مندوب روسيا لدى الامم المتحدة يدعو إلى التحقيق في مسألة المقابر الجماعية بغزة    طيران الكيان الصهيوني يشن غارات على جنوب لبنان    بعد اتفاق اتحاد جدة مع ريال مدريد.. بنزيما يسافر إلى إسبانيا    المرسى.. الاطاحة بمنحرفين يروّجان الأقراص المخدّرة    حالة الطقس يوم الخميس 2 ماي 2024    مدرب بيارن : أهدرنا الفوز والريال «عَاقبنا»    أخبار الاتحاد المنستيري...رهان على «الدربي» وفريق كرة السلة يرفع التحدي    صفاقس...حالة استنفار بسبب سقوط جزء من عمارة بقلب المدينة ... غلق الشارع الرئيسي... وإخلاء «أكشاك» في انتظار التعويضات!    في خطإ على الوطنية الأولى: دكتور وكاتب يتحول إلى خبير اقتصادي    في أقل من أسبوع.. أعاصير مدمرة وفيضانات اجتاحت هذه الدول    وفاة الفنانة الجزائرية حسنة البشارية    بنزرت ..أسفر عن وفاة امرأة ... حادث اصطدام بين 3سيارات بالطريق السيارة    سعيد يعود احد مصابي وعائلة احد ضحايا حادثة انفجار ميناء رادس ويسند لهما الصنف الأول من وسام الشغل    وزارة الشباب والرياضة تصدر بلاغ هام..    اتفاقية تمويل    غدا الخميس: وزارة التربية والجامعة العامة للتعليم الأساسي يوقعان اتفاقا ينهي توتر العلاقة بينهما..    وزارة السياحة تقرّر احداث فريق عمل مشترك لمعاينة اسطول النقل السياحي    المؤتمر الإفريقي الأول حول "آفاق تنمية الدواجن بإفريقيا" على هامش الدورة 20 للصالون المتوسطي للتغذية الحيوانية وتربية الماشية    المجلس الوطني للجهات والاقاليم ...لجنة صياغة النظام الداخلي تنطلق الخميس في النظر في الاحكام العامة والعضوية والحصانة (الناطق باسم اللجنة)    عقوبات مكتب الرابطة - ايقاف سيف غزال بمقابلتين وخطايا مالية ضد النجم الساحلي والملعب التونسي ونجم المتلوي    النادي الافريقي- جلسة عامة عادية واخرى انتخابية يوم 7 جوان القادم    روبليف يقصي ألكاراز ويتقدم لقبل نهائي بطولة مدريد المفتوحة للتنس    عيد العمال العالمي: تجمع نقابي لاتحاد عمال تونس وسط استمرار احتجاج الباعة المتجولين    عيد العمال العالمي: تدشين المقر التاريخي للمنظمة الشغيلة بعد أشغال ترميم دامت ثلاث سنوات    الاحتفاظ بعنصر تكفيري مفتش عنه من اجل الانتماء الى تنظيم ارهابي    تونس تعرب عن أسفها العميق لعدم قبول عضوية فلسطين في المنظمة الأممية    الاحتفاظ بتلميذ تهجم على استاذته بكرسي في احد معاهد جبل جلود    القصرين: وفاة معتمد القصرين الشمالية عصام خذر متأثرا بإصاباته البليغة على اثر تعرضه لحادث مرور الشهر الفارط    جندوبة: فلاحون يعتبرون أن مديونية مياه الري لا تتناسب مع حجم استهلاكهم ويطالبون بالتدقيق فيها    الكاف: اليوم انطلاق فعاليات الدورة التاسعة لمهرجان سيكا جاز    ندوات ومعارض وبرامج تنشيطية حول الموروث التراثي الغزير بولاية بنزرت    بعد تتويجه بعديد الجوائز العالمية : الفيلم السوداني "وداعا جوليا " في القاعات التونسية    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    القيروان: إطلاق مشروع "رايت آب" لرفع الوعي لدى الشباب بشأن صحتهم الجنسية والانجابية    اعتراف "أسترازينيكا" بأن لقاحها المضاد لفيروس كورونا قد يسبب آثارا جانبية خطيرة.. ما القصة؟    الفنانة درصاف الحمداني تطلق أغنيتها الجديدة "طمني عليك"    تفاصيل الاطاحة بمروجي مخدرات..    هام/ إصدار 42 ملحقا تعديليا من جملة 54 ملحقا لاتفاقيات مشتركة قطاعية للزيادة في أجور العاملين في القطاع الخاص    التشكيلة الاساسية للنادي الصفاقسي والترجي التونسي    تحذير من برمجية ''خبيثة'' تستهدف الحسابات المصرفية لمستخدمي هواتف ''أندرويد''..#خبر_عاجل    هام/ وزارة التربية تدعو إلى تشكيل لجان بيداغوجية دعما لتلاميذ البكالوريا..    وزارة التجارة: لن نُورّد أضاحي العيد هذه السنة    غرفة القصابين: معدّل علّوش العيد مليون ونص    تونس تشارك في معرض ليبيا للإنشاء    مهرجان سيكا جاز: تغيير في برنامج يوم الافتتاح    الطبوبي في غرة ماي 2024 : عيد العمّال هذه السنة جاء مضرّجا بدماء آلاف الفلسطينين    سامي الطاهري يُجدد المطالبة بضرورة تجريم التطبيع    اليوم: تونس تحيي عيد الشغل    اليوم.. تونس تحتفل بعيد الشغل    وزارة الفلاحة تضبط قيمة الكيلوغرام من التن الأحمر    غدا.. الدخول مجاني الى المتاحف والمواقع الاثرية    عاجل/ "أسترازينيكا" تعترف..وفيات وأمراض خطيرة بعد لقاح كورونا..وتعويضات قد تصل للملايين..!    مختص في الأمراض الجلدية: تونس تقدّمت جدّا في علاج مرض ''أطفال القمر''    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    يوم 18 ماي: مدينة العلوم تنظّم سهرة فلكية حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشّمس    خبراء من منظمة الصحة العالمية يزورونا تونس...التفاصيل    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التواصل الأوروبي مع قوى الإسلام المعتدل (دراسة) *
نشر في الفجر نيوز يوم 22 - 06 - 2009

ترجمة وتحرير - تامر الهلالي - خديجة الزغيمي 22-06-2009
لم تكن الحكومات الأوروبية تهتم في السابق بالتواصل المباشر مع الحركات الإسلامية السياسية ولكن في السنوات الأخيرة أصبح من الواضح التأثير السلبي للتركيز على الاستقرار عند التعامل مع الحكام المتسلطين في العالم العربي على المصالح الاستراتيجية لدول الاتحاد الأوروبي في هذه المنطقة.
ويحاول الحكام في العالم العربي تصوير التوجه الأوروبي للحوار في المنطقة على أنه لابد أن يؤدي إما إلى دعم استقرار الحكومات أو زعزعة الإسلاميين، إلا أن هذا التصور ثبت قصوره وتناقضه.
تتناول هذه الدراسة المحاور التالية فيما يتعلق بتعامل الاتحاد الأوروبي مع الإسلاميين المعتدلين في العالم العربي:
الاتجاه للاتصال المباشر مع الإسلاميين المعتدلين
فوائد وأضرار الاتصال بالإسلاميين
المؤسسات الأوروبية تصطدم بحائط منيع
الاتحاد الأوروبي والقيود السياسية
المحاولة والخطأ من خلال "مناطق دبلوماسية رمادية"
نتائج الدراسة
الاتجاه للاتصال المباشر مع الإسلاميين المعتدلين
ترى المناقشات الحديثة حول هذا الموضوع أن البحث عن إستراتيجيات سياسية بديلة في المنطقة سيؤدي إلى التعاطي بشكل مختلف مع الإسلاميين المعتدلين، أي تلك الجماعات التي نبذت العنف رسميا كوسيلة للوصول إلى أهدافها، وتسعى إلى تحقيق تلك الأهداف من خلال الهامش الذي تتيحه العملية السياسية.
