عاجل: هذا ما تقرر في حق الموقوفين في قضية الفولاذ..    عاجل/ خبير تركي يُحذّر من زلازل مدمّرة في إسطنبول..    الرابطة الأولى: تشكيلة الملعب التونسي في مواجهة الإتحاد المنستيري    بالفيديو: "جياني إنفانتينو" يهنئ الترجي الرياضي بالتأهل إلى كأس العالم للأندية    المجلس المحلي بسيدي علي بن عون يطالب السلطات بحل نهائي لإشكالية انقطاع التيار الكهربائي    ب 28 مليون مستخدم.. "ثريدز" يتفوق على "إكس" في هذا البلد    عاجل/ نحو إقرار تجريم كراء المنازل للأجانب..    استشهاد شابين فلسطينيين وإصابة اثنين آخرين بنيران الاحتلال الصهيوني غربي "جنين"..#خبر_عاجل    عاجل تلاميذ منطقة الحاج قاسم 2يستغيثون للمرة الثانية في نفس الأسبوع..الحافلة معطلة    عاجل/ الحوثيون يطلقون صواريخ على سفينتين في البحر الأحمر..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    كيف نتعامل مع الضغوطات النفسية التي تظهر في فترة الامتحانات؟    "حماس" تعلن تسلمها رد الاحتلال حول مقترحاتها لصفقة تبادل الأسرى ووقف النار بغزة    مع الشروق .. «طوفان الأقصى» أسقط كل الأقنعة.. كشف كل العورات    تقديرات بانحسار عجز الميزانية الى 6.6 ٪ من الناتج المحلي    رئيس الجمهورية قيس سعيّد.. المفسدون... إمّا يعيدون الأموال أو يحاسبهم القضاء    الرابطة الثانية (ج 7 إيابا) قمة مثيرة بين «الجليزة» و«الستيدة»    فاتورة استيراد الطاقة لا تطاق .. هل تعود تونس إلى مشروعها النووي؟    مذكّرات سياسي في «الشروق» (5) وزير الخارجية الأسبق الحبيب بن يحيى... يتكلّم الصادقية حاضنة المعرفة والعمل الوطني...!    فضاءات أغلقت أبوابها وأخرى هجرها روادها .. من يعيد الحياة الى المكتبات العمومية؟    تنديد بمحتوى ''سين وجيم الجنسانية''    أخبار المال والأعمال    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    الكاف..جرحى في حادث مرور..    ماذا في لقاء وزير الخارجية بنظيره الكاميروني؟    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    طقس الليلة    تسجيل مقدّمة ابن خلدون على لائحة 'ذاكرة العالم' لدى اليونسكو: آخر الاستعدادات    مدير عام وكالة النهوض بالبحث العلمي: الزراعات المائية حلّ لمجابهة التغيرات المناخية    وزارة التجارة تتخذ اجراءات في قطاع الأعلاف منها التخفيض في أسعار فيتورة الصوجا المنتجة محليا    أكثر من 20 ألف طالب تونسي يتابعون دراساتهم في الخارج    توزر: المخيم الوطني التدريبي للشباب المبادر في مجال الاقتصاد الأخضر مناسبة لمزيد التثقيف حول أهمية المجال في سوق الشغل    الرابطة 1 ( تفادي النزول - الجولة الثامنة): مواجهات صعبة للنادي البنزرتي واتحاد تطاوين    بطولة الرابطة 1 (مرحلة التتويج): حكام الجولة الخامسة    الجزائر تسجل حضورها ب 25 دار نشر وأكثر من 600 عنوان في معرض تونس الدولي للكتاب    المؤرخ الهادي التيمومي في ندوة بمعرض تونس الدولي للكتاب : هناك من يعطي دروسا في التاريخ وهو لم يدرسه مطلقا    كتيّب يروّج للمثلية الجنسية بمعرض تونس للكتاب؟    البطولة الافريقية للجيدو - ميدالية فضية لعلاء الدين شلبي في وزن -73 كلغ    نابل: الاحتفاظ بشخص محكوم بالسجن من أجل "الانتماء إلى تنظيم إرهابي" (الحرس الوطني)    التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيدين للفلسطينيين    افتتاح المداولات 31 لطب الأسنان تحت شعار طب الأسنان المتقدم من البحث إلى التطبيق    تضم فتيات قاصرات: تفكيك شبكة دعارة تنشط بتونس الكبرى    تراجع إنتاج التبغ بنسبة 90 بالمائة    هام/ ترسيم هؤولاء الأعوان الوقتيين بهذه الولايات..    تقلص العجز التجاري الشهري    الشابّة: يُفارق الحياة وهو يحفر قبرا    السعودية على أبواب أول مشاركة في ملكة جمال الكون    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    التشكيلة المنتظرة للترجي في مواجهة صن داونز    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المشروع الثقافي للدولة العلمانية في العالم الإسلامي التداعيات والمخاطر(ج6)
نشر في الفجر نيوز يوم 27 - 08 - 2009


الفجرنيوز فريد خدومة
المشروع الثقافي للدولة العلمانية في العالم الإسلامي التداعيات والمخاطر(ج5)
المشروع الثقافي للدولة العلمانية في العالم الإسلامي التداعيات والمخاطر(ج4)
المشروع الثقافي للدولة العلمانية في العالم الإسلامي التداعيات والمخاطر(ج3)
المشروع الثقافي للدولة العلمانية في العالم الإسلامي التداعيات والمخاطر(ج2)
المشروع الثقافي للدولة العلمانية في العالم الإسلامي التداعيات والمخاطر(ج1)
1 هشام سكيك : الطريق الجديد عدد 22 / 23 جانفي فيفري 2005.
2 الإستئصالي المدعو صالح الزغيدي الطريق الجديد 22 23 جانفي فيفري 2004 .
إن الذي لا شك فيه أن جماهير شعوب أمة العرب والمسلمين قد زادتهم فتاوي عناصر مختلف بطون هذين الطائفتين معرفة بطبيعتهم الرجعية والإلحادية العدمية والعبثية، وبالحد الذي هم عليه في معاداتهم للشعوب ولطموحاتها ولمطالبها وحقوقها، ولطلائعها المجاهدة في المقاومة الباسلة، وفي فصائل حركة التحرر المتصدية للعدو الداخلي الذي يمثله الإستبداد والخارجي الذي يمثله الإحتلال من أجل الإستقلال والحرية والوحدة، وقد بدا لها واضحا التناغم في الخطاب، والإشتراك في المواقف والتطابق في وجهات النظر، والتماثل في الممارسة بين هذه النخب والتحالف الصليبي اليهودي، في ما يتعلق بالقضايا المصيرية لشعوب أمة العرب والمسلمين، وفي ما يتعلق بطلائعها المجاهدة المقاتلة والصامدة المرابطة.
وإذا كان هناك من الوضوح ما يكفي لطبيعة المقاومة وقوى المقاومة وتياراتها وتنظيماتها في فلسطين
المحتلة، وإذا كان هناك وضوح لطبيعة المقاومة وحركة الجهاد والتحرر في الشيشان وفي أفغانستان،
ولثقل المقاومة والجهاد وحركة التحرر في جامبو وكشمير ،وفي جنوب الفيليبين، وفي أندنسيا وغيرها من الأوطان في العالم العربي والإسلامي، فإن الأمر يبدو مختلف في العراق. فلئن كانت الأحداث اليومية والعمليات النوعية وتحرك عناصر المقاومة وفعلها الميداني وأدائها الفدائى القتالي وشعاراتها وما يؤكد عليه الإعلام المعادي في الإشارة إليها، يدل على أن ثقل المقاومة ذات طبيعة عربية إسلامية، بدءا بالعمل الفدائي الموجه ضد قوات الإحتلال وأهم وأكبر فصائل الطائفة العلمانية اللائكية والشيعية (السبئية)(1) الموالية لها بقيادة جلال الطالبان ومسعود البرزاني في المناطق الكردية بالشمال، ومرورا ببغداد والفلوجة وغيرها من مدن المثلث السني، وانتهاءا بالنجف وكربلاء والبصرة بالجنوب حيث تستمد قوات الإحتلال شرعية وجودها من وارف ظلال العباءة السوداء لحاخام الشيعة الأكبر مومياء النجف الإيراني الأصل ومفتي الإمبراطور الصليبي الأمريكي جورج بوش الصغير المدعو علي السيستاني . والذي لم أستطع أن أتبينه ما إذا كانت هناك جيوب للمقاومة ذات طبيعة قومية أو وطنية علمانية لائكية رافضة للإحتلال، ومنخرطة في عمل فدائي عسكري ضده؟ وإذا كنت لا أستطيع إثبات ذلك فإني لا أستطيع نفيه.
إلا أني أعتقد أن هناك جهات لها مصلحة في وجود مثل هذه الجيوب ودعمها ورعايتها والوقوف وراءها
بعيدا عن أنظار قوات الإحتلال، وأعتقد كذلك أن هناك من الوطنيين من لا يقبل أن يكون ظهيرا للغزاة، أو أن يقف من القضية موقف الصامت المتفرج المستقيل، أو غير المعني وغير المهتم بما يحصل، أو أن يقبل بغير الإنخراط في صفوف المقاومة دفاعا عن أرضه وعرضه وماله وثقافته وحضارته، وإنهاء الإحتلال لوطنه.
يقول مثنى حارث الضاري ( المسؤول الإعلامي في هيئة علماء المسلمين ببغداد) في مقال له بمجلة المستقبل العربي يتحدث فيه عن نشأة المقاومة العراقية والتفسيرات المعطاة بشأنها "ويبقى التفسيرالثالث، وهو الأقرب إلى واقع ما يحصل في العراق- من وجهة نظري- ويقوم على أساس أن المقاومة انطلقت وفق حسابات"شرعية" بحتة تتمثل في الجهاد ضد المحتل لتحرير أرض الإسلام وفقا للحكم
1 – نسبة لعبد الله بن سبأ اليهودي مؤسس وباعث الطائفة الشيعية في التاريخ الإسلامي.
الشرعي بوجوب دفع العدو حسبما أفتى به عدد من علماء العراق في الخارج قبل بدء الحرب على العراق، ثم انظافت إليه الأبعاد الوطنية وردود الأفعال ضد تجاوزات المحتل، ويتعزز هنا التفسير ويزداد قوة من خلال الثقل الكبيرللتنظيمات الإسلامية في حركة المقاومة، وتصريحها المستمر بالأصل الشرعي الذي تستند إليه في مقاومتها للمحتل"(1).
وأول ما يتبادر إلى الذهن في هذا العدد ما إذا كان هناك من بقايا النظام البائد من التحق بالمقاومة وانخرط فيها في مسعى منه ربما ليكون له موطأ قدم في البلاد بعد التحرير ورحيل قوات الإحتلال عنها، ويريد أن يحافظ على موقع له في الخارطة السياسية الجديدة. أو لعل هناك من يعتقد أن حزب البعث استطاع أن يشكل خلايا مسلحة ممن كان لهم ولاء للرئيس " القائد" أو ممن لهم مصلحة في أن يكون لهم دور في مواجهة قوات الإحتلال حتى التحرير ونيل العراق استقلاله. فهذا ما أعتقد أنه لا يمكن أن يكون صحيحا انطلاقا من طبيعة تكوين حزب البعث العراقي الإشتراكي الذي يقوم تكوينه لمناضليه وللمنخرطين فيه على الإنتهازية والمنفعة والمصلحة الخاصة وعلى أساس الولاء للرئيس وللعائلة وللعشيرة والقبيلة،ولا ولاء في برامجه وخططه التربوية وتثقيفه السياسي للوطن وللشعب وللأمة مهما ادعى ذلك المدعون ومهما زعم ذلك الزاعمون: وإذا كان لابد من ذلك فبنسبة ضعيفة جدا، اختلط فيها البعد الديني بالبعد الوطني الطائفي العشائري القبلي، وروح الثأر والإنتقام. يقول سلمان الجميلي من مركز الدراسات الدولية بجامعة بغداد في مقال له حول المقاومة العراقية بمجلة المشتقبل العربي: "من بين العينة التى أخضعت للدراسة هناك نسبة 13 بالمائة ممن هو مدفوع بدوافع وطنية مصحوبة بعاطفة دينية توفر زخما أكبر ويقينا ثابتا بأن المقاومة واجب وطني وشرعي ومن بين هذه العينات من يمتلك نخوة عشائرية ووطنية أو روح تحد وثأرتأبى أن ترى الغرباء داخل أراضيها وهناك نسبة 2 بالمائة ممن كان ضمن دائرة النظام السابق يشترك في المقاومة مدفوعا بمشاعر الإحباط وجرح الكبرياء والتهميش فضلا عن فقدان الدور الذي كان يلعبه في ظل النظام السابق ولا شك أنهم يشاركون في الكثير من أعمال المقاومة وخاصة التى تتعلق بالقصف المدفعي والإستمكان ومقاومة الطائرات وزرع العبوات الناسفة اعتمادا على خبرتهم العسكرية إلتى اكتسبوها في السنين الماضية، ولا يعدم هذا وجود دافع ديني يساهم في تحريك هؤلاء ودفعهم إلى المقاومة، ولعل النشاط الأكثر بروزا لهذه الفئة هو إصدار البيانات الكثيرة تحت مسميات وطنية أو مرتبطة بالنظام السابق دون أن يكون لها وجود فعلي أو مؤثر على الأرض"(2).
