنسان خلال فترة حكمه من 1975 إلى 1979 ، تمت محاكمته بتهمة الخيانة ، و صدر عليه حكم بالسجن المؤبد سنة 1997 ، توفي السجن سنة 1998 . ما يثير الانتباه في قصة بول بوت أنه جاء إلى الحكم على ظهر دبابة فيتنامية، وأطاحت به دبابة فيتنامية. فبدعم من فيتنام استولى الخمير الحمر على مقاليد الأمور في كمبوديا عام 1975 بعد عام كامل من الحروب الأهلية الطاحنة، بقيادة بول بوت . معروف عن نظام بول بوت أنه شيد غرف التعذيب وأقام معسكرات الاعتقال لتطهير صفوف الشعب من كل دخيل وعميل على حد زعمه . وعلم نظام بول بوت عساكره فن التعذيب واستخراج الاعترافات ، و يدونون الدروس في كراسات لتوزع على العساكر لتصبح جزءاً من تربيتهم العسكرية. وقتل نظام بول بوت واحداً من كل ستة مواطنين كمبوديين خلال فترة حكمه. وعمد بعد قتل المدنيين إلى إعدام من كانوا يكلفون بالقتل، ثم بتصفية الجنود الذين أمروا بقتل الجلادين، كل ذلك في محاولة منه للقضاء على إمكانية أن يثور عليه أحد، أو لنقل في محاولة لمنع غيره من اكتساب القوة ، و لكنه سقط من حيث لم يحتسب . و قد صور جزء من تلك الفضائع في فيلم " حقول القتل " الشهير . *
تشارلز تايلور : ففي يونيو 2003 وجَّهت "المحكمة الة بسيراليون" رسمياً إلى تشارلز تايلور, الذي كان آنذاك رئيساً لجمهورية ليبيريا, تهما بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية, وكانت تلك أول مرة يُتخذ فيها مثل هذا الإجراء ضد رئيس دولة إفريقي أثناء توليه منصبه. وأُرغم تايلور على ترك المنصب في أغسطس من نفس العام نتيجة الضغوط المتزايدة من المجتمع الدولي وتصاعد الصراع في ليبيريا. وقد أدى ذلك الصراع, خصوصاً في أوائل 2003, إلى سقوط آلاف القتلى, واتسم بارتفاع مستويات العنف الجنسي ضد النساء والفتيات, والنزوح الجماعي إما داخل ليبيريا نفسها أو إلى ساحل العاج وغينيا وسيراليون. وقد منحت حكومة نيجيريا حق اللجوء إلى تشارلز تايلور, وكفلت له ضمناً عدم تقديمه للمحاكمة في نيجيريا أو تسليمه إلى "المحكمة الة".
وكان قد صدر أمر دولي بالقبض عليه بعد أن أعلنت المحكمة الة ، توجيه تهم إليه تهم بارتكاب جرائم حرب ، و جرائم ضد الانسانية ، و انتهاكات خطيرة للقانون الدولي ن خلال الصراع المسلح في سيراليون ، في يونيو 2003 . و قد واحتجت منظمة العفو الدولية على مخالفة الحكومة النيجيرية لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، غير أن الدعوة لتسليم تشارلز تايلور إلى المحكمة الة أو التحقيق معه، بغية محاكمته جنائياً أمام القضاء النيجيري أو الشروع في إجراءات تسليمه، لم تلق سوى التجاهل .
