وزارة التجارة: استقرار شبه تام لأغلب المواد الإستهلاكية مطلع 2025    منوبة: حجز أكثر من 650 كلغ من لحوم الدواجن    عاجل/ باكستان: "لا مجال لخفض التصعيد مع الهند"    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 29): طاقم تحكيم مغربي لكلاسيكو الإفريقي والنجم    عاجل/ احالة هذا الوزير على أنظار الدائرة الجنائية المختصة من أجل شبهات فساد..    عاجل/ والي بن عروس يصدر قرار هام..    التبروري يخلف اضرارا بمزارع الحبوب بهذه الولاية..#خبر_عاجل    أنس جابر إلى الدور الثالث من بطولة روما دون خوض المباراة    تسجيل كميات هامة من الامطار في اغلب جهات البلاد خلال الاربع والعشرون ساعة الماضية    تراجع التوجه إلى شعبة الرياضيات من 20% إلى 7%    المديرة العامة للمرحلة الابتدائية: وزارة التربية على أتمّ الاستعداد للامتحانات الوطنية    نصائح طبية للتعامل مع ''قرصة الناموس'' وطرق للوقاية منها    لون وشكل كوب القهوة يُؤثّر على مذاقها    قابس، انطلاق مشروع تجديد المحطة الرئيسية لضخ مياه التطهير بقابس المدينة    تونس تبلغ مستوى نضج متوسط على مستوى الخدمات العمومية الرقمية (تقرير)    دون انتظار إسرائيل... ترامب يقرّر المضي قدما بخطواته بالشرق الأوسط    "كامل وشامل".. ترامب يعلن عن اتفاق تاريخي مع بريطانيا    زغوان: افتتاح معرض التسوق على هامش الدورة 39 لمهرجان النسري    رفح المنكوبة.. 80% من المدينة تحت الركام (صور)    العربية والانجليزية في فواتير المياه... ضربة جزائرية جديدة للغة الفرنسية    كرة اليد: النجم يطالب بإعادة مباراة الكأس مع ساقية الزيت    للتونسيين بالخارج: خطوة واحدة للحصول على رخصة الجولان والبضائع المورّدة    المرصد الوطني للفلاحة: استمرار تهاطل الأمطار قد يساهم في تحسن وضعية السدود والمائدة المائية    طبيب يحذر ''قرصة الناموس'' أصبحت خطرًا على التونسيين خاصة الأطفال    فظيع/ هلاك امرأة وطفلها في انفجار قارورة غاز..    هيئة السلامة الصحية تتلف أكثر من 250 طنًا من المواد الغذائية الفاسدة في ميناء رادس    8 سنوات سجناً لعائد من صفوف تنظيم "داعش" الإرهابي: غادر بعد "دمغجة" في المساجد وفرّ من التنظيم ليسلّم نفسه    تطوير منظومة اللحوم الحمراء: تشكيل فرق عمل بين 3 وزارات لتحسين الإنتاج والتوزيع    الأمطار تتواصل: تحذيرات من رعد وغزارة في الشمال والوسط الليلة    قاض أميركي يوقف خطط ترامب لترحيل المهاجرين إلى ليبيا!    زلزال بقوة 5.1 درجات يضرب هذه المنطقة..#خبر_عاجل    تسميات جديدة بهذه الوزارة..#خبر_عاجل    فضيحة ''المدير المزيّف'' تطيح بأعوان بإدارة الفلاحة    هذا فحوى لقاء رئيس الجمهورية برئيسي البرلمان ومجلس الجهات والأقاليم..    طريقة بيع جديدة لأضاحي العيد ولجنة وطنية لتحديد سعر الكيلوغرام الواحد..#خبر_عاجل    عيد السنة... ما ثماش قصّان: الماء حاضر في ''ديار التوانسة!''    