وانطلاقا من طبيعته العلمانية اللائكية الهجينة فهو يعتني ككل الأنظمة في أوطان شعوب العالم العربي والإسلامي، باختزال الوطن والشعب والأمة في شخص المستبد الأكبر الذي يتخلد في ذهنه بحكم طبيعته وطبيعة نظامه، وبفعل شحن الممجدين له من حوله من الجبناء والطماعين وضعاف النفوس أنه لا قيمة للوطن إلا به ، وينشأ لديه شعور يجعل لسانه ينطلق في كل مرة بالقول وكما يبدو ذلك من خلال أفعاله، إنما

1- المستقبل العربي عدد 303 سنة 27 ماي 2004 مركز دراسات الوحدة العربية لبنان.
2 – نفس المرجع.
تستمد كل هذه الأمور قيمتها من قيمته.فلا قيمة لشيء بذاته بدونه. وأي غرابة في الأمر إذا ما سلمنا بأن الإستبداد مرض، وأن كل المستبدين في النظام التقليدي المحافظ وفي النظام العلماني اللائكي الهجين هم من المرضى ولا شك؟
وبعيدا عن العاطفة، وانطلاقا من الواقع ومن الأقوال والأفعال، ومن تداعيات الأحداث، واستنادا إلى ماهو معلوم من المشهد السياسي والثقافي والإجتماعي، فإن فلول نظام صدام حسين لا يمكن أن تعيد تنظيم نفسها، ولا يمكن أن تشكل مقاومة مستقلة ضد قوات الإحتلال، لإنه يستحيل على حزب البعث أن يعيد تشكيل نفسه أولا، ثم أنه يستحيل على مناضليه وعناصره أن يكون لهم دور أسياسي في العراق، وهوالذي أصبح محضورا وسيظل كذلك، وهم من كانوا يمثلون القوة الضاربة على الساحة العراقية يوم دخلت قوات الإحتلال بغداد كأنها في نزهة،ولم ير العالم كله أي دور لكل تلك القوة،وقد تناقلت الخبار والفضائيات الحرة والرسمية في كل أنحاء العالم خروج ضباط جيش صدام حسين وقد ألقوا السلاح،وعوض أن يشكلوا مقاومة شديدة لقوات الإحتلال، خرجوا للتظاهر مطالبين برواتبهم، ولا أحد سمع عن فدائي صدام شيئا، ولا صدر لهم في يوم من الأيام بيان، لاسيما وأن المطلعين على الواقع العراقي يؤكدون على أن القاعدة العريضة لحزب البعث العراقي كانت من طائفة الشيعة السبئية، وهي التي انسحبت من كل المواقع وبكل انتهازية لصالح المكونات السياسية المنظمة لهذه الطائفة نفسها، والتي كانت من بين القوى المعارضة لنظام صدام حسين ولحزب البعث الإشتراكي العربي نفسه، والتي دخلت بغداد على دبابات قوات التحالف الصليبي الغازية لبلادهم، والتي قدموها ومازالوا يقدمونها للشعب العراقي ولشعوب العالم لعربي والإسلامي وللعالم على أنها قوات تحرير وليست قوات احتلال، على خلاف ما يقول به القانون الدولي وعلى خلاف ما تقول به هذه القوات نفسها.
وإذا كان لابد لكل هذه العناصر المنفضة من حول حزب صدام حسين من دور، وهي الأكثر تدريبا، والأكثر إمكانيات مادية، والأكثر سلاحا، فإنما يمكن أن يكون بانضمامها إلى التنظيمات الحرة المستقلة المجاهدة التى تشكلت بعد دخول قوات الإحتلال الغربي العراق، أو تكون قد عرفت بعض بدايات التشكل قبل ذلك. ولا يمكن أن تكون هذه العناصر محافظة لولائها للنظام المنهار ولا لرئيسية ولا لحزبه ولا لعائلته ولا لعشيرته ولا لقبيلته، وإنما هم من الذين يسكنهم حب الوطن والهوية والدفاع عن المكاسب والأعراض والثروات.
يقول سلمان الجميلي ( مركز الدراسات الدولية جامعة بغداد) "لا شك أن احتلال العراق واستباحته من قبل القوات الأجنبية قد أحدث جرحا كبيرا في الكرامة الوطنية لغالبية أبناء الشعب العراقي الذين لم يكونوا على اشتعداد للدفاع عن النظام السابق لا بل حتى الذين عبروا عن فرحتهم بزوال النظام استشعروا هذا الحرج بعد زوال صدمة السقوط وبعد أن رأوا الدبابات والجنود الأمريكيين يتجولون في شوارع بغداد والمدن العراقية الأخرى وهم يعيثون فيها فسادا في منظر يذكرهم بما قرأوه في التاريخ عن سقوط بغداد على يد هولاكو عام 656ه ومن هنا فقد أصبحت القضية بالنسبة إلى هؤلاء قضية وطن وسيادة وكرامة وطنية، لا بل أكثر من ذلك قضية وجود وحفظ للذات ولا سيما أن طبيعة الأهداف الأمريكية باتت غير خافية عليهم"(1)
وما مواصلتهم للمقاومة والإلتحاق بها إلا بدافع الذود عن حرمة الوطن هذه المرة، وليس للدفاع عن النظام الذي انتهى أمره، وأصبح من المستحيل عودته. ولعل تلك الآلاف أو مئات الآلاف من الذين قبلوا بالإحتلال هم من فلول النظام الذين كانوا لا يهمهم الوطن، بل وهم الذين غالبيتهم من الطائفة السبئية المنتسبون اعتباطا وظلما للطائفة الشيعية، إن كان للتشيع بهذا المعنى المتداول أصل في الإسلام، والذين كانوا يمثلون
عماد حزب البعث(العبث)الإشتراكي العربي، وكان الإطار المناسب لهم ليعيثوا من خلاله فسادا في العراق
بما يعجل في ما يذهبون إليه من اعتقاد فاسد، بظهور المهدي الخرافة والأسطورة، لا المهدي المنتظر الذي يخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهوره في الوقت المناسب. وإذا كان قد وجد من كانوا محبين صدقا وعدلا لبيت أهل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خارج أهل السنة والجماعة، وبعيدا عن الطائفة الأموية، المنتسبة اعتباطا وظلما لأهل السنة والجماعة، والتي لا تقل عداء، لبيت آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كيف لا وهي التي يتربع على رأس هرمها الطلقاء أبناء الطلقاء، من الطائفة السبئية التي يمثلها اليوم ما يسمى بالطائفة الشيعية والبيت الشيعي، و أن كل الذي كان يهمهم هو أنفسهم والنظام، وقد سقط ،فلم يعد لديهم بذلك مبرر للمقاومة وحمل السلاح، ليلتحقوا بمن جاءوا منهم بالإحتلال، وبمراجعهم التي كانت قد أفتت لهم بالدفاع عن صدام حسين ونظامه، وهي التي أصبحت تفتي لهم بالتحالف مع قوات الإحتلال الصليبي الصهيوني الغربي، وبالقبول به وحمايته، واعتباره قوات تحرير،وهو الذي يعتبره زعماؤه أنفسهم في العواصم الغربية نفسها، واستنادا إلى القانون الدولي، قوات احتلال، بعد أن كان في فتاواهم السابقة قوات تدمير، والوقوف معه في مواجهة المقاومة وحركة تحرير العراق، كجزء لا يتجزأ من حركة التحرير العربية الإسلامية في العالم الإسلامي وفي العالم. ذلك أنه من الوقت الذي ينتزع فيه الإستبداد السيادة من الشعوب على أوطانها،تبقى فيه الشعوب بلا أوطان، و تصبح فيه الأوطان بلا شعوب،فالإستبداد وحده هو الذي يجعل الشعوب بلا أوطان والأوطان بلا شعوب،والإستعمار وحده هو الذي يعود به الإعتبار للأوطان لدى شعوبها بانتزاعها منها وافقادها سيطرتها وسيادتها عليها، ويكون قد جعل بذلك للأوطان شعوبا تجد في الإحتلال مبررا لمقاومة لم يكن من السهل وجودها لديها في ظل الإستبداد.
ولذلك فإن الإستبداد أشد خطرا من الإحتلال الذي يعمل دائما على أن لا يغادر إلا بعد أن يترك مكانه للإستبداد.
هذه حال الأمة عندما تجعل الشعوب المكونة لها مصيرها بين يدي أنظمة الإستبداد الهجينة التى يكون ولاءها للأجنبي المعادي أكثر من ولائها لها. هذه حال الأمة عندما تفرط الشعوب في حريتها وكرامتها
1- المستقبل العربي عدد 303 سنة 72 ماي 2004 - مركز دراسات الوحدة العربية – لبنان.
واستقلال أوطانها وسيادتها عليها. هذه حال الأمة عندما تلتحق نخبها العلمانية اللائكية الهجينة الدخيلة المتعالية عليها، ونخبها التقليدية المحافظة المتخلفة سدة الحكم ودوائر أخذ القرار، ويشتد التنافس في ما بينها من أجل إرضاء الأجنبي الصليبي اليهودي عليها.
هذه حال الأمة عندما لا تتحمل شعوبها مسؤوليتها في تقرير مصيرها،بتأييد ومساندة قوى التحرر فيها بالفاعلية المطلوبة وبكامل المسؤولية، وبوضع كل إمكانياتها المادية والمعنوية على ذمتها وتحت تصرفها في المعركة مع أنظمة الإستبداد والفساد أولا ثم مع الإستعمار والغزاة والمحتلين ثانيا، لتقرير المصير وتحقيق الإستقلال الحقيقي، والذي لا يكون الإ بإقامة النظام الإسلامي الذي هو نظام الشورى ونظام الشريعة الإسلامية، الذي به وحده تستعيد الشعوب العربية الإسلامية والأمة كلها حريتها واستقلالها وقوتها ووحدتها. بل هو رسالة الله ومنهجه التحرري للناس كافة، ليكون لها ذلك الذي لا يكون لها من الإستقلال والحرية والعدل والمساواة والعزة والكرامة والأمن والإستقرار إلا بهذه الرسالة وبهذا المنهج.
إن توجيه التهم للمتغربين والعملاء والخونة، واعتبار التهجين الثقافي والإلحاق الحضاري والنظام العلماني للدولة العلمانية الحديثة، هي الأسباب الرئيسية في ماهي عليه أوضاع الأمة وأحوالها من تخلف وانحطاط وضعف، والإلقاء باللائمة على النخب العلمانية الهجينة والنخب التقليدية الرجعية المحافظة والأنظمة الفاشية الفاسدة، وتحميل المسؤولية للصهيونية و لأمبريالية والجهات الخارجية على ما آلت إليه الأمور في أوطان شعوب الأمة من تدهور وتفكك وانحلال، لا يعفي كل الشعوب من المسؤولية الكاملة على مصيرها وحاضر ومستقبل أجيالها.
فهي التى يجب أن تتحمل المسؤولية في ما آلت اليها أوطانها من استبداد ومن تهجين ثقافي، ومن إلحاق حضاري، ومن تخلف وانحطاط ،ومن فقر وفرقة وانهزام وذل وهوان.
إن " الشعوب" العربية والإسلامية مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى القيام بمهمة التحرير من كل قوى الهيمنة الداخلية والخارجية، وقد اتضح المشهد السياسي والثقافي والحضاري أكثر من أي وقت مضى كذلك، وقد أصبح لها من القيادات الروحية والفكرية والعسكرية الميدانية ما إن أكملت عملية الإلتحاق بها والإلتفاف حولها حتى تصبح قادرة على إنجاز الكثير من المهمات باتجاه حسم الموقف لصالحها،ومن ثمة لصالح الأمة كلها، بإقامة نظامها الإسلامي وتثبيت مشروعها الثقافي العربي الإسلامي،وتأكيد نسقها الحضاري العربي الإسلامي الإنساني الذي لا يريد له المهزومون والخونة والعملاء والمرجئة(1) وقوى

1– وهم السبئية (الشيعة )المؤمنون بعدم جواز قيام النظام الإسلامي ودولة الإسلام على أي نحو، والقائلون بضرورة انتظار عودة الإمام المهدي الغائب، وهو وحده الذي يجوز له ذلك والقادر عليه،بناء على خلفية عقائدية عندهم تقول بعدم جوازالإمامة في الدولة الإسلامية إلا للأئمة المعصومين المنحدرين من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والذين انتهى تسلسل نسلهم إلى الإمام الثاني عشر"الإمام العسكري"الذي اختفى، وهو صبي لم يبلغ الحلم بعد، وهو في غيبة كبرى، بعد أن كان قد انتهى من غبة صغرى قبلها، سيعود بعدها ليملأ الأرض عدلا بعد أن ملأت جورا.وما كان من قيام لدولة الإسلام بخلاف ذلك فهو إما أن يكون باطلا أو على الأقل غير صحيح.
الإستكبار العالمي أن يقوم، ويقفون صفا واحدا في وجه أي محاولة لإقامته.وما نراه من محاولات في أفغانستان وفي الشيشان وفي كشمير وفي فلسطين وفي العراق وفي الصومال وفي كل أوطان شعوب الأمة هذه الأيام أكبر دليل على ذلك.
ليست حركة التحرر العربي الإسلامي في العالم العربي الإسلامي وفي العالم اليوم، إلا حجة على شعوب الأمة من الناحية التاريخية، كما هي حجة لها أو عليها بين يدي الله يوم القيامة، وهي حجة عليها كذلك أمام الشعوب والامم في العالم المعاصر. ليست حركة المقاومة العربية الإسلامية اليوم بدعا من القول، فهي كغيرها من حركات التحرر في التاريخ وفي العالم بانقسام الجهات والقوى والأطراف من حولها، بين مؤيد ومناهض، وداعم وخاذل، وحليف صديق، ومناوئ عدو، إلا أن خاصية المقاومة العربية الإسلامية في حركة التحرر العربي الإسلامي، أن خصومها وأعداءها، بحكم طبيعتها العربية الإسلامية أكثر من خصوم وأعداء أي مقاومة في أي حركة من حركات التحرر في العالم المعاصر.
فهي التى ليس لها من الإمكانيات إلا إمكانياتها الذاتية، وهي التى ليس لها من حليف ولا مساند إلا شعوب الأمة، وليس لها من داعم إلا الله سبحانه وتعالى بقدر ما تعد من عدة، وبقدر ما تكون عليه طلائعها من صدق وإخلاص ووحدة وجهاد في سبيله الذي هو سبيل الحق والعدل والحرية والأخوة والمساواة والوحدة الإنسانية. يقول تعالى:"ياأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم(1)".
ليست حركة التحرر في العالم الإسلامي حركة تحرر تقليدية، فهي حركة تحرر عربية إسلامية، وهي معنية اليوم في عملها العسكري والنخبوي والتربوي والتوعوي بتحرير أوطان شعوب الأمة من الإحتلال الأجنبي، ومن هيمنة وتسلط الحركة العلمانية اللائكية الوضعية الهجينة، والحركة التقليدية الرجعية المحافظة المحسوبة على العروبة والإسلام وهي أبعد ما تكون عنه، وهما التان لا يقل خطرهما على الأوطان والشعوب من خطر التحالف الصليبي اليهودي ووكلائه من أبناء الأمة من أجل فرض خياره الثقافي والمجتمعي والحضاري وتثبيته والمحافظة عليه، وهي معنية في نفس الوقت بالتعامل العقلي الموضوعي العميق في الفكر والثقافة والتراث العربي الإسلامي وغير ذلك من أفكار وثقافات وتراث العالم المعاصر، والإنفتاح عن كافة شعوب الأرض على نهج وطريقة وأسلوب سلف أبناء الأمة في كل أقطار الأرض باتجاه بلورة إنجاز ثقافي حضاري متميز وعادل.
فهي حركة تحرر ليست كحركات التحرر التقليدية الأخرى ،وهي حركة تحرر ليست معنية باستلام السلطة في أي أرض من العالم، وفي أي قطر من أقطار الأرض كغيرها من حركات التحرر التقليدية ذات المرجعية العلمانية اللائكية في العالم المعاصر وفي التاريخ الحديث. فهي ليست معنية بذلك إلا في الوطن العربي والعالم الإسلامي، أي في كل بلد يكون فيه للمسلمين أغلبية سكانية. إلا أن مسؤوليتها إزاء شعوب الأرض أنها تعمل حين تكون قادرة على إزاحة الطاغوت وأنظمة الإستبداد، والتصدي لقوى الإستكبار العالمي لإعطاء هذه الشعوب فرصة للإختيار بحرية بين المناهج وبين الثقافات وبين الأنماط الحضارية
1 - سورة محمد: آية:7
المختلفة، شأنها في ذلك شأن حركة الفتح الإسلامي قديما كأكبر حركة تحرر وتحرير للشعوب عرفها التاريخ البشري.
واستنادا إلى ثقافة التكفير للإنظمة العلمانية اللائكية والتقليدية الهجينة، فإن حركة التحرر العربي الإسلامي، هي حركة إرهابية متطرفة مارقة حسب فتاوي أئمة الكفر في النظام العربي الإسلامي، وأئمة السلطة وفقهاء البلاط ،وحسب فتاوي حاخامات اليهود وباباوات الكنيسة المسيحية، وحسب فتاوي زعامات العواصم الغربية الصليبية في كل من أوروبا وأمريكا وحيثما كان للغربي الأبيض وجود، من أمثال بوش الصغير وتوني بلير وجاك شيراك وأزنار رئيس الوزراء الإسباني والبريطاني الأصل جون هاورد رئيس وزراء المستعمرين المستوطنين البيض في أستراليا وسلفيو بيرلسكوني رئيس الوزراء الإيطالي وقيصر روسيا فلاديمير بوتن، وغيرهم ممن أجازوا لأنفسهم الإجتهاد في الإسلام وفي أمر المسلمين في ما هو من الإسلام وفي ما ليس هو من الإسلام، وأجاز لهم علماء البلاط وفقهاء السلطة ذلك. لقد كانت ومازالت هذه الحركة تقض مضاجع النظام العربي والنظام في أوطان شعوب العالم الإسلامي. وللحقيقة وللتاريخ نقول، أن الحركة العلمانية اللائكية الغربية الأصيلة، وإن كان من طبعها ومن ثوابتها استنادا إلى طبيعتها الصليبية تكفير المسلمين، إلا أنها اليوم ليست إلا تابعة،في ثقافة التكفير التي عليها النخبة العلمانية اللائكية العبثية الهجينة والدخيلة، والنخبة التقليدية في النظام العلماني اللائكي التقليدي في أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين.
فليس من طبيعة وأمر هذه المقاومة إلا أن تكون:
1- عبئا على النظام العربي " الإسلامي" المعادي والمناهض لها والتى تمثل خطرا عليه.
2- شوكة في حلق قوى الغزو والإحتلال الصهيوني الصليبي الغربي.
3- حجة على الشعوب في أوطان أمة العرب والمسلمين وعلى كل الأحرار في العالم.
فبالإضافة إلى ما حصل ومازال يحصل في أفغانستان والشيشان، وفي أندونيسيا وجنوب الفيليبين، وفي البوسنة والهرسك وكوسوفو، وفي كشمير وباكستان، وفي فلسطين والعراق والصومال، وفي الكثير من بؤر التوتر في العالم العربي والإسلامي وفي العالم، كانت أنظار العالم قد انشدت إلى العربية السعودية حيث يدور الصراع السياسي والعسكري بين قوى الإصلاح والتحرير في المملكة، وبين عائلة آل سعود وحليفهم الإستراتيجي الولايات المتحدة الأمريكية، التى جعلت من شبه جزيرة العرب قاعدة عسكرية تتحرك منها قواتها لتعزيز القدرات العسكرية الصهيونية، وللإغارة على أوطان شعوب الأمة في ما أسمته قيادات البيت الأبيض وزعماء العواصم الغربية، وما كان قد سبقهم إليه النظام العربي،"الحرب على الإرهاب"،بما يعني العمل على تدمير مصادر ومراكز القوة في الأمة وجعل حد لحركة الإصلاح والتحرير فيها وفي العالم.
وإذا كان تنظيم القاعدة أكثر هذه القوى جاهزية ،وأكثرها إيمانا بضرورة الإبقاء على المواجهة العسكرية مفتوحة مع الوجود العسكري في المنطقة وفي العالم وفي المملكة العربية السعودية تحديدا، ينظر للقوات الأمريكية المتمركزة هناك على أنها قوات احتلال، فقد تبين أن الكثير من أبناء الشعب بالمملكة يشاطرونه الرأي في ذلك ولا شك، وكانت الأصوات المتعالية من هناك والمطالبة برحيلها وخروجها مستساغة، وبدا العمل على إخراجها عملا مقبولا ومشروعا، واشتدت من ثمة المطالبة بإخراج المشركين والكفرة من شبه الجزيرة العربية. وبالإضافة إلى العمليات العسكرية النوعية في المملكة ضد الأجانب عموما، وضد الأمريكين تحديدا على فترات متفرقة من السنة، يأتي قتل الرهينة الأمريكي جون مارشال جونسون بقطع رأسه بعد اختطافه وانتهاء المهلة الممنوحة للسلطات السعودية المقدرة ب 72 ساعة لإطلاق سراح بعض عناصر التنظيم المحتجزين لديها والإفراج عنهم، لتحدث صخبا كبيرا في الكثير من الأوساط ،وارتفعت العواقر من هنا وهناك بالتكفير والتضليل والمروق والإخراج من الملة. يقول وزير الداخلية السعودي الأمير نايف بن عبد العزيز معبرا "عن ألمه واستغرابه لأن فئة من أبناء هذا الوطن ينهجون النهج الذي حرمه الله" "مؤكدا" أن دم المسلم محرم على المسلم وحتى دم الذمي محرم على المسلم" وقال أن " هؤلاء انساقوا مع الشيطان ووجدوا أناسا يغررون بهم ولا يعلمون أنهم مدفوعين حتى من أعداء الدين وأعداء هذه الأمة".
ووصف الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي عبد الواحد بالقزيز إعدام الرهينة الأمريكي ب"الجريمة الوحشية معربا عن إدانة المنظمة الشديدة لعملية الإغتيال" وقال " إن الدين الإسلامي يحض على حماية الأجانب ورعايتهم في بلاد الإسلام ويحرم قتل الأبرياء منهم" وقال في بيان صدر باسم المنظمة أن اغتيال الرهينة الأمريكي جونسون"زيادة تشويه الإسلام وصورته في الخارج بما يعود بالضرر على المسلمين في كل بقاع المعمورة". كما عبر مصدر مسؤول في وزارة الخارجية القطرية عن" استنكار دولة قطر وإدانتها لقيام خاطفي الرهينة الأمريكي بقتله باعتباره عملا إرهابيا يتنافى مع تعاليم الإسلام والقيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية".
كما أعرب الرئيس السوداني عمر حسن البشير"عن استنكاره للأعمال الإجرامية التى قامت بها شرذمة ضالة ضد الأبرياء".
وبمقتل أجهزة الأمن السعودية قائد الخلية التى اختطفت الرهينة الأمريكي وقتلته عبد العزيز المقرن وإخوانه: فيصل بن عبد الرحمان الدخيل، وإبراهيم بن عبد الله الدريهم، وتركي بن فهيد المطيري، أعرب الرئيس اليمني علي عبد الله صالح "عن ارتياحه للدور الذي تقوم به الأجهزة الأمنية السعودية في مكافحة الإرهاب وما حققته من نجاحات في مواجهة العناصر الإرهابية والتصدي لها".
أما شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي فيعتبر أن قطع الرؤوس والتمثيل بالجثث في إشارة على ما بيدو لقتل خلية أنصار الإسلام للمقاول الأمريكي نيكولاس بيرغ ،وللأربعة مقاولين الأمريكيين الذين لقوا حتفهم في مدينة الفلوجة وتمثيل صبيان المدينة بجثثهم، ولمقتل الرهينة الأمريكي جون مارشال جونسون بالسعودية ليست من الدين أو الشريعة الإسلامية في شيء"(1)
1- جريدة القدس العربي: سنة 16 عدد 4689 جوان 2004
هكذا يدخل هؤلاء في الإسلام من شاؤوا متى شاؤوا، ويخرجون منه من شاؤوا متى شاؤوا. فالكافر والمازق والإرهابي والمتطرف في منظومتهم الفقهية التى هي من الموروث الثقافي والفقهي والأصولي لائمة السلطة وفقهاء البلاط وعلماء الإرتزاق عبر التاريخ الإسلامي، بدءا بالإنقلاب الأموي، ومرورا بالعهد العباسي، وانتهاءا بالعهد العثماني.
