هل كل من دخل للوظيفة العمومية بدون مناظرة هو بالضرورة فاسد؟    وزارة الداخلية: تواصل عمليات مكافحة الاحتكار والمضاربة    القمة الطارئة في الدوحة وسيناريوهات الرد على إسرائيل    من حريق الأقصى إلى هجوم الدوحة.. تساؤلات حول جدوى القمم الإسلامية الطارئة    سفينتا "فاميلي" و"ألما" تُبحران من بنزرت نحو القطاع    الكاف: مساعدات مدرسية لفائدة ابناء العائلات المعوزة    المنتخب يشرع في تحضيراته لكأس افريقيا    من مملكة النمل إلى هند رجب ...السينما التونسية والقضية الفلسطينية... حكاية نضال    "دار الكاملة" بالمرسى تفتح أبوابها للجمهور يومي 20 و 21 سبتمبر    تونس تروّج لوجهتها السياحية في الصين: حضور قوي في كبرى التظاهرات الدولية    بطاقة إيداع بالسجن ضد شاب هدّد دورية أمنية بسلاح وهمي: التفاصيل    القيروان .. تقديرات بإنتاج 52 ألف طن من زيت الزيتون    مع الشروق : التطبيع وهم.. والعدو حقيقة    اختتام الأسبوع الأول من مهرجان سينما جات بطبرقة    سوق المحرس العتيق...نبض المدينة وروح التاريخ    أولا وأخيرا ..أول عرس في حياتي    الجزائر: تبون يعلن تشكيل حكومة جديدة    كرة اليد – بطولة النخبة : النتائج الكاملة للجولة الخامسة (فيديو)    لماذا يرتفع ضغط الدم صباحًا؟ إليك الأسباب والحلول    بطولة النخبة لكرة اليد: الترجي والنادي الإفريقي يتقاسمان الصدارة بعد الجولة الخامسة    بنزرت: حرفة صناعة الفخّار بسجنان تسري في عروق النساء وتصون ذكرى الأجداد    عاجل: تأجيل إضراب التاكسي    مدنين: غدا افتتاح السنة التكوينية الجديدة بمعهد التكوين في مهن السياحة بجربة ببعث اختصاص جديد في وكالات الاسفار وفضاء للمرطبات والخبازة    ركلة جزاء متأخرة من صلاح تمنح ليفربول فوزا صعبا في بيرنلي    مباراة ودية - تعادل قوافل قفصة مع هلال الرديف 2-2    الكاف: تنظيم معرض الكتاب بالمركب الثقافي الصحبي المصراتي بمناسبة العودة المدرسية    ينطلق غدا: تونس ضيفة شرف الدورة الثانية لمهرجان بغداد السينمائي الدولي    عجيل توجّه شاحنة وقود إلى ميناء بنزرت لتزويد سفن "أسطول الصمود"    انطلاق أول سفينة تونسية ضمن أسطول الصمود من ميناء قمرت(فيديو)    60 مليون دينار لمساعدة أطفال الأسر محدودة الدخل في انطلاق السنة الدراسية 2025-2026!    تسهيلات التأشيرة للمصريين: من هم المستفيدون؟    عمليات زرع أعضاء ناجحة تنقذ 4 مرضى..وهذه التفاصيل..    إنتاج الكهرباء في تونس يرتفع 4% بفضل واردات الجزائر    ارتفاع طفيف في الحرارة يوم الأحد والبحر قليل الاضطراب    سبتمبر مختلف: خريف مبكر يطرق أبواب هذه المناطق    وزارة التربية تكشف تفاصيل و جديد العودة المدرسية..#خبر_عاجل    بنزرت: خروح 3 سفن فقط في اتجاه شواطىء غزة    نحو دعوة الكنزاري للمثول امام مكتب الرابطة    22 سبتمبر الجاري: "يوم فرص الأعمال مع تونس" ببوخارست    الطلب على الطاقة يرتفع ب10% مع موفى جويلية 2025    من قياس الأثر إلى صنع القرار: ورشة عمل حول تنفيذ مؤشرات الثقافة 2030 لليونسكو    العجز الطاقي لتونس ينخفض مع موفى جويلية الفارط بنسبة 5 بالمائة    قائمة الأكثر كسبا للأرباح.. رونالدو الأول ورام يتفوق على ميسي    كرة القدم العالمية : برنامج أبرز مباريات الأحد و النقل التلفزي    حادث مرور قاتل بهذه المنطقة..وهذه حصيلة الضحايا..