وتوجد العديد من الأسباب التي تدفع دول الاتحاد الأوروبي إلى تغيير سياساتها في المنطقة، فقد أصبح منع تطرف الجماعات الإسلامية في المنطقة جزءا لا يتجزأ من سياسة الاتحاد الأوروبي لمقاومة الإرهاب، كما أنه أصبح من الواضح أن الإصلاحات السياسية في المنطقة ستتم فقط عبر الضغط الفعال من الداخل، وبالتالي فإن الحركات الإسلامية غير الثورية وغير العنيفة التي تسعى للوصول للسلطة من خلال العملية الديمقراطية أصبح ينظر إليها على أنها قوى إصلاح محتملة قد تحقق آمال تلك المنطقة المضطربة في الوصول إلى تنمية ديمقراطية حقيقية واستقرار طويل الأمد.
فاتجاه جماعات إسلامية كانت عنيفة إلى الاعتدال واندماجها في العملية السياسية وجذبها لتأييد اجتماعي كبير ظهر في صورة نجاح في الانتخابات، جعل من الإسلاميين المعتدلين بؤرة اهتمام كشركاء محتملين في الحوار السياسي.
وقد زادت المناقشات والتحليلات حول الإسلام السياسي بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، مما أدى إلى اختلاف وجهات النظر الغربية حيال الإسلاميين وأهدافهم ووسائلهم.
ويسود التشكك في نوايا الإسلاميين وفي جدوى التعاطي معهم، فالعديد من المراقبين يشككون في حقيقة التزام هؤلاء الإسلاميين بالديمقراطية، ويؤمنون أن لديهم أجندة سرية استبدادية. ويرى بعض النقاد أن الاتصال المفتوح بهذه الجماعات من قبل الحكومات الأجنبية سيعطي تلك الحركات الإسلامية اهتماما وشرعية لا تستحقها، في حين يرى آخرون أنه من المشكوك فيه أن الأوروبيين يمكن أن يحدثوا أي تأثير على التوجهات الداخلية للإسلاميين.
كما يرى البعض أن الفرض بأن الإسلام يمثل منطلقا لأي كيان سياسي في المنطقة هو افتراض خاطئ. فيما يرى البعض الآخر أن تصنيف الإسلاميين بين معتدلين ومتطرفين هو تصنيف مضلل وسطحي.
وهناك إجماع بين كل من المؤيدين والمعارضين على وجود تحفظات بشأن ما يسمى بمناطق رمادية حقيقية تشوب البرامج السياسية للحركات الإسلامية الرئيسية.
وبالرغم من كل التشكك فإن عدم وجود بدلاء للمشاركة في الحوار أدى إلى دعم الاتجاه لفتح شكل من أشكال التواصل مع الإسلاميين المعتدلين. ويذهب بعض المحللين إلى أن الوقت المناسب لذلك هو الآن، إذ لابد من استغلال حالة الانفتاح الحالي الذي يبديه الإسلاميون المعتدلون حيال فكرة الاتصال مع الغرب، وخصوصا أوروبا، من أجل إنشاء روابط إستراتيجية معهم.
كما أنه بات من الضروري التخلص من الوصمة التي ظلت خلال العقود الماضية تسم أي قوة سياسية لديها مرجعية إسلامية. إذ أن الأحزاب الإسلامية أصبح لديها إحباط متزايد بشأن عدم قدرتهم على التأثير على الواقع السياسي في بلادهم من خلال العملية السياسية، وهذا لابد أن يدفع دول الاتحاد الأوروبي إلى التوقف عن تجاهل القوى السياسية الإسلامية.
والسؤال هنا هو كيف يمكن لهذه الرغبة الحذرة في الاتصال بالإسلاميين أن تجد طرقا في السياسات والممارسات الدبلوماسية؟ وهل أصبح هناك بالفعل تغيير إستراتيجي حيال أولئك الإسلاميين الذين طالما كانوا خارج دائرة اهتمام تلك الدول تماما في علاقاتها بالعالم العربي ؟
يدور الكثير من الحديث حول التواصل الغربي مع الإسلاميين المعتدلين، ولكنه يفتقد إلى أي دليل واضح. وفي حين طغت التقارير التي تتحدث عن اتصالات متبادلة بين حكومات أوروبية وحزب الله وحماس، فإن المعلومات قليلة جدا حول التواصل المنظم بجماعات و أحزاب المعارضة الإسلامية في بقية المنطقة.
ومن البديهي القول أن الحساسية السياسية الشديدة التي تعيق فتح نقاش علني حول هذه القضية جعلت من الصعب القيام ببحث مبدئي حول الموضوع.
لذلك فإن هذه الدراسة تقدم رؤية عامة غير تفصيلية لاتجاهات الحكومات الأوروبية فيما يتعلق بالتواصل مع الإسلاميين المعتدلين في العالم العربي ودوافع ذلك التواصل والتخوفات التي تواجهه وقنواته ومستوياته وحدوده.
وبناء على تلك الرؤية تقدم الدراسة عددا من الاقتراحات للاتحاد الأوروبي للعمل على دعم الديمقراطية ومحاربة التطرف في العالم العربي.
فوائد وأضرار الاتصال بالإسلاميين
ليس من المستغرب أن هذا الاتجاه بين المحللين الأوروبيين لا يلقى صدا قويا بين المسؤوليين في الحكومات الأوروبية. إذ أن دعم الأنظمة الاستبدادية في المنطقة لتحقيق الاستقرار طويل الأمد لا يتفق والتواصل مع أول قوة معارضة حقيقية تشهدها المنطقة منذ عقود، هذا بالإضافة إلى أن عدم الارتياح غير المستند إلى أسباب واضحة تجاه التحاور مع الإسلاميين بشكل عام يعرقل سعي الاتحاد الأوروبي للوصول إلى اتجاه مشترك في هذه القضية.
ويجد الدبلوماسيون الحريصون على إقامة حوار مع الإسلاميين صعوبة في الحصول على الدعم السياسي الكافي بسبب تصارع الأولويات السياسية في منطقة العالم العربي، وتخشى الدوائر السياسية الأوروبية التي تؤمن بضرورة حدوث تغيير في السياسات من العواقب السياسية لإظهار هذه القناعة، لأنها قد تفسر على أنها تغيير بالمواقف. ويحظى سؤال متى وكيف يمكن التواصل مع الإسلاميين في العالم العربي بنقاش موسع يضع في الحسبان تفرد حالة كل دولة. وأدى التخوف من التأثيرات السلبية المحتملة لهذا التواصل على العلاقات الثنائية مع الدولة المضيفة للحوار إلى تفضيل معظم الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي جعل اتخاذ القرارت بشأن الاتصال مع الإسلاميين في دائرة القرارات القومية لبلادهم.
وتتضمن العوامل التي تحكم إقامة حوار مع الإسلاميين درجة اهتمام الأوروبيين ببدء حوار مع مجموعة بعينها، مثلا الدخول في حوار مع قوة سياسية صاعدة ومن المحتمل أن تفوز في الانتخابات. ومن العوامل كذلك المجازفة الدبلوماسية المحتملة من قبيل "الوضع القانوني للجماعة" وعلاقتها مع النظام بشكل مجمل.
وهناك أيضا المصلحة التي قد تنتج من الحوار في مقابل مصالح إستراتيجية تتطلب علاقات جيدة مع النظم الإقليمية مثل حالات الصراع الإقليمي والتعاون ضد الإرهاب والتجارة والهجرة والطاقة. وأخيرا الأصداء التي قد يتركها مثل ذلك الحوار في الأوساط الأوروبية محليا، وخاصة في المجتمعات التي تحتوى على عدد كبير من المهاجرين المسلمين.
