يخطو قاسم نجدة بحذر فوق ركام منزل واسلاك كهربائية متشابكة بعد اكثر من عشرة ايام على توقف الاعمال العسكرية بين اسرائيل وحزب الله، وحال قريته صريفا مثل العديد من البلدات في جنوب لبنان التي لم تبدأ بعد بتضميد جراحها. ويقول قاسم "اننا ننتظر ان يعود السكان، لكننا لا ندري متى سياتون". وصريفا قرية جبلية الصغيرة تقع في القطاع الأوسط من جنوب لبنان وتعرضت كمعظم مدن وقرى المنطقة لدمار هائل جراء الحرب. فالطرقات مليئة بالحفر والعديد من المباني سويت بالارض. وتتناثر على الارض بعض قطع سيارات امست هياكل متفحمة، الى جانب ثياب ممزقة او صور عائلات شاهدة على الحياة الطبيعية التي كان يعيشها سكان القرية من قبل. ويقول قاسم نجدة ان من ابرز العوائق امام اعادة الاعمار هي الغياب الشبه الكامل للماكينات الثقيلة، ما يمنع السكان من ازالة المباني المهدمة نهائيا. وفي الشارع الوحيد من البلدة حيث تمت ازالة المباني جزئيا، يحاول بعض الشبان ازالة اطنان من الركام، مسلحين فقط بمكنسة ورفش. وبعد بضع دقائق، يتوقفون عن القيام بهذه المهمة ويجلسون فوق الركام، وقد غطى الغبار وجههم المتصبب عرقا. ويقول قاسم "لو كان لدينا مال، لكان بامكاننا ان نرمم منازلنا، ولا احد لديه موارد هنا". لكن حتى السكان الاكثر ثراء تخلوا عن منازلهم. وينظر رجل الى مغطسه الجديد الذي بات مليئا بقطع باطون وقد تكسر البلاط من حوله. ويعبر عن اسفه الشديد للاموال التي انفقها لبنائه ويقول "لم يساعدني احد وقد خسرت الكثير". وعلى بعد نحو عشرة كلم من جنوب غرب صريفا، في بلدة صديقين، يحاول ناشطون في حزب الله الذين تميزهم قبعاتهم الصفراء عن سائر المدنيين، التخفيف من غضب السكان ويأسهم. وهم يجولون على جنوب البلاد لمحاولة تقييم الاضرار واقتراح مساعدة الحزب على السكان. وقد وزع حزب الله حتى الآن عشرات الآلاف من الدولارات التي استقبلتها البلدات التي فيها حضور قوي للحزب بارتياح، علما ان بعض السكان رفضوها خوفا من ان يتم "شراؤهم"، على حد قول بعضهم. ويقول مسؤول في الحزب الشيعي "اننا نقوم بجرد للمنازل لتقييم ما يجب القيام به، داخل (المنازل) وخارجها". وكانت السلطات اللبنانية قدر الاسبوع الماضي الاضرار المباشرة التي لحقت بالبنى التحتية جراء القصف الاسرائيلي ب 3.6 مليار دولار. وشمل الدمار 15 الف وحدة سكنية ونحو 80 جسرا و94 طريقا. وبحسب مكتب تنسيق الشؤون الانسانية التابع للامم المتحدة، فقد دمر اكثر من 80% من المساكن في بعض القرى. ومن يعيش فيها الآن بحاجة ماسة الى مياه الشرب والكهرباء والفيول لتشغيل المولدات. وحتى في حال وصول المساعدات على الفور، فان الطريق لا تزال طويلة جدا امام صديقين، لان عملية اعادة الاعمار تتطلب جهودا عملاقة. وتطلق احدى المسنات صرخة رافعة يديها الى السماء "دمروا كل شيء، دمروا كل شيء".