لقد انطلقت يوم الجمعة فعاليات الاستشارة الوطنية حول الكتاب والمطالعة بولاية تونس التي اذن بتنظيمها رئيس الدولة, وتمت خلال حفل الافتتاح جملة من المداخلات والمحاضرات اغلبها تناول الموضوع علي اهميته بصيغ مكررة وبرؤى سطحية مارين علي الازمة الحادة التي ما فتئت تستفحل خاصة بين شريحة الشباب مرورا عابرا دون ملامسة جذورها .متفقين علي ان الجهل والعزوف علي المطالعة واكتساب الثقافة الضارب في عمق المجتمع مرده مزاحمة الانترنات للكتاب.تلك الشماعة السهلة التي وجدوها لتعليق العجز والتقصير في مجابهة هذا المشكل الرئيسي بالنسبة لمصير المجتمع .الذي يعود الي عقود خلت قبل ظهور الانترنات والوسائل التقنية بانواعها.وتبدو هذه الانطلاقة مقدمة سيئة خالية من اية مؤشرات جادة لتجاوز الازمة العميقة في صلب المجتمع التونسي وهي القطيعة بينه وبين المطالعة طريق المعرفة والتنوير.رغم وجود اوقت فراغ طويلة لدى الافراد لان المقاهي مزدحمة بالرواد..ولان الانهج والازقة مزدحمة بالمتسكعين. وتشهد المكتبات العمومية تهميشا لم يسبق له مثيلا ويهجرها القراء كما ان المكتبات المدرسية التي كانت في وقت من الاوقات تزود الطالب بالمعلومة والمرجع تقلصت لتختفي . وشهد ثمن الكتاب ارتفاعا بالقياس لمقدرة المواطن الشرائية .وان اولوياته توفير السكن والسيارة والجهاز ويغرق في القروض البنكية لذلك واثناء النقاش لم يجرؤ احدعلى طرح اي فكرة خارج السياق الرسمي تتناسب مع تراكمات كل هذه السنوات وهذا راجع كما هو معلوم الي فقدان حرية التعبير في كل الميادين والجراة علىالاصداع بالراي.وكانها اجتثت من العقول كل رغبة في التطور والابداع والاجتهاد.بل اصبح الاكتفاء بما هو موجود سمة المثقفين والبسطاء على حد سواء . هذه الاستشارةستكون باهتة وعبارة عن مجموعةلقاءات لتجاذب اطراف الحديث بين اطارات الثقافة والمسؤولين. وقد تمت في السنوات الاخيرة العديد من الاستشارات الوطنية في ميادين مختلفة مثل المسرح والموسيقى والثقافة عامة والصحة ولم تفض لنتائج ملموسة حقيقية ولم نشهد الا مزيدا من التدهور . في مثل هذه المناسبات يعمد المختصون الي تشخيص بعض الجزئيات والنتائج دون النفاذ الي اعماق الازمة فتاتي الحلول ظرفية وغير ملائمة لطبيعتها..فالي جانب الخيارات التعليمية والسياسية هناك مسالة حضارية لم يتطرق اليها احد ولم توصل بقضية عزوف الناس على المطالعة فبدت كحلقة مفقودة .فالناس لا يطالعون الا ما يجبرون عليه من تحصيل للمعلومات سواء في حياتهم الدراسية او المهنية.لكن المطالعة الثقافية التي تنبع من رغبة الفرد وفضوله غير مضمونة.فحسب الاحصاءات الرسمية فان التونسي يطالع ثلاث دقائق في اليوم مقابل ساعتين مشاهدة للتلفزة . بدت المسالة الحضارية كحلقة مفقودة .يعني تلك القطيعة التي وقعت بين المجتمع وحضارته في لحظة تاريخية ما وذلك الشرخ الذي حصل حين ابعد عن المنابع التقليدية للمعرفة.وحين اطيح بجامع الزيتونة كمصدر تاريخي ووجداني لاكتساب المعرفة احس اذاك بتحول لم يكن طرفا فيه واذعن الي جملة من القوانين التحديثية التي لم يساهم في صياغتها.واخضع الي عملية بعثرت هويته واتلفت حياته التقليدية الامنة وزجت به في خضم حياة جديدة متواترة السرعة تدعوه باستمرار للخجل مما كان عليه.ولمحاسبة نفسه بصرامة في كل وقت اذا كان اقترب من التحديث المنشود ام لم يزل يتعثر مع رواسب في نفسه يجب تطهيرها . عملية النفاق الحضارية المرة هذه خلقت انسانا جديدا لامباليا في انشطار مع ذاته خائفا ان يعرف وقد اكتشف في خضم ذلك شيئا جديدا وخطيرا انه يستطيع انى يعيش طوال حياته دون معرفة ..فيتعلم ويتخرج ويعمل وقد يصبح من الاثرياء دون ان يحتاج الي ثقافة الا نادرا ما يتعرض الي مواقف محرجة تتطلب منه اختبارا في معلوماته وسعة ثقافته .فادرك انه لا يطلب منه الكثير من العناء . وكما اتجه بعضهم الي التعصب والتشدد وحتي الارهاب كرد فعل علي كل هذه الجروح العميقة .فقد اختار اخرون وهم الاقل جراة والاكثر عددا ان يكونوا سلبيين لا ينفعون ولا ينتفعون معنويا وثقافيا لهذا سوف تكون هذه الاستشارة مجموعة من النقاشات العقيمة التي تدور في دائرة مغلقة .لان الكل متفائل ويرغب في البناء علي اسس محطمة.فبالرغم مما بلغه المجتمع من تطور في نواح منه لا يمكن جحودها الا ان ذلك بني علي اسس غير واضحة المعالم ولا تدل علي انها ضامنة لبقائه .