جورجيوس باباندريو : خشي المحافظ الكولونيل جورجيوس بابادوبولوس أن تكون تلك على يد سلفه ، وبدأ الضابط الذي يتسم بالهدوء وان كان جافا في وضع الخطط للقيام بانقلاب عسكري.وتمكن في النهاية من وضع هذه الخطط موضع التنفيذ في الحادي والعشرين من نيسان ابريل من عام1967 بمساعدة البريجادير ستيليانوس باتاكوس . وبعد ما يزيد على ست سنوات في السلطة وبالتحديد في شهر تشرين الثاني نوفمبر من عام 1973 تمت الاطاحة به من جانب زملائه السابقين.لقد امضى بابادوبولوس الذي توفي في 29 يونيو 1999 عن عمر يناهز الثمانين عاما العقود الأخيرة من عمره داخل السجن في أثينا قبل ان يتم ادخاله المستشفى في عام 1996 لمرض تيبس العضلات.وكان بابادوبولوس قد ولد في بيلوبونيس في الخامس من آيار مايو من عام 1919 من أب يعمل مدرسا في المرحلة الثانوية, وقد حاول بابادوبولوس إبان فترة حكمه أن يغلف نظامه الدكتاتوري بغلالة ديمقراطية, وقد شكل الكولونيل الذي لم يستطع مطلقا الحصول على تأييد شعبي كبير حكومة مدنية في البداية غير أنه ظل طوال فترة توليه مناصبه الرسمية ابتداء من وزير وحتى وصوله الى رئاسة الوزارة مسيطرا على كافة الاحداث الهامة في بلاده.وفي أعقاب انقلاب مضاد فاشل في كانون الأول ديسمبر من عام 1967 فر الملك قسطنطين إلى منفاه في روما, وأصبح بابادوبولوس بعد ذلك رئيسا للوزراء ووزيرا للدفاع ، وفي الأول من حزيران يونيو من عام 1973 اعلن الغاء الملكية وقرر اجراء انتخابات رئاسية.وكمرشح وحيد في هذه الانتخابات حصل بابادوبولوس على نسبة 78,4 بالمائة من الأصوات, غير أنه لم يستمر رئيسا للدولة إلا لفترة قصيرة فقط حتى الخامس والعشرين من تشرين الثاني نوفمبر من عام 1973 فقد تزايدت الاضطرابات حينئذ في البلاد وبصفة ة بين الطلبة والمثقفين مما دفعه الى اعلان الأحكام العرفية . وأصبح بابادوبولوس أكثر انعزالا بعد أن أصدر أوامره بالقمع الدموي للمظاهرات, وانتهى الأمر بأن اطاحت القوات المسلحة بنظام حكمه. وفي يوليو من عام 1974 انهارت الطغمة العسكرية الجديدة التي تولت السلطة في أعقاب الاطاحة ببابادوبولوس ، فقد خلف التوتر الذي ساد العلاقات مع تركيا وكذلك المحاولات المزعومة لربط قبرص باليونان، النظام العسكري الحاكم في أثينا دون أي تأييد, وعاد قسطنطين كرامنليس من منفاه في باريس ليقود اليونان من جديد على طريق الديمقراطية.وحوكم بابادوبولوس في عام 1975 بتهمة الخيانة العظمى وحكم عليه في البداية بالاعدام، إلا انه تم تخفيف الحكم في وقت لاحق الى السجن مدى الحياة.وقد أمضى بابادوبولوس العقود الأخيرة من عمره في جناح مريح بسجن كوريدالوس بأثينا حيث كرس معظم وقته لدراسة الأعمال السياسية والفلسفية, ولم يعرب بابادوبولوس مطلقا عن أسفه لما ارتكبه من أفعال وظل حتى النهاية يزعم بأنه لم يعامل بعدالة ، و أنه مظلوم .
الجنرال جون دو هوان: استلم السلطة في كوريا الجنوبية ،بعد الأضطراب الكامل الذي خلفه اغتيال الرئيس "بارك"، حيث استحوذ جون على السلطة بواسطة الانقلاب الذي قاده في ديسمبر من عام 1979، وأصبح رئيس الجمهورية الخامسة ، 1980-1988 ، بعد ما قضى بقسوة بالغة على المظاهرات الشعبية المطالبة بالعودة إلى الحكم المدني، ومن أشهرها حركة " كوانغ جو" الديمقراطية في مايو من عام 1980، حيث قتل 200 شخص ، وبالرغم من تدابير جون المتعسفة ، و القمعية، تميز الجو السياسي للجمهورية الخامسة بالمظاهرات الداعية إلى العودة إلى الديمقراطية خصوصا من طرف الطلبة. وقد وصل الشغب إلى قمته في يونيو من عام 1987 مع المسيرة الكبيرة لأجل الديمقراطية في سيئول، التي أرغمت الرئيس "جون " على الإذعان لبيان الديمقراطة المقترح من طرف الجنرال السابق "نوتايو وو" الذي كان حينذاك رئيسا لحزب العدالة الديمقراطي الحاكم. و قد اعتقل جون نهاية 1987 و حكم عليه بالسجن لمدة 22 عاما . وفي 1997 صدر عنه عفو رئاسي .
النموذج الثامن هو ، موسى تراوري رئيس مالي السابق ، و الذي أطيح به سنة 1991 بعد حكم استمر 23 عاما ،و قد حكم عليه بالاعدام سنة 1993 بعد اتهامه بارتكاب جرائم بحق شعبه ، و اختلاسات ، ثم عفي عنه سنة 2002 .