الاتحاد التونسي للفلاحة: الفلاحون يلجؤون إلى الفايسبوك لبيع خرفان العيد وتجاوز الوسطاء    هام/ تعرف على أسهل طريقة لخفض ضغط الدم دون التوقف عن تناول الملح..    كاس امير قطر - نعيم السليتي يضع بصمته في تاهل فريقه الشمال على حساب العربي    ثلاثة جرحى في حادث دهس في باريس وهذا ما قالته الشرطة الفرنسية    رويز وحكيمي يقودان سان جيرمان لنهائي رابطة الأبطال على حساب أرسنال    عاجل/ سيناريو ماي وجوان 2023 سيتكرر بقوة أكبر وأمطار غزيرة متوقعة..    اليوم: طقس ممطر والحرارة تصل إلى 38 درجة بأقصى الجنوب    صفاقس : بالشعر مهرجان سيدي عباس يُسدل الستار على دورته 31    عشرية الغنيمة لم تترك لنا غير الدّعاء    وزيرة الثقافة تطالب بحلول عاجلة لمراكز الفنون الدرامية    ولاية أريانة تستعد لانطلاق فعاليات الدورة 29 لعيد الورد من 9 إلى 25 ماي 2025    كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة (المجموعة 2): المنتخب التونسي ينهزم أمام المغرب ويتعقّد موقفه في التأهل    مصر.. رفض دعاوى إعلامية شهيرة زعمت زواجها من الفنان محمود عبد العزيز    طقس الليلة يكون احيانا كثيف السحب مع امطار مؤقتا رعدية    اجتماع تنسيقي بين وزارة الشؤون الثقافية واتحاد إذاعات الدول العربية تحضيرا لمهرجان الإذاعة والتلفزيون    تحذير هام من الإستخدام العشوائي للمكمّلات الغذائية.. #خبر_عاجل    اليوم في المسرح البلدي بالعاصمة: فيصل الحضيري يقدم "كاستينغ" امام شبابيك مغلقة    سامي المقدم: معرض تونس للكتاب 39... متاهة تنظيمية حقيقية    وزارة الصحة: احمي سَمعِك قبل ما تندم... الصوت العالي ما يرحمش    قبل أن تحج: تعرف على أخطر المحرمات التي قد تُفسد مناسك حجك بالكامل!    دليلك الكامل لمناسك الحج خطوة بخطوة: من الإحرام إلى طواف الوداع    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بورقيبة 86 بن علي 87: الإخوة الأعداء حولوا الوطن إلى مساحيق

أمر غريب ذلك الذي تشهده الآلة الإعلاميّة التابعة للسلطة التونسيّة والنشريّات والتقارير والدراسات الصادرة عن جهاتها الاقتصاديّة والفلاحيّة والثقافيّة والرياضيّة التي دأبت على ضخّ أرقام خيالية لإنجازاتها على مدار السنة ثم تتضاعف هذه الأرقام مرات عدّة مع اقتراب محطة انتخابيّة أو ذكرى عزيزة على النظام أو مناسبات أخرى من هذا القبيل.
ليس هذا مدار الاستغراب لأنّ الذي يحتكر المعلومة ويرفض تعدّد مصادرها ويوكّل بها أهل الولاء دون أهل الاختصاص سوف لن يتوانَى في كنزها وشحنها ثم طلائها ومن ثمّة تقديمها في أبهى زينتها هيكلا ومظهرا... إنّما الإشكال المحيّر والمستهجن أنّ هذه الأرقام والمؤشرات لم تساق لذاتها تباهيا وتفاخرا بإنجازات وإن كانت وهميّة بل ساقتها ماكينة العهد الجديد على جمجمة العهد القديم ...إنّنا أمام عقليّة مسكونة بهاجس الهيمنة، موغلة في احتكار أوسمة النجاح والمجد والسؤدّد، متخفّفة بل متخلّصة تماما من الفشل أو حتى ملامحه.
منذ 1988 والأرقام تتوافد علينا تباعا تتراقص على شاشاتنا وعبر أمواج الأثير وفوق صفحات الجرائد، أرقام تحكي قفزات نوعيّة خارقة، وإن غضضنا أبصارنا عنها واستسلمنا لها تعففا على مجادلة النشاز فإنّه يصعب علينا التعايش والسكوت على نواياها، إنّه يتملكك الوجوم وأنت حائر فاشل عاجز في فك شفرة "الأنا" المتورّم المسرطن!!! "أنا" لا يفوّت فرصة قريبة أو بعيدة، كبيرة أو صغيرة حتى يجعل من تاريخ 1986 والأشهر العشرة الأولى ل 1987 هدفا لمطارقه ومعاوله وراجماته، لقد عمدت ماكينة العهد الجديد للمرحلة البورقيبية فاستنسختها ثم ارتشفتها ثم استخدمتها مكبّا لنفاياتها... إنّك وأنت تستمع إلى تواريخ ""من إلى""، ومقارنات ""بين وبين""، وإنجازات ""قبل وبعد"".. تتعدى وجومك لتدخل في حالة قهر متقدمة ميئوس منها، كيف لا وأنت تستمع وتشاهد وتقرأ لوسائل إعلام سلطة "تمثّل" بلدك وهي ماضية تعبث بهيبته ومكانته التاريخيّة والحضاريّة.. وطن مكشوف على المعمورة ترمقه أعين عربها وعجمها، سلطته منهمكة تتحدث دون خجل ولا حياء عن معجزات وهميّة نقلت تونس من الظلمات إلى النور.. كيف لا تغتاظ وأنت تشاهد بأمّ عينك إحصائيات وأرقام متورّمة خاصة بالعهد الجديد لم تدخل في مشاحنة واحتكاك وتجاذب مع مرحلة المقيم العام الفرنسي لوسيان سان أو مارسال بيروتون أو موريس روفيي أو بينوا ميركل، ولا مع مرحلة البايات ولا حتى مرحلة بوبالة وعبيد الله المهدي وكسيلة والكاهية ولا حنبعل وعلّيسة... إنّما هو الابن يجلد أباه، التجمع يسفّه حزبه، والدستوري يئد اشتراكيته، والديمقراطي يسلخ دستوره.. هكذا يأتي الشيء على بعضه، والنسل على ناسله، هكذا الجنس ينفي جنسه... كيف يمكن لمن يتفحص هذه الأرقام أن يمسك نفسه عن الحسرات؟! ها قلّب نظرك في هذه المعطيات واصبر نفسك مع الصابرين:
* وبفضل التعديلات التي أدخلت على المجلة الانتخابية أمكن للمعارضة، لأول مرة منذسنة 1956، دخول البرلمان خلال انتخابات 1994.
* وارتفع الناتج المحلي الإجمالي من 7.160 مليون دينار سنة 1986 إلى 44.254 مليوندينار سنة 2007.
* وارتفاع حجم الاستثمار الأجنبي من 100 مليون دينار سنة 1986 إلى 2.132 مليون دينارسنة 2007.
* وبالتوازي مع هذا المجهود وقع الحرص على الحفاظ على التوازنات العامة كما يبرز ذلك من خلال التحكم في عجز الميزانية وميزان المدفوعات والمديونية وتراجع خدمة الدينإلى 15,4 بالمائة سنة 2007 مقابل 26,3 بالمائة سنة 1986.
* وارتفع الناتج المحلي الإجمالي من 7.160 مليون دينار سنة 1986 إلى 44.254 مليون دينار سنة 2007. وحقق تفتح الاقتصاد التونسي نجاحا مهما كما يتجلى ذلك من خلال تطور نسبة الصادرات من الناتج المحلي الإجمالي من 34,7 بالمائة سنة 1987 إلى 50,7 بالمائة سنة 2007 وارتفاع حجم الاستثمار الأجنبي من 100 مليون دينار سنة 1986 إلى 2.132 مليون دينار سنة 2007.
* وزيادة عن ذلك وسع بصورة ملموسة التغطية الاجتماعية التي تتجاوز نسبتها حاليا 90 بالمائة مقابل 54.6 بالمائة سنة 1987.
* وسجل حجم الاستثمار الخارجي تطورا كبيرا ليبلغ 1000 مليون دينار سنة 2005 مقابل 100م د سنة 1986.
* تضاعف عدد الطلبة المسجلين ثلاث مرات خلال عشرية واحدة فبلغ 155 ألف طالب سنة 1998مقابل 41 ألف طالب سنة 1986.