هذه المواقف السياسية المتهافتة المستندة إلى هذه المنظومة الفقهية التقليدية المتخلفة في جوانب كثيرة منها، والتى مازال عليها حتى بعض المخلصين من أبناء هذه الأمة، ومن علمائها وفقهائها ومجاهديها، لا يعتبر أهلها مسلما إلا من كان في صفهم وإلى جانبهم ومن المؤيدين والموالين والطائعين لهم، وهو وحده المحرم
قتله. أما ذلك الذي ليس في صفهم ولامن المؤيدين لهم، ومن المخالفين لهم في الرأي وفي الموقف من قضايا تحرر الأمة، فذلك الذي ليس مسلما ويجوز قتله. وبإخراج هذا المقتول المسلم من الإسلام يكون هؤلاء قد أبقوا على قاتله في الإسلام. فالمسلم عندهم هو القاتل لأخيه المسلم فقط، بعد أن يكونوا قد أخرجوه من الإسلام. ويكفي المسلم عندهم كفرا قتله لغير المسلم المعادي. والمسلم في منظومتهم الفقهية لا يكون إلا مقتولا ولا يمكن أن يكون قاتلا، إلا أن يكون قاتلا لأخيه المسلم بأمر ومباركة وتجويز ذلك له منهم، لأن مجرد قتل أي كان بغير فتوى منهم بجواز قتله هو مخرج له من الإسلام. فالمسلم عندهم هو الذي لا يقتل غير المسلم، ولهم أن يقتلوا المسلم بالكافر كفرا. وغير المسلم عندهم هو الذي يقتل الكافر المعادي، ويجوز قتله عندئذ كفرا ومروقا.
وبعد السعودية فقد تحولت أنظار العالم إلى تقدم حركة الإخوان المسلمين غير المعترف بها في الإنتخابات التشريعية في مصر على كل أحزاب المعارضة العلمانية المعترف بها رغم القمع الشديد لقواعدها الإنتخابية ومضايقة مرشحيها وحملة التزوير الواسعة التي طالت صناديق الإقتراع والتي أقر بها القضاء المصري الذي قبلت السلطات المصرية بإشرافه عليها تحت ضغط مكونات المجتمع المدني والسياسي معززا بضغوط خارجية غربية وأمريكية تحديدا، كانت تحمل دعوة لوكلائها في الأنظمة العربية بالإقرار بفسادها وبضرورة الإصلاح.
ثم كان المشهد الأكثر إثارة والأكثر حساسية والأشد تعقيدا، والمفاجأة الأكبر التي جاءت فيها الإنتخابات التشريعية بفلسطين المحتلة بحركة المجتمع الإسلامي"حماس"على أساس برنامج المقاومة والإصلاح.وهي الإنتخابات التي منيت فيها كل مكونات الحركة العلمانية المشهود لها بالفساد هناك بهزيمة نكراء، فاجأت كل الجهات والأطراف والمراقبين والمحليين المحليين والإقليميين والدوليين.وجاءت مواقف "العالم المتحضر والحر"الذي لم يستطع أن يطعن في نتائج هذه الإنتخابات، ولا أن يشكك فيها، ولا أن يعترض عليها، ولكنه على عراقته في الديمقراطية واعتبار نفسه وصيا عليها ومصدرا لها وعاملا على فرضها بالقوة، مثلما يدعي فعله في أفغانستان وفي العراق، وما يدعي إيجاده من خلال خطة الإصلاح للسرق الأوسط الكبير، جاء رافضا للتعاطي والتعامل مع نتائجها، لأنها نتائج إصلاح حقيقية، ونتائج شعبية وجماهيرية جادة وأمينة ونظيفة، ولأن الديمقراطية عنده لا يمكن القبول بها ولا بنتائجها طالما لم يكن الفائز فيها من مكونات الحركة العلمانية التابعة الفاسدة التي شهد لها هو نفسه واعترفت هي نفسها على ذلك بنفسها الأمينة على مصالحه ومشروعه الثقافي العنصري، ونتائج خططه الإستعمارية، والمعادية لمصالح الشعوب والإنسان غير الأبيض.هذه الديمقراطية التي لا تكون جادة ولا صحيحة ولا حقيقية كتلك التي ينظم على أساسها أنظمة الحكم في أوطان شعوبه إلا حين تقوم عليها في أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين مكونات الحركة العربية الإسلامية، لا يريدها الغرب "المتحضر الحر" على حد تعبير زعماء العواصم الغربية في كل مرة في تصريحاتهم المتكررة، إلا حكرا على العلمانية وعلى العلمانيين الفاسدين والمفسدين هنا، والصالحين والمصلحين هناك وهم الفاسدون والمفسدون هنا على حد سواء.
وما إن سقط الفاسدون والمفسدون هنا، حتى تداعى جميعهم من غربيين صليبيين عنصريين استعماريين، وصهاينة يهود محتلين وعلمانيين هجناء دخلاء سواء في السلطة أو خارجها لضرب حصار على الديمقراطية وعلى نتائجها. واستقر الرأي عندهم جميعا على وجوب معاقبة الشعب الفلسطيي على التعبير الحر عن إرادته، وعن اختياره الناضج والمسؤول بكل ديمقراطية وحرية وشفافية لقيادته السياسية الصالحة. وكان لا بد هذه المرة من معاقبة الديمقراطية السليمة التي وجدت طريقها على أساس مرجعية ثقافية سليمة لشعب عربي مسلم، ومعاقبة حكومته المنتخبة والأمينة على مكاسبه وثوابته، ومعاقبة الشعب نفسه بالحصار الإقتصادي والتجويع حتى الموت، وبالقصف المتواصل عليه برا وبحرا وجوا بكل أنواع الأسلحة، لفرض الإعتراف منه بشرعية احتلال العصابات الصهيونية الغربية العنصرية الإجرامية وقاعدتها الشعبية من العرب اليهود لفلسطين.
فلا ديمقراطية عند هذه الجهات المتآمرة على الشعوب المستضعفة عموما وعلى شعوب أمة العرب والمسلمين خاصة، بدون علمانية وعلمانيين على أي درجة من الفساد والإفساد كانوا، وبدون اعتراف بشرعية المحتل، أي بدون اعتراف بشرعية الوجود الإستعماري الغربي في أفغانستان وفي العراق، وبالإحتلال الصهيوني لفلسطين. وبدون اعتراف صاحب الحق في ملك ما لا يملك، لصاحب غيرالحق في ملك ما ليس له الحق في ملكه.
ثم تحولت أنظار هذا العالم لتكون مشدودة هذه المرة للصومال، حيث يتواصل زحف حركة إتحاد المحاكم الشرعية الإسلامية على مختلف المدن، بعد تسليم مليشيات أمراء الحرب المختلفة المنازع والمشارب والأهواء، التي شكلت بعد إنهاء آخر فصل من فصول صراعها بعضها مع بعض، ما سمي ب"تحالف الأمن ومكافحة الإرهاب"ذات الطبيعة العلمانية المأجورة الذي كانت ترعاه أمريكا والغرب الإستعماري والصهيونية العالمية،بالهزيمة،وأصبحت سيطرة الحركة الإسلامية المؤكدة ذات التأييد الشعبي والجماهيري الواسع شبه كاملة على البلاد.
في هذه المرحلة من تاريخ الصومال المثخن بالجراح منذ أن أسقط زعماء القبائل نظام زياد بري عام 1990 ،وبعد أن أصبحت فيها البلاد على حال من الأمن والإستقرار أكثر من أي وقت مضى، أصبح للحكومة الشكلية التي تم التوصل إلى صيغة لتشكيلها ب دجيبوتي بتشاور وتنسيق مع زعماء القبائل والعشائر والتي جعلت من مدينة بيدوى مقرا لها والتي لم يعترف بها أمراء الحرب الذين كانوا يقتسمون السيطرة على العاصمة موقاديشيو،صوت مسموع. وعوض أن تبحث على صيغة من التعامل مع الحركة المسيطرة على البلاد كلها تقريبا سارعت إلى دعوة لاستقدام قوات دولية لإقامة الأمن وتحقيق الإستقرار بالبلاد التي أصبحت مستقرة فعلا بسيطرة الحركة الإسلامية عليها وسط تأييد جماهيري لم يسبق لأي جهة أو طرف سياسي أن حظي به من قبل، وتشتت أمراء الحرب وتفرق شملهم، ومنهم من أعلن ندمه وتوبته، ومنهم من لاذ بالفرار كل إلى جهة غير معلومة. ولم يعد هناك من شك في أن الحديث عن بحث أي جهة من الجهات عن الأمن والإستقرار، والحديث عنهما ليس إلا مجرد ذريعة واهية لا يمكن لأحد أن يصدقها، غاية ما في الأمر أن مكونات هذه الحكومة التي لا تتمتع بأي شرعية ولا نفوذ، أرادت أن تستفيد من عداء الأنظمة الفاسدة سواء في العلم االعربي الإسلامي أو في الغرب الصليبي والصهونية العالمية للإسلام والمسلمين، للتدخل لنزع أسلحة الحركة التي ليس مطلوب منها علمانيا وعربيا رسميا ونخبويا وغربيا، كما هو ليس مطلوب من كل مكونات الحركة الإسلامية في كل مكان من العالمين العربي والإسلامي إلا أن تكون خادمة لكل هذه الجهات الفاسدة والمفسدة، بدون أن يكون لها الحق في التمتع بثمار جهود أبناء شعوب أوطانها ومن دماء شهدائها في التمكين لمشروعها الإسلامي الذي هو وحده مشروع هذه الشعوب نفسها، والتنعم بحياة إسلامية في ظل النظام الإسلامي الذي هو النظام الطبيعي لشعوب هذه الأمة.ولقد ازداد هذا الضغط على حركة التحرير الإسلامية ممثلة في مختلف مكوناتها وتشكيلاتها وتنظيماتها وفصائلها وفعالياتها وشخصياتها، بعد أن كانت الولايات المتحدة الأمريكية هدفا مباشرا لتنظيم القاعدة يوم 11 /9 /2001 ،وقد كان ذلك وحده كافيا لتجد الحرب على الإسلام والمسلمين لها مبررا في الحرب على ما أسمته أمريكا وأوروبا والغرب عموما والنظام العربي والنظام في باقي أوطان شعوب الأمة الإسلامية بالإرهاب، الذي لم تكن الحرب على تنظيم القاعدة إلا اختزالا من هذه الجهات للحرب على الإسلام والمسلمين عامة، وحربا استباقية من الغرب لمنع أي بديل ثقافي وحضاري، وأي نمط إجتماعي بديل عن مشروعه الثقافي والحضاري والإجتماعي، بعد أن انتهى المشروح التحديثي للنخبة العلمانية في أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين، الذي رعاه الغرب الإستعماري طويلا إلى الفشل الذريع من غير أن يوفر له شروط التمكين والنجاح، والذي مازال يريد له أن يستمر على ذلك النحو من الفشل، لأنه وباختصار لا يريد له هو نفسه النجاح والتمكين. وأنهت جماهير شعوب الأمة الأمل في أن يقدم لها أي شيء مما تحلم به وتسعى إليه من قوة ومنعة واستقلال وتقدم.
فلئن كانت المقاومة بكل أساليبها في حركة التحرر الإسلامي ذات طبيعة واحدة، وذات مرجعية واحدة، وأهدافها وغاياتها واحدة، وإن اختلفت الأساليب والوسائل، فإن الموقف منها متغير بحسب كل جهة وما تريد أن يكون عليه،أي بحسب ما يتحقق لها من مصالح، وبحسب ما يدرأ عنها من مفاسد، و بقدر ما يجلب لها من نفع، و بقدر ما يدفع عنها من ضرر،وبقدر ما يجلب لها من أرباح وبقدر ما يجنبها من خسائر.
