: في أجواء تتعاظم فيها المطالبات بالوسط الشعبي والمعارض بضرورة وضع حد لحكم الرئيس التونسي زين العابدين بن علي مع نهايات دورته الحالية , وفي أجواء تحول فيها شعار "لاللتمديد لاللتوريث" الى خطاب وطني مشترك تلتف حوله مختلف ألوان الطيف السياسي , وفي مناخ تعاظمت فيه ردود فعل الشارع التونسي وانتفاضاته ضد سياسات الحيف والاستبداد والتفقير والفساد ... في هذه الأجواء أشارت مصادر اعلامية تونسية مطلعة الى قرب تعيين صديقنا الدكتور أحمد القديدي سفيرا لدى دولة قطر , وهو مايبدو في تقديرنا خبرا شبه مؤكد اذا لم يعدل صديقنا القديدي وفي اخر اللحظات ولاعتبارات سياسية يعلمها عن تولي المنصب الديبلوماسي المذكور ... دعونا نتحدث بصراحة , فقد حاولت صبيحة هذا اليوم الأحد 29 أغسسطس 2010 الاتصال بالصديق أحمد القديدي مستفسرا عن صدقية الخبر المذكور , لكن طرفا عائليا تعلل بعدم وجوده بعد أن سألني عن هويتي كمتكلم ! , والحال أنه تعود على سماع صوتي في مناسبات ليست بالقليلة ! ... يبدو حينئذ أن الخبر في طريقه الى التأكيد , وقد يعدل صديقنا د.القديدي على ضوء قراءته لهذا المقال معتذرا عن تولي منصبه بسفارة تونس بالدوحة . لنكن واضحين فقد أهدى لي الدكتور أحمد القديدي بتاريخ 6 فبراير 2006 كتابه "ذكرياتي من السلطة الى المنفى , أسرار وخفايا في كواليس السياسة العربية وصنع القرار " , وقد قرأت كتابه المذكور بشغف ونهم غير مسبوقين , ثم توثقت صلتي به عبر عشرات المكالمات الهاتفية بعد أن دافعت عنه في مقال خاص تصديت فيه لما كتبته عنه الصحف التونسية الصفراء , حين طالب على شاشة الجزيرة قبل سنوات وفي ذكرى الاستقلال باطلاق سراح سجناء الرأي تحت أي صيغة ممكنة ... الدكتور القديدي رجل متواضع وخبير بكواليس السلطة على أيام الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة , وقد نصحته قبل سنتين أو أكثر بقيادة تيار اصلاحي من داخل منظومة السلطة , الا أنني سرعان ماتكشفت على حقيقة المشهد بعد أن تيقنت من نقل السلطة الى العوائل المصاهرة للرئيس . احترامي للدكتور القديدي وصداقتي له , يدعواني الى مخاطبته برسائل الود قبل القطيعة , فقد وقف معي في مناسبات سبقت وقد حاولنا فيما سبق تأسيس وفاق وطني يدعو الى مد جسور الحوار والاصلاح قبل استحكام المعركة حول الاصلاح السياسي ومتطلبات التداول السلمي على السلطة ..., ولكن الدكتور الذي يخاطبني بصيغة "ابني الفاضل " ويشهد بذلك كتابه , اعتذر لي في وقت لاحق عن الكتابة مجددا في الشأن التونسي أو التعليق عليه , مبررا ذلك بالفارق العمري وماتحمله من تضحيات سابقة ومشاق في نهايات عهد بورقيبة ومطلع عهد الرئيس الحالي , وقد تفهمت ظروفه لنستبقي المودة والقربى في الخطاب الى حدود اخر مكالمة جمعتني به قبل سنة تقريبا . أدرك جيدا أن صديقي "الدكتور أحمد" كما أحب أن أسميه , مطالع مثابر لما أكتب , وبأن أعينه لاتفارق صحيفة الوسط التونسية التي أتولى الاشراف عليها , وأنا متيقن بأن مقالي هذا لن يفوته في ظرف زمني مقداره يومان... ومن منطلق ماذكرت فانني أترجاه رجاء أخويا , بألا يختم عمره ومسيرته السياسية بدور مشبوه يهدف الى تلميع صورة الديكتاتورية والفساد , اللذان يعلم القاصي والداني من التونسيين حقيقتهما حق العلم ... لقد حاول الكثيرون من قبله وقلبه الاصلاح , ومازال حبر صاحب هذا المقال لم يجف بعد , وقد بحت حناجرنا من الصراخ والصياح حين دعوت أنا شخصيا ولسنوات الى طي صفحة الماضي وتبني خيار المصالحة , غير أن الجواب كان بالاعتقال والكلبشات والسجن المؤجل حين عودتي الى تونس في جانفي من سنة 2009 ... هي رسالة أوجهها الى من يعتبرني بمثابة الابن البار , وستبقى المودة جسرنا مالم يلمع صورة الحاكم المستبد ويدافع عن سياسات النهب والتعذيب والمحاكمات الجائرة التي تنهش جسد شباب تونس منذ مطلع التسعينات أي منذ عقدين كاملين من تاريخ تونس المعاصر ... أربأ بالدكتور القديدي وقد فتح الله عليه على صعيد المال والدنيا , بأن يغريه "منصب واجهة" لمسح حذاء الديكتاتور والديكتاتورية , وأحسب أن سليل مدينة القيروان وتلميذ الشيخ عبد الرحمان خليف رحمه الله , سيرفع رأسه رافضا اغراءات الدنيا والوجاهة التي تجلبها أضواء المنصب بثمن نقمة المظلومين والمقهورين والفقراء الذين تم تفقيرهم جراء سياسات النهب العائلي والقبضة الحديدية ... لن أستبق الأحداث , وسأحسن الظن بالدكتور القديدي وسأبقى منتظرا أنباء التحويرات الديبلوماسية المقبلة , وأحسب أن الأيام كفيلة بتثبيت معدن الرجال , قبل أن نعود الى الموضوع نفيا أو تأكيدا وكشفا لمزيد من خباياه ...