«أرني ما الجديد الذي أتى به محمد لن تجد إلا أشياء سيئة ولا إنسانية مثل الحق في الدفاع بحد السيف على العقيدة التي ينشرها». هذه الفقرة التي اقتطفها البابا بينيديكت السادس عشر من مناظرة وهي السابعة جرت في القرن الرابع عشر للمبلاد وبالتحديد سنة 1391 بالقسطنطينية بين الامبراطور البيزنطي مانوال الثاني(1350-1425) وأحد علماءالفرس وذلك خلال إلقائه محاضرة يوم الثلاثاء 12 سبتمبر أي غداة الحادي عشر بجامعة راتيسبتون الألمانية. ثم أردف قائلا: «بالنسبة للشريعة الإسلامية فإن إرادة اللّه ليست مرتبطة بأي صنف من أصناف تفكيرنا ولا حتى بالمنطق». وخلص إلى القول أن: «الإسلام على عكس المسيحية لم يتمكن من أدوات العقل والحداثة التي من شأنها أن تدفعه إلى التنديد بالعنف ولو كان باسم الإيمان». إذا فقدسيته تستشهد ثم تستنتج ما طاب لها في سياق لا ندركه في أول وهلة فنتساءل هل ان هذا البابا حقيقة أمّي (أنظر لمحة محمد قلبي يوم 16 سبتمبر) وهو من هو أي فقيه في الكهنوت متضلع في تاريخ الأديان مطلع على كل الكتب السماوية وهو يعلم علم اليقين أن محمدا رسول اللّه قد خلت من قبله الرسل لا ينطق عن الهوى وإنما يوجي إليه، بعث ليتمم مكارم الأخلاق وليبلغ الرسالة.» «يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك» سورة المائدة. وهو مدرك لكل ما كتب عن سير ا لأنبياء فلا أخاله لحظة واحدة يجهل ما كتبه مواطنه قوته عن النