قبل نحو قرن من الزمان استقبلت تونس آلاف الليبيين الفارين من ويلات حرب الاستعمار الايطالى الفاشى. وفى تونس وجدوا الملاذ الآمن، وعاشوا بين أهلهم واخوانهم فى تونس ... ومنهم من استقر هناك حتى يومنا هذا ولذلك نلاحظ وجود أسماء عائلات تحمل أسماء مدن ليبية مثل : الطرابلسى، والزنتانى، والغريانى، وغير ذلك من الأسماء ذات الأصول الليبية . وكثيرون تزوجوا من عائلات تونسية ... وبذلك اختلطت الدماء والأنساب بين الليبيين والتونسسيين . ولا غرابة فى ذلك فهناك الكثير الذى يجمع بين أهل تونس وأهل ليبيا مثل الجوار والدين الإسلامى والدماء العربية والأمازيغية والثقافة العربية الإسلامية . وها هو التاريخ يعيد دورة جديدة فى ظروف جديدة .. الدورة الجديدة تتمثل فى فرار الليبيين من مدنهم طلبا للأمن والعلاج بسبب ظروف قاسية جاءت هذه المرة بفعل حاكم ظالم مستبد وجه عسكره ومرتزقته لكي تنكل بالشعب الليبى الذى سامه سوء العذاب طوال أكثر من أربعين عاما . وعندما انتفض هذا الشعب سلميا مثله مثل عدد من الشعوب العربية واجهه القذافى بحملات عسكرية قمعية استخدم فيها سلاح الجيوش ومنها الطيران الحربى والدبابات وراجمات الصواريخ ... وسقط آلاف القتلى وتذهب بعض التقديرات إلى أن عددهم قد بلغ أكثر من عشرة آلاف ... وأصيب آلاف الجرحى بتشوهات خطيرة ومنهم أطفال . لم يكن أحد فى ليبيا وغير ليبيا يخطر بباله أن يفعل حاكم بشعب يدعى الانتماء إليه ما يفعله القذافى وأولاده وزبانيته ... وقد حدث مالم يكن متوقعا وعرف العالم كارثة الشعب الليبى التى ظلت العنوان الأول لكثير من وسائل الإعلام لمدة تجاوزت الثلاثة شهور حتى الآن . ونظرا لقسوة ما حل بالشعب الليبى خلال هذه الشهور الثلاثة فقد تدفقت أفواج المهاجرين إلى تونس، وفتح لهم أهلنا فى تونس أبواب بيوتهم وفنادقهم ومستشفياتهم وقدموا لهم كل ما يستطيعون ... وعبر أهلنا فى تونس بكلماتهم وأفعالهم عن تضامن وكرم غاية فى الأخوة والصدق والإيثار . تلك هي طبيعة تونس الخضراء بلد الزيتونه التى تعلم ودرس بها أعداد من أبناء ليبيا طوال النصف الأول من القرن العشرين وربما أكثر من ذلك . لقد حاول القذافى طوال حكمه أن يكون خنجرا فى خاصرة النظام التونسي واستخدم المال لكي يتسلل إلى مؤسسات تونس للتأثير على استقرارها وأمنها. اليوم بحمد الله يلتحم الشعبان التحاما أخويا وهذا الالتحام وفى هذه الأيام الصعبة سيؤسس لعلاقات أشد متانة خلال المرحلة المقبلة مرحلة مابعد القذافى وذلك عندما تصبح ليبيا دولة دستورية ديمقراطية تتبنى إقامة علاقات متوازنة تحترم حقوق جيرانها وتسعى إلى تبادل المنافع معهم بكل أمانة وجدية ... ولن ينسى الشعب الليبى صنائع الشعب التونسي الشقيق وما قدمه من مساعدات له أثناء محنته القاسية ... شكرا لكم يا أهلنا فى تونس ... لقد كنتم فى مستوى المسئولية الأخلاقية والإنسانية .. جزاكم الله خير الجزاء على كل كلمة ، وكل بسمة، وكل عون مهما كان نوعه أوحجمه .