مع عودة التحكيم الأجنبي.. تعيينات حكام الجولة 5 "بلاي أوف" الرابطة الاولى    استقالة متحدثة من الخارجية الأميركية احتجاجا على حرب غزة    الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة الأولى إياب لمرحلة "بلاي آوت"    ماذا في لقاء سعيد برئيسة اللجنة الوطنية الصلح الجزائي..؟    أخبار المال والأعمال    سليانة .. رئس الاتحاد الجهوي للفلاحة ...الثروة الغابية تقضي على البطالة وتجلب العملة الصعبة    وزير السّياحة: تشجيع الاستثمار و دفع نسق إحداث المشاريع الكبرى في المجال السّياحي    «الشروق» ترصد فاجعة قُبالة سواحل المنستير والمهدية انتشال 5 جُثث، إنقاذ 5 بحّارة والبحث عن مفقود    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    زيتونة.. لهذه الاسباب تم التحري مع الممثل القانوني لإذاعة ومقدمة برنامج    لدى لقائه فتحي النوري.. سعيد يؤكد ان معاملاتنا مع المؤسسات المالية العالمية لابد ان يتنزل في اختياراتنا الوطنية    اليابان تُجْهِزُ على حلم قطر في بلوغ أولمبياد باريس    سوسة.. دعوة المتضررين من عمليات "براكاجات" الى التوجه لإقليم الأمن للتعرّف على المعتدين    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    حركة النهضة تصدر بيان هام..    بالثقافة والفن والرياضة والجامعة...التطبيع... استعمار ناعم    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    تراجع الاستثمارات المصرح بها في القطاع الصناعي    جندوبة.. المجلس الجهوي للسياحة يقر جملة من الإجراءات    منوبة.. الإطاحة بمجرم خطير حَوّلَ وجهة انثى بالقوة    برنامج الجولة الأولى إياب لبطولة الرابطة الاولى لمحموعة التتويج    اقتحام منزل وإطلاق النار على سكّانه في زرمدين: القبض على الفاعل الرئيسي    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    من بينهم أجنبي: تفكيك شبكتين لترويج المخدرات وايقاف 11 شخص في هذه الجهة    البطلة التونسية أميمة البديوي تحرز الذهب في مصر    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    تحذير من هذه المادة الخطيرة التي تستخدم في صناعة المشروبات الغازية    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    وزارة التعليم العالي: تونس تحتل المرتبة الثانية عربيًّا من حيث عدد الباحثين    سليانة: أسعار الأضاحي بين 800 دينار إلى 1100 دينار    الرئيس الفرنسي : '' أوروبا اليوم فانية و قد تموت ''    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    باجة: تهاطل الامطار وانخفاض درجات الحرارة سيحسن وضع 30 بالمائة من مساحات الحبوب    وزير الشباب والرياضة يستقبل اعضاء فريق مولدية بوسالم    الڨصرين: حجز كمية من المخدرات والإحتفاظ ب 4 أشخاص    قيس سعيّد يتسلّم أوراق اعتماد عبد العزيز محمد عبد الله العيد، سفير البحرين    الحمامات: وفاة شخص في اصطدام سيّارة بدرّاجة ناريّة    التونسي يُبذّر يوميا 12بالمئة من ميزانية غذائه..خبير يوضح    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 25 أفريل 2024    سفينة حربية يونانية تعترض سبيل طائرتين مسيرتين للحوثيين في البحر الأحمر..#خبر_عاجل    بطولة مدريد للماسترز: اليابانية أوساكا تحقق فوزها الأول على الملاعب الترابية منذ 2022    كاس رابطة ابطال افريقيا (اياب نصف النهائي- صان داونز -الترجي الرياضي) : الترجي على مرمى 90 دقيقة من النهائي    هام/ بشرى سارة للمواطنين..    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقتطفات من كتاب : "يوم أدركت أن تونس لم تعد بلد حرية"


تمهيد لباتريك بودوان
محام - ...رئيس شرفي
للفدرالية الدولية لرابطات حقوق الإنسان
أهدي هذا الكتاب لأولئك التونسيين الكثيرين الذين عملوا، منذ سنين طويلة وقبلي أنا بكثير،من أجل أن تصبح تونس بلدا حرا وديمقراطيا.
كما أشكر كل الذين ساعدوني
الآمال المستهان بها :
الأكيد أن الرئيس بن علي ليس رئيس الدولة الوحيد الذي يتحرر من الوعود الانتخابية والالتزامات التي يتخذها قبل الوصول إ لى السلطة. ولكنه يتميز بأنه فعل تقريبا عكس كل ما كان أكد للتونسيين أنه سوف يقوم به في بيان أعلن عنه يوم 7 نوفمبر 1987 عندما تم عزل الرئيس بورقيبة . والمزية الأولى لكتاب أن ه بين بشكل واضح جدا ومن خلال تحليل موضوعي وعقلاني الفرق الكامل بين بيان غني بالأمنيات الديمقراطية وبين واقع مستهين بكل مبادئ الديمقراطية الفعلية . بعد مرور عشرين عام من تولي الرئيس بن علي السلطة فان حصيلة تونس في مجال احترام الحريات تبدو هزيلة، كما أن الا ندفاعة الواعدة بالإصلاحات قد توقفت وعوض أن يتحسن الوضع فانه يزداد ترديا. فالإساءة لحرية تكوين الجمعيات وحرية الاجتماع وحرية التعبير وحرية الصحافة في تفاقم مستمر، والسلطات التونسية لم تلتزم في هذا الشأن بالتوصيات التي عبر عنها المقرر الخاص للأمم المتحدة في مجال . حرية التعبير وحرية الرأي على اثر الزيارة التي قام بها سنة 1999 وسيطرة السلطة التنفيذية كاملة على جهاز قضاء لا يعترف باستقلال القضا ة. أما النظام الانتخابي فقد أرسى واجهة تعددية تسمح لرئيس الدولة بالحصول على إعادة انتخابه بنسبة تقارب 100 % من الأصوات، وهي نسبة تكفي لسحب الثقة من انتخابات جديرة بأكثر الأنظمة دكتاتورية . صحيح أن تونس تتباهى ببعض النجاحات في الميدان الاقتصادي وتتحدث عن وضع أفضل من أغلبية بلدان الجنوب في مجالات الصحة والتربية، وأنها تبدو أكثر تقدمية في مسألة المرأة من بلدان عربية