#خبر_عاجل    مصر.. رجل اعمال فرنسي يسرق كمية من الذهب من مصنع مجوهرات    محمد الجبالي يوضح: لم أتهم فضل شاكر بالسرقة والتشابه موجود    عند سوء الاستخدام.. بعض الأدوية قد تصبح قاتلة...شنيا هي؟    كيفاش البصل يحميك من الأمراض والبرد؟    أبراج باش يضرب معاها الحظ بعد نص سبتمبر 2025... إنت منهم؟    الشركة التونسية للملاحة: إلغاء سفرة تونس – مرسيليا المبرمجة اليوم على متن السفينة قرطاج..    وزارة الصحة تطلق خطة وطنية للتكفل بمرضى الجلطة الدماغية    السبت: حالة الطقس ودرجات الحرارة    الديوانة: حجز بضائع مهرّبة تفوق قيمتها 19 مليون دينار خلال الأسابيع الفارطة    وزارة الصحة تحذر    خطبة الجمعة .. مكانة العلم في الإسلام    مع الشروق : الحقد السياسيّ الأعمى ووطنية الدّراويش    أبراج 12 سبتمبر: يوم يحمل فرصًا جديدة لكل برج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في تونس.. متحررة بدرجة عانس

كشف تقرير إحصائي أعده الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري بتونس أواخر عام 2008، بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة ووحدة المشروع العربي لصحة الأسرة بجامعة الدول العربية، أن نسبة العنوسة بين التونسيات بلغت 50%، وأن عدد العازبات ارتفع إلى أكثر من مليوني امرأة من مجموع نحو أربعة ملايين و900 ألف أنثى في البلاد، مقارنة بنحو 990 ألف عازبة عام 1994‏، كما بينت آخر عملية مسح للسكان تأخُّر سن الزواج للرجال أيضا، حيث تبين أن نسبة غير المتزوجين الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و 29 سنة قد قفزت من 71% خلال عام 1994، إلى نسبة 81.1 % أواخر العام الماضي.
أكد التقرير أن عنوسة الفتيات بلغت أقصى معدلاتها بين الإناث في عمر الإخصاب الأقصى (25 - 34 سنة)، وهو ما يؤدي حتما إلى نتائج سلبية على الخصوبة، وأن ظاهرة تأخر سن الزواج أثرت على التركيبة العمرية للنساء المتزوجات واللاتي في سن الإنجاب، حيث إن نسبة الأقل خصوبة منهن أصبحت تتضخم على حساب الأكثر خصوبة.. ففي السنة الماضية وحسب نتائج المسح التونسي لصحة الأم والطفل بلغت نسبة المتزوجات فوق 34 سنة نحو 64%، في حين كانت هذه النسبة تساوي 50% فقط سنة 1994، و59% سنة 2001، وفي المقابل انخفضت نسبة من هن في سن الخصوبة القصوى، أي بين 25 و34 سنة من 40 % إلى 31% بين الفترتين.
ظاهرة مخيفة
أرقام ونسب مخيفة تعبر عن ظاهرة حقيقية تجتاح المجتمع التونسي، وتهدد كيان الأسرة وتركيبة المجتمع ككل، الأمر الذي جعل علماء اجتماع ورجال دين يحذرون من انعكاسات هذه الظاهرة التي قد تنتج تهرما في المجتمع وتجعل تجدد الأجيال غير مضمون، إضافة إلى ما قد ينجم عنها من انحرافات في سلوك الشباب والفتيات.
والعزوف عن الزواج قد يكون شخصيا، أي ذاتيا، بمعني أن الشخص رجلا كان أو امرأة يختار العزوبية لسبب معين يتعلق بذاته أو لعدة أسباب مجتمعة تدفعه نحو هذا التوجه، وقد تكون الأسباب أيضا مرهونة بعوامل خارجية غير شخصية، كالمعوقات التي تقف حائلا أمام اتخاذ قرار مصيري هام كقرار الزواج إما ابتدعها المجتمع أو فرضتها الحياة العصرية، أو قناعات فكرية كعدم الإيمان بجدوى مؤسسة الزواج من أساسها، تلك القناعات التي بدأت تغزو الشباب التونسي وتسيطر على أفكاره ورؤاه في السنوات الأخيرة.