تتنوع علاقات الاتحاد الأوروبي مع قوى المعارضة الإسلامية في العالم العربي بشكل كبير تبعا لاختلاف الظروف الداخلية بين دول المنطقة. ففي المغرب والأردن والكويت والبحرين فإن حركات مثل حزب العدالة والتنمية وجبهة العمل الإسلامي والحركة الدستورية الإسلامية (الوفاق) هي جهات سياسية شرعية فاعلة ولها تمثيل برلماني، والاتصالات بين تلك الأحزاب والجماعات وممثلي الحكومات الأوروبية تتم بشكل منتظم.
وبفضل البيئة المتحررة نسبيا في هذه البلدان تتمكن السفارات الأوروبية كذلك من إقامة اتصالات منخفضة المستوى بين الحين والآخر مع الحركات الإسلامية غير المشروعة ولكن غير العنيفة على الرغم من حساسية تلك الاتصالات، ففي حين أن هذه الاتصالات لا تؤيدها النظم الحاكمة بلا شك فإن الاتصالات مع الجماعات غير الشرعية المعتدلة لا تمنع عادة، كما أنها لا تؤدي إلى خلافات دبلوماسية كبيرة.
كما يتمتع الإسلاميون المعتدلون في الجزائر ومصر بالتمثيل البرلماني، سواء كأعضاء حزب مشروع مثل حركة مجتمع السلم، وحركة الإصلاح الوطني، وحركة النهضة الإسلامية في الجزائر، أو كمستقلين مثل أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في مصر.
إذ يشكل حزب حركة مجتمع السلم في الجزائر جزءا من الائتلاف الحاكم، لكن الحزب يصنف نفسه كحركة معارضة. وفي كلا البلدين يتم الاتصال مع البرلمانيين الإسلاميين رغم أن الأنظمة لا تؤيد هذا، وكثيرا ما يلاقي الدبلوماسيون الأوروبيون صعوبات جمة في هذا الصدد.
ففي حالة الجزائر تعتبر محفزات إجراء اتصالات مع برلمانيين إسلاميين غير واعدين في كثير من الأحيان منخفضة للغاية لكي يضحى من أجلها بالعلاقات الجيدة مع النظراء الحكوميين. وفي مصر يمثل التواصل مع جماعة الإخوان المسلمين واقعا ملموسا، ومعظم السفارات الأوروبية تتواصل بين الحين والآخر مع برلمانيين إخوانيين، وأحيانا - ولكن بدرجة أقل - مع أعضاء غير برلمانيين.
أما تونس وسوريا فإن الأحزاب الإسلامية غير مشروعة؛ لذا يستحيل عمليا الاتصال مع الإسلاميين على المستوى المحلي بسبب القيود الثقيلة والمراقبة والقمع السياسي للإسلاميين، فعلاقة المواجهة بين النظم في هذه الدول مع حركة النهضة المحظورة في تونس وجماعة الإخوان المسلمين في سوريا وما ينجم عنها من مراقبة مستمرة من قبل أجهزة الاستخبارات تعيق أي اتصالات مباشرة مع تلك الحركات داخل تلك البلاد. وفي المقابل تحدث لقاءات بين دبلوماسيين أوروبيين وبين الأعضاء المنفيين لهذه الحركات الإسلامية المحظورة على الأراضي الأوروبية خارج دائرة نفوذ أجهزة أمن تلك الدول.
وبالطبع فإن الحالات الأكثر تعقيدا وحساسية وإثارة للجدل هي حالات فلسطين ولبنان، ففي حين أن كلا من حماس وحزب الله لا تفيان بمعيار اللاعنف المستخدم في هذه الدراسة لوصف «المعتدلين»، فإنه لا يمكن تجاهلهما، حيث إن أي تقييم لتعامل أوروبا مع الحركات الإسلامية المعتدلة يجب أن ينظر إليه في ضوء السياق السياسي للمنطقة، والذي تلعب الحركتان دورا أساسيا في تشكيله.
ففيما يخص حزب الله لم يكن الاتصال المفتوح مع الحزب محلا للجدل عندما كان الحزب في الحكومة، ولا تزال معظم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تنظر إلى ذلك الاتصال على أنه ضروري وله ما يبرره؛ لأن حزب الله هو حزب لبناني مشروع وجزء لا يتجزأ من المشهد السياسي اللبناني، ومن المسلم به أنه "لن يكون هناك حل بدون التواصل السياسي الرسمي للاتحاد الأوروبي معه".

النرويج البلد الأوروبي الوحيد الذي تعامل علنا مع حماس

أما حماس فقد تم حظر الاتصال الأوروبي الرسمي معها منذ أدرجت كجماعة إرهابية من جانب الاتحاد الأوروبي في عام 2006، وباعتبارها دولة غير عضو في الاتحاد الأوروبي فإن النرويج تتعامل بحرية مع حماس، وهي البلد الأوروبي الوحيد الذي فعل ذلك علنا، ومع هذا فإن عددا من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حافظت على اتصالات مع حماس بالرغم من الحظر، وذلك باستخدام مساحات دبلوماسية رمادية لتجاوز الخط المشترك للاتحاد الأوروبي.
ويؤدي تنوع الظروف الداخلية الخاصة بكل دولة إلى وجود دوافع مختلفة تقود دول الاتحاد الأوروبي للتعاطي مع أحزاب أو جماعات إسلامية بعينها.
والدافع الذي يذكره عادة دبلوماسيو الاتحاد الأوروبي لهذا الاتصال هو الحصول على معلومات موثوق فيها عن الأهداف والسياسات ووجهات النظر المختلفة والاتجاهات داخل تلك الجماعات، ومعرفة تحليل هؤلاء الإسلاميين للتطورات المحلية والإقليمية.
فبعد إقرار أوروبا بأنه كانت هناك أخطاء واضحة في قراءة الاتجاهات السائدة في المنطقة أصبح من المفهوم أن على محللي الشؤون المحلية والإقليمية الأوروبين أن يستندوا أولا إلى المعلومات الواردة مباشرة من ممثلي الجهات المعنية، ودائما ما يشدد الدبلوماسيون العاملون في السفارات بشكل خاص على الحاجة للاتصال المباشر لكي تكون لدى السفارات القدرة على توفير تقرير واقعي عن الحالة السياسية في البلاد، ويرى هؤلاء أن الصورة التي تروج للإسلاميين وغيرهم من جماعات المعارضة في منطقة تسيطر النظم الحاكمة فيها على وسائل الإعلام لا تشكل أساسا كافيا لاتخاذ قرارات سياسية سديدة بشان المنطقة.
وغالبا ما يؤكد المحللون الأوروبيون على ضرورة التواصل مع الإسلاميين للتأثير إيجابا على التطورات الداخلية لبلادهم تحسبا لتحولات سياسية مستقبلية في اتجاه تعزيز الديمقراطية، إلا أن هذا نادرا ما يذكر كدافع أساسي وراء الاتصالات الأوروبية، وبذل الجهد من جانب الأوروبيين على هذا الصعيد غالبا ما يكون لتحسين صورة أوروبا بدلا من تعزيز الديمقراطية.
في الوقت نفسه فإن مفهوم التأثير الإيجابي على التيارات الإسلامية من خلال الاتصال والتفاعل معهم بغية منع التطرف قد اكتسب وزنا كبيرا في سياق الأمن الأوروبي وسياسات مكافحة الإرهاب.
وعادة ما يذكر الزعماء الإسلاميون بدورهم عامل تحسين صورتهم كدافع للمشاركة والاتصال مع الجهات الأوروبية، فمن خلال المشاركة مع الغرب يأمل الإسلاميون في تحسين صورتهم وإخراجها من مفهوم التنميط الجمعي الذي يدرجهم في صورة إرهابيين متطرفين نحو مفهوم يصنفهم ويتعامل معهم على أنهم قوى إسلامية معتدلة من المحتمل أن تكون قوى إصلاحية.
ويسعى الإسلاميون المعتدلون في نهاية المطاف للتأثير على دوائر صنع السياسة في أوروبا والابتعاد بها عن مفهوم التعاون مع الأنظمة الشمولية لتحقيق الاستقرار، بواسطة العمل على هدم ما يراه الإسلاميون تحيزات وأحكاما مسبقة سائدة في الرأي العام الأوروبي ضدهم.
في الوقت نفسه قد ينطوي تواصل الإسلاميين مع الحكومات الغربية، وأحيانا مع المنظمات غير الحكومية، على العديد من المخاطر للإسلاميين في المستوى المحلي، فالعديد من الإسلاميين أو الجماعات الإسلامية تمتنع عن التحاور والتواصل مع مسئولين أجانب دون علم الأنظمة في بلادهم خوفا من تحرش أنظمتهم بهم من خلال اتهامهم بالتخابر مع الأجانب، وهناك أمثلة عدة لذلك حدثت في دول العالم العربي، فعلى سبيل المثال رفض الإخوان المسلمون في مصر عروضا من السفارات الأوروبية لعقد لقاءات في الفترة التي سبقت مباشرة انتخابات أبريل 2007 المحلية، وذكرت أنها "لا تريد أن تعطي النظام سببا إضافيا لقمع الجماعة"، وأيضا اعتقل القيادي الإخواني خيرت الشاطر عام 2005 بعد نشر مقال في الجارديان شجع فيه الغرب على الثقة في الإخوان المسلمين والتعاطي مع الجماعة.
وفي إطار محاولات تحقيق التوازن بين المصالح المتحققة من خلال الاتصال بالغرب وإرضاء النظام في نفس الوقت صرحت جماعة الإخوان المسلمين في مصر أكثر من مرة بأنها لن تقوم بلقاء ممثلين لأي حكومة أجنبية سرا، وأنها مستعدة للاجتماع مع ممثلي حكومات أجنبية في أي وقت في ظل وجود ممثل لوزارة الخارجية المصرية، وعلى الرغم من أنه من غير المحتمل أن تسمح السلطات المصرية بإقامة مثل هذه اللقاءات ناهيك عن حضورها، فإن عدم رد الحكومات الغربية في أي وقت مضى على هذا العرض يفسر من جانب أعضاء في جماعة الإخوان على أنه تأكيد للإصرار الغربي على تفضيل اختيار الاستقرار للنظم الشمولية على اختيار الديمقراطية
المؤسسات الأوروبية تصطدم بحائط منيع
من الصعب تمييز اتجاهات سياسية عامة واضحة تحكم مسألة الاتصال الأوروبي مع فصائل المعارضة في العالم العربي بوجه عام، ومع الإسلاميين بوجه خاص، والعامل المشترك الأدنى الذي يجمع بين دول الاتحاد الأوروبي في هذا الصدد هو قائمة الإرهاب التي تضم الأفراد والمنظمات الإرهابية التي يصدرها الاتحاد الأوروبي سنويا.
فإدراج فرد أو جماعة في هذه القائمة هو المقياس الوحيد المطلق لمنع الاتصال مع ذلك الفرد أو تلك الجماعة، ويثور جدل كبير بشأن إدراج حماس كجماعة إرهابية من عدمه، ومعظم الدبلوماسيين الأوروبيين الذين تمت مقابلتهم من أجل هذه الدراسة للاستعانة بآرائهم في هذا الشأن أقروا بأن توصيف حماس كمنظمة إرهابية خطأ يرتكب بتسرع كبير؛ لأن ذلك ليس من شأنه فقط أن يشل دور الاتحاد الأوروبي في الصراع العربي الإسرائيلي، بل أيضا أن "يسمم" أي نقاش في أوساط الاتحاد الأوروبي حول الجهات الإسلامية الأخرى بشكل عام.
إن مبدأ الاتصال مع الجهات الإسلامية غير العنيفة وغير الثورية من أجل منع التطرف أصبح مبدأ دارجا في الخطاب السياسي الأوروبي، وحفلت وثائق السياسات في الاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة بدعوات صريحة وضمنية تدعو إلى التواصل بقوة أكبر مع المنظمات الإسلامية المعتدلة سواء داخل أو خارج أوروبا.
فقد ورد نص في فقرة ضمن وثيقة إستراتيجية الاتحاد الأوروبي لمكافحة التطرف وتجنيد الإرهابيين الصادرة عن مجلس الاتحاد الأوروبي عام 2005 يقول: "نحن بحاجة إلى تمكين الأصوات المعتدلة من خلال التعاون مع المنظمات الإسلامية والجماعات الدينية التي تنبذ الصورة المشوهة للإسلام التي تتبناها منظمة القاعدة وغيرها".
ووفقا لأعضاء في المفوضية الأوروبية فإن قضية الاتصال بالإسلاميين المعتدلين تحظى بحضور في العديد من وثائق الاتحاد الأوروبي، ولكن على هيئة تلميحات ضمنية لا تشكل كيانا متسقا، وهي في مجملها شديدة الغموض بحيث لا تصلح أن تتخذ كخط سياسي واضح.
ويعد قرار البرلمان الأوروبي الصادر في مايو 2007 بشأن الإصلاحات في العالم العربي استثناء ملحوظا لتلك القاعدة؛ إذ إن القرار الذي كان قد صاغه رئيس الوزراء الفرنسي السابق ميشيل روكار يعترف بأن الاعتدال الإسلامي يعتمد على عاملين أساسيين هما: استقرار الإطار المؤسسي الذي تتطور من خلاله القوى الممثلة لتيار الاعتدال، والفرص التي يتيحها لهم ذلك الإطار للتأثير على صنع القرار السياسي.
كما يدعو القرار أوروبا "لتقديم دعم سياسي واضح لتلك المنظمات السياسية التي تروج للديمقراطية عن طريق وسائل غير عنيفة بما في ذلك إذا كان مناسبا الجهات العلمانية والإسلاميين المعتدلين الذين شجعتهم أوروبا على الاشتراك في العملية الديمقراطية، ويستثني القرار القوى الطائفية والأصولية والقومية المتطرفة، ويؤدي ذلك إلى خلق نوع من التوازن بين الاعتبارات الثقافية والبراجماتية السياسية"، ومع ذلك فإن تنفيذ مثل هذه المطالب دائما ما يتم إهماله.
فقد اتسمت الاتصالات التي تضطلع بها الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في معظم الأحيان بكونها على مستويات غير رسمية ثنائية منخفضة المستوى وتتم بشكل ارتجالي غير ممنهج، وبشكل عام لا يوجد خط سياسي مشترك للتواصل مع المحاورين الإسلاميين المعتدلين؛ ففي مطلع عام 2006 وفي أعقاب الانتخابات في فلسطين أنشئت خصيصا فرقة عمل معنية بالإسلام السياسي في الإدارة العامة للعلاقات الخارجية في المفوضية الأوروبية، وكانت فرقة العمل تلك تهدف إلى التغلب على نقص المعلومات المتوفرة لدى الأوروبيين عن الإسلام السياسي في جميع أنحاء العالم، ونظمت فرقة العمل هذه منذ عام 2007 برامج تدريبية داخلية عن الإسلام السياسي، وأصبحت تلك البرامج فيما بعد جزءا رئيسا من برامج التدريب الخاصة بالمفوضية الأوروبية.
وبالإضافة لذلك فإن الاتحاد الأوروبي يبذل جهودا من أجل الوصول لإجماع حول التعريفات والتصنيفات الخاصة بالإسلاميين عبر وسائل من ضمنها اعتماد قاموس عام للمفاهيم التي تخص الحركات الإسلامية وعمل خرائط معلوماتية لتلك الحركات. وقد قامت فرقة العمل أيضا بصياغة ورقة مناقشة تدعو الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي للاتصال مع الجماعات الإسلامية غير العنيفة وغير الثورية، وقدمت تلك الورقة لمفوض الاتحاد الأوروبي للعلاقات الخارجية آنذاك فيريرو والدنر.