* عدد أسرة الفنادق من : 4.000 سرير سنة 1962 إلى 226.000 سري سنة 2004عدد الاسرة تضاعف أكثر من 56 مرّة.
* وللنجاحات الاقتصادية في تونس مكاسب اجتماعية ذات أهمية في مجتمع تمثل الطبقة الوسطى ثلثيه حيث تتمحور الإنجازات الأخرى التي تحققت في تونس خلال العقدين الماضيين في مضاعفة الدخل الفردي أكثر من أربع مرّات ليبلغ أكثر من 4 الاف دينار تونسي اكثر من 3 الاف دولار في حين أنه لم يتجاوز 900 دينار نحو 700 دولار سنة 1986.
* لم يكن إجماع كل العائلات السياسية والفكرية والأطراف التي تعرضت للقمع والاضطهاد قبل الإنقاذ على مباركة العهد الجديد سوى استجابة طبيعية لرغبة صادقة أعلن عنها بيان السابع من نوفمبر في التغيير وإعادة الاعتبار للنظام الجمهوري الذي يفقد معناه في غياب الديمقراطية والتعددية والمشاركة.
* إن من مظاهر الأزمة التي استفحلت قبل الإنقاذ غياب الرؤية الوفاقية نتيجة حالة الاحتقان التي غذتها الصراعات وعمقها غياب النفس التعددي في البلاد.
* فليس غريبا أن تصبح محاكمات الرأي ومصادرة حرية الصحافة وتعطيل التجربة التعددية الوليدة بكل السبل واستهداف الرأي المخالف العملة المتداولة في مرحلة لم تخلف تداعياتها سوى التشجيع على العنف والفرقة، "لقد عانى المشهد السياسي في عقدي السبعينات والثمانينات من ضعف التحاور والانغلاق على معتقدات ومسلمات"...
* فالتجمع الحزب الاشتراكي سابقا .. انعكس عليه سلبا "ما اتسمت به الحياة السياسية قبل التحول من جمود وما اعترى الحياة الحزبية من تخلف وتردّ تجلت مظاهره كالآتي: تكريس التشخيص الذي أضعف مؤسسات الدولة وبنية الحزب في نفس الوقت، تشويه العمل السياسي بإضعاف الروح النضالية وتحويل التحزّب الى ذريعة للمنفعية والمصلحية الضيقة، الانفراد بالرأي (...) إقصاء الشباب والكفاءات (...) فقدان المصداقية والشعبية وتحنّط الخطاب".
* لن يُقدّر ما أنجز وينجز حاليا في البلاد حق قدره إلا من عاش نقيضه وواكب المعاكس له..... ولن يثمّن مكاسب تونس التحول إلاّ من خبر أحداث بعضها معلوم وبعضها مجهول كانت بحاجة إلى حركة شجاعة من رجل مقدام ليتغير الوضع من حال إلى حال وتعيش تونس بأمان.
يا معشر المعارضة إذا كان هذا حقد نظام على نظامه، شقيقان توأمان تفصل بينهما ليلة بلا يومها.. هذا ابن آخر السادس من نوفمبر، وذاك ابن أول السابع من نفس شهر أخيه، فكيف يكون الحال معكم وأنتم في أجندته،، يمينكم إرهابيّ عدو الحداثة حليف الرجعية، ويساركم كافر في بلد الدين الحنيف ومناراته، وحقوقيّيكم مرتهنون مرتزقة..
على المعارضة أن تكون جادة وواقعية ومسؤولة وتكفّ عن المطالبة بالانتخابات والإصلاحات وتلتفّ وتلتفت لإنقاذ ماء الوجه فقد سلختنا هذه الحملات الانتخابية أمام العالم، حيث أصبح منافس الرئيس المفترض مديرا لحملته الانتخابية.. وغيره من منافسي الرئيس على الرئاسة أحدهما يشتغل مروّج لإنجازات الرئيس "خصمه المفترض"، وآخر يبشّر بمشاريعه المستقبلية.. والعالم ترك الكاميرا الخفيّة والمستر بين، وشارلي تشابلن وجاء يتفرج على فضيحتنا... إنّنا نهيب بالمعارضة والجمعيات الحقوقيّة والهيئات الإصلاحيّة أن تراعيَ مصلحة البلاد العليا وسمعتها وتاريخها وأن لا تستفز السلطة حتى لا تردّ الفعل بعنف فتنظم لنا انتخابات "نِتبهذلوا فيها قُدّام الدُول ويضحك علينا القاصي والداني" لم يعد لنا حاجة للحرّيّة ولا الشفافيّة ولا الرخاء ولا النزاهة.. المهمّ "أخطونا من الفضايح أمام الدول، والله يرحم والديكم من فوق"...
