لا عين ترى ... و لا وذن تسمع"، ذلك هو الحلم الذي يراود المشرفين على قطاع الإعلام الرسمي في بلادنا؛ هم يحلمون بمواطن" روبوتي" لا يسمع إلا بما يقولون و لا يرى إلا ما يقدمون. و قد ضربت "وات" الرقم القياسي في السعي إلى أن تنطبق هذه القاعدة على كافة المواطنين حيث لا تترك الوكالة فرصة دون أن تستغلّها لتسويق المعلومة بصفة انتقائية- مشوهة في بعض الحالات- لا تستجيب لحق المواطن في الإعلام الصحيح بقدر ما تخدم غايات دعائية بحتة. و غالبا ما تكون النتيجة عكس ما يسعى إلى تحقيقه الساهرون على الإعلام عندما تنكشف الحقيقة و ينقلب السحر على السّاحر. و آخر مثال على ذلك ما بثته "وات"، و هي بلا شك لا تقصد سوى إنارة الرأي العام، من خبر مفاده أن " تونس تصدرت قائمة الدول العربية التي تتمتع بمستوى "عيش جيد" حسب التصنيف السنوي لمرصد جودة الحياة في العالم، انترناشيونال ليفينغ". (انظر الجدول المرافق المخصص للدول العربية التي تناولتها الدراسة) وبعد الإشارة إلى المقاييس التي اعتمدها المرصد في تقييمه انطلقت الوكالة في خطاب دعائي رسمي يذكر بالإنجازات الحكومية التي تحققت ضمن ما رسمته السلطة من"خطط و برامج من أجل تحقيق الأهداف المرسومة... التي يتيح تحقيقها إحراز نقلات هيكلية تقرب تونس من مستوى مؤشرات نوعية الحياة المسجلة في المجتمعات النتقدمة." طبعا تفادت الوكالة" الوطنية " أن تضع المواطنين في الإطار الحقيقي للمسألة و أن تعطيهم المعلومة كاملة حتى يستنتجوا من الخبر ما يريدون بكل حرية. المهمّ هو أن نقتنع للمرة الألف باننا أفضل الناس في أفضل أمة بما أننا تصدرنا الدول العربية رغم أن كل الدراسات و الإحصائيات أجمعت على أن هذه الدول- التي لها إمكانيات وفيرة- في كوكبة البلدان المتخلفة. فنحن إذا في ذلك الوضع الذي يذكره المثل الشعبي " عمشة في دار العميان.. سَمّاوُها كحلة الأَعيان" .. من ناحية أخرى ولكن في نفس الاتجاه تفادت "وات"- و نحن لا نشك في نبل هدفها حيث أنها لم ترد تنغيص" جودة" حياتنا- تفادت إعلامنا بالرتبة 94 التي أحرزت عليها تونس عالميا و التي تصدرتها فرنسا و اكتفت بالرقم 56 الذي أحرزت عليه تونس و الذي يترك للقارئ بأنها أحرزت على "المعدّل" وهو ما يجنبها الرّسوب؟ ؟ كما تفادت "وات" أن تغوص في تفاصيل الأرقام الجزئية حيث أنها، لو فعلت، ستكشف عن أن مرتبتنا المتقدمة بالنسبة للدول العربية تعود بنسبة هامة إلى موقعنا الجغرافي و طبيعة مناخنا ؟؟ كما أنها، لو فعلت، لاكتشفنا أن تونس هي "عربيا" في مؤخرة الكوكبة في مجال الحريات حيث لم تتحصل سوى على 17 من مائة ؟؟ و على كل حال نحن لا نعطي لهذه الأرقام أكثر مما تستحق لأنها نتيجة لدراسة قام بها مرصد خاص استجابة لمن يريد التحول من بلد إلى بلد آخر تتوفر فيه جودة الحياة و هذه المسألة لا تشغل بال الحكومة طالما يتوافد علينا أكثر من 7 ملايين من السياح.. و أما ما يتعلق بالعديد من شبابنا الذي يسعى إلى الالتحاق بالضفة الشمالية للمتوسط على الرغم من المخاطر التي تهدده بين اللوزة... و..لمبدوزة.. فتلك مسألة أخرى.