ووفقا لأحد موظفي المفوضية فإن الهدف الرئيسي من تلك الورقة كان "فك التشنج" القائم في العلاقات مع تلك الجماعات بالموافقة على مجموعة من المبادئ العامة للعمل، وقد لاقت الورقة استحسانا من جانب المفوض العام، ومع ذلك فإن المفوضية لم تحصل على الدعم اللازم من أجل الوصول لنهج مشترك بين الدول الأعضاء التي أبدت معارضة سريعة للورقة، حتى بعد أن تم تعديل عدد من أجزائها وبنودها لتلقى قبول الدول الأعضاء. وبذلك انتهت فكرة التوصل لسياسة أوروبية مشتركة للتعامل مع الإسلاميين، وتراجعت إلى الظل في تلك الفترة.
وفي تقرير لموظفي المفوضية والأمانة العامة للمجلس أقروا أن النقاش بشأن تلك الورقة كان مشحونا بالعاطفة وغير موضوعي، وأشاروا إلى وجود جهل واضح وأحكام مسبقة بين ممثلي الدول في المفوضية، وأن هؤلاء الممثلين لا يملكون أفكارا دقيقة حول الإسلام السياسي، بل لديهم انطباعات نمطية، حتى إن أحد الممثلين لدولة من الدول المنضمة حديثا للمفوضية قارن بين الصعود السياسي للإسلاميين بوجه عام وصعود نظم هتلر وستالين الشمولية.
وأشار التقرير إلى أن أنصار تبني نهج أوروبي مشترك حيال الإسلاميين صرحوا بأنهم "سلكوا طريقا مسدودا، واصطدموا بحائط منيع" فيما يبذلونه من جهود للضغط من أجل التوصل إلى توافق في الآراء حول هذا الشأن وعزوا جزءا من هذا الفشل إلى موقف الاتحاد الأوروبي من حماس بعد الانتخابات الفلسطينية، ذلك الموقف الذي "عزز بقوة الحساسيات"، و"شل المناقشة حول هذه القضية".
وكان من بين المعارضين للنهج المشترك دبلوماسي برتغالي أعلن عن تخوفه من أنه بصرف النظر عن مسألة الاتصال بالإسلاميين بوجه خاص فإنه لا وجود أصلا لسياسة عامة لتنظيم طريقة للتواصل تتناسب مع أشكال المعارضة في العالم العربي بشكل عام.
وشدد مندوب فرنسا على أن المسألة ليست مسألة خلق شيء خاص بالإسلاميين تحديدا، ولكن المسألة أنه يجب أن يتم "استيعابهم مع جميع فئات مجتمعاتهم؛ ولذلك فإن البحث عن إستراتيجية خاصة بالإسلاميين وحدهم ليس فقط شيئا غير هام ولكنه يؤدي أيضا إلى التعرض غير الصحي لجماعات ذات مرجعية دينية". "وإضافة لذلك فإن المبادرة ككل كانت مستوحاة جزئيا من ضغوط من حكومة الولايات المتحدة، والتي دائما ما تريد منا التواصل مع الإخوان المسلمين".
كما أن مجال وعمق التواصل المطلوب مع الإسلاميين يعتمد على الأولويات والموارد الاقتصادية التي تمتلكها كل دولة.
وأوضح دبلوماسي ألماني أن فكرة اعتماد مبادئ مشتركة بشأن كيفية التعامل مع الإسلاميين هي"شيء هامشي من وجهة نظر ألمانيا، وأن التعامل مع هذه القضية على الصعيد الثنائي أكثر فعالية وأكثر أمانا من الناحية الدبلوماسية، بالإضافة إلى أن أي مبادرة أوروبية في هذا الصدد سينظر إليها على أنها "محاولة لجلب الخير للعالم الإسلامي" ومن شأن ذلك أن "يدفع كل الحكومات في المنطقة لأخذ موقف ضدنا".
وفيما يخص التعاون التقني والمالي مع المنظمات الإسلامية فإنه لا يوجد نص صريح في قوانين الاتحاد الأوروبي يحظر تحويل مساعدات إلى الجماعات الإسلامية، وفي حين أن الاتصالات كثيرة في هذا الشأن، فإنه من الناحية العملية يتم استبعاد الأحزاب وحتى منظمات المجتمع المدني ذات الخلفية الإسلامية من برامج المساعدات، أو برامج التعاون الأوروبية، وعموما لا تساهم "اتفاقية برشلونة" ولا "سياسة الجوار الأوروبية" في تقدم الاتصال مع المعتدلين الإسلاميين، ولا يتوقع أن يتغير ذلك في ظل الإدارة المقبلة لاتحاد دول البحر الأبيض المتوسط.

نهج البرلمان الأوروبي في التعامل مع الإسلاميين يختلف عن الاتحاد الأوروبي

ودائما ما يتخذ البرلمان الأوروبي نهجا مختلفا حيال الاتصال بالإسلاميين؛ حيث إنه يخضع لتدقيق أقل، ولا توجد لديه تلك الحساسيات التي لدى الاتحاد الأوروبي أو دول العالم العربي؛ ولذلك فإن للبرلمان تاريخا طويلا في الاتصال المباشر مع الإسلاميين.
وتلتقي الوفود البرلمانية الأوروبية بالبرلمانيين الإسلاميين في برامج وزيارات برلمانية متبادلة في المنطقة، وتتبنى قرارات البرلمان الأوروبي بشكل صريح التعامل مع قوى المعارضة في دول العالم العربي وفيهم الإسلاميون المعتدلون، وهناك أيضا علاقات مع برلمانات بعض الدول مثل المجموعة البرلمانية المصرية الألمانية، ولكن هذا النهج المتعاون والنشط للبرلمان الأوروبي غير ملحوظ نسبيا، ولم يستطع حتى الآن التأثير على الحكومات الأوروبية.
الاتحاد الأوروبي والقيود السياسية
إن المعضلة الأساسية التي تواجه سياسات حكومات دول الاتحاد الأوروبي تجاه العالم العربي هي التعارض بين الأجندة التنموية طويلة الأمد وأجندة التجارة والأمن قصيرة الأمد، فهناك خطان متوازيان تجد حكومات الاتحاد الأوروبي صعوبة في التوفيق بينهما، الأول هو ضم كل القوى المجتمعية المعنية من أجل المشاركة في حوار متبادل ومنع التطرف، والخط الآخر هو الإبقاء على علاقات مستقرة وسلسة مع حكومات دول العالم العربي، وهناك انقسام حاد حول تلك القضية في كل المؤسسات سواء كانت حكومية أو غير حكومية.
ويشير العديد من الموظفين في الدوائر الحكومية إلى أن الاتصال بالإسلاميين لا يجد رواجا في الوزارات التي يعملون بها؛ فقد أشار دبلوماسي هولندي إلى أنه "إذا قمت بالاتصال بالإسلاميين فإنك تصبح غير محبوب"، وبرغم أن مثل ذلك الاتصال غير ممنوع رسميا فإنه قطعا "غير مرغوب فيه".
وأشار العديد من الدبلوماسيين في دول الاتحاد الأوروبي إلى أن هناك العديد من العقبات الداخلية التي تواجههم في هذا الصدد، بالإضافة إلى خوفهم على مستقبلهم المهني؛ ولذلك فإنه من غير المفاجئ أو المستغرب تحفظ الدبلوماسيين أو ممثلي الحكومات في أن تنسب لهم تصريحات خلال المقابلات التي أجريت معهم كجزء من هذه الدراسة، وتذرعهم بأسباب أمنية لعدم الإدلاء بمعلومات بشأن مسألة الإسلاميين والاتصال بهم.
وكثيرا ما يرد بعض الدبلوماسيين ومنهم وزير الخارجية الفرنسي برنارد كوشنير بعبارات مثل: "لسنا وحدنا من نفعل ذلك" عند سؤالهم عن الأسباب وراء سعيهم للتواصل مع جماعات مثيرة للجدل، وقد صرح أحد الدبلوماسيين الذي يعمل في منصب يتعامل مع الحوار مع العالم الإسلامي أنه لا توجد حاجة لمنصب كمنصبه ؛ لأن هذا الحوار خطر ولا يقود لشيء، وأنه لذلك يقوم بنفسه بمحاولة تدمير وظيفته.