في أحد المدن الألمانية جنى طالب تونسي على نفسه حين أتى بزملائه المغاربة والمشارقة إلى بيته ليشاهدوا معا مقابلة وديّة بين تونس والسعودية، وكانت الكارثة حيث لم تبث قناة 7 المقابلة إنّما بثت خطاب من مدينة عقبة والأغالبة لمترشح للرئاسة يسبّ فيه المعارضة ويحشد الدعم والتأييد للرئيس الذي هو أصلا مترشحا لمنافسته!!! وبينما الشاب ابتلعه المطبخ يفتعل الانشغال كان الطلبة يضحكون ويتندرون ببلده!!!.
لم يعد أمامنا إلاّ أن نطلب من النظام أن يكفّ عن البث اليومي لأرقامه وانجازاته ودروعه وجوائزه وسبقه وريادته... مقابل أن نُفَعِّل نحن خيالنا ونسرد سلسلة من الإنجازات الخرافيّة الخارقة للسلطة تعتمدها كوثيقة رسمية على أن تُبث مرة واحدة كل سنة وعلى القناة الأرضيّة دون الفضائيّة، وهذا النصّ المقترح للغرض:
"هذه صحراء قاحلة جافة موحشة شاهد على قساوتها تاريخ 1986 تحوّلت بقدرة قادر لتصبح في أواخر سنة 1987 واحة دوحاء يشقّها نهر جار تتخللها عراجين "الدقلة" الحلوة الصافية الشفافة حتى أنّك تلمح نواتها وأنت على مسيرة يوم وليلة.
في سنة 86 ماتت المواشي وغوّرت الآبار ويبست المراعي وانتحر الرعاة حتى أنّه وفي مطلع 87 كادت الثروة الحيوانيّة بمجملها أن تندثر وما إن هلّت أواخر هذه السنة حتى كست الأعشاب الأرض وغمرها الكلأ وأصبحت الخرفان تتمايل لا تقوى على المشي من شدّة السمنة، وأكلت الحيوانات إلى حدّ التخمة فأصبحت تتقيأ عمدا لتتخفف قبل النوم لكي لا يصيبها الأرق، وحتى أنّ الرعاة أصبحوا يشتكون تفشي غلظ الدم والسكر في صفوف مواشيهم.
في سنة 86 كان 95% من الشعب يعيش على الخبز وزيت الحاكم "صانقو" وفي مناسبات قليلة يحلي بالسفنّارية "جزر"، أمّا في أواخر 87 ومطلع 88 ومع تضاعف القدرة الشرائيّة عشر مرات فقد أصبحت رائحة الشواء تزكم الأنوف في المدن والقرى والأرياف، بل في كل شبر من ربوع الخضراء.
مع بدايات 87 كانت قد فقدت أغلب مواد البناء من البلاد وتضاعفت أسعار الأخرى وتوقفت تماما اليد العاملة عن البناء والتشييد، وأصيبت البنية التحتية بركود حادّ حتى أنّك وإن جبت الجمهورية من أقصاها لأدناها لا يمكنك العثور على "بار" حديد "ستة أو سبعة أو ستاش"، وما إن هلّت سنة 1999 حتى كان العمران قد ازدهر ومدّت الجسور وأغرقت مواد البناء الأسواق من اسمنت مسلّح جودة عالية إلى الحديد "إنوكس" حتى أنّ أحد الثقات جدا المترشحين للانتخابات البلدية لحساب الحزب الحاكم في أحد الجهات أقسم أنّه رأى بأمّ عينه بنّائين يصبوا في لاَنْطَاوَاتْ بذهب ذوق 24 ويصُبُّوا في العْرُصْ بالفضة ويْبَلْطوا بالحجر الكريم ويْليْقُوا بالنحاس...
