تصريح غريب، خاصة وانه صدر عن مسؤول في حكومة اقليم شينجيانج الصينية عقب اعمال الشغب التي شهدتها مدنية أورومتشي يوم الاحد الماضي التي خلفت 156 قتيلا. غرابة التصريح تكمن في ان الصين كانت دائما من البلدان التي يحرص حكامها على التحكم فيما يستطيع مواطنيهم قراءته او الاستماع اليه او رؤيته من على الشاشات. ولكن ها هو مسؤول محلي صيني يبدي استعداده لتسهيل عمل الصحفيين – وحتى الاجانب منهم – في تغطية واحدة من اخطر الازمات الداخلية التي تشهدها البلاد في تاريخها المعاصر. وعلى وجه المقارنة، اغلقت الحكومة الصينية اقليم التبت كليا في العام الماضي عندما اندلعت اعمال شغب في عاصمته لاسا، ولم يسمح للصحفيين الاجانب بوصول المنطقة بتاتا. ولم تسمح السلطات الصينية بنشر صور الاحداث التي وقعت في التبت الا بعد مرور يومين عليها. تكتيك مختلف من الواضح ان الصين قد استوعبت دروسا مهمة من تجربتها في التبت في العام الماضي عندما قمعت قوات الامن اعمال الشغب التي قام بها ناشطون تبتيون. فالانطباع الذي خلفه قرارها منع وسائل الاعلام من تغطية الاحداث كان انها انما تحاول اخفاء شئ ما. ولذا شهدنا تكتيكا مختلفا كليا من السلطات الصينية هذه المرة، وهو عبارة عن محاولة ذكية وفعالة لتصوير ما حدث بطريقة تخدم اهدافها وذلك باستخدام نفس الاساليب التي تستخدمها شركات العلاقات العامة في أي مكان في العالم. وايقن الزعماء الصينيون منذ اشهر عديدة بأن هذا هو السبيل الذي عليهم سلوكه عند مواجهتهم مشاكل كبيرة محتملة. فقد درسوا الاخطاء التي ارتكبوها هم والتي ارتكبها غيرهم من الحكام في الماضي، وصمموا على الا يكرروا هذه الاخطاء. ففي غضون ساعات قليلة فقط من اندلاع اعمال الشغب في شينجيانج، استضافت السلطات الصينية اكثر من ستين منظمة اعلامية في أورومتشي لتغطية تفاعلات الحدث. وقد سهلت السلطات في الاقليم للصحفيين زيارة المستشفيات حيث يرقد الجرحى، كما اتاحت لهم فرصة الاطلاع على الاحياء التي تضررت من جراء اعمال الشغب. ورغم اصرار السلطات على تعيين مرافقين للوفود الصحفية، سمحت لهم بالتجول بحرية في ارجاء المدينة. تسهيلات يقول زهاو بينغ، وهو معلق سياسي في هونجكونج، إن هذه السياسة الجديدة تمثل حلحلة للقيود التي كانت وسائل الاعلام الاجنبية تتوقع ان تفرض عليها في ظروف كهذه. ويقول زهاو إن السلطات في بكين كانت تريد ان تبعث برسالة واضحة ازاء الاحداث، وانها قررت استخدام الاعلام الاجنبي للقيام بهذه المهمة. ويقول المعلق السياسي: "ارادوا من العالم الخارجي ان يفهم بأن ما يحدث في شينجيانج عبارة عن صراع بين مجموعتين عرقيتين، وليس حركة انفصال. ارادوا ان يصوروا الامر كصراع بين مجموعتين حول قضايا محلية، وانه لا يتعلق بمطلب بالاستقلال." وقال زهاو إن الحكومة الصينية اقتنعت بأن الاجانب سيشاركونها وجهة نظرها اذا سمحت للصحفيين بزيارة المستشفيات للوقوف على حالة الجرحى وبالتحدث الى مواطنين من الهان والويغور في شوارع اورومتشي. ويضيف المعلق بأن بكين، رغم اتهامها لويغور المنفي بالتحريض على اعمال الشغب، تعلم ان الوضع في شينجيانج مختلف تماما عنه في التبت، ولذا فمن المنطقي ان تسمح للصحفيين بالتحقق من ذلك بانفسهم. ومن الملاحظ ان الصحفيين الصينيين لم يتمتعوا بنفس القدر من الحرية التي اتاحتها بكين للصحافة الاجنبية. فالتقارير التي اعدوها كانت تخضع لرقابة حكومية مشددة كما هو الحال دائما. محاولات للتهدئة ركزت الصحافة الصينية في تغطيتها للاحداث التي وقعت في شينجيانج على معاناة صينيي الهان الذين استهدفهم المشاغبون. واستمر التركيز على هذا المنحى حتى يوم الثلاثاء عندما خرج الهان الى شوارع أوروموتشي سعيا للانتقام من الويغور واصطدموا بقوات الامن التي حاولت ثنيهم عن ذلك. وبحلول يوم الاربعاء، اتخذ الاعلام الرسمي الصيني منحى جديد ركز على محاولة تهدئة الموقف. فصحيفة الصين اليومية على سبيل المثال حذرت في مقالها الافتتاحي من ان "اذا كان الانتقام سبيلا لتصحيح خطأ ما، فلن تنتهي هذه المشكلة ابدا." وضم عدد يوم الاربعاء من الصحيفة مقابلات مع عمال في مصنع للعب الاطفال في اقليم جوانجدونج جنوبي الصين الذي شهد مشاجرة في الشهر الماضي بين عمال هان وآخرين ويغور – وهو الحدث الذي يقال انه اشعل فتيل اعمال الشغب في اورومتشي الاحد الماضي. وقالت الصحيفة إن العمال لم يتوقعوا ان تؤدي المشاجرة الى ما ادت اليه من اراقة للدماء في شينجيانج. وكان الشجار قد اندلع بعد ان نشرت مواقع الكترونية خبرا يفيد بأن ستة من العمال الويغور قد اغتصبوا فتاتين من الهان في المصنع. ولذا كان احد الردود الملحوظة للسلطات الصينية على احداث الاحد الماضي محاولتها قطع خدمة الانترنت عن اقليم شينجيانج لمنع التبادل الحر للمعلومات بينه وبين باقي ارجاء الصين حول اعمال العنف. ويبرر المسؤولون الصينيون اتخاذهم هذه الخطوة بالقول إن الشائعات غير المؤكدة تكتسب مصداقية اكبر وانتشارا اوسع عندما تكرر من خلال مواقع الكترونية على شاكلة (فيسبوك) و(تويتر)، خاصة في وضع متفجر كالذي كان سائدا في الايام الماضية. ولذلك جاء ردهم بالتساهل مع وسائل الاعلام "التقليدية" بل وتشجيعها على نقل الاحداث متزامنا مع فرض قيود وتشديدات على الوسائل "العصرية" لنقل المعلومة كالانترنت. فالقادة الصينيون يخشون وقوع فتنة داخل بلدهم اكثر بكثير مما يخافون من الرأي العام الدولي. فالصين ارادت ان تتأكد من ان التغطية الاعلامية الداخلية لاحداث شينجيانج لن تلهب المشاعر العرقية بين مواطنيها، ولذا فقد فرضت رقابة صارمة على وسائل الاعلام الصينية غير الرسمية. -مصدر التقرير البي بي سي. و