كثيرة، وأنها تقدم عن نفسها صورة أكثر أمنا من جيرانها. ولكن في هذا إهمال للوجه الآخر من الصورة ونسيان لتصاعد الرشوة، وخاصة في الدائرة المحيطة برئيس الدولة مباشرة، وامتناع عن رؤية أن العسكري والوزير القديم للداخلية، وهو الرئيس بن علي قد تعمد عدم احترام الحقوق المدنية و السياسية ليضع مكان ذلك نظاما يخنق الحريات ويقضي على كل صوت معار ض. وهكذا فهناك تناقض صارخ بين خطاب رسمي متكون من تصريحات براقة وبين وا قع يومي معاش يختص بالقمع المبرم لكل من ينتقد السلطة أو يعبر عن رأي مخالف لرأيها . ولهذا فكل أطراف المجتمع المدني مستهدفو ن: المدافعون عن حقوق الإنسان والصحافيون والمحامون والطلاب المناضلون وكواد الأحزاب السياسية المعارضة ... في سياق الرهبة هذا يؤدي التهديد بالتتبعات في الغالب إلى المراقبة الذاتية التي يمارسها عديد المعارضين على أنفسهم . والسلطة لا تتردد في استخدام حزمة كبيرة من الإجراءات التي تدعي مقاومة الإرهاب كي تمارس كل أشكال إخماد الأصوات المعارضة . والنتيجة هي وجود عدد كبير من سجناء الرأي في السجون التونسية . وفي حين أن طرق القمع المستخدمة لا تنفك تتطور وتتعقد فان تصريحات لجنة الأمم المتحدة لمقاومة التعذيب ، وقد سبق لها أن عاقبت تونس سنة 1998 ، لا تزال سارية المفعول . فقد سبق لهذه اللجنة أن عبرت عن انشغالها أولا إزاء "الفرق الشاسع الموجود بين القانون وبين الممارسة في شأن حماية حقوق الإنسان " ثم إزاء "ممارسات التعذيب والمعاملات القاسية والمهينة التي قامت بها قوات الأمن والشرطة والتي أدت في بعض الحالات إلى الموت في السجن" ثم اتهمت السلطات التونسية بمنح "حصانة للقائمين بالتعذيب وتشجيع تواصل مثل هذا النوع من الممارسات الكريهة ". وفي بلد تجتمع فيه كل شروط النضج لكي يتمتع الشعب بحياة ديمقراطية حقا، فان من الضروري دعم الديمقراطيين التونسيين في نضالهم ضد سياسة قمعية لحكومة بوليسية . ومن الضروري كذلك أن لا يقع الاكتفاء باحتواء السلطات التونسية لحقوق الإنسان والتنديد بقوة بواقع الخروق الخطيرة المرتكبة. وان ذريعة خطر التطرف لا يمكنها أن تكفي بصورة جدية لكي تستخدم لمطاردة المدافعين عن القيم الكوني ة لحقوق الإنسان التي تمثل أضمن الحصون ضد التعصب . ومن العاجل الآ ن وضع حد لتضليل للرأي العام وللسلبية المتواطئة للمجموعة الدولية، وذلك بكسر جدار الصمت وان قلي لا. وان أوروبا بصفة خاصة لا ينبغي أن تستمر في الصمت بل يجب أن تضع في المقام الأول، ضمن إطار الاتفاقي ات الأوروبية المتوسطية، البند المتعلق "بحقوق الإنسان " الذي يسمح بجعل تطور الحريات شرطا لتنمية التعاون . والكتاب الذي ألفه يدعو إلى مثل هذا التضامن مع الشعب التونسي، فهو يتضمن، علاوة على التنديد بانحرافات وتراجعات النظام التونسي، خصلة أخرى جوهرية ونادرة تتمثل في تضمنه عديد المقترحات البناءة تصلح كوصفة لجعل تونس بلدا ديمقراطيا. فإذا تحقق مثل هذا الهدف فان النتيجة يمكن أن تكون سعادة التونسيين وكرامتهم وكذلك جلب الاحترام والتأثير لها على نطاق دول ي. فعسى أن يسهم هذا الكتاب
في مستقبل أفضل
مقدمة :بلدي بلد الياسمين وليس العشوائية
أنا مواطن تونسي، وهذه الصفة التي لا يمكن لأي سلطة أن تزيلها تفرض علي واجبات. هناك فوارق وتجاوزات للقانون وتحويلات للسلطة بقيت دون عقاب، أمام نظر الجميع، وواجبي كمواطن يقتضي أن أصرخ "لا " و أن أنبه الرأي العام وألفت نظرا "المجتمع المدني" في ما يخص التجاوزات التي تعرضت لها والتي قد يجد أي مواطن تونسي آخر نفسه معرضا لها مثلي . إن النداء الذي أوجهه يمثل أخذ موقف "سياسي " يمكنني منه الدستور على أنه حق من حقوقي الواضحة والتي لا تقبل النقا ش. هذا الموقف ليس حادثة منعزلة في حياتي، فقد تعودت منذ الصغر على العمل السياسي لأنني أنتمي إلى عائلة أصيلة الجنوب التونسي، متواضعة ولكن معروفة بالوطنية والنضال، ولهذا فقد كنت الكاتب العام 8 وانتميت، في بداية العهد e للخلية الدستورية "فرحات حشاد" بباريس البورقيبين إلى الشبيبة الدستورية (الحزب الواحد لبورقيبة). وبما أني كنت مقتنعا بأن العمال التونسيين الشبان يجب أن يشاركوا في خدمة مصلحة وطنهم وإنمائه فقد كنت السبب في تكوين تعاضدية صناعية في الجنوب التونسي صحبة مجموعة كبيرة من العمال بالمنطقة . كما ناضلت في صفوف "ودادية العمال التونسيين" بباريس من أجل تعاون العمال التونسيين في منطقة باريس.
والحق أني عندما وقعت لي خيبة أمل بسبب المنعرج الاستبدادي الذي سار فيه نظام بورقيبة، انفصلت عن الحزب الدستوري عام 1973 كي انخرط عام 1978 في الحزب الذي كان يناضل في ذلك الوقت من أجل الديمقراطية وهو "حركة الديمقراطيين الاشتراكيين". وقد كانت عودة الوعي السياسي بالنسبة إلي، كما هو الحال في اعتقادي بالنسبة إلى الأغلبية الكبرى من التونسيين نتيجة لخيبة الأمل التي حدثت بسبب التحول الذي و قع للأسف في النظام الجديد بعد سنوات فقط 1، أعني تاريخ عزل الرئيس بورقيبة والذي من تاريخ 7 نوفمبر 987 ازدادت خطورته منذ ذلك التاريخ. لقد شجع "بيان 7 نوفمبر " فعلا الشعب التونسي على التسامح مع عزل رجل عظيم أحبه كل الشعب التونسي برغم الخيبات التي حصلت في آخر عهده، بل إن البيان قد وقع تقبله على أنه رسالة أمل في الازدهار والتقدم والالتزام بالسير في طريق الديمقراطية في العدالة لمصلحة شعب أقر البيان بأنه بلغ درجة من النضج السياسي تخول له في كنف الحرية والأمن أن يمارس حقوقه في المواطنة وبأن يكون طرفا في معادلة مجتمع سياسي حر وعصر ي.