فهي مقاومة مشروعة في نفس المكان عند البعض، وهي إرهاب في نفس المكان عند البعض الآخر، بل
وهناك من يظهر اعتبارها مقاومة مشروعة ويستبطن اعتبارها إرهابا. فالنظام العربي لا يمكن له أن ينظر إلى المقاومة الإسلامية في فلسطين مثلا، وفي جنوب لبنان وفي الشيشان وفي أندونيسيا وفي الفليبين وفي كشمير وفي أفغانستان وفي العراق على أنها مقاومة مشروعة للإحتلال، ولكنه نظرا لطبيعتها الإسلامية لا يستطيع من موقع العلماني اللائكي أو التقليدي المحافظ الهجين أن يلحق بها صفة الإرهاب خوفا من الرأي العام، ومن شعوب الأمة في كل المناطق من العالم، وهو الذي في تعاطيه مع قوى الهيمنة الأجنبية الغربية الصليبية اليهودية التى كانت صريحة وواضحة في إضفاء صفة الإرهاب على كل فصائل حركة المقاومة في حركة التحرر العربي الإسلامي، لا يتعامل معها في ذلك التعاطي إلا على أنها إرهاب كما تراه هي.
ففصائل وتنظيمات حركة المقاومة في حركة التحرر العربي الإسلامي، هي في نظر النظام العربي والنظام العلماني اللائكي في أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين عموما، بالنظر إلى طبيعتها الإسلامية، فصائل وتنظيمات وحركات متطرفة إرهابية. فالمتطرف والإرهابي في نظر هذه الأنظمة والنخب الهجينة المنتهية صلاحياتها الداعمة لها، هو المستند في تفكيره وسلوكه وتعاطيه مع قضايا الأمة و لقضايا الدولية و العالمية إلى المرجعية الإسلامية. والإرهابي والمتطرف في نظر القوى الدولية الغربية العلمانية الأصلية ذات الطبيعة الصليبية اليهودية ،هو كل عربي ومسلم، سواء استند في النهاية إلى هذه المرجعية أولم يستند إليها، فهو عندها محسوب عليها، وإن كان مخالفا ورافضا ومعاديا لها، طالما هو عربي أومسلم، وإن لم يكن له من الإسلام شيء، في زمن أصبح فيه الإسلام شيئنا أم أبينا إسلاما علمانيا، وإسلاما قرآنيا. وإصبح فيه المسلمون منقسمون، إذا ما استثنينا الدهريين والقرامطة الجدد منهم، إلى مسلمين علمانيين ومسلمين قرآنيين، وبمعنى أدق إلى مسلمين شيطانيين إذا كان يمكن اعتبار المسلم الشيطاني مسلما أصلا، ومسلمين ربانيين. وفي الثقافة الغربية فإن الهجين هو ذلك الذي يقع إفساد تفكيره ومزاجه وسلوكه، فلا هو ذلك الذي يظل متأصلا في ثقافته و بيئته وحضارته، ولا هو ذلك الذي يقع القبول به في الثقافة الغربية والبيئة الغربية والأصول والثوابت والحضارة الغربية. فالعلماني العربي أو"المسلم" هو ذلك المعلق بين السماء والأرض، فلا هو القادر على أن يكون من أهل السماء، ولا هو القادر على أن يكون من أهل الأرض. فهو ذلك الذي لا يسمح له أن يكون عربيا أصيلا ومسلما أصيلا في ثقافته وبيئته ودينه وحضارته. فحالة الإستهجان التى أوصلت اليها قوى الغزو الغربي الصليبي اليهودي طائفة من العرب والمسلمين،لا تخرجهم من دائرة الإستهداف الغربي الصليبي اليهودي للعروبة والإسلام وللعرب والمسلمين،لأن المحدد للقبول والإرتقاء بهم عندها ليست الثقافة بمعناها المعرفي، ولكن المحدد هو "السمو العرقي" و"الديانة المطلقة" و" حيوية أوروبا" و"خمول العالم" و" السمو الأوروبي" و" امتدادية أوروبا" و" أوروبا مركز العالم" وغيرها من الثوابت التى ليست إلا للغربي الأبيض فقط .ولا يصح أن يكون عليها غيره ولا يمكن له ذلك.
وإذا ما استثنينا المعنى الشرعي للإرهاب، فإن الملاحظ أن القوى الإقليمية والدولية التى تمثل قمة الإرهاب الذي تمثله الدولة إما على رعاياها ومواطنيها أو على الدول والشعوب وهو أسوأ أنواع الإرهاب وأشده خطورة وبلاء، هي التى تسعى لتشكيل رأيا عاما معاديا ونابذا لحركات المقاومة في حركة التحرر العربي الإسلامي، بإسناد صفة الإرهاب إليها ولوصفها به دون غيرها تقريبا، أو اعتبارها الأشد خطرا من غيرها، باعتبار أن هناك حركات أخرى، وخاصة يسارية مازالت تنشط في المعارضة المسلحة لبعض الدول في أكثر من مكان من العالم، على محدوديتها، والتي مازالت محل خلاف في ذلك، وليس عليها فيه من الإجماع ما على مختلف مكونات حركة التحررالإسلامي على أي نحو كان أي من هذه المكونات من الإعتدال والوسطية، لأن هذه القوى المحلية والإقليمية والدولية لا تريد أي جهة مخالفة لها أن تبلغ المستوي التى هي عليه من الإرهاب، فتخسر بذلك الإستئثار بالأوضاع في كل هذه المستويات، وإحكام السيطرة عليها وحدها. ولذلك وإضافة إلى المفهوم الشرعي للإرهاب، لا يجب أن تعيش فصائل وتنظيمات المقاومة في حركة التحرر الإسلامي، حرج ربط هذه الصفة بها، لا سيما وأن الإرهاب العلماني اللائكي الغربي الصليبي اليهودي الأصيل وتوابعه ووكلائه في النظام العربي"الإسلامي"الهجين، يأخذ معنى التطهير العرقي والإبادة الجماعية ، والقهر والإذلال والنهب، من موقع المستكبر المهاجم الحائز على كل أسباب القوة،في حين أن صفة الإرهاب لدى قوى حركة التحرر العربي الإسلامي تأخذ معنى رد الصائل والدفاع المشروع عن الشعوب والأوطان والثروات والهوية، بما يعني الخصوصية الثقافية والدينية والحضارية،من موقع المستضعف المدافع عن النفس في هذه المرحلة من التاريخ، التى ليس لها فيها من أسباب القوة إلا الروح المعنوية العالية، وما تستخلصه من أيدي أعدائها الذين هم أعداء أبناء شعوب الأمة وأعداء كل المستضعفين في الأرض وأعداء الإنسان عموما.
فإذا كان أبناء شعوب أمة العرب والمسلمين اليوم في معسكر الإستضعاف، فإن أعداءهم من الصليبيين الجدد واليهود في التحالف الصليبي اليهودي ومن العلمانيين واللائكيين عموما في نظام الدولة العلمانية الحديثة والنخب التقليدية المحافظة في جانب كبير منها في النظام التقليدي المحافظ لبعض الدول العربية، على ما بينه من اختلاف وتناقض أحيانا، يمثلون معسكر الإستكبار العالمي، وإن كان بينهم تفاوت في العداء لفصائل و تنظيمات المقاومة في حركة التحرر الإسلامي، وإلى أبناء هذه الشعوب، إلا أن كل الدلائل تشير إلى أنهم في النهاية يمثلون معسكرا واحدا معاديا لها. وإذا كانت كل الأطراف في هذا المعسكر متجاوزة لخلافاتها، أو مستعدة لذلك، ومن لم يتجاوز طوعا واقناعا أو لم يكن مستعدا لذلك، فليس أمامه إلا أن يتجاوز خوفا أو طمعا، وأن يكون مستعدا لذلك. و إذا كانت مكونات معسكر الإستكبار هذه لا تتعامل مع الطلائع المجاهدة في حركة المقاومة العربية الإسلامية إلا بعقلية العداء لها وللشعوب المؤيدة والمساندة لها، فإن عموم فصائل حركة التحرر العربية الإسلامية، لا تتعامل مع بعض الجهات في هذا المعسكر إن لم نقل مع كل مكوناته بنفس تلك الروح وبنفس تلك العقلية وتلك الخلفية. والذي تشهد به الساحة السياسية في أوطان شعوب الأمة العربية و"الإسلامية" أن تيار الوسطية والإعتدال في هذه الأوطان، وهو التيار الواسع في حركة التحرر العربية الإسلامية ليس من قناعات رموزه وقياداته وعلمائه ومفكريه أن يتعاملوا مع أي جهة بروح العداء وبعقلية العداء، ولكن بخلفية الخلاف وعقلية الخلاف، خاصة حين تكون هذه الأطراف في معسكر الإستكبار، محسوبة صليبيا ويهوديا على العروبة والإسلام في الطائفة العلمانية اللائكية والعربية التقليدية المحافظة، إلا أنه من حقها تجاوز الأصل في الشيء، إلى الإستثناء، لتحل علاقة العداء محل علاقة الخلاف، عندما تحتم الاوضاع وجوب المعاملة بالمثل، لقوله تعالى:" فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليهم بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين"(1)
"وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم فهو خير للصابرين"(2) . وليسيت هذه العلاقة ثابتة، ولكنها تتغير بتغير الجهات والأحوال. إلا أن وجه الخلاف، بل التناقض بين الثقافة العربية الإسلامية
والثقافة الغربية التى هي ثقافة التحالف الصليبي اليهودي ومن التحق به في معسكر الإستكبار والعلو والإسراف من أبناء الطائفة العلمانية الهجينة وأبناء الطائفة العربية التقليدية المحافظة الرجعية في النظام
العربي، هو أن الثقافة العربية الإسلامية التى عليها أبناء فصائل وتنظيمات وقواعد المقاومة والحركة الإسلامية، وشعوب الأمة في حركة التحرر العربية الإسلامية أو التي يجب أن تكون كل هذه الجهات والمكونات عليها، وإن كانت مؤمنة بالإختلاف، إلا أنها غير مؤمنة في الأصل بالعداء لأي كان ولا الإعتداء على أي كان. فهي ثقافة الأمن والسلام والوحدة والأخوة البشرية والتعارف. أما الثقافة الغربية التى عليها معسكر الإستكبار العالمي، فهي ثقافة عنصرية وتفوق وعداء واعتداء. وهي ثقافة رعب وإرهاب وكراهية بين الأجناس والأعراق والألوان. وثقافة صدام وصراع بين الطبقات والثقافات والأديان و الحضارات... وهي كذلك ثقافة توحيد قوى الشر والظلم والقهر والإستبداد في وجه المستضعفين والمقهورين والمظلومين في العالم. وثقافة فساد مالي وإداري وأخلاقي. وثقافة رذيلة وميوعة واسترقاق وعبودية وانحلال واستهتار...
ونظرا للتعارض والتناقض والإختلافات الجوهرية في مجمل القضايا المتعلقة بالحق والعدل والحرية والمساواة والأمن والسلام و لأخوة والوحدة الإسلامية والإنسانية، فقد تداعت مختلف الشرائح والنخب والتنظيمات المؤمنة والمقتنعة بها، إلى تجاوز خلافاتها، والتنازل بعضها لبعض عن الكثير من المنافع والمواقع، وعن نزاعاتها بعضها مع بعض، من أجل إيجاد لحمة تتقاسم فيها العناصر المكونة لها الأدوار من جانب من هم داخل السلطة منها ومن كان منهم خارجها، ليس من أجل مشاريع استراتيجية سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية وعلمية داخلية وخارجية، ولكن من أجل الإستئثار بالحكم وبدوائر أخذ القرار، واحتكار المواقع الإدارية والمالية والإعلامية والأمنية والعسكرية وغيرها، لسد الطريق أمام تيارات وفصائل الحركة الإسلامية الوسطية المعتدلة، ومنعها من الوصول لمجرد المشاركة في رسم السياسات وإبداء الرأي، أو لعب أي دور مهما كان بسيطا في الحياة السياسية والإقتصادية والثقافية والإجتماعية الداخلية والخارجية في أوطان شعوب الأمة ، وهي الأكثر شعبية والأكثر جدية، والأكثر إخلاصا لله ثم للوطن والشعوب. مما اضطر العديد من الفصائل والتنظيمات إلى اللجوء للمعاملة بالمثل،لأن هذا الائتلاف الذي حل محل الاختلاف بين مختلف بطون الطائفة العلمانية اللائكية لم ينته عند المحاصرة
1- النمل:126
2 - البقرة: 194
والتضييق والإقصاء والتهميش، ولكن تجاوزه إلى تحالف وتنسيق مع القوى الدولية إلى القتل والتنكيل والسجن والتهجير والنفي، ومن ثمة إلى التيتيم و الترميل والتثكيل والتجويع....وذلك ما حصل في تونس وفي الجزائر والمغرب، وفي مصر والأردن و سورية، وفي أندونيسيا وماليزيا وإن بأقل حدة ووضوح، وفي غيرها من أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين.
