فيما دخلت الحرب الصهيونية على غزة المرحلة الثالثة، وسط استعداد زهاء 40ألف جندي إسرائيلي لدخول لقطاع بانتظارقرارالحكومة الإسرائيلية ،ووسط ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين من جراء القصف والغارات الوحشية و اتساع رقعة الدمار، لا تزال حركة المقاومة الإسلامية «حماس» صامدة في وجه العدوان الصهيوني ،رغم تدمير معظم البنية التحتية التي كانت تتمتع بها. في هذا الوضع ، يبدو أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس فقد ثقة الرأي العام الفلسطيني ، و لاسيما أن استراتيجيته التفاوضية مع إسرائيل بشأن إقامة دولة فلسطينية تتضح في الوقت الحاضر أنها تقود إلى سراب. وتقتضي المصلحة الصهيونية، تعميق هوة الشقاق بين طرفي السلطة الفلسطينية (حركتي فتح و حماس )،للقضاء على أي أمل في عودتهماإلى طاولة الحوار،مستخدمة في سبيل ذلك سياسة الترغيب والترهيب، عبر بيع الوهم للرئيس الفلسطيني محمود عباس بأنه بمقدار بعده عن حركة «حماس» سيقترب منها ومن تحقيق حلم الشعب الفلسطيني في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، فيما عودته إلى الحوار مع «حماس» تعني القضاء على فرص التسوية السياسية، وهي التسوية التي لن تكون دولة الاحتلال يوماً على استعداد لدفع الثمن من أجل الوصول إليها،إذيقتصرهدفها من هذه المماطلة على تعميق الفجوة في العلاقات الفلسطينية الداخلية. وكانت وزيرة الخارجية «الإسرائيلية» تسيبي ليفني طرحت فكرة إخراج غزة من أي حل أو اتفاق،وهو ما صرحت به.. وقولها أن أي محاولة لإيجاد صيغة تفاهم بين فتح وحماس ستكون خطأ بالغاً. وهذا يعني حلاً منقوصاً، يخلو من الجدية، والرغبة فعلا في السلام. ومن الواضح أن الرئيس محمود عباس أدرك أخيرا هذه الحقيقة المرة،ففي مهرجان الذكرى الرابعة و الأربعين لانطلاقة حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح»، ألقى خطاباًنقله التلفزيون مباشرة، هدد فيه لأول مرة بالانسحاب من مفاوضات السلام مع إسرائيل، إذ قال:« ماذا تفيد هذه المفاوضات، إذا ظلت الأبواب مغلقة»، مضيفاً« أنه إذا استمر العدوان البربري و الإجرامي ،و الاستيطان ، و مصادرة الأراضي ، فإنها تنزع كل معنى للمفاوضات». وتعتبر هذه التهديدات غير مالوفة في خطاب القائد الفلسطيني محمود عباس، و لاسيما أنه دأب على تجنب أن يظهر نفسه هو المسؤول عن القطيعة، حتى و إن لم يعد يثق بأي من واشنطن أوتل أبيب منذ سنة، أوأن يستند إلى دعم تنظيم فتحاوي متماسك أوموقف عربي. وقد دأب الرئيس عباس دائما على التمسك باستراتيجية التفاوض مع إسرائيل منذ عقود من الزمن، وظل يعيش على الوعود «الوهمية» الأميركية، من دون أن يستخلص الدروس التاريخية من الوعود الكثيرة السابقة.ومنذ انتهاء مؤتمر أنابوليس في نهاية نوفمبر 2007، أصبح الرئيس عباس عاجزا عن القيام بأي حركة . كما أن الولاياتالمتحدة الأميركية و إسرائيل لم تقدما له أي شيء يعزز من صدقيته لدى الشعب الفلسطيني. اليوم ، السلطة الفلسطينية ظهرها إلى الحائط، و لم تحقق أي نتيجة تذكر في المفاوضات، بل أنها أصبحت ألعوبة في أيدي الإسرائيليين .إذ قدمت كل التنازلات للإسرائيليين من تقسيم فلسطين إلى محاربة المقاومة و نبذ الكفاح المسلح ، في حين أن الإسرائيليين يريدون كل شيء. إسرائيل أضعفت السلطة الفلسطينية إلى حدكبير بسبب المماطلة و التسويف في المفاوضات التي لم يسفر عنها شيئا يذكر، و هذا ما عبد الطريق لكي تكون «حماس» البديل الحقيقي لهذه السلطة المنهكة و المتصدعة أمام التعنت الإسرائيلي الرافض للمطالب الفلسطينية الواقعية. لكن العدوان الصهيوني المستمر على غزة يمكن أن يقود أيضا إلى دفن ما تبقى من آمال بشأن قيام دولة فلسطينية مستقلة و عاصمتها القدس، إذ لم تتبلور إلى حد هذا اليوم قناعة لدى القيادات الصهيونية بأن قيام دولة فلسطينية يمثل مصلحة إسرائيلية. من الناحية القانونية و الدستورية، انتهت ولاية الرئيس محمود عباس يوم 9 يناير الحالي.و كانت حركة «خماس» دأبت على القول منذ فترة طويلة،أنه بعد ذلك التاريخ،لم يعد لرئيس السلطة الفلسطينية أية شرعية. و ما يجري في غزة من مذابح و قتل و دمار، يجعل من رئيس السلطة الفلسطينية من الناحية الموضوعية متواطأ في العدوان ضد المقاومة . الرئيس الفلسطيني محمود عباس يتبنى المبادرة المصرية ،وهوًيعتبرها الآلية لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1860 الداعي إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة.وعما تردد من أن وقف إطلاق النار يعني تصفية المقاومة ، قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس:« إننا نريد السلام ، و المقاومة ليست هدفا في ذاتها، و إذا كانت ستؤدي لتدمير الشعب لا نريدها». اليوم تزداد الهوة عمقا بين الإخوة الأعداء : «حماس» و «فتح»، و ليس هناك ايه امكانية لإجراء انتخابات فلسطينية رئاسية و اشتراعية ، إذا لم يتوصل الطرفان إلى مصالحة وطنية حقيقية . وقبل خمسة أسابيع من الانتخابات الإسرائيلية المبكرةو المحددة لمسار التسوية، يبدو أن عملية «الرصاص المسكوب » قد جرفت في طريقها كل شيء.