فمما لا شك فيه أن المجتمع التونسي يمر بمنعرج جديد ويشهد تحولات اجتماعية عميقة تنال البناء الأسري وتؤثر عميقا على العلاقة بين الجنسين، وتتجه نحو تراجع مفهوم الزواج والارتباط وأهمية الأسرة ككل، بل لقد أصبحت تونس أرضا خصبة لبروز عدة ظواهر لم تكن من تقاليد التونسيين والتونسيات من قبل، من بينها صيغة التعارف بين الجنسين عن طريق وكالات الزواج وإعلانات الصحف، والتعارف عن طريق الإنترنت، والارتباط دون زواج رسمي، أو بعض صيغ الزواج العرفية الغريبة التي لا تمت للزواج بصلة التي تفشت في المجتمع التونسي بشكل غير مسبوق.
وقد أكدت الأبحاث أن تفاقم ظاهرة العنوسة ارتبطت بانفتاح المرأة التونسية أكثر من أي وقت مضى على المجتمعات الغربية، وسعيها للتحرر الاجتماعي وتفضيل فئة منهن العيش خارج الروابط الزوجية التقليدية، إضافة إلى ميلها لتحقيق استقلالها المادي والمعنوي.
وعلى الرغم من أنها تأتي اليوم على رأس النساء العربيات من حيث تحقيقها لتحررها اجتماعيا واقتصاديا، وأيضا لنجاحها في المشاركة في الحياة العملية بكل مجالاتها، حيث تشغل نحو 20% من المقاعد في البرلمان التونسي وتحتل مراكز هامة، لكن هذه النجاحات لم تستطع أن تكون بديلا للزواج في حياة الكثيرات ممن سبق وفضلن عزوبية مقرونة بنجاح في العمل على حياة أسرية هانئة قد تأتي على حساب مكانة اجتماعية مرموقة.
ارجع يا زمان!
في حديث لوكالة رويترز تقول (سلوى) التي تجاوزت 39 من العمر ولم تتزوج بعد وتحتل منصبا بارزا في أحد البنوك، إن تأخر سن الزواج متفش خصوصا في المدن الكبرى، حيث تفضل أغلب الفتيات بناء مستقبلهن قبل أي ارتباط؛ خوفا مما قد يخفيه الزمن من مفاجآت، وتضيف بحسرة غير خافية أنها غير محظوظة.. وتتمنى لو أن يعود بها الزمن لتقر أنها لن تختار نفس الطريق وستفضل الرجل على العمل، مؤكدة أنه في هذه السن المتأخرة تكتشف الفتيات بعد فوات الأوان أهمية وجود الرجل في حياتهن ويتضاءل أي طموح مقابل الإحساس بالدفء الأسري.
وتضيف (ك.ن) أن ارتفاع نسب غير المتزوجات نتج عن تغير وضع المرأة تبعا لتحسن وضعها الاقتصادي والقانوني الذي أكسبها حقوقا إضافية وجعلها تتوهم الاستغناء عن الزوج، مضيفة أن تلك نظرة قاصرة من بعض النساء؛ لأن دور الرجل لا يقتصر فقط على الإنفاق، بل على العكس وجود الزوج في حياة امرأته يجعلها تشعر بالاستغناء عن العالم أجمع؛ لأنه الحماية والسكن والأب لأبناء هم أفضل حدث في حياة أية امرأة، وأنها إن استطاعت تجاهل وجود الزوج في حياتها فهل تستطيع تجاهل وجودها كأم.
الحب الضائع
وتدفع فتيات أخريات بأن اختيار نمط معيشي يتسم بالتحرر والبعد عن الزواج بعد قصص حب فاشلة هي أحد أهم أسباب تفشي العنوسة والزواج المتأخر لدى عدد كبير من التونسيات.
تقول "نادية" لجريدة الصباح -وهي عاملة بإحدى الإدارات في العاصمة وعمرها 34 سنة-: اخترت أن أتزوج عن حب ورفضت العديد ممن تقدموا لي، غير أن الرجل الذي امتدت علاقتي به نحو سبع سنوات اختار أن يتزوج قريبته ليرضي عائلته وتركني أتخبط في وحدتي وعنوستي. وأضافت: لقد ندمت لأني اخترت هذا النمط من العيش وأضعت سنوات غالية من عمري.
وتضيف فتاة أخرى لها قصة مشابهة أنها تعلم أنها ستعاني في المستقبل من الوحدة نتيجة قرارها بالابتعاد عن الارتباط بعد هجر من اختارته لها، لكنها تقول في تصميم إن خطيبها السابق هو من يقع عليه تبعة هذا القرار، لأنه تسبب لها في جرح من الصعب مداواته في المستقبل القريب على الأقل، مؤكدة أن حياتها بلا قيود على هذه الصورة أفضل بكثير، خاصة أن أسرتها لا تلح عليها في الارتباط؛ نظرا لمكانتها المرموقة في العمل التي تدر عليها دخلا يجعلها في غنى عن أي زوج في رأيهم.