وإذا كان أول ما يتبادر إلى الذهن من معنى المقاومة والتحرر والتحرير ،هو مقاومة الغزو والإحتلال الأجنبي. وإذا كان أول ما يتبادر الى الذهن من خلال ذلك المعنى ،هو حمل السلاح ضد الوجود العسكري الأجنبي، فإن للمقاومة معنى أعمق وأشمل، لأن تحرير الأوطان والشعوب لا يكون من الإحتلال الأجنبي أو الخارجي فقط ، ولكن عملية التحرير التى تحصل من خلال المقاومة تكون كذلك من الإستبداد والظلم والقهر والتسلط الداخلي، والذي لا يقل خطورة من الوجود العسكري الخارجي، ثم أن المقاومة لا بد أن تعنى في ما تعني إلى جانب القوة مقاومة الجهل بالعلم، ومقاومة الجمود والخمول بالحركة، ومقاومة الجور بالعدل، ومقاومة الفساد بالصلاح، ومقاومة الرذيلة بالفضيلة، ومقاومة الفرقة والإنفصال بالإتحاد والوحدة، و مقاومة الإستبداد بالشورى و"الديمقراطية" والمشاركة الشعبية في الحياة السياسية،ومقاومة القيد بالحرية وهكذا...
فالمقاومة يجب أن تكون شاملة شمول حركة تحرر الفتح الإسلامي. فالمقاومة في حركة التحرر العربية الإسلامية، لا يمكن إلا أن تكون شاملة. وهي الحركة التى لا يمكن أن تكون كغيرها من حركات التحرر التقليدية التى عرفها العالم القديم والحديث، إذا ما استثنينا حركة الأنبياء عبر التاريخ البشري، وهي الحركة التي يجب العمل على إعادة الأمور على أساسها إلى نصابها، بإعطاء كل ذي حق حقه، على قاعدة أن القوي ضعيف عند حركة التحرر الإسلامية حتى تأخذ منه حق غيره، وأن الضعيف قوي عندها حتى تستعيد له حقه. فهي إلى جانب كونها حركة مقاومة مسلحة ضد قوى الظلم والإستبداد الداخلي، هي كذلك حركة مقاومة الجهل والفقر والمرض والإنحطاط والتخلف والتمييز بين الأعراق والألوان والأجناس. وهي حركة مقاومة عسكرية مسلحة حين يكون لابد من ذلك، وعند الضرورة القصوى، و حين تكون قادرة على ذلك، لحماية الشعوب والأوطان والمكاسب والثرواة. وخلافا لما كانت عليه كل الحركات التقليدية في القديم والحديث، والتى تشترط أنه لابد للمقاومة من حليف وسند خارجي يوفر لها الدعم المادي والعسكري والإعلامي والسياسي، فإن حركة المقاومة في حركة التحرر العربية الإسلامية في نشأتها وتطورها، لا تؤكد هذا الشرط ، إلا أن تكون قوة، أو ركن شديد من أهل الحق والعدل والحرية، مستعدين للمساعدة على الحق والعدل والحرية. وفي الوقت الذي لم يأذن فيه الله سبحانه وتعالى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم للإستعانة بالقوى الضاربة من حوله في ذلك الوقت، سواء المتمثلة في بطون وقبائل العرب في الجزيرة العربية، أوفي أعظم إمبراطوريتين عرفهما تاريخ ذلك الزمن، والمتمثلتين في إمبراطورية الروم في الجنوب و إمبراطورية الفرس في الشمال، في مواجهته لحركة الشرك والكفر والوثنية في الجزيرة العربية في ذلك الوقت،استطاع بأمر من الله أن يستفيد من وجود النجاشي ملك الأحباش في ذلك الوقت في الهجرة الأولى، لما كان عليه من عدل وحب للخير وأهل الخير ونصرة المظلوم. وكان ملاذه في النهاية إلى أهل المدينة وقد أصبح له فيها من أبنائها أنصارا له ولدعوته. فكانوا خير الأنصار لخير طالب للنصرة. فلم يقبل صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون حليفا لليهود ضد قريش أوالأحزاب. ولم يقبل أن يكون حليفا لقريش ولا لأي جهة من الأحزاب ضد جهة أخرى، أو ضد اليهود الذين كانوا يمكرون به وبأتباعه ويكيدون لهم. وحتى إذا كان لابد من استعانة معينة فببعض الأفراد لقضاء بعض المآرب. فالأصل في الإسلام أنه لا ولاء للأجنبي المعادي للأمة ولا تخالف معه، إلا أن يتقي منه المسلمون تقاه ويحذهم الله في ذلك نفسه حتى لا تتحول العلاقة التكتيكية الممكنة التي يقتضيها تحقيق النفع أو دفع الضرر والتي تقدر بقدرها إلى علاقة استراتيجية. وإذا كان لابد من استثناء فإن أمر تقريره يبقى موكولا إلى أولي الأمر وأهل الذكر من العلماء المجاهدين وأصحاب العقل الحصيف والرأي السديد من المفكرين والحكماء المشهود لهم بالصدق والأمانة والإخلاص والتقوى، ضمن ضوابط معينة، وبشروط مضبوطة، وفي حدود معلومة، ولغايات وأسباب وأهداف واضحة.
وبهذا الإيباء وهذا الشموخ وهذه النزعة الإستقلالية، جاءت حركة المقاومة العربية الإسلامية في حركة التحرر العربية الإسلامية في أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين وفي العالم، غير واضحة لدى البعض، وينظر إليها البعض الآخر على أنها غير منسجمة مع السائد من العلاقات والأساليب والمناهج، وينظر اليها الكل في معسكر الإستكبار في النهاية على أنها متطرفة وإرهابية، وكان ينبغي أن يكون الموقف كذلك: تأكيدا للإختلاف والتناقض بين المرجعية العلمانية اللائكية التقليدية والمرجعية العربية الإسلامية الأصيلة، وتأكيدا لطبيعة الثقافة العربية الإسلامية، ولطبيعة الثقافة العلمانية اللائكية الهجينة، وللطبيعة العربية الإسلامية لحركة المقاومة، وللطبيعة العلمانية اللائكية والتقليدية للقوى المكونة لمعسكر الإستكبار المعادي في النهاية لطموحات أبناء شعوب الأمة في الحرية والشورى أو"الديمقراطية" والعدل والمساواة والأخوة والوحدة...وفي النهاية لحركة المقاومة بمعناها الشامل في حركة التحرر العربية الإسلامية.
وبذلك جاءت حركة المقاومة في فلسطين المحتلة وفي جنوب لبنان وفي أفغانستان وفي كشمير وفي الشيشان وفي كازاخستان وأوزبكستان وغيرها من أوطان شعوب الأمة، على ذلك القدر من الإيباء والشموخ، بما يعتريها من ضعف، وبما فيها من سلبيات ونقائص وأمراض... وبسقوط عراق العروبة والإسلام بوقوعه تحت احتلال قوات التحالف الصليبي والنظام العربي"الإسلامي"العلماني اللائكي والتقليدي المحافظ الهجين، بعد إسقاط نظام صدام حسين وحزب البعث العربي الإشتراكي الفاشي ذي المرجعية الثقافية العلمانية اللائكية التغريبية الهجينة، تداعى الأحرار من أبناء شعب العراق العربي المسلم، وهب إليهم من كل مكان من محبي الشهادة والاستشهاد من أبناء أمة العرب والمسلمين، لتشكيل حركة مقاومة حقيقية وجادة لتحرير العراق من الخونة والعملاء، وطرد القوات الصليبية الغازية منه.
وتستمد هذه المقاومة شرعيتها من :
1- طبيعتها العربية الإسلامية التى يجب أن تكون عليها، والتى كانت إن شاء الله عليها فعلا، ولا شرعية
لحركة مقاومة غير عربية إسلامية لا تستند أولا وآخرا إلى المرجعية الإسلامية المتمثلة في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فلا شرعية لأي حركة مقاومة علمانية لائكية هجينة لا تعمل من أجل استعادة العمل بالنظام الإسلامي.
2- وجود الإحتلال في أكثر من وطن من أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين.
3- الإستناد أخيرا إلى القانون الدولي حين يكون ذلك ممكنا، دون أن ينقص عدم إمكان ذلك من شرعيتها أو أن يكون قدحا فيها.
4- الفراغ السياسي، بعدم وجود سلطة شرعية منتخبة يمارس من خلالها الشعب السيادة الكاملة على أرضه.
فلئن كانت غايات الإستعمار وأهدافه واحدة قديما وحديثا، فإن عودة الإستعمار العسكري للمنطقة العربية وللعالم الإسلامي هذه المرة، قد جاءت في ظروف غير الظروف الإولى، وفي واقع مختلف عن واقع الأمة في ذلك الوقت.
أ- فالأمة اليوم مقسمة شعوبا وأوطانا على غير النحو الذي كانت عليه في عملية الإجتياح الغربي الإستعماري للإمة وللعالم.
ب- ومازال ينظر إليها في ذلك الوقت على أنها أمة واحدة، وأن نظامها وهي في أشد مراحل الإنحطاط مازال ينظر إليه على تعاسته وفساده على أنه نظام إسلامي.
ج- ومازال لم يتقرر للكيان الصهيوني على جزء من أرض الأمة وجود.
د- وحيث لا وجود كذلك للمشروع الثقافي العنصري الغربي في أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين.
ه- ولاحديث في العالم العربي الإسلامي عن غير الثقافة العربية الإسلامية، وقد أصيبت بالجمود والركود والتخلف في جميع مستوياتها.
و- وبحلول القوات الغربية الغازية، وقد أمعنت في الأمة تقطيعا وتمزيقا، شهدت المنطقة العربية والعالم الإسلامي تحولات كبيرة، إن على المستوى الجغرافي أوالعرقي أوالطائفي أوالإجتماعي،وجعلت منها شعوبا وأوطانا.
ز- ولم تغادر عسكريا حتى فرضت النظام العلماني اللائكي، وأبقت على النظام العربي التقليدي الرجعي المحافظ الهجين هو الآخر.
س- وفرضت بالقوة الكيان الصهيوني في فلسطين أرض المسلمين قاطبة، كما فرضت كل شيء بالقوة في كل مجاهل الأرض التي حلت بها.
لقد عاد الإستعمار العسكري للمنطقة العربية وللعالم الإسلامي مرة أخرى، بعد أن كان قد أعيد تشكيل العالم على نحو غير الذي كان عليه قبل انبعاثه في وقت مبكر من التاريخ الحديث.
لقد عاد الإحتلال والغزوالعسكري للمنطقة العربية وللعالم الإسلامي بعد حربين عالميتين مدمرتين، لم يكن معسكر الإستضعاف طرفا فيهما، وإنما كان ضحيتهما احتلالا وقتلا ونهبا. وقد بدا العالم مستقرا بعدهما، وقد استقر ،بعد سايكس بيكو ،على الإنقسام الذي حصل في العالم الغربي إلى معسكرين، تحولت فيه الحرب بتوازن الرعب النووي، من حرب ساخنة إلى حرب باردة. ولم يلبث المعسكر الشرقي الشيوعي أن انهار،حتى اختل التوازن الدولي لصالح المعسكر الليبرالي الرأسمالي الغربي عموما، ولصالح الولايات المتحدة الأمريكية كأقوى دولة فيه وفي العالم كله،وبخروجها منتصرة في الحرب الباردة، وهي القوة التى كان عليها العبء الأكبر ،إن لم يكن العبء كله في تلك المواجهة منذ نشأة المعسكر الشرقي بزعامة الإتحاد السوفياتي، بدأت بالعمل على إعادة تشكيل العالم، بما يجعلها وحدها مركز الإستقطاب فيه، وبما يتحقق لها وحدها فيه من المنافع والمصالح ما ليس لأحد الحق فيه، وما لا يمكن أن يتحقق لغيرها من قوى المعسكر الغربي نفسه. وقبل أن تتوضح الصورة التى كانت تريد أن تقيم دعائمه عليه، جاءت أحداث 11 من سبتمبر 2001 لتحدث اهتزازا كبيرا، أو إرباكا في العالم كله. مما عجل بأصحاب القرار السياسي في البيت الأبيض بالإفصاح عن خلفيتهم الصليبية الملازمة لثقافتهم العنصرية، وعن نواياهم الإستعمارية العسكرية، فجيشوا الجيوش، وأبرموا التحالفات، وأرهبوا قيادات الدول، باتجاه إجبار الكل على التعاون معهم، ومن ليس معهم فهو ضدهم على حد قول زعيم البيت البيض جورج بوش الإبن.