وفي بعض المناسبات قام بعض الدبلوماسيين بإفشاء معلومات سرية عن تغير في السياسات تجاه بعض الجماعات الإسلامية في محاولة منهم لمنع حكوماتهم من أخذ قرارات ومواقف لا يوافقون هم شخصيا عليها ؛ ففي عام 2005 قام موظف بريطاني في مكتب الشئون الخارجية ودول الكومنولث بتسريب معلومات حول اتجاه داخل أوساط الحكومة يدعم تعزيز الحوار مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر؛ وهو تغيير إستراتيجي في سياسات بريطانيا كان قد ذكر أن وزير الخارجية البريطاني آنذاك جاك سترو قد وافق عليه، وأطلق هذا التسريب سلسلة من المقالات النقدية في صحف مثل الأوبزرفر ونيو ستيتسمان، وأدى إلى إثارة جدل قوي حول "مغازلة بريطانيا للإسلام الراديكالي".
وقد ادعى الموظف الذي قام بالتسريب فيما بعد أنه قام بذلك لكشف سياسة خطرة تسعى الحكومة لتطبيقها، وأن العديد من زملائه كانوا يوافقونه الرأي.
ويؤكد المسئولون الأوروبيون على دور المهاجرين المسلمين في الدول الأوروبية كعامل أساسي يربط بين الاتصال بالمسلمين خارج أوروبا وبين السياق المحلي للدول الأوروبية، حتى إن ممثلا للحكومة الفرنسية قال عنه إنه العامل الأساسي وراء تحديد طريقة تعامل كل دولة أوروبية مع إسلاميي الخارج، وبالتأكيد فإن الدول التي تضم أكبر عدد من المسلمين: فرنسا وإنجلترا وألمانيا هم من أكثر الدول التي تعنى بفكرة التواصل مع الإسلاميين.

الهجمات التي وقعت في أوروبا أدت إلى اتجاه دولها للاهتمام بالمجتمع الإسلامي

ففي أعقاب 11 سبتمبر، وتفجيرات لندن 2005، وتفجيرات مدريد 2004 قامت العديد من الحكومات الأوروبية بإنشاء وحدات لها موارد مالية وبشرية في وزارات الخارجية أو وزارات التنمية وفي السفارات، وكانت تلك الوحدات تهدف إلى تعزيز التعاون بين الغرب والمجتمع الإسلامي والعربي، ومنها قسم "الحوار مع الدول الإسلامية" في وزارة الخارجية الألمانية منذ عام 2002، ومنصب مستشار للعلاقات مع الإسلاميين في وزارة الشئون الخارجية الهولندية عام2002، ومنصب سفير حر للعلاقات مع العالم الإسلامي في وزارة الشئون الخارجية والتعاون الإسبانية عام 2006، ووحدة الاتصال مع العالم الإسلامي التي تم دمجها مع قسم مكافحة الإرهاب في المملكة المتحدة عام 2007.
بالإضافة إلى وجود "مراقبين للإسلام" في 25 سفارة لألمانيا حول العالم منذ عام2002، ووجود ما يسمى ب"ضباط الدبلوماسية العامة للعالم العربي" في السفارات البريطانية والهولندية في القاهرة.
وبالإضافة إلى المؤسسات الخاصة تم إطلاق عدد من المبادرات السياسية الخاصة بهدف تعزيز الحوار والتفاهم مع العالم الإسلامي، بالإضافة إلى مبادرات التعاون والتبادل الثقافي والاجتماعي بين أوروبا والعالم الإسلامي مثل مبادرة إسبانيا لتحالف الحضارات، ومبادرة مونترو التي بدأتها سويسرا.
المحاولة والخطأ من خلال "مناطق دبلوماسية رمادية"
نادرا ما تكون هناك معايير واضحة مشتركة بين النظم الأوروبية لاختيار شركاء في الحوار من الإسلاميين، ويمكن القول أن هناك إجماع فقط حول قائمة الإرهاب التي تعتبر المقياس المطلق الوحيد، وكذلك حول كون الاتصال بالجماعات والأفراد الذين لم ينبذوا العنف كأداة للفعل يعتبر من التابوهات، إلا أنه يوجد خلاف حول ما إذا كان من الممكن استثناء الجماعات التي تقاوم الاحتلال مقاومة مسلحة، كما أن الاتصال بالجماعات التي تتبنى أعمالا أو أنشطة إرهابية يعتبر من التابوهات، إلا أنه لا يوجد اتفاق بين الدول الأوروبية حول كيفية تطبيق ذلك عمليا.
وبالرغم من أن هناك إجماعا على أن الاتصال بإسلاميين يشغلون مناصب هامة، وخصوصا النواب البرلمانيين مسموح به ومرغوب فيه، فإن العديد من الدول الأوروبية لا تستغل هذا الخيار. وليس هناك إجماع على مبدأ الاتصال بأفراد إسلاميين معتدلين لا يشغلون مناصب هامة وخاصة إذا كانوا أعضاء في جماعات أو أحزاب محظورة.
وقد ركز الذين تم الحوار معهم من أجل هذه الدراسة على صعوبات التواصل مع من ينتمون إلى جماعات أو أحزاب محظورة، وعلى الرغم من وضع بعض الدول الأوروبية شرعية الجماعات شرطا مسبقا للتواصل معها، فإن عددا آخر من الدول لا تعتبر الشرعية عقبة في حد ذاتها وإنما تراها عاملا يؤدي إلى التقليل من القنوات المتاحة للاتصال.
أما الاتصال بجماعات أو أفراد من المعارضة إسلامية من قبل مسئوليين أوروبيين على المستوى الوزاري أو مستوى الوزراء فتمثل حالات استثنائية نادرة، ويعتمد تحديد المستوى الملائم للاتصال على مدى قانونية الجماعة ودرجة اندماجها في المؤسسات السياسية.
وتتم معظم الاتصالات المباشرة بين أوروبا و الإسلاميين المعتدلين في إطار ما يعرف بمنطقة الدبلوماسية الرمادية للاتصالات غير الرسمية، بينما الاتصال من خلال وسطاء هو المعتاد في أغلب الأوقات ولا يسبب أي مشاكل، ولكنه في نفس الوقت يفتقد إلى مزايا الاتصال المباشر.
وفي حالة الأحزاب الإسلامية التي تساهم في السلطة يتم الاتصال عبر الوسائل الدبلوماسية المعتادة (لهذا لا يتم تناول هذه الحالة في هذه الدراسة). ولكن عند الاتصال بإسلاميين معارضين فإن الشرعية الديمقراطية لنائب البرلمان تمد الحكومات الأجنبية بقناة ملائمة للاتصال؛ لأن ذلك يسهل من تبرير هذه الاتصالات للسلطات، بالإضافة إلى أن شرعية أولئك النواب ودورهم في صنع القرار السياسي يجعل الاتصال معهم موضع اهتمام من الأنظمة الأوروبية، ولكن حتى في هذه الحالة فإن عدم مباركة الأنظمة لتلك الاتصالات يجعلها تتم في الغالب بشكل غير رسمي وضمن إطار أوسع يضم أحزابا وقوى أخرى.
وقد أكد العديد من الدبلوماسيين أن اقتصار الاتصال مع الإسلاميين على النواب البرلمانيين لا يعطي صورة حقيقية واقعية عن تلك المنظمات والجماعات؛ لأن أعضاء تلك الجماعات الذين انتخبوا كنواب عن دوائرهم المحلية ليسوا بالضرورة أعضاء مؤثرين أو بارزين في الإدارة العليا لجماعاتهم.
