يعد الحاج محمد (40 عاما) رزمة من الاوراق النقدية الجديدة من فئة المئة دولار سحبها عنصر من حزب الله من حقيبة محشوة بالمال، كتعويض جزئي عن منزله المدمر في الضاحية الجنوبية التي تحولت الجمعة الى ورشة عمل تغص بجرافات وناشطي ومناصري الحزب الشيعي. ويقول الحاج محمد، وهو اب لاربعة اولاد، في ثانوية المهدي شاهد في برج البراجنة على طريق مطار بيروت، "حصلت على مبلغ 12 الف دولار كقيمة استئجار منزل لمدة سنة وشراء اثاث جديد". وقد دمر منزله كاملا في منطقة بئر العبد في الضاحية الجنوبية خلال القصف الاسرائيلي. ويضيف "قدمت طلبا امس الخميس، واتصل بي الاخوان (في حزب الله) اليوم لآخذ المال. لقد فوجئت بسرعة التصرف". وتوزع عناصر حزب الله في غرف المدرسة، وفي كل غرفة حقيبة يخرجون منها المال. التعليمات للصحافيين واضحة: يمنع التقاط صور للحقائب او التحدث مع العناصر الذين يوزعون الاموال ويساعدون المواطنين على ملء الاوراق وتوقيعها. في الطابق الارضي للمدرسة، ينتظر حوالي ثلاثين مواطنا آخرين دورهم، فيما ينظم عناصر الحزب الذين يحمل بعضهم سلاحا عملية الدخول والخروج. عند مداخل الضاحية الجنوبية لبيروت، ينتشر ناشطون في حزب الله يعتمرون قبعات حمراء كتب عليها "نصر من الله"، في اشارة الى الامين العام لحزب الله حسن نصرالله و"نصره" على اسرائيل، ويوزعون بيانات موجهة الى اهل الضاحية لمراجعة اماكن خاصة استحدثت لهم للمطالبة بالتعويضات المالية مع ارقام هواتف. ووعد نصرالله في 14 آب/اغسطس بان يساعد الحزب من دون انتظار الحكومة التي ستستغرق آلياتها وقتا، على بدء اعادة بناء المنازل التي تهدمت، عن طريق دفع مبلغ مالي "معقول" للعائلات التي لا تملك منزلا لتستأجر واحدا لمدة سنة وتشتري اثاثا في انتظار الانتهاء من البناء. وقال ان هناك 15 الف مسكنا مدمرا. في هذا الوقت، حول حزب الله شوارع الضاحية الجنوبية الى "ورشة عمل" مع بدء عمليات رفع الانقاض وتنظيف الشوارع ومسح الاضرار واصلاح اسلاك الكهرباء. في المكان الذي كان يوجد فيه مقر الامانة العامة لحزب الله المدمر بكامله داخل ما يعرف بالمربع الامني، تعمل جرافة على رفع الانقاض. وتشير فاطمة (39 عاما) الى منزلها القريب المدمر جزئيا، موضحة انها حصلت مع عائلتها المؤلفة من زوجها وطفلين على مبلغ 12 الف دولار من الحزب. وتقول "هذا للايجار والاثاث، وقالوا انهم سيتولون هم اعادة البناء". وتعلق رفيقتها نجاح (45 عاما) "سارع اخواننا لفتح الطرق وتنظيف الشوارع ليتمكن الناس من تفقد منازلهم. في المقابل، لم نر احدا من جانب الحكومة. لم نر جرافة عائدة لها في شوارعنا... لم نر مسؤولا زارنا ولو ليعلن تضامنه معنا كلاميا". ويتساءل النائب حسين الحاج حسن من حزب الله الذي يقوم بجولة في المنطقة بدوره عن سبب تباطوء الحكومة في تقديم المساعدة. ويقول "حصلت الدولة على 800 مليون دولار من السعودية والكويت، لم لا تدفعها للمواطنين؟". وتابع "هل تعرف الحكومة حجم الاضرار؟ هل اجرت احصاء؟". ويضيف ان "للحزب خطة لاعادة الاعمار يمضي فيها لان الناس لا يمكنهم الانتظار على الطريق فيما منازلهم مهدمة". وقال النائب الشيعي ان الحزب قسم الضاحية الجنوبية الى 84 مربعا كل مربع مؤلف من حوالي خمسة ابنية، تم مسح الاضرار فيها وبدء دفع التعويضات. وتابع "كنا ولا نزال نتحمل مسؤولياتنا، ولا يمكننا ان ننتظر الدولة" التي وصفها بانها "بطيئة وبيروقراطية". عند احدى زوايا المربع الامني في شارع السيد عباس، نصبت خيمة علقت عليها لافتة مع عبارة "خيمة العمل التطوعي". ويقف صف من الرجال والشبان على باب الخيمة. ويقول ذو الفقار الذي يساهم مع فريق من الناشطين في تسجيل الاسماء، "مهمتنا تسجيل الاسماء لكي نوزع المتطوعين في ما بعد بهدف مساعدة الناس على ازالة الركام من محيط منازلهم وتنظيفها"، مشيرا الى ان عدد المتطوعين حتى الآن بلغ "بين 800 والف". وعادت شوارع الضاحية الجنوبية في اليوم الخامس من وقف الاعمال الحربية تعج بالناس: صحافيون ومصورون، سكان يتفقدون منازلهم، اصحاب محلات فتحوا ابواب متاجرهم، ومواطنون جاءوا يتفرجون على آثار "الهمجية الاسرائيلية والاميركية"، كما تقول احدى اللافتات المرفوعة على انقاض مبنى الى جانب علم حزب الله الاصفر. بعض المارة يضعون كمامات على انوفهم بسبب الغبار الناتج عن اعمال التنظيف واحراق نفايات وقطع اثاث محطم وروائح اخرى نتنة لا يعرف مصدرها. ووسط الركام، لافتات حمراء معلقة هنا وهناك، ومما كتب عليها "قنابل ذكية لعقول غبية، جاء نصر الله".