- فكان احتلال أفغانستان من طرف قوات التحالف الغربي الصليبي بداية الحملة العسكرية على العالم العربي الإسلامي، ثم مزيد تغذية روح العداوة والإنتقام عند اليهود للإستمرار في إبادة الشعب الفلسطيني.
- ثم كانت الخطوة التالية بإسقاط النظام العراقي واحتلال العراق، وها هو الغرب يواصل اليوم فرض كل ما يريد فرضه على المنطقة وعلى الأمة مرة أخرى بالقوة العسكرية، وتحت التهديد والوعيد بمواصلة استعمال القوة وكل أنواع العقوبات.
وفي مرحلة من مراحل تطورها وتشكلها، كان على حركة المقاومة في حركة التحرر الوطني في العالم العربي الإسلامي أن يكون لها دور في التصدي والمواجهة. وهاهي اليوم على قلة إمكانياتها، وليس لها من معول تعول عليه إلا إمكانياتها الذاتية، وليس لأي جهة القدرة- على فرض اقتناعها بذلك، واستعدادها له- على دعمها ومساندتها وتحمل أعباء المواجهة معها.
صحيح أن كل مقاومة في أي مكان وفي أي زمان لا يتم الإعتراف بها، ولاتستعد أي جهة لاحتضانها أو دعمها حتى تفرض نفسها على العدو نفسه للإعتراف بها، وبذلك فقط يحصل الإستعداد عند بعض الجهات المعنية أوالمستفيدة لاحتضانها ودعمها ومساندتها. فهل من معترف بالمقاومة في أوطان شعوب الأمة المحتلة؟ وهل من محتضن وداعم ومساند لها؟
فلا وجه للمقارنة بين حركات التحرر الوطني التى نشأت وتشكلت في ظل الإحتلال الغربي لأوطان شعوب المعسكر المستضعف في العالم في مرحلة حركة الإستعمار الأولى، وبين حركات التحرر الوطني التى نشأت وتشكلت في الغالبية العظمى منها في ظل أنظمة وكلاء الإستعمار بعد رحيله العسكري، لمواجهة الظلم السياسي والإستبداد والأنظمة السلطوية الشمولية القهرية،وهي تمارس حقها في المعارضة والمواجهة السياسية والثقافية للأنظمة الفاشية العلمانية اللائكية والتقليدية الرجعية المحافظة. وقد وجدت نفسها مضطرة في مرحلة من مراحل التوتر الشديد بينها وبين بعض الأنظمة، وفي بعض المناطق من الوطن العربي والعالم الإسلامي إلى المواجهة المسلحة دفاعا عن نفسها للبقاء والمحافظة على الوجود المهدد بالإزالة، أو لاستعادة حق اغتصب منها، مثلما حصل في مصر وفي الجزائر. فإذا كانت حركات التحرر الوطني في الحقبة الإستعمارية العسكرية الأولى، لا تواجه إلا قوات الإحتلال الغازية، فإن حركات التحرر الوطني ذات الطبيعة والصفة العربية الإسلامية اليوم ، تواجه القوات الأمنية والعسكرية للأنظمة الهجينة، لتجد نفسها بعد ذلك في مواجهة القوات العسكرية الغازية، بعد أن تسوء العلاقة بين الأنظمة الفاسدة، والقوى الدولية في التحالف الصليبي اليهودي، وتؤمن هذه بضرورة إسقاط تلك. فإذا كانت حركات التحرر الوطني في العالم ليست معنية بتحرير أكثر من وطن ياتجاه البقاء في أحسن الحالات ضمن أحد المعسكرين اللذين كان يتقاسمان العالم،فإن حركة التحرر العربية الإسلامية الحديثة لها شأن آخر.
- فهي معنية بتحرير الأوطان باتجاه تحرير الأمة من الأنظمة العلمانية اللائكية والتقليدية الرجعية المحافظة الفاسدة، ومن هيمنة القوى الدولية في معسكر التحالف الصليبي اليهودي المتحالف استراتيجيا مع هذه الأنظمة في مرحلة أولى.
- ثم هي معنية على المدى الطويل(استراتيجيا) بعد ذلك، بتحرير الإنسان من الطواغيت والمستكبرين والمسرفين.
- وهي معنية قبل هذا وذاك بتحرير الإنسان العربي المسلم أولا،وهو غايتها ووسيلتها في التغيير، من الثقافة التقليدية الخرافية الأسطورية المتخلفة، ومن الغزو الثقافي الغربي الصليبي الصهيوني العنصري.
فحركة التحرر العربية الإسلامية هي حركة متواصلة، وذات طبيعة مختلفة عن طبائع كل حركات التحرر السابقة واللاحقة لها في تاريخ العالم. فهي حركة بحكم طبيعتها الإسلامية وروحها الإسلامية لا تعرف الإنقطاع ولا تتوقف ولم تتوقف، وإن كان يعتريها من الضعف ومن الركود والفتور ومن التقهقر ما يعتريها، إلا أنها لا تموت ولم تمت. وظلت متواصلة مراوحة بين الضعف والقوة وبين النصر والهزيمة منذ أن انطلقت بقيادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الجزيرة العربية، حتى اجتاحت العالم في عهد الخلافة الراشدة. ثم تواصلت قوية ظافرة في العهد الأموي وفي العهد العباسي فالعثماني، على ما لنا على هذه العهود من تحفظات، لما اعترى مسارها من انحرافات، وما خالطها من ظلم وفساد وتحريف، وقدمت للعالم رغم كل ذلك أعظم حضارة عرفها التاريخ، والتي لولاها ما كان للعالم أن يعرف حضارة كهذه الحضارة. وحتى في أسوإ مرحلة من مراحل تاريخها، لم تنقطع عن العطاء والقيام بالمهمات الكبرى. فهي الحركة التى واجهت الهجمة الإستعمارية الأولى بروحها وبثقافتها العربية الإسلامية، بالرغم مما كانت عليه هذه الثقافة من تخلف وركود، وما أصبحت عليه من خمول وجمود، وحققت فيها قوى المقاومة وحركة الجهاد المباركة النصر على الأعداء، وأنجزت مهمة تحرير الشعوب والأوطان. وهي المرة الوحيدة التى وقع عليها فيها الإنقلاب وسرقة مستحقاتها منها، واقتطف ثمار جهودها ودماء شهدائها صنائع الإستعمار واليهود من النخب المتغربة الهجينة، ووقع الإنقلاب على نظامها الإسلامي الذي قاتلت به ومن أجله، ليتم استبداله بدعم وتدخل مباشر، وفي ظروف استثنائية، وبمباركة من القوى الإستعمارية الغربية المعادية، بنظام الدولة العلمانية الحديثة، وفي أحسن الحالات إقرار أنظمة عربية تقليدية رجعية محافظة هجينة، ما كان ليقع القبول بها لولا يقين القوى الدولية المشرفة على ترتيب المنطقة العربية من العالم الإسلامي بعدم قدرتها على البقاء خارج نطاق السيطرة.
إن حركة المقاومة في حركة التحرر العربية الإسلامية، تمر اليوم بأصعب مراحل تاريخها، فهي اليوم بين سندان الأنظمة العميلة الفاسدة ومطرقة التحالف الصليبي اليهودي، والإعتراف بها يستدعي منها مجهودات جبارة وقدرة فائقة على الصمود والتصدي وفرض الذات، في ظل عدم توازن مفرط في موازين القوة مع الأعداء الداخليين والخارجيين لفرض الإعتراف بها. وقد لا يقبل الغزاة الإعتراف بها حتى يجدوا بديلا عنها. وهي التي ليس لها طريق إلى ذلك غير دعم ومساندة واحتضان شعوب الأمة لها، لأنه من غير المنتظر أن تحضى بدعم ومساندة واحتضان أي جهة أخرى، بحكم طبيعة العداء والصراع التي تحكمها ببقية الجهات التى تأتمر بأمر الغزاة وتنتهي بنهيهم.
وبدون اكتساب القدرة على الصمود والتصدي التى تستمدها من قدراتها الذاتية ومن دعم ومساندة واحتضان الشعوب لها، فلا اعتراف بها ولا دعم ولا مساندة ولا احتضان من أي جهة أخرى لها. ذلك أن صراعها مع العدو ومواجهتها للغزاة إنما يأتي عبر صراعها مع الأنظمة الهجينة ومع النخب التقليدية العدمية والعلمانية العبثية الداعمة لها في مرحلة أولى، ثم في المواجهة المباشرة لها في مرحلة ثانية، بل إنه في نفس الوقت الذي يدور فيه الصراع مع قوات التحالف الصليبي اليهودي المحتلة، تدير فيه حركة التحرر الإسلامي الصراع مع الأنظمة الإستبدادية الفاشية،الإمتداد الطبيعي للوجود السياسي والثقافي والإقتصادي والإجتماعي والإعلامي فالعسكري لحركة الإستعمار الغربي.
إن فرض الذات بالنسبة لحركة المقاومة إنما ياتي عبر:
- الوجود والفاعلية أولا.
- التجذر الشعبي ثانيا.
- الإنخراط في المواجهة والعمل الفدائي بكل وسائله وفي مختلف ميادينه وعلى كل صعيد ثالثا.
- الشرعية القانونية بالإستناد إلى القانون الدولي رابعا.
إن الوجود والفاعلية والتجذر الشعبي غير كافيين لفرض الذات باتجاه الإعتراف بأي حركة من حركات التحرر الوطني، حتى تثبت من خلال المواجهة العسكرية والعمل الفدائي، أنها طرف في المعادلة الإقليمية والدولية، وأن أي حل نهائي ليس ممكنا إلا بها ومعها، وليس ذلك ممكنا إلا في صورة احتدام الصراع الداخلي إلى حد بلوغ درجة التساوي مع الخصم أو إحراز تفوق عليه، حينئذ وحينئذ فقط ،يتم اللجوء للإحتكام للقانون الدولي الذي يعترف بحركات التحرر في هذا المستوى من الصراع الداخلي، أو في صورة بلوغ المواجهة الشاملة مع قوى الإحتلال مرحلة لم يبق لها معها من طريق غير طريق الإعتراف بها كطرف مقاتل ومحاور عن جدارة .
فليس في الحالة العراقية من اعتراف بالمقاومة وبحركة التحرر، لأن هناك من يعتقد ويعتبر أن أطراف المقاومة ومكوناتها هم أولئك الذين جاؤوا على ظهور الدبابات الأمريكية والبريطانية وقوات التحالف الصليبي اليهودي الغازية لبلاد الرافدين، وأن حركة التحرير إنما تمثلها هذه القوات المحتلة نفسها،وتنظر هذه الجهات كلها إلى المقاومة على أنها بقية من فلول النظام السابق، وفي كل الحالات لا يمكن اعتبارها حركة تحرر ومقاومة، بل هي إرهاب تقتضي المصلحة تظافر كل الجهود للقضاء عليه، وذلك استنادا للإجماع الحاصل على فساد النظام البعثي الصدامي البائد، وحين تنظر هذه الجهات المعادية للشعب العراقي وللأمة العربية والإسلامية، للخلايا المقاتلة لحركة المقاومة في حركة التحرر العربية الإسلامية وتتعامل معها على أنها الإرهاب الذي اجتاحت القوات الأمريكية العالم للقضاء عليه، فيكفي أن تكون لحركة المقاومة صفة العروبة والاسلام، لينظر إليها على أنها حركة إرهابية، ولن يتم التعامل معها إلا على أنها كذلك.
إلا أنه ليس أمام قوات الإحتلال الأمريكي البريطاني من حل في النهاية إلا الإعتراف بما يدعوها القانون الدولي إلى الإعتراف به، بقطع النظر عن طبيعة هذه الجهة في المقاومة. وهي التى عليها أن تثبت قدرة على السيطرة على الأوضاع، بما يجعل حقها الذي يعترف لها به القانون الدولي غير قابل للمناقشة.
يقول الدكتور عبد المجيد العبدلي استاذ القانون الدولي بالجامعة التونسية:
" العراق هو دولة تحت الإحتلال منذ 20 مارس 2003 وكل حكومة أو مجلس تحت أي مسمى كان هو باطل لأنه ناجم عن الإحتلال.
وحتى المنظمات الإقليمية والدولية إنما ارتكبت خطأ عندما اعترفت بما يسمى بمجلس الحكم الإنتقالي واستقبلت وزير خارجيته المعين من قبل الإحتلال.