أما في حالة الإسلاميين غير الممثلين برلمانيا فإن الموقف القانوني للجماعة، والأهم العلاقة الواقعية بينها وبين النظام هو الذي يحدد الخطورة الدبلوماسية التي ينطوي عليها الاتصال بهذه الجماعة، وفي هذا السياق يعطي الدبلوماسيون الأوروبيون الأولوية للعلاقات مع الأنظمة الحاكمة.
ويدعي العديد من المسئولين الأوروبيين أن الاتصال بالإسلاميين تحدده وتنظمه نفس القواعد والشروط التي تنظم العلاقة مع قوى المعارضة الأخرى، ولكن الأدلة الواردة من منطقة الشرق الأوسط تدل على أن تلك الادعاءات هي تعبير عن تمنٍ وليست تعبيرًا عن حقائق سياسية.
ومعظم الحكومات الأوروبية، وباستثناءات قليلة لم تعط توجيهًا رسميًا مكتوبًا لسفاراتها بشأن الجماعات التي يسمح لها باللقاء معها أو الشروط التي تحدد مثل تلك اللقاءات، وفي أغلب الحالات يترك مثل ذلك القرار للسفراء أو لرغبة الكيان السياسي بالسفارة.
كما أن دوائر الحوار في السفارات الأجنبية في أوروبا ليست لديها أوامر أو توجيهات رسمية في ذلك الصدد، وبالتالي يتم اتخاذ هذه القرارات اعتمادا على ما يراه الدبلوماسيون المعنيون منطقيا وعلى رؤيتهم للأولويات.
ذلك الغياب المنتشر بين الدول والمنظمات الأوروبية لتوجيهات سياسية صارمة واضحة من مستوى سياسي أعلى، يعتبره كثيرون ضمانًا للمرونة المطلوبة عند التعامل السياسي على أرض الواقع، ولكن غياب مثل تلك التوجيهات في قضية سياسية حساسة مثل الاتصال بالمنظمات الإسلامية غالبًا ما يؤثر بالسلب على آليات تكوين علاقات إستراتيجية، وعلى المنظومة المؤسساتية لدول الاتحاد ووحدة قرارها.
وهناك حالات قليلة أعطت فيها الأنظمة الأوروبية توجيهات مباشرة للسفارات بألا تتصل بجماعات إسلامية بعينها أو بعدم الاتصال بالإسلاميين على الإطلاق، فبعيد إنشاء قسم خاص للحوار مع العالم الإسلامي في برلين عام 2002م، أعطت وزارة الخارجية الألمانية تعليمات للسفارات بألا تدخل في اتصالات مباشرة مع الإسلاميين تحت أي ظروف، وصرح الدبلوماسيون الألمان في تقارير وردت في السنوات التالية للمسئولين عن صنع القرار في برلين أنه من المستحيل تقديم تقارير دقيقة يمكن الاعتماد عليها عن الوضع السياسي في المنطقة دون الدخول في اتصالات مباشرة مع كل القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة في المنطقة، ونتيجة لذلك تم تعديل القرار بما يسمح بالموافقة على إجراء اتصالات مباشرة من حيث المبدأ.
وتعد حفلات الاستقبال التي تقيمها السفارات والمناسبات الاجتماعية المشابهة فرصة لكلا الجانبين للاجتماع والالتقاء، حيث تكون الخطورة الدبلوماسية في هذه الحالات قليلة نسبيًا، ويستغل بعض الدبلوماسيون الغربيون المؤتمرات التي يتواجد فيها الإسلاميون للتواصل أثناء الاستراحات مع أعضاء الجماعات الإسلامية المحظورة، ولكن حتى ذلك النوع من الاتصال لا يخلو من المخاطر الدبلوماسية كما حدث أكثر من مرة.
وفي بعض الحالات يلجأ الدبلوماسيون لتقليل الخطورة الدبلوماسية التي قد تنتج عن التواصل مع شخص معين إلى التركيز على الكيفية التي يتم بها توصيف هذا الشخص، فعلى سبيل المثال يمكن مقابلة البرلمانيين بصفتهم مسئولين منتخبين وليس بالضرورة بصفتهم ممثلين لأحزابهم الإسلامية، إذ أنه على الرغم من عدم وجود معارضة كبيرة للالتقاء بنواب برلمانيين إسلاميين حتى لو كانوا ينتمون لأحزاب أو جماعات محظورة، فإنه من المهم أن يتم الالتقاء بهؤلاء النواب بصفتهم برلمانيين، ومن المهم أيضًا عدم التركيز على تلك الجماعات تحديدا عند عقد اجتماعات أو مؤتمرات كبيرة تضم القوى والأحزاب الممثلة برلمانيا.
وملخص القول أنه من المفضل الاتصال بالإسلاميين بصفتهم الشخصية، أو المهنية (قضاة محامون مدونون ناشطون لحقوق الإنسان) وتجنب التعامل مع الأحزاب أو الجماعات الإسلامية كمؤسسات.
في بعض الدول الأوروبية من غير الممكن على الإطلاق مقابلة الإسلاميين بصفتهم ممثلين لأحزاب أو جماعات، بينما في دول أخرى يمكن أن يتم ذلك في سياق مؤتمرات أو اجتماعات تضم ممثلين لأحزاب أخرى.
ويقول الدبلوماسيون الذين يلتقون أعضاء في جماعات إسلامية مثيرة للجدل أن هذه اللقاءات تتم بشكل شخصي أو بعيدا عن القنوات الدبلوماسية، وتحرص السفارات الغربية عند الاتفاق على لقاءات ثنائية مع إسلاميين على أن يتم تمثيلها بأقل مستوى دبلوماسي ممكن. والتواصل مع الإسلاميين على مستوى السفراء ولو بشكل غير رسمي يمثل استثناء نادرا قد يؤدي إلى مشكلات دبلوماسية عند نشر وسائل الإعلام أي شيء عنه.
وفي بعض الحالات النادرة أرسلت الحكومات الأوروبية أو لم تعترض على إرسال وسطاء لإجراء مفاوضات، وأهم تلك الحالات حدث في السياق الفلسطيني عندما وجد الاتحاد الأوروبي نفسه محروما من دوره السياسي في الصراع العربي الإسرائيلي بعدما فرض الاتحاد حظرا على إقامة اتصالات مباشرة مع حماس عام 2006، وفي النهاية قامت بعض النظم الأوروبية بالبحث عن وسائل للالتفاف حول حظر الاتصال بحماس دون تعريض نفسها لمخاطرة سياسية أو دبلوماسية. وقد كانت السويد والمملكة المتحدة أول الدول التي واصلت المفاوضات مع حماس من خلال وسطاء.
وفي ربيع عام 2008 برزت فرنسا في عناوين الأخبار نتيجة ظهور تقارير حول قيام سفير فرنسي متقاعد بإجراء اتصال مباشر مع مسئولين بارزين من حماس، وكان العنوان الرئيسي في لوفيجارو "الفرنسيون يتحدثون مع حماس"، وفي رد فعل على ما نشر في الإعلام قال وزير الخارجية الفرنسي برنارد كوشنير في تصريح يشوبه الغموض أن تلك الاتصالات كانت غير رسمية لأن السفير المتقاعد لا يمثل الحكومة الفرنسية، لكنه في نفس الوقت دافع عن هذه الخطوة بالقول أن هذه اللقاءات لا تعني إنشاء علاقات مع حماس وإنما هي اتصالات، وإن فرنسا لابد أن يكون لها القدرة على الحديث (مع الطرف الآخر) إذا كانت تريد أن يكون لها دور.
وتدعو الوزارات الأوروبية في العديد من الحالات بشكل مباشر أو من خلال وسطاء غير حكوميين الإسلاميين لحضور مؤتمرات أو جولات استطلاع أو اجتماعات في عواصم أوروبية.
وتنظم العديد من الوزارات حلقات دراسية أو مؤتمرات حول الإسلاميين المعتدلين، وتدعو ممثليين لإحزاب إسلامية معتدلة للمشاركة فيها، وتقوم الحكومات الأوروبية كذلك بتمويل المنظمات غير الحكومية والمؤسسات التابعة للأحزاب التي تتواصل بشكل مباشر مع الإسلاميين.