حسين حبري : منحه الرئيس السينغالي السابق عبده ضيوف اللجوء السياسي ، و في فبراير 2000 وجهت محكمة سنغالية تهمة ارتكاب التعذيب إلى حسين حبري، دكتاتور تشاد السابق المقيم في المنفى، ووضعته تحت الإقامة الجبرية في منزله، وكانت تلك أول مرة تتهم فيها إحدى المحاكم في دولة إفريقية شخصاً من دولة إفريقية أخرى بارتكاب الفظائع .و في نوفمبر من عام 2000 قال الرئيس عبدالله واد إن حسين حبري لا يمكن أن يقدم للمحاكمة في السينغال لانها غير معنية بأي جرائم ارتكبت في منطقة تبعد 4 ىلاف كيلومتر . على حد قوله . و في 20 مارس 2001 أكدت محكمة النقض السينغالية على أن المحاكم الوطنية لا تملك صلاحيات محاكمة حسين حبري المتهم بالضلوع في جرائم قمع . و في 19 سبتمبر 2005 أصدر القاضي البلجيكي دانيال فرانسيس مذكرة جلب ضد حسين حبري لارتكابه جرائم ضد شعبه أثناء فترة حكمه 1982 ، 1990 ، ووجهت السلطات البلجيكية طلبا رسميا لحكومة السينغال لتسلم حبري . لكن عبدالله واد رفض ذلك و طلب من الاتحاد الافريقي تشكيل محكمة افريقية لمحكمة حبري . لكن الجهات الدولية لا تزال ترغب في نقله لبروكسل ، و كانت الحكومة التشادية قد ايدت في 2002 مثل هذا الاجراء ، لكن للسينغال و الاتحاد الافريقي موقف آخر لتشابه أنظمته .
صدام حسين ، حيث تشكلت المحكمة الجنائية العراقية المختصة في 10 اكتوبر 2003 بقرار من مجلس الحكم في العراق للنظر فيما يقال عن ارتكاب صدام "جرائم ضد الانسانية" و أعلنت المحكمة أنها " مستقلة " و " لا ترتبط بأي جهة كانت " واختصت المحكمة بالجرائم المذكورة من فترة 1968 الى 2003 . و هي الفترة التي حكم فيها صدتم حسين . تشكل هذه المحكمة حسب قانون ادارة الدولة للفترة الأنتقالية التي اعتبرت كدستور مؤقت للعراق في فترة بول بريمر. تمتلك المحكمة حق محاكمة اي شخص عراقي الجنسية تم اتهامه ب"جرائم حرب" و "انتهاك لحقوق الأنسان" و "ابادة جماعية" . و تم حتى الآن عقد 21 جلسة في قضية الرئيس العراقي السابق صدام حسين ، و يعتقد أنها ستستمر لفترة أطول نظرا لملفات القضية و عدد الشهود و التعقيدات السياسية و القضائية التي تحيط بالقضية .
آرييل شارون : مجرم الحرب المسؤول عن مجازر صبرا وشاتيلا ، وكانت قضية صبرا وشاتيلا قد رُفعت أمام القضاء البلجيكي في فبراير 2003 ، بموجب قانون صادر عام 1993، يخول المحاكم البلجيكية سلطة مقاضاة الأش المتهمين بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، أو ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، أو جرائم حرب، بغض النظر عن مكان ارتكابها، أو ما إذا كان المشتبه فيه أو الضحايا مواطنين بلجيكيين. وقد أوضح قرار المحكمة العليا الصادر أن بالإمكان المضي قدماً في التحقيقات حتى إذا كان المشتبه فيه خارج البلاد. وقضت المحكمة العليا البلجيكية ،محكمة النقض، بأن أحد الذين اتهمهم أقارب ضحايا في دعوى جنائية، وهو رئيس الوزراء الإسرائيلي أريئيل شارون، سوف يظل متمتعاً بحصانة من المقاضاة ما دام يشغل هذا المنصب، ولكنها قضت بجواز المضي قدماً في التحقيقات ضد متهم آخر في نفس الدعوى، وهو قائد الجيش الإسرائيلي السابق أموس يارون .
ولا يعرف ما إذا كان الرئيس الاميركي جورج بوش سيحاكم هو الآخر ، بعد أن أعلنت هيومن رايتس ووتش ، وبمناسبة نشر تقريرها السنوي لعام 2006، بأن العام 2005 حمل أدلة جديدة على أن التعذيب وإساءة المعاملة كانا جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية إدارة بوش في مواجهة الإرهاب، مما أسهم في أضعاف حركة الدفاع عن حقوق الإنسان في العالم . وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير جديد أن حكومات أوروبا وأمريكا الشمالية تقوم بشكل متزايد بإرسال مشتبهين إلى دول تمارس التعسف استناداً إلى "ضمانات دبلوماسية" واهية من شأنها تعريض هؤلاء الموقوفين لخطرٍ جدي يتمثل في التعذيب وسوء المعاملة . وليس جورج بوش وحده الرئيس الوحيد الموجود في السلطة مما تطالب منظمات المجتمع المدني بمحاكمته ، و إنما الكثير من الرؤساء العرب و في مقدمتهم الجنرال الانقلابي بن علي .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.