في العراق اليوم مقاومة وحركة تحرر وطنية ينبغي أن تعترف بها المنظمات الدولية(...) إن مجلس الحكم الإنتقالي هو مجلس غير شرعي وكل ما يصدر عنه من قرارات هي باطلة وغير شرعية لإنه مجلس معين من قبل الإحتلال هو من منظور القانون الدولي عمل باطل وغير شرعي طبقا لميثاق منظمة الأمم المتحدة"
" كما أن كل المعاهدات الدولية تعتبر استعمار دولة لدولة أخرى خرقا لأهم قواعد القانون الدولي الملزمة... وبالتالي فإن كل التعيينات الجارية الآن، هي غير شرعية ولا يجوز أن تكون لها أي نتيجة إيجابية، لأنها تشكل خرقا لحق الشعوب في تقرير مصيرها" "كما اعتبر القانون الدولي أن حروب التحرر الوطني هي حروب دولية، بين الشعب الرازح تحت الإحتلال والدولة المستعمرة وذلك منذ 10 جوان 1977 في البروتوكولين الإضافيين لمعاهدات جنيف 1949، اللذين نصا على أن كل حرب ضد الإستعمار تقوم بها حركات التحرر الوطني، هي حروب دولية، بمعنى أنها تفترض تطبيق معاهدات جنيف، في مواضيع أسرى الحرب أو المدنيين تحت الإحتلال وكل مجالات المعاهدات الأربع" "المقاومة العراقية هي مقاومة شرعية تعترف بها كل المواثيق الدولية والمفاوضات السياسية لن تخرج الإحتلال الأمريكي من العراق،المقاومة المسلحة هي الأسلوب الوحيد، أمام ما ارتكبه الإحتلال الأمريكي من جرائم في حق
العراق والعراقيين، لقد ارتكب الأمريكيون كل أنواع الجرائم الدولية"(1) .
إن الذي نذهب إلى تأكيده، أن حركة التحرر العربية الإسلامية لا يمكن أن تنتزع اعترافا دوليا بها وفق ما ينص عليه القانون الدولي إلا بنصر ساحق على قوات الإحتلال، كذلك الذي حققته حركة المقاومة الإسلامية في أفغانستان على القوات السوفياتية، وذلك الذي حققته المقاومة الإسلامية على الجيش الروسي في الشيشان سنة 1994 ، وذلك الذي حققته المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان على القوات الصهيونية سنة 2000. وإذا كان هذا قد حصل قبل الهجوم الذي شنه تنظيم القاعدة على الولايات المتحدة الأمريكية يوم 11/9/2001 فإن الوضع بعد ذلك التاريخ قد أصبح مختلفا، ولا ينبغي لحركة التحرر الوطني في العالم العربي الإسلامي أن تنتظر اعترافا بها من أحد، لأنه لا أحد يمكنه أن يعترف بها، أو يستطيع أن يعترف لها بشرعية يمنحها إياها القانون الدولي، لتكون مفاوضا شرعيا وقانونيا وميدانيا مع الجهات السياسية الممثلة للقوات المعادية. والذي بات متأكدا أكثر من أي وقت مضى، أن على حركة المقاومة في حركة التحرر الوطني ذات الصفة العربية الإسلامية في أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين، أن لا تعمل على أقل من طرد قوات الدول المستعمرة لأي وطن من أوطان شعوب الأمة بالقوة. وأن تفرض عليها المغادرة بدون قيد ولا شرط . وبدون بلوغ هذا المستوى من القوة والجاهزية والقدرة على انتزاع الشرعية، فإن أي معالجة للأوضاع معها تكون مستحيلة. وأن الجهات المعادية ستظل تنظر إليها على أنها حركات إرهابية لا سبيل إلى الحوار ولا إلى التفاوض معها، وإن كان القانون الدولي يعطيها هذا الحق.
ويكتسي الوضع في العراق خطورة أكبر ،لأن خط الخيانة ومهادنة الإحتلال والتحالف والتعامل معه على أنه قوات تحرير ،والمراهنة على خروجه منه عن طريق التفاوض وبالعملية السياسية عريض. فالأكراد في الغالبية العظمى منهم لا يتمثلون خطورة وجود القوات الأمريكية والبريطانية، والقوات المختلفة الجنسيات المتحالفة معها على أرض العراق، وليس لهم مشكلة في وجودها وفي بقائها حتى تحقق لهم ما جاءت مدعية تحقيقه لهم من حرية ومساواة وديمقراطية وحقوق إنسان، وأمن وسلام واستقرار،وينعم الأمريكيون في المناطق الكردية من العراق بالأمن والسلامة إلا من بعض محاولات المقاومة التى تحاول أن تضرب في كل مرة هنا وهناك وفي كل مكان من أرض العراق المحتل ، بما يجعل الأمور غير قابلة للإستقرار على النحو الذي تريده هذه القوات والجهات الداعمة والمساندة لها.
وفي الجنوب حيث الأغلبية الشيعية(السبئية)، والتي عوض أن تنخرط في المقاومة لتحرير البلاد من السيطرة الأجنبية، نراها مخلصة في الغالبية العظمى منها لقوات الإحتلال مثلما كانت في الغالبيةالعظمى منها مخلصة لصدام حسين التكريتي، وتحضى عندها بالإحترام والتقدير، ومتعاونة معها مثلما كان يحضى
عندها نظام حزب البعث بالإحترام والتقدير ومتعاونة معه، إلى حد القيام معها بعمليات مشتركة ضد كتائب
وخلايا المقاومة التي تحاول أن تضرب في كل مكان من البلاد،إذا ما استثنينا النشاط العسكري لما يسمى"جيش المهدي"الذي يتزعمه مقتدى الصدر، والذي يبدو أنه يهدف إلى تحقيق أهداف ذاتية ومكاسب
1- جريدة الشروق-2 جوان 2004 – السنة15- العدد 5042.
حزبية، وليس ذلك انخراطا منه في العمل الفدائي من أجل إخراج قوات الإحتلال وتحرير العراق.وفعلا فقد انكشف أمره وبدا على حقيته بعد كل تلك التحركات التي لم تكن سوى حركات بهلوانية لتعزيز موقعه في الطائفة السبئية التي بدا فيها مغمورا في وسط من المشاهير، والتي انتهت به وبأتباعه بائعا للسلاح للقوات الأمريكية في مدينة الصدر،والذي لم يعد له من الأمر شيء بعد ذلك، سوى الإنصياع لأوامر "المرجعية"والدخول تحت عباءة المدعو علي السيستاني الفارسي الأصل الإيراني الجنسية مفتي الحاكم "المدني"الأمريكي بالعراق بريمر، والداعم الأكبر لقوات الإحتلال والمساند لها، والذي لم يبد أي اهتمام إلا بما يسمى بالعملية السياسية بالعراق،ولعله يطمع في أن يكون يوما من مرشحي الدوائر الصهيونية لنيل جائزة نوبل للسلام لما أسداه من خدمات مجانية لقوى الإحتلال الغربي الصليبي الصهيوني لبلاد العرب والمسلمين ، تلك الجائزة التي أسندت للإرهابي بيجن رئيس وزراء الكيان الصهيوني العنصري والخائن السادات الرئيس المصري المقتول، وللإرهابي المقتول هو الآخر رابين رئيس وزراء الكيان الصهيوني مرة أخرى، الغاصب لأرض العرب والمسلمين فلسطين، والمخدوع ياسر عرفات المقتول هو الآخر والذي لا أحسب إلا أن يكون قد قضى شهيدا.
بقيت المقاومة الجادة والمكثفة للنشاط الفدائي العسكري ضد قوات الاحتلال والعملاء والخونة المتواطئون معها محصورة بأكثر كثافة وأكثر فاعلية في المثلث السني الذي ظل رافضا للإحتلال ومصمما على مواصلة العمل الفدائي، حتى تطهير أرض بلاد الرافدين من رجس التحالف الصليبي اليهودي الغربي والمتعاونين معه، وتحرير العراق وتقرير مصير شعبه.
تبدو مهمة حركة التحرر الوطني في العراق مهمة صعبة وشاقة، باعتبارها محاطة بالأعداء المتربصين بها من كل جانب. فهي حركة إرهاب في نظر المحتل الذي يعطي نفسه حق ملاحقتها في كل مكان خدمة لما يسمى بالمجتمع الدولي. وهي حركة إرهاب في نظر تلك الجهات المتواطئة مع الإحتلال في الشمال الكردي الذي للعلمانية اللائكية ذات الجذور اليسارسة الماركسية نفوذ وسيطرة شبه كاملة فيه وفي الجنوب السبئي(الشيعي)المدعوم دعما مباشرا والمحتضن على خلفية وقاعدة طائفية من طرف النظام الإيراني، وفي نظر النظام العربي والنخب الهجينة الداعمة له، مما يجعل حظوظها في تحقيق أهدافها على النحو الذي يجيزه لها القانون الدولي ضعيفة جدا، إذا لم تكن قادرة على حسم الموقف بالقوة لصالحها.
كان يمكن أن يكون الوضع في العراق على غير ماهو عليه اليوم ، لولا أحداث 11/9/2001 في واشنطن ونيويورك، بل ربما ما كان للتحالف الصليبي الصهيوني والتواطئ الدولي من حوله أن يكون لولا تلك الأحداث. وكان يمكن أن يتم التعامل مع الحالة العراقية بطريقة أخرى. ولو كانت النتيجة واحدة، وكان لا بد من التدخل العسكري، كان يمكن أن يكون لحركة التحرر الوطني فيه وضعا ميدانيا وقانونيا غير الوضع الذي هي عليه اليوم. فدرجة التوتر إقليميا ودوليا قد أصبحت بعد أحداث 11 /9 /2001 مرتفعة جدا ضد كل ماهو عربي وإسلامي، وقد أصبح النظر إلى حركة التحرر الوطني في العالم الإسلامي وفي العراق يختلف عنه في أي منطقة أخرى من مناطق العالم لأي حركة تحرر أخرى، على أي مرجعية ثقافية أخرى، ولأي غاية أو هدف من العايات والأهداف الأخرى. فالموقف من حركة التحرر الوطني في العالم الإسلامي، سواء على المستوى القانوني أوالميداني يتحدد بحسب طبيعة الحركة. فلو أن حركة تحرر وطني أخرى، في أي قطر من أقطار الوطن العربي أو العالم الإسلامي، كانت ذات طبيعة علمانية لائكية، وبلغت من القوة وحضيت بالتأييد الشعبي والجماهيري ما بلغته أي من الحركات الإسلامية، لوجدت أطرافا كثيرة داعمة ومؤيدة لها ومعترفة وداعية للإعتراف بها. وليس ذلك ممكنا إلا حين تكون هذه الحركة من طبيعة الأنظمة السائدة في العالم، وعلى غير الثقافة العربية الإسلامية والمنهج الإسلامي.
فإذا كانت ثقافة المعسكر الشرقي المنهار، وهي الوجه الآخر للثقافة الغربية، لا تسمح بالرأي المخالف، ولا تعترف إلا بالمرجعية الماركسية اللينينية، ويتجه نشاط المؤمنين بها في حركة التحرر الوطني ذات النهج الماركسي اللينيني إلى إسقاط كل أنواع الأنظمة المخالفة لمرجعيتها، باعتماد أسلوب العنف الثوري، وفي الوقت الذي لا تسمح فيه لأي صاحب معتقد آخر ،ولا لصاحب أي رأي آخر أوعقيدة أخرى بمزاولة أي نشاط مهما كان في الأنظمة التى تقيمها، فهي مستعدة بكل انتهازية للإستفادة من أي وضع وبأي أسلوب، حين يكون أسلوب العنف في إحداث التغيير متعذرا وغير ممكن. ونظرا لطبيعتها الثقافية ولمرجعيتها الغربية في النشأة والتطور، فقد تعامل معها المعسكر الحر، الذي يعتزم الإيمان بالحرية والديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان والتداول السلمي على السلطة، بالمنع من المشاركة في الحياة السياسية تارة، وجواز لها ذلك أخرى. فعلى ما بين المرجعيتين من اختلاف وتناقض أحيانا، وبحكم طبيعتهما الغربية ذات الصلة بالتوراة والإنجيل في ما أصبح من وثوق الصلة بين الصليبيين الجدد واليهود، فقد فسح المجال للأحزاب اليسارية بالتأسيس وبالمشاركة السياسية، والإعتراف بالحركات الماركسية كحركات تحرر وطني، والقبول بها مفاوضا سياسيا عند الإقتضاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.