وفي تعليق له بموقع الجزيرة توك يقول "أحمد" إن تكاليف الزواج المرتفعة وشروط العائلات المجحفة، وتفضيل عديد من الفتيات مواصلة دراستهن الجامعية أسباب لا يمكن تجاهلها في تراجع إقبال الذكور على الزواج، وتفضيلهم حياة العزاب في مواجهة تحديات المستقبل، مشيرا إلى أن نسب الطلاق المرتفعة خلقت حذرا وعزوفا متزايدا لدى الفتيات والفتيان على حد سواء، إلى جانب الانفتاح الكبير على الحضارات الغربية مما جعل الزواج يتراجع في أولويات الفتاة في تونس لحساب الدراسة والتحرر المادي والمعنوي.‏
صفقة العمر
يفسر "المهدي بن مبروك" الباحث الاجتماعي التونسي هذه الظاهرة -بحسب رويترز- قائلا إنه لا يمكننا حصر ظاهرة العزوف عن الزواج في تونس بتحرر المرأة فقط ورغبتها في الاستقلال، أو في تفتح الشاب التونسي على نمط الحياة في الغرب وتأثره بها، فهناك عوامل أخرى وراء تفشي هذه الظاهرة منها الوضع الاقتصادي الذي يعتبره الباحث عاملا هاما ورئيسيا خاصة بالنسبة للرجال، لأن استكمال الدراسة الجامعية وما يعقبها من بحث عن العمل قد يمتد بضع سنوات في ظل انتشار ظاهرة بطالة أصحاب الشهادات الجامعية، أيضا غلاء المعيشة مقارنة بالرواتب الضئيلة لا تشجع على الزواج بدورها، إضافة إلى ارتفاع أسعار البيوت تمليكا أو إيجارا، ونفقات الزواج التي لا تزال مرتفعة رغم إلغاء المهور.
كل هذه التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي مرت بها تونس منذ السبعينيات يراها الباحث قد ساهمت في خلق هذه الظاهرة، كما أنها أرست عقلية جديدة أساسها إعادة ترتيب الأولويات حيث كان الزواج يسبق الحصول على وظيفة، أما اليوم فقد أصبح العمل يتقدم كل الضروريات الأخرى، خاصة بعد أن اختلت نسبيًا توازنات الطبقة الوسطى التي أصبحت غير قادرة على دعم الأبناء ماديا.
ويؤكد "مبروك" أن الوضع الاقتصادي المتدهور أثر بالضرورة على نمط العلاقات الاجتماعية والقيم العامة بين الجنسين، حيث يعلن الأغلبية الساحقة من الذكور بوضوح أنهم يرغبون في الزواج من الفتاة العاملة، ويتطلعون إلى أن تقاسم زوجها دخلها وكل ما تملك، ليصبح العامل المادي محددًا في كثير من الحالات في اختيار الزوجة، وهو أمر محبط جدا بالنسبة للمرأة نفسيا واجتماعيا، ويدفع في أحيان كثيرة عديد من الفتيات لتفضيل العنوسة على الارتباط بزوج يختارهن فقط من أجل رواتبهن، وهو ما قد يفسر أيضا ارتفاع نسبة الطلاق في ظل زواج تحول إلى مجرد صفقة.
ولكن هذا لا ينفي أن هناك تحولات قيمية في المجتمع -والكلام مازال للباحث الاجتماعي- أبرزت أشكالا جديدة للإشباع العاطفي، ونجم عن ذلك تراجع قيمة الأسرة والزواج مقارنة بالأنماط الأخرى من العيش.
وهكذا تدعم الآراء ما سبق أن أكدته الأرقام بأن ظاهرة العنوسة مرشحة لمزيد من الاستفحال في تونس، بما يتطلب حراكا اجتماعيا جادا في هذا الاتجاه، حراكا يطرح حلولا جدية وعاجلة للتخفيف من هذه المشكلة التي باتت تهدد الخصوبة وتبشر بمجتمع هرم يفوق فيه عدد الكهول عدد الشبان، وقد حذرت الدراسات الميدانية من تزايد معدلات الشيخوخة في الهرم السكاني التونسي، والتي من المتوقع أن تصل نسبتها خلال العام 2009 إلى 17% من إجمالي عدد السكان.
--------------------------------------------------------
محررة في النطاق الاجتماعي بشبكة اسلام أون لاين.نت.
المصدر : شبكة الاسلام أون لاين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.