" على السلطات الهولندية أن تعمل على تأسيس علاقات مع ذوي التوجهات الديمقراطية في حركات الإسلام السياسي ". " كان هذا هو أهم ما توصل إليه التقرير الذي أعده المجلس العلمي الهولندي للسياسة الحكومية. ويأتي هذا التقرير الذي سُيقدم اليوم إلى وزير الخارجية الهولندي بين بوت في الوقت الذي تواجه فيه الحكومة الهولندية معضلة الموقف من حركة المقاومة الإسلامية حماس بعد وصولها إلى قيادة السلطة الوطنية الفلسطينية. أسهم مناخ الخوف والشكوك بين العالم الإسلامي والغرب في الأعوام الأخيرة في تشويه رؤية كل منها للآخر. وفي هذا المناخ يتم دائما وضع حركات الإسلام السياسي في سلة واحدة مع الأصوليين الذين يستخدمون العنف، ويعادون الديمقراطية مثل "أسامة بن لادن". ويحاج تقرير المجلس العلمي الهولندي للسياسية الحكومية بالقول: إن هذه الصورة لا بد من تعديلها؛ يضم الإسلام السياسي في الواقع نطاقا أوسع من الرؤى والمواقف، ومن ثم فإن هناك بالتأكيد أصوليين مثل حركة "طالبان"، وأتباع تنظيم القاعدة الذين يتبنون التفسير الحرفي للقرآن، ويرفضون الديمقراطية وحقوق الإنسان. ولكن الإسلام السياسي يضم أيضا حركات تقدمية ومفكرين يشددون على روح النص القرآني أكثر من تفسيره الحرفي، والذين غالبا يلتمسون التأسيس للديمقراطية وحقوق الإنسان بناء على أرضية إسلامية. وينحو التقرير منحى مماثلا في الحديث عن الشريعة الإسلامية، التي تسعى العديد من الحركات السياسية الإسلامية إلي تطبيقها ويشير إلي أن هنالك قراءات مختلفة للشريعة الإسلامية تتراوح من التفسير المتشدد الذي يتبنى تنفيذ العقوبات البدنية التي تتناقض بوضوح مع الأعراف الدولية لحقوق الإنسان، والتفسيرات الحديثة التي تقترب من المعايير الحقوقية الدولية كما لفت التقرير الانتباه إلى حقيقة أن العديد من الحركات الإسلامية النشطة مرت عبر السنين بمرحلة التحديث، فحركة الأخوان المسلمين في مصر في السبعينيات من القرن الماضي كانت تنادي بإسقاط الدولة العلمانية بوسائل راديكالية، ولكنها اليوم مثل أي حزب سياسي حقيقي مستعدة للتعاون مع الآخرين داخل حدود النظام الديمقراطي. كل هذا ليس بالجديد في الواقع. ولكن الدكتور " ويندي أسبيك "، أحد المشاركين في وضع التقرير، يعتقد أنه يجب تسليط الضوء على هذه الحقائق في هولندا. فيقول: في الإعلام الهولندي نسمع الخبراء وأصحاب الرأي يدّعون أن الأصولية الإسلامية هي الجوهر النقي الوحيد للإسلام". وهكذا فإن الدعوات المعارضة تظهر تنوع وديناميكية الإسلام السياسي. ولكن ما هو تأثير مثل هذه التحليلات على سياسات الحكومة الهولندية؟ إن التقرير لا يطلب غير أمر واحد، وهو "تعديل التوجهات في التعامل مع الإسلام". على السلطات الهولندية والاتحاد الأوروبي أن يتعلموا النظر إلى الإسلام السياسي كحليف محتمل في محاولاتهم دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم الإسلامي. ويأتي التقرير في توقيت جيد تنشغل فيه الحكومة الهولندية والاتحاد الأوروبي بالتعامل مع حركة حماس الإسلامية التي فازت في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في يناير الماضي. ويعلق "ويندي أسبيك" قائلا: إن التقرير سيسهم بالتأكيد في جعل التعاون مع حماس أمرا قابلا للمناقشة. فمن المهم التعامل مع مثل هذه الحركات بصورة براجماتية، والحكم عليها بناء على أفعالها. يجب أن نتحلى بالشجاعة اللازمة لدخول حوار ". وحتى الآن اقتصرت الجهود الأوروبية لرعاية الديمقراطية في الشرق الأوسط على دعم الحركات العلمانية اللادينية. ووفقا للتقرير، فإن هذه السياسة قد فشلت لأن هذه الحركات العلمانية تفتقد التأييد وسط الجماهير، بينما تتمتع الحركات الإسلامية التقدمية بالتأييد الجماهيري، وهكذا تمثل شريكا أكثر جاذبية. فبالنسبة للكثير من المسلمين فإن الإصلاحات الديمقراطية سيكون قبولها أسهل بكثير إذا ما صيغت مكوناتها من داخل ثقافتهم وعقيدتهم. ومع ذلك فأنه ليس من المستبعد أن يؤدي الدعم الغربي للحركات الإسلامية إلى إضعاف التأييد الجماهيري الذي تحظى به هذه الحركات الإسلامية، وهو التأييد الذي جعل هذه الحركات أكثر جاذبية في المقام الأول. ويدرك المشاركون في هذا التقرير هذا الخطر؛ فيعلق " ويندي أسبيك " قائلا: إن هذه الاحتمالات محدودة، بجانب الدعم المباشر؛ فإنه من الممكن أيضا أن تخلق ظروفا يزدهر فيها إسلام تقدمي. ولكن وفي النهاية فإن الديمقراطية لا بد أن تأتي من الداخل ".