وقد زاد التدهور في الوضع السياسي والاقتصادي و الاجتماعي والثقافي استفحالا للأسف ! فتساءلت، كأغلب المواطنين التونسيين:كيف وصلت الأمور إلى هذا الحد في بلد معروف بتسامحه وتفتحه وبالمكاسب العديدة التي أحرزها منذ الاستقلال؟ كيف تمركزت كل هاته الخيبة في البلد بعد اندفاعة الحماس ؟ والارتياح والأمل التي سادت على اثر 7 نوفمبر 1987 لماذا تلتقي كل وسائل الإعلام الأجنبية في جعل تونس تستهتر بأنها بلد فساد ومحسوبية وظلم وقمع ورشوة وهجرة رؤوس أموال بل وحتى تبييض أموال وتدهور مؤسسات من المفروض أنها أكثر المؤسسات احتراما وأولوية للنماء العادل والمستدام للمجتمع كافة؟
هل أن كل هؤلاء الملاحظين الأجانب وكل هذه المنظمات الدولية الحكومية والغير الحكومية التي تلاحظ وتدرس شؤون البلد من الداخل ومن الخارج على خطأ؟ هل هم جميعا مخطؤون؟ وعلى الدوام؟ إن اللغة "المتخشبة" التي يتكلمها النظام ووسائل الإعلام التابعة له ، والتي تكرر باستمرار أن كل هذه التهم لا أساس لها، وأنها مجرد إشاعات تمليها الغيرة فقط، من قبل أناس في الخارج يحسدوننا على النجاحات التي حققناها وعلى سداد حكامنا، لم تعد كافية لإقناعنا. وبالنظر إلى الفجوة العميقة التي تفرق بين هذه الخطابات التي لم تعد تنطلي على أحد، من ناحية، والى شهادات عديد الملاحظين المحايدين من المفكرين الأحرار في تونس وخارجها، من ناحية ثانية، فقد نظرنا إلى واقع البلد على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي و الثقافي من أجل أن نكتشف فيه الحقيقة من غير انحياز أو مجاملة ودون تهويل أو عنف زائد على اللزوم . انطلقنا من حقيقة أولية وهي أن تونس جديرة بأن تفاخر بكونها بلدا عصريا ومثقفا وعاملا ومتسامحا ومسالما ومتفتحا على العالم وعلى الثقافات والحضارات الأجنبية؛ ومن أنها بلد حقق نجاحات ومكاسب قل أ ن تحققت في الكثير من البلدان التي تنتمي إلى نفس مجموعتها؛ ومن أنها بلد له مؤسسات دستورية وسياسية عصرية . إن تونس قد كونت نخبة قادرة، عدديا ونوعيا، على تسيير البلد على طريق النماء والتقدم بنسق وبتحقيق نتائج أعلى وأحسن من التي نراها اليوم ودون التقصير من السلطة والاخلالات السياسية والنقائص والسلبيات التي نشاهدها بوضوح وبدون أي شك في الواقع اليومي. في هذا الكتاب قدمنا تحليلاتنا وأفكارنا ومقترحاتنا، وأشرنا إلى مجموعة من الإصلاحات رأينا أنها كفيلة بأن يبلغ بلدنا شاطئ النجا ة. ونحن ندعو أبناء وطننا إلى الانضمام إ ليها والى دعمها وتشجيعها. لماذا اليوم؟ ولماذا كل هذا التأخير والحال أن التصرفات المشار إليها في هذا الكتاب هي، في جزء منها، قديمة ومعروفة، الإجابة أنني وزوجتي كنا نشرف على مجموعة من مؤسسات التعليم، ولذلك فقد سخرت كل جهدي لهذه المهمة التربوية . ونجاح مؤسستنا التربوية هو الشاهد الذي لا يكذب على إخلاصنا لمهمة دقيقة منحتنا الكثير من السعادة والرضى على النفس وكان بودنا أن نصرف كل طاقتنا في هذه المهمة وحدها.
كان بودي، وأنا مربي عن اختيار ورغبة، أن أواصل السعي إلى تقديم الأحسن في هذا القطاع الذي أستطيع أن أقول أنني حصلت فيه على خبرة كبيرة جدا وتكونت لي فيه تجربة طويلة نافعة لبلدنا . ولكن منذ 2004 تعرضنا لمضايقات من النظام وأصبحنا، بمرور الأشهر، ضحية لابتزاز فعلي على خلفية من الحرص وسوء الني ة. وفي أحد أيام شهر مايو 2007 غادرت منزلي يصحبني شعور واضح بأنني لم أعد متأكد، في المساء من العودة إلى أهل ي. في ذلك اليوم تأكدت من أن تونس لم تعد دولة حرية .هذا الكتاب هو نتيجة هذا الوعي الأليم . ورغم هذا لا شيء كان يهيئني مبدئيا لأخذ قلمي وأفكر في وضعية البلد السياسية حيث أن التكوين الذي تلقيته هو تكوين مهندس في الإعلامية، وقد تعمق ب فضل تخصص في التصرف بالمعهد الأعلى للعلوم الاقتصادية والإدارية بفرنسا وبتكوين لغوي بجامعة جورج طاون بالولايات المتحدة الأمريكي ة. كنت إذن متوجها إلى مهنة مهندس وشرعت فعلا في العمل ضمن شركات متعددة الجنسيات مختلفة بفرنسا متخصصة في هذا القطا ع. رجعت إلى بلدي عام 1972 بنية مواصلة العمل كمهندس فابتدأت حياتي العملية بإنشاء مؤسسة في الصيانة والاستشارات في ميدان الإعلامية. وعلمتني هذه التجربة الأولى أن تكوين مؤسسات فنية مثل التي كونتها متعرض لإعاقة جدية تتمثل في نقص التقنيين والكوادر العليا المختصة. فقررت، في هذه ال ظروف ولهذه الأسباب أن أكو ن بنفسي التقنيين الذين أحتاجهم ففتحت عام 1973 أول معهد عالي خاص للإعلامية في الجمهورية التونسية، وكان ذلك سابقة أولى في الميد ا . وفي نفس وهو (INTAC) الظروف تم إنشاء معهد ا لتقنيات الإدا رية والمحاسبة اليوم معهد مشهور جدا ويتمتع بسمعة جيدة في عالم المقاولات بفضل امتياز تكوين التقنيين الساميين وكوادر التصرف الذي قدمه ويقدمه منذ ذلك التاريخ . كان هذا منعرجا في حياتي المهنية إذ أنني قررت أن أتوجه كليا لتطوير هذا المعهد الأول الذي تم تكوينه في سياق اجتماعي قليل التجاوب مع المبادرات الخاصة في هذا المجال . انفتح الطريق إذن ولكنه لم يقف هناك، ففي عام 1988 عهدت "جماعة القديس يوسف الدينية للأخوات " إلى زوجتي والي شخصيا بمسؤولية ثقيلة هي مسؤولية مواصلة عملها في تونس بأن طلبت منا تولي شؤون مؤسسة التعليم الخاصة "ايميلي دي فيلا ر" المسماة "مدرسة جان دار ك" والتي تأسست عام 1936 ، وهي مدرسة لتعليم الأطفال بين 5 و 15 سنة ( مرحلة ابتدائية ومرحلة ثانوية ). مع هاتين المؤسستين اللتين كانتا بعد في طور التكوين، كان من الضروري تقديم تضحيات بلغت حد أخذ القرار بالتفرغ التام لهما. وهكذا امتنعت عن القيام بأي نشاط آخر و قررت التفرغ الكامل لعملي الجديد كمربي . ولكني لم أكن وحدي في أخذ هذا القرار اذ أن زوجتي مادلين بوعبدلي، وهي فرنسية الجنسية وتونسية بالعاطفة وخبيرة في المحاسبة، قررت هي كذلك أن تنقطع عن عملها لتخصص كل وقتها وجهدها لإدارة "مدرسة جان دارك ". وأنشأنا "مؤسسة بو عبدلي" من أجل التصرف في هذه المؤسسة التربوية الهامة. وبفضل تفاني وجدية السيدة مادلين بوعبدلي وبفضل الاحترام الدقيق للقانون ولقواعد الانضباط في العلاقات مع التلاميذ تمكنت "مدرسة جان دار ك" منذ أكثر من ثلاثين سنة من احتلال مرتبة أفضل مدرسة ابتدائية في البلد كله . كما أن النتائج لم تضعف أبدا منذ أكثر من عشرين سنة من الوجود وكانت دائما من أرفع نتائج اختبارات آخر الحلقة الابتدائية والإعدادية . ومنذ 1992 تم تحويل " المعهد العالي للإعلامية " الذي أنشئ عام 1973 إلى جامعة خاصة سميت "الجامعة الخاصة بتونس" وهي الأولى من صنفها في تونس، وتشمل اليوم كلية للحقوق والتصرف ومعهدا للتقنيات المتعددة ومدرسة للفنون المعمارية، وشهاداتها معترف بها من طرف الدولة ومن طرف عديد البلدان . وتمثلت مبادرتنا الأخيرة في تطوير مهمة "مدرسة جان دارك "، التي كانت هي المنطلق كما تقدم وجعلها مدرسة للتعليم الابتدائي والتعليم الثانوي في نفس الوقت، فبادرت مؤسسة بوعبدلي في عام 2005 بإنشاء معهد للتعليم الثانوي سميناه "معهد لويس باستور " وكانت الغاية منه تقديم تعليم يعد التلاميذ لاجتياز الباكلوريا الفرنسية . وكان اتخاذ هذه المبادرة بالتعاون الوثيق مع المعهد الفرنسي للتعاون التابع لسفارة فرنسا بتونس ومع الغرفة التونسية -الفرنسية للتجارة والصناعة .هذا المعهد الذي أردناه أن يكون رمزا للتعاون الثقافي المفيد لتونس وفرنسا وفي الوقت نفسه رمزا للفرانكفونية والفكر والانفتاح والتقدم، انطلق في العمل بروح متفائلة وفي أفضل ظروف التسيير البيداغوجي والتكويني فمكن تلاميذه منذ العام الأول من إحراز أفضل النتائج في اختبار "البروفي" الفرنسي . لقد تو جت الجهود التي بذلتها مؤسسة بوعبدلي في كل هذه المؤسسات بالنجاح بحيث يمكننا أن نقول بتواضع أن اسم "بوعبدلي" كان وما يزال "علامة جود ة" و "علا مة امتيا ز"من التعليم الابتدائي إلى ا لتعليم العالي مرورا بالتعليم الثانوي وتكوين التقنيين السامين في التصرف وفي الحقوق وفي مجال الهندسة، سواء بالمقارنة مع المؤسسات الخاصة أو بالمؤسسات العمومية . فقد انشغلت المؤسسة دوما بروح الامتياز ومن أجل ذلك سعت دوما إ لى التجديد والسبق لغيرها من المؤسسات الخاصة والعامة في مجال التجديد البيداغوجي وفي مجال تكوين النخب. وهنا نذكر، تمثيلا على اهتمامها بالامتياز في كل مستويات تعليمها بأنها قد سبقت سائر المؤسسات التربوية إلى إدخال التعليم الإجباري للغات الأجنبية: الانجليزية و الألمانية والايطالية والاسبانية وحتى الصينية في تعلماتها من الابتدائي حتى العالي وأن مبدأها في مجال اللغات هو " التثليث اللغو ي". ثم يجب أن نذكر كذلك بأنها سبقت غيرها من مؤسسات التعليم الخاص والعمومي بكثير إلى جعل تعليم الإعلامية إجباريا في تعلماتها في كل المستويات من الابتدائي إلى الجامعي . ونؤكد كذلك على أن مؤسسة بوعبدلي قد سجلت في نطاق مهماتها إرساء علاقات تعاون بين التعليم وعالم الشغل، وهكذا فانه، بالنسبة إلى أغلبية الشهادات ، يتحصل خريجو المؤسسات العليا التابعة لمؤسسة بوعبدلي على انتدابهم الأول بسرعة بمجرد تخرجهم بل وحتى قبل إنهاء فترة التدريب الدراسي!... ونود أن نذكر أيضا بأن أكثر من نصف عدد الطلاب الذين يتابعون تعليمهم بالجامعة اليوم وافدون من بلدان شقيقة وصديقة من أربعة قارات : العالم العربي والإسلامي وإفريقيا وآسيا وحتى من أوروبا. ثم إن عدد طلابنا الأجانب لم ينقص أبد ا، بل انه على العكس من ذلك يتزايد باستمرار، وهو ما يشهد بوضوح على الثقة الموصولة التي تشعر بها هذه البلدان تجاه المعاهد الجامعية التابعة لمؤسسة بوعبدلي. وكم أن أسفنا واستغرابنا كان كبيرا يوم أن تلقت مؤسستنا من وزارة التربية، بسبب رفض مجلس القسم تسجيل تلميذة بالسنة الأولى من الإعدادية، تطبيقا للنظام الداخلي للمدرسة، لضعف مستواها الدراسي ، إلزاما باتا بتسجيل التلميذة المذكورة وإلا أغلقت الوزارة كامل المؤسسة. ولما رفضت المدرسة التراجع في قرار التسجيل لأنه كان معللا وقانونيا، عمدت الوزارة بتاريخ 18 سبتمبر 2004 ، أي مع بد اية السنة الدراسية، إلى أخذ قرار متسر ع وغير مدروس بتشغيل آلتها القمعية بشكل سريع وغريب لا سابق له في الممارسات الإدارية أو القانونية . ففي ظرف 24 ساعة نشرت المحكمة الابتدائية بتونس أمرا يقضي بعزل مادلين بوعبدلي، مديرة المدرسة، مع سحب رخصة فتح المؤسسة وتجميد الأرصدة البنكية وتعيين مدير متصرف ينتمي إلى التعليم العمومي وتدخل القوة العامة في فضاءات المدرسة، وهو ما يمثل اعتداء على الأملاك الخاصة التي يحميها القانو ن. وسارع المدير الجديد بتسجيل التلميذة المعنية بالأمر. وبصورة موازية تعرضت ا لمدرسة لحملة انتقادات قامت بها الصحف التابعة للنظام متهمة إياها " بالنخبوية"! كما وجهت الحملة ضد مؤسسة بوعبدلي بالكامل، وقد تعرضت لهجمة حقيقية شاركت فيها ستة وزارات على الأقل ومنظمات مختلفة : وزارة التربية، وزارة الداخلية، وزارة العدل، وزارة المالية عن طريق تحقيق جبائي مستمر وزارة الشؤون الاجتماعية عن طريق مراقبة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا عن طريق التهديد بالانتقام من الجامعة الخاصة بتونس . فحتى "التسونامي " لم يكن له أن يتسبب في تيار يفوق ذلك التيار... و في غداة غلق المدرسة، وجدت السلطات نفسها أمام تحرك قوي قام به ال 1400 تلميذ وكامل إطار التدريس الذين رفضوا بقوة القرار الاعتباطي القاضي بعزل المديرة وغلق المدرسة، وتكونت حركة رفض جماعية إضافة إلى إضراب إطار التدريس أدت سريعا إلى تكوين وفد من أولياء التلاميذ طلب مقابلة مع السلطات المعنية فجاءنا الدعم من كامل التراب الوطني وكذلك من الخار ج : من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا وبلدان الخليج وبلدان غرب إفريقيا ... وأمام اتساع حركة التنديد والتضامن مع مؤسستنا التربوية وبسبب غياب دليل جدي وفعلي للقمع الغير المبرر وبالنظر إلى عدم التناسب بين ما تعرضنا إليه وبين المبرر، وجدت وزارة التربية نفسها مجبرة على التراجع في قرارها فأعيد ت مادلين بوعبدلي إلى مكانها في إدارة المدرسة وعادت الدروس إلى سيرها العادي في الأيام التالية، وحتى القرار القضائي الذي اتخذ ضد المدرسة وقع إلغاؤ ه. ولكن غضب الإدارة لم يهدأ، وإنما غير شكله ليتمثل في أعمال تحرش مستمر ومتعدد الأشكال ضد المدرسة. وهكذا، وعلى سبيل المثا ل، فرض عليها " كراس شرو ط" جديد له مفعول ، رجعي بواسطة القرار الوزاري المؤرخ في 22 فيفري 2008 وموضوعه منع أن يقع الجمع في نفس المؤسسة التربوية بين شعبة تعد للشهادات الأجنبية (هذا يستهدف طبعا معهد لويس باستو ر). ومنعت الوزارة أيضا أن تفتح المدارس فروعا جديد ة خارج جدرانها: وهذا يستهدف في الواقع مشروعنا لفتح فرع لمدرستنا بالمرسى (الضاحية الشمالية لتونس). والإجراءات ذاتها قررت أن تغير العد د الأقصى للتلاميذ بالفصل وكذلك المساحة الدنيا لقاعات الدرو س: هذه المساحة وقع تحديدها، بشيء يشبه الصدفة، بأن لا تتجاوز حتما 42 متر مربع والحال أن مساحة قاعاتنا هي 40 متر مربع، وهو ما أجبرنا على هدم جميع القاعات المبنية عام 1936 لإضافة المترين المربعين اللذين فرضتهما الوزارة، وهي – على فكرة - لا تفرض أبدا هذا الشرط على القاعات التابعة لمؤسساتها المدرسية ... ولكن الأمور لم تتوقف عند هذ ا. في شهر ماي 2007 فرضت علينا وزارة الإشراف، دون محاكمة ودون شرح قانوني معقول ومبرر وبكل بساطة، أمرا بإغلاق معهد لويس باستور وبأن نتوقف عن تسجيل التلامذة بعنوان السنة المدرسية المقبلة وبأن نوجه المسجلين منهم حاليا نحو مؤسسات أخرى مماثلة . ومما لا شك فيه أن هذا القرار يفهم على أنه مجرد "رغبة أميرية " وأن أسبابه الحقيقية ليست متأتية من اعتبارات المصلحة العامة. ومن هنا يفهم الإنسان بسهولة ذلك التعاطف الذي أثاره هذا القرار لدى الرأي العام، سوى التونسي أو الدولي، وكون وسائل الإعلام في تونس وفي الخارج، بأوروبا وغيرها، اهتمت بالموضوع واعتبرته كتعبير عن الارتجال الإداري وكنيل خطير من الحرية الفردية ومن الحقوق المسلم بها. وقد تساءل كثيرون، ضمن الرأي العام وضمن وسائل الإعلام التونسية ( جريدة أخبار الجمهورية وجريدة الموقف التي ساندتني ) والأجنبية ( جريدة "لوموند" وجريدة "ليبراسيون " ومجلة "ليكسبراس " وجريدة "لوفيغارو " ومجلة "لوبوا ن" وجريدة "سويسر ا" وعديد الجرائد الناطقة بالعربية في الشرق الأدنى )... والقناة الفرنسية الثالثة والقناة السويسرية الأولى وعديد مواقع والقناة التونسية الوحيدة التي ساندتني في Rue الوا ب: بقشيش وموقع 89 قضيتي هي "قناة الحوار التونسي" للسيد الطاهر بن حسين وهي قناة خاصة تبث من روما. فالجميع كان يتساءل إذا لم يكن الأمر يهدف – ولو بدون شرعية – إلى محابا ة، مؤسسة تربوية كانت قد أنشأت في ذلك الوقت. ومهما يكن من أمر، وحتى يومنا هذ ا، فقد بقي معهد لويس باستور مغلقا. وفي النهاية كان آخر هجوم على مؤسسة تربوية أخرى تابعة لمؤسسة بوعبدلي وهي "الجامعة الخاصة بتونس ". فبالرغم من سن قانون عام 2000 يسمح وينظم الاستثمار الخاص في ميدان التعليم العالي وبالرغم من تصريح السلطة بنيتها في تشريك