في 84 مات المئات من أجل قطعة خبز وهاجرت القطط والكلاب بعد أن فشلت في العثور على مؤونتها في حاويات المزابل الفارغة، أمّا اليوم ونحن على مشارف 2010 وبإلقاء نظرة أمام كل بيت على "بِيدُون الزبلة" فستجد فيه التريليا والبوري والقرنبيط والكلمار والشوباي والمسكاي والكروفيت والقنّارية والفول "تونسي فرشك مشو مصري" واللحم هبرة والبندق والفزدق والرّمان...
في أواخر 87 كان الولد يقتل أباه، والبنت تئد أمّها والتونسي يتربّص بالتونسي للقضاء عليه وما إن هلّ نوفمبر هذه السنة حتى روى لنا ثقات من معتمدية بوسالم أنّهم رأوا ذيبة تولّد في نعجة ثم تأخذ المولود في يدها وترضعه من صدرها وتلتفت إلى وليدها - ذَيبْ صْغَيِّر - وتقول له هذا علوش صغير خوك في الرضاعة ألعب عليه ورد بالك توجعوا راني نْتَتَيْكْ "قالتهالو بلهجة الذْيُوبَة"...
في 86 كان معدل الأعمار في تونس 30 سنة للرجال و30 ونصف للنساء، وبعد مخطط دقيق وعمل دؤوب وصل معدل أعمار الرجال سنة 2004 إلى 100 سنة ومعدل أعمار النساء إلى 100 "وشْوَيْ"، لكن من المتوقع أن يشهد قفزة نوعيّة مذهلة خلال 2009.
ذكر أحد شهود العيان من أهل الثقة أنّه وفي ليلة 7 نوفمبر 1987 شاهد نور يخرج من القصبة ويغمر قرطاج ثم يشعّ على كامل الجمهورية ليتمدّد بعدها إلى كامل الوطن العربيّ والأمّة الإسلاميّة والإنسانيّة قاطبة، وأيّد ذلك عالم آثار يوناني حين قال أنّه قرأ إشارات من هذا القبيل في أشعار طاغور.. كما يروى عن عالم الإحياء الفرنسي أنّه استقرأ شيئا من هذا في ملامح بعض ألواح سلفادور دالي.. ونقلت وكالات الأنباء العالميّة عن فريق غوص فرنسي أنّهم وبينما كانوا يفحصون بقايا سفينة في الأعماق إذ بعروس البحر غاية في الجمال والسحر تخرج لهم وقد وُشِمَ على خدّها الأيمن رقم سبعة وعلى خدّها الأيسر رقم إحدى عشر،، لم يقف الأمر على هذا الحدّ بل أشارت بكلتا يديها نحو الضفة الأخرى للمتوسط حيث المغرب العربي والله أعلم ماذا كانت تقصد!!!.
اللوحة الزاهية متواصلة حيث هاتفت أم أحد المهجرين ابنها وطالبته بالعودة فورا لأنّ الأمن والأمان عم البلاد كانت تخاطبه ودموع الفرح تسبقها وهي تقول: "هيا يا وليدي إزرب روّح الدنيا بخير والشر تنحى من لبلاد رَانِي البَارِحْ أنا وعمتك سالمة شاقين هِنْدِي خالك التهامي تلفتنا على غفلة نلقوا دجاجة مادة رجليها وثعلب تْحَنِّي ليها وهُوما لثنين كيخ كيخ بالضحك"
انتهى النصّ المقترح لكن لم تنتهِ الحكاية... حكاية الحلم بالحرّيّة والحياة المدنيّة السليمة والمؤسسات والاستقلالية... حكاية الآمال التي تهشّمت وتقزّمت واختزلت لتصبح رجاءا.. رجاءا يتيما عليلا موحشا... رجاءا موجها إلى أصحاب القرار أن كفّوا عن الفضائح فقد ذهب ماء وجهنا!!!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.