وفي العديد من المناسبات قامت العديد من مراكز الأبحاث والمؤسسات غير الحكومية الأوروبية بتنظيم مؤتمرات واجتماعات أخرى في دول العالم العربي وفي أوروبا حضرها برلمانيون أوروبيون وممثلون للحكومات وإسلاميون معتدلون.
ويوصي عدد من المحللين أن تقوم المؤسسات الحزبية الألمانية التي يتكامل دورها مع دور السلطات الألمانية عبر تعاملها مع مجالات سياسية حساسة بلعب دور رئيسي في التواصل مع الإسلاميين في العالم العربي دون الدخول في مخاطرات سياسية، إلا أنه حتى تلك المؤسسات ذات الطبيعة الحزبية لم تسلم من الانتقادات السياسية، فعلى سبيل المثال قامت مؤسسة Friedrich Ebert Stiftung بعقد مؤتمر ببيروت بالتعاون مع مركز أبحاث لبناني تابع لحزب الله وتضمن مشاركة من أعضاء من حزب الله، وتعرض هذا المؤتمر لانتقادات حادة وأثار جدلا سياسيا كبيرا.
النتائج
بالأخذ في الاعتبار القيمة المحدودة لمناقشة الاتصال مع الإسلاميين في نطاق نظري يقتصر على منطقة بعينها، وأخذا في الاعتبار كذلك عدم استعداد الحكومات الأوروبية لتقديم معلومات عن هذا الموضوع، أمكن التوصل إلى النتائج التالية:
الإجماع على المبدأ والاختلاف حول المحددات:
هناك إجماع بين دول الاتحاد الأوروبي على أنه لا يمكن تجنب وجود شكل من أشكال التواصل العميق والاستراتيجي مع الإسلاميين المعتدلين في المنطقة العربية، وذلك على الرغم من التحفظات على التزام جماعات إسلامية معينة بالديمقراطية وعلى الأثر المتوقع لهذا التواصل. إلا أنه لا يزال هناك اختلاف كبير حول كيف يمكن إجراء هذا الاتصال ومتى ومع من ولماذا، وليس من المحتمل أن يتم التوصل إلى حلول بشأن هذه الخلافات في المستقبل القريب.
هذا الجدل أدى إلى تبني دول الاتحاد العامل المشترك الأدنى في السياسيات التي تتعامل مع قضية تتماس بشكل مباشر مع الملفات الساخنة في المنطقة، ومن المتوقع أن تظل السياسات الأوروبية تجاه هذه القضية سياسات ردود الأفعال لا سياسات استباقية، وبالتالي لن يمكنها المساهمة في الحد من التطرف.
فرضا نظريا:
على الرغم من الإعلانات النظرية عن النوايا فإنه لم يتم حتى الآن تطوير علاقات إستراتيجية بين دول أوروبا والإسلاميين المعتدلين في العالم العربي من خلال اتصالات ممنهجة، فدول الاتحاد الأوروبي التي تريد أن تبقي على حقها في اتخاذ القرار بشكل فردي فيما يخص التعامل مع هذه القضية تقيم اتصالات على مستوى منخفض وبشكل غير منتظم مع تلك الجماعات.
ويظل الاتصال الرسمي الممنهج هو الاستثناء وليس القاعدة، وليس هناك أي دلائل على شراكة مؤسسية مفتوحة بين الطرفين. وذلك الاتجاه الحذر لدمج كل القوى الاجتماعية في دائرة حوارية واحدة لم يتم تحويله إلى سياسات أو ممارسات سياسية.
حل محل الخبرة:
على الرغم من أن العمل الفكري والنقاش المستمر حول الإسلام السياسي قد ساهم في تخفيف الأحكام المسبقة والآراء السطحية عن الإسلام الحركي فإن مستوى الخبرة في هذه القضية والنقاش العقلاني حولها متدن بشكل مخيف في المؤسسات الحكومية الأوروبية، وقلة الاتصالات المباشرة والاعتماد على معلومات من طرف ثالث تساهم بقدر كبير في الإشكالية، فالعديد من صناع القرار السياسي الأوروبي رفيعي المستوى لم يتقابلوا شخصيا أو يتبادلوا الآراء مع ممثلين لأحزاب إسلامية.
ويضاف إلى ذلك التخوف من رد فعل الناخبين الأوروبين حيال التواصل مع الإسلاميين خاصة في ظل عامل الخوف الذي يطبع عهد ما بعد الحادي عشر من سبتمبر والذي يربط إلى حد كبير بين الإسلاميين والإرهاب.
الموقف من حماس يشل الحوار:
رد الفعل المتسرع من جانب الاتحاد الأوروبي حيال صعود حماس كقوة سياسية في فلسطين أدى إلى عدم قدرته على التعامل بكفاءة مع الصعود السياسي للإسلاميين في أجزاء أخرى من المنطقة.
خطأ التعامل مع الإسلاميين كظاهرة دينية:
بالرغم من أن الاتحاد الأوروبي هو من أقوى الدعاة لسياسة علمانية فإنه تفاعل مع صعود التيارات السياسية الدينية في المنطقة بسياسات لها منحى ديني وثقافي، وانعكس ذلك في أداء المؤسسات السياسية والحوار مع الإسلاميين. وقد أدى التعامل مع الإسلاميين كظاهرة دينية لا كظاهرة سياسية إلى صعوبة شديدة في اتخاذ خط سياسي أوروبي متسق وله أبعاد واضحة من الظاهرة.
التفويت الأوروبي للفرصة:
سيظل الإسلاميون المعتدلون في هذه الدائرة الخطيرة من الانعزال وستظل سياسات أوروبا الداعمة للديمقراطية مفتقدة للمصداقية والفاعلية طالما لا تقوم الأنظمة الأوروبية بمسئولياتها تجاه النظم الشمولية في العالم العربي.
لقد ثبتت فاعلية السعي للسلام وتحقيق الديمقراطية من خلال الاتصال والاندماج كجزء من السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي. إلا أنه من الصب معرفة أسباب عدم تطبيق هذه السياسات الناجحة مع الإسلاميين المعتدلين الذين سيؤثر تطورهم بشكل سلمي وديموقراطي في مستقبل العالم العربي ومستقبل الاتحاد الأوروبي.
اهمة في الحد من التطرف:
لطالما كانت السياسات الأوروبية تناصر دمج الحركات الإسلامية في العملية السياسية كوسيلة من وسائل التحديث والحد من التطرف، ولكن عدم فاعلية ذلك في ظل سياقات سياسية شمولية في العالم العربي سيؤدي إلى تدعيم القيادات المتطرفة التي تعمل على محاربة عملية التحديث والديمقراطية وهذا ما قد بدأ بالفعل. وبالتالي لابد للأنظمة الأوروبية من تغيير سياستها في الاتصال مع الإسلاميين المعتدلين والعمل على تقويتهم ودعمهم.
إذا لم يستطع الاتحاد الأوروبي تحقيق ذلك ودمج عناصر وفئات تلك المجتمعات فسيؤدي هذا الفشل إلى تعزيز الانطباع بأن سياسة الاتحاد حيال العالم العربي هي فقط سياسات احتوائية للإسلاميين وللتغير السياسي بشكل عام.
-----------------------------
باحثة في مركز FRIDE للأبحاث و تنمية الديمقراطية، و تركز في أبحاثها على موضوع التنمية الديمقراطية للدول التي تقع في الجوار الأوروبي وهي حاصلة على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة جوتنبرج.
*ترجمة لدراسة منشورة على موقع مركز FRIDE للأبحاث و تنمية الديمقراطية بعنوان:
Europe's engagement with moderate Islamists
طالع النص الإنجليزي للدراسة على هذا الرابط http://fride.org/download/WP75_Moderate_islamista_ENG_fe09_.pdf


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.