القطاع الخاص بسقف 30.000 طالب في تأطير العدد المتزايد من الطلاب، فان "الجامعة الخاصة بتونس" قد كانت، منذ تأسيسها عرضة لإجراءات عشوائية من طرف وزارة التعليم العالي: فسخ اتفاقيات شراكة كانت ممضاة بصورة دورية مع جامعات وطنية واتفاقيات تعاون ممضاة مع جامعات أجنبية، ورفض تمتع جامعتنا بامتيازات مالية وغير مالية منصوص عليها بوضوح في القانون،ورفض عديد مشاريع لتطوير مهمتنا التربوية ( رفض بعث شهادات عديدة وحلقات دراسية متخصصة ورفض إنشاء حلقة دكتوراه ...) وتحرش شبه يومي من طرف إدارة ارتجالية تهدف إلى أن تفرض على مؤسستنا الجامعية شروط تسيير ( خاصة في مجال الفضاءات والتجهيزات ونسب التأطير البيداغوجي وغيره ا) وهي شروط تنسى أن تفرضها على مؤسسات القطاع العمومية : الرقابة الإدارية والتقنيةوالجبائية الدورية والمبالغ فيها وآخر تمظهرات هذه العقلية كانت تبني قانون 4 أوت 2008
وقد يبدو من قراءة بنود هذا القانون أن الأمر يتعلق بقانون عادي، ولكن هذا ليس إلا ظاهريا فقط، لأن قانون 4 أوت 2004 قد نص على تبني "كراس شرو ط" جديد يجب أن تخضع له مؤ سسات التعليم العالي الخاص، وله مفعول رجعي. ونص أيضا على أنه لا يمكن لباعث المشروع أن يشرف على أكثر من مشروع واحد في التعليم العالي . ونص كذلك على أن كل مؤسسة للتعليم العالي الخاص يجب أن يكون لها رأس مال ب : 2.000.000 دينار على الأقل ( أي حوالي 1.000.000 أور و) بينما حدد القانون القديم رأس المال المذكور ب : 150.000 دينار ( أي ما يقارب 75.000 أورو ) أي أن الحجم قد تضاعف 13 مرة. ثم إن القانون الجديد قد نص أيضا على أن أمام كل مؤسسات التعليم العالي أجل أقصاه سنتين "للاستجابة لمقتضيات فصول القانو ن" المذكور وفي صورة عدم تحقق ذلك فان سلطة الوزارة تأمر، بكل بساطة، بإغلاق المؤسسات المذكور ة. وأخيرا وليس آخرا، فان هذا القانون يمنع مؤسسات التعليم العالي من أن تتسمى "جامعا ت" ويبيح لها أن تكتفي بتسميات "كلية " – "معهد" – أو "مدرسة".
وعندما نتثبت عمليا من تطبيق بنود هذا القانون نلاحظ أنها موجهة في الواقع وبصورة مباشرة الى " الجامعة الخاصة بتونس": فهي ككل المؤسسات الجامعية الخاصة الأخرى بالجمهورية التونسية تحمل اسم "جامعة" بمقتضى ترخيص الوزارة المعنية ( قرار وزاري مؤرخ في .( 2001 يتضح جليا أن هذا الإجراء يضر، وبمفعول رجعي، بحق مكتسب شرعيا وخصوصا باسم تجاري معترف به ومكرس منذ سنوات عديد ة. والتحديد المتعلق بالرأس مال الأدنى له نتائج ثقيلة أيضا، لأنه في حال مؤسستنا – وهي الوحيدة اليوم الواقعة تحت طائلة هذا القانون – والموجودة منذ سنوات عديدة فان مؤسسة بوعبدلي ستكون مضطرة إلى ترفع رأس مال جديد للاستجابة لمتطلبات القانون الجديد، وستكون مجبرة على تقسيم مؤسساتها إلى وحدات عديدة متفرقة وهكذا ترتفع بالنسبة لها أعباء التصرف لكل وحدة فتصبح عمليا عاجزة عن مواصلة العيش بوسائلها الخاصة، ونفس الشيء بالنسبة لكراس "الشرو ط" الذي يؤاخذ على الأقل على طابع مفعوله الرجعي والذي يتضارب مع مبادئ القانون المتعارفة . كل هذه القرارات البعيدة عن كونها تطبيقا موضوعيا ومحايدا للقانون يهدف إلى خدمة المصلحة العامة تشكل خرقا خطيرا للمبادئ الأساسية لدولة القانون التي تدعي السلطة أنها تحترمها. الفرضية الأولى: أن هذه الإجر اءات اللاقانونية والمماثلة لانحراف فعلي بالقانون تهم حالة خاصة ومعزولة: هي "حالة بوعبدلي ". ولكن في هذه الحالة، يجب أن يتم تحليل هذه الإجراءات على أنها أيضا إساءة إلى " دولة القانو ن". إذا صح هذا الافتراض فنحن مضطرون لتحميل المسؤولية حتما للسلطات الإدارية والتنفيذية ويحق لنا عند ذلك أن نسأل السلطات الساهرة على تطبيق القانون من طرف الجميع أن توقف كل هذه التصرفات المتضاربة مع متطلبات " دولة القانو ن" وإلا فإنها ستتحول إلى مجرد وهم وادعاء لا مبرر له، وهو ما يفضي للشك في كامل النظام المعياري التونسي من حيث موضوعيته و عموميته ونجاعته . الفرضية الثانية: أن هذه الإجراءات اللاقانونية المتكررة والتي تمثل "انحرافا بالقانو ن" هي من الكثرة والتكرر بحيث لا يمكن أن تخفي عن السلطة السياسية في البلد وإنما مسموح بها من طرفها. ولكننا في هذه الحالة مضطرون لعدم استبعاد افتراض "أسلوب في الحكم " وهو ما يغير طبيعة السؤال بالكامل. هذه الحال فنحن مضطرون إلى اعتبار أن الأمر يتعلق هنا بمسألة ذات طابع سياسي بمعنى أنها تتصل بممارسة السلطة في هذا البلد وبموضوع يجب أن يعالج بوسائل سياسية يكلفها القانون والدستور التونسي بشكل واضح . كثيرة هي الأحداث والتساؤلات التي يصعب عيشها والتي أجبرتني وزوجتي على الطرح ثانية للبحث في المجتمع السياسي الذي نعيشه منذ سنين عديدة لتكون استنتاجاتنا واضحة وجلية ولا حياد عنها فزمن مراجعة ميثاقنا الجمهوري قد حان .في سياق منطق ما عبرت عنه تصريحات العهد الجديد الذي انطلق يوم 7 نوفمبر 1987 حاولت أن أفكر في أسس برنامج إصلاحات سياسية نافعة لبلدي في السنوات المقبلة . شكرا لكل الذين أعانوني عبر محادثات عرضية على الوصول إلى جوهر الأمور.
من أجل بناء
تونس جديدة
عادلة وديمقراطية
شهدت تونس أواخر العهد البورقيبي فترة انسداد سياسي لم يزدها المرض الطويل للمجاهد الأكبر وما نتج عنه من تشكك وتردد في سير الحكم إلا خطورة يوما بعد يوم، وما فتئ استفراد الرئيس بورقيبة بالسلطة ، يصاب بالتصلب بمرور ا لزمن بحيث لم يعد أحد يشك، آخر سنة 1987 في أن النظام الذي حكم البلاد على اثر استقلالها سنة 1956 قد أصبح عاجزا عن التجدد وعن القيام بالإصلاح العميق الذي كانت الدولة والمجتمع في حاجة ماسة إليه. ثم إن ما يقارب الثلاثين سنة من الاستفراد بالزعامة قد بات، منذ مدة طويلة، حائلا حيلولة شبه تامة دون تطور، بل ودون ظهور قوى سياسية قادرة على تعويض السلطة القائمة وعلى تقديم نفسها كبديل مقنع للنظام البورقيبي . وقد تمثلت العلامة الواضحة لهذا الفراغ السياسي الخطير في ظهور أولى الحركات الإسلامية التي شكل تطرفها تحديا للدولة وللشخص الذي كان يعتبر نفسه الرمز الأوحد لوحدة الأمة ولقوة الدولة . وأدى الخوف من ضياع السلطة ومن انفجار الأزمة بالنظام إلى الشروع في تنفيذ سياسة قمعية تجاه حركات المعارضة وتجاه الإسلاميين بالأخص لكونهم إ ذاك أنشط الحركات المعارضة وأكثرها عداء لزعامة الحبيب بورقيبة. كما أدت محاكمات صاخبة إلى أحكام بالإعدام ضد العشرات من هؤلاء بتهمة التآمر على الأمن الداخلي والخارجي للدولة والى اتخاذ قرار مرتجل وغير متلائم مع ا لأسلوب السياسي الذي عرف به رئيس الدولة إذاك وهو وضع هذه الأحكام موضع التنفيذ، وهو ما كاد يشعل النار ويسفك الدماء ويعرض استقرار البلاد ومكاسبها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لخطر محقق . وقد كان التونسيون في غالبيتهم العظمى خلال كامل هذه الفترة يتألمون من هذه النهاية السياسية التي لم يعد لها بريق ويتمنون أن يبادر أبو الأمة بمحض إرادته وفي كنف الكرامة، إلى اتخاذ القرار الحكيم بالتخلي عن السلطة ومغادرة قصر قرطاج. ولكن المسيرة الظافرة للزعيم بورقيبة لم تنته مع الأسف بهذه الكيفية وعندما تم اتخاذ القرار، ليلة 7 نوفمبر 1987بإزاحة رئيس الدولة عن الحكم وإعلان تولي الوزير الأول وقتها تسيير الشؤون، وقع تقبل ذلك بارتياح كبير من طرف كامل المجتمع التونسي وقد رأى في ذلك نهاية حتمية ومرجوة قد آن أوانها منذ مدة: فان يتم تغيير النظام بواسطة ما سمي وقتها انقلابا أبيض وأن لا يكون مصحوبا بأي ممانعة ذات دلالة ودون إراقة لقطرة دم واحدة، إنما هو علامة الموافقة التي عبرت عنها الأغلبية العظمى للمجتمع التونسي في شأن النهاية التي آلت إليها أزمة الحكم .
زد على ذلك أن قرار إزاحة الرئيس بورقيبة عن الحكم الذي كان يتولى شؤونه بمفرده منذ ما يزيد على الثلاثين سنة قد كان مصحوبا ب بيان وضح فيه صاحبه الأسباب والدوافع التي دفعته إلى القيام بمبادرة أملاها عليه الواجب الوطني . ذلك أن بيان 7 نوفمبر أوضح أن القرار الذي تم اتخاذه يبرره العجز الذي استفحل لدى الرئيس بورقيبة عن ممارسة المهام الثقيلة التي أسندها إليه الدستور وبما يقتضيه الدستور من الوزير الأول، في هذه الحال، من ضمان للخلاص الوطني: "... (إ ن) الواجب الوطني يفرض علينا اليوم أمام طول شيخوخته واستفحال مرضه (ا لرئيس بورقيبة) أن نعلن، اعتمادا على تقرير طبي، أنه أصبح عاجزا تماما عن الاضطلاع بمهام رئاسة الجمهورية، وبناءا على ذلك وعملا بالفصل 57 من الدستور، نتولى بعون الله وتوفيقه رئاسة الجمهورية والقيادة العليا لقواتنا المسلحة." إن ما جاء به بيان 7 نوفمبر مما هو أهم من تغيير النظام كان في نفس الوقت لغة سياسية جديدة وخطابا كان كل التونسيين حساسين له ورأوا فيه بالخصوص ظهور بوادر برنامج سياسي جديد اعتبرته الغالبية العظمى للمجتمع التونسي استجابة واسعة لما كانت تتمناه. فقد أعلن بيان 7 نوفمبر أن عهد الرئاسة مدى الحياة قد ولى وأنه لم يعد هناك مكان لخلافة معدة سلفا ولا مجال للنهايات المرعبة والصعبة لنظام الحكم، وصرح بكامل الوضوح وبلا مواربة بأنه " لا مجال في عصرنا لرئاسة مدى الحياة ولا لخلافة آلية لا دخل فيها للشعب، فشعبنا جدير بحياة سياسية متطورة ومنظمة تعتمد بحق تعددية الأحزاب السياسية والتنظيمات الشعبية ." وبهذا فقد أقر البيان بضرورة مراجعة الدستور في هذا الاتجاه وبأنه بات يحتاج إلى مراجعة تأكدت اليوم . ثم إن بيان 7 نوفمبر قد أعلن بعد هذا وبعد إدانته الواضحة لكل أشكال الحكم الشخصي والاستبدادي في فقرة تستجيب تماما لانتظارات وأمنيات مجتمع سياسي طالما اختنق تحت وطأة نظام متسلط وغير ديمقراطي عن: -الاعتراف الواضح بكامل قدرة الشعب التونسي على تصريف شؤونه بكل ديمقراطية وبكل مسؤولية، إذ جاء فيه أن "استقلال بلادنا وسلامة ترابنا ومناعة وطننا وتقدم شعبنا هي مسؤولية كل التونسيين وحب الوطن والذود عنه والرفع من شأنه واجب مقدس على كل مواطن". - التزام النظام الجديد بإرساء قواعد دولة ديمقراطية وباحترام خياراتها وقراراتها. فقد أعلن بيان 7 نوفمبر بالخصوص في فقرة ستذكر في مواضع أخرى من هذا الكتاب "أن شعبنا بلغ من الوعي والنضج ما يسمح لكل فئاته وأبنائه بالمشاركة البناءة في تصريف شؤونه في ظل نظام جمهوري يولي المؤسسات مكانتها ويوفر أسباب الديمقراطية المسؤولة وعلى أساس سيادة الشعب كما نص عليها الدستو ر." - ظهور شكل جديد من أشكال الحياة السياسية الديمقراطية التي أكد البيان بدون تردد أن الشعب التونسي جدير بها تماما بفضل تطور مستوى النضج السياسي الذي بلغه . - كما أعلن بيان 7 نوفمبر ضمن خطة النظرة الديمقراطية الجديدة الذي سطره التزام محرريه باتخاذ التدابير الضرورية الكفيلة بإدخال إصلاحات على الهياكل السياسية في اتجاه دمقرطة الحياة السياسية بالبلاد . فنحن نج د فيه بالخصوص قوله "إننا سنعرض قريبا مشروع قانون للأحزاب ومشروع قانون للصحافة يوفران مساهمة أوسع، بنظام ومسؤولية، في بناء تونس ودعم استقلالها ". وختاما فان بيان 7 نوفمبر قد التزم، فيما هو يشخص عوامل الأزمة الخطيرة للنظام السابق، بإرساء دولة القانون وتكريس احترام القانون من طرف الجميع وفي كنف المساواة والشفافية التامتين . فقد أعلن في هذا الصدد : "سنحرص على إعطاء القانون حرمته، فلا مجال للظلم والقهر، كما سنحرص على إعطاء الدولة هيبتها، فلا مكان للفوضى والتسيب ولا سبيل لاستغلال النفوذ أو التساهل في أموال المجموعة ومكاسبها."إن جميع هذه الوعود تمثل عقد شرف بين النظام الجديد والشعب التونسي. وقد وفر هذا الأخير دعمه للفريق الحاكم الجديد على أساس الالتزامات التي تم التذكير بها أعلا ه. وبناء على هذا فان من حق الشعب التونسي أن يطالبه بمحاسبته على تنفيذ بنود العقد الاجتماعي الذي تعاقد معه عليه. غير أنه لا بد هنا من إبداء ملاحظة هامة جدا في شأن الروح الجديدة التي تم في نطاقها الإعلان عن الإصلاحات العميقة من طرف بيان 7 نوفمبر وهي أن هذا البيان قد سجل فعلا أن الشعب التونسي قد بلغ في نوفمبر 1987 مستوى النضج والمسؤولية الضروري بما يمكنه مباشرة من ممارسة ا لحياة الديمقراطية ولكي يتسنى له، في إطار ديمقراطية مسؤولة ، أن يشارك مشاركة بناءة في تصريف شؤونه في ظل نظام جمهوري..." ؛ فإذا كانت هذه هي الحال فعلا منذ ذلك التاريخ على الأقل، فان ما يستنتج وجوبا منه هو أن هذا الشعب ينبغي أن يكون قد نعم، بعد عشرين سنة، بالديمقراطية وبحقوق الإنسان والحريات العامة و دولة القانون وبتقاليد حكم سوي، وينبغي أن تكون حياته السياسية قد تطورت وأن تصنف تونس ضمن أكبر الديمقراطيات وأن تذكر في كل مكان باعتبارها الأنموذج الأنجح لغرس هذه المبادئ الأساسية والمعترف بها كونيا للحياة السياسية العصرية في بلد من بلدان العالم الثالث... فهل أن ذلك كذلك؟
- إذا كان المحتكم إليه هو الخطاب الرسمي ، فالجواب المؤكد هو نعم، وهو جواب لا يعتريه أدنى اعتراض . فالمسؤولون الحكوميون ووسائل الإعلام الرسمية تتبجح بأن تنسب للنظام الحالي شرف هذه النجاحات وترفض النقد وخاصة ذلك الآتي من الخارج وتعتبر ذلك مجرد إشاعات مغرضة وأقوالا متهافتة يروج لها أعداء تونس . ولكن الواقع، مع الأسف، غير هذا تماما وهو ما سنبينه في هذا الكتاب . ذلك أن النظام الحالي يتوهم في تقييم حساباته ويغالط المواطنين التونسيين في شأن واقع التطور السياسي الذي عرفه بلدهم منذ ما يزيد على العشرين سنة. ففي حين يؤكد أن تونس قد خطت منذ 7 نوفمبر 1987 خطوة كبيرة إلى الأمام على طريق الديمقراطية وحقوق الإنسان ودولة القانون، فان كثيرا من التونسيين المعتدلين يرون، على العكس من ذلك، أن بلاد نا قد خطت خطو ات كبيرة إلى الوراء ويطالب عدد كبير من التونسيين اليوم بالعودة إلى التطبيق الحرفي لوعود بيان 7 نوفمبر 1987 يجب أن نصدع بالقول بأن تونس حاليا ليست على الطريق السوي وبأنها تتجه، منذ وقت طويل، نحو أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية جديدة يخشى أن تكون أخطر من تلك التي مرت بها في آخر نظام بورقيبة .
بيد أن هذا البلد يملك حظوظا حقيقية – وأحسن بكثير على كل حال من حظوظ بلدان نامية كثيرة – كفيلة بأن تخرجه من الأزمة وبأن تمكنه من تحقيق تطور فعلي وصلب على درب التنمية والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والازدهار الثقافي والحضار ي. والشرط الأساسي للتمكن من ذلك هو ضرورة أن يبذل هذا الشعب الجهود اللازمة لكي يتماسك و يصعد الربو ة. ينبغي أن يتصالح الشعب التونسي مع ديناميكية الحداثة وأن يستعيد الإيمان بمستقبل أكثر رخاء وبقدرته على تحقيقه . ولهذا فان من حقه أن يطالب باحترام عقد الشرف الذي وقع عليه منذ نوفمبر 1987 وبتطبيق بنوده بكامل الدقة في صالح تونس برمتها . هذا الجهد يجب على كل التونسيين أن يساهموا فيه، ذلك أن تونس – كما اقترحه بيان 7 نوفمبر نفسه – من حقها أن تعول "على مشاركة كل أبناءها في جو من الثقة والأمن والاطمئنان، فلا مكان للحقد والبغضاء والكراهية ". ومن أجل الاضطلاع بهذا الواجب المدني ، فان الدستور يضمن للتونسيين حريات الرأي والتعبير والصحافة والنشر والاجتماع والانتظام في جمعيا ت ضمن الشروط التي حددها القانون . ونحن استجبنا لهذا الندا ء، فلأننا نعتبر أنه من وا جبنا أن نعبر عن رأينا ومخاوفنا وآرائنا النقدية . لهذه الأسباب، هذا هو : "مواطن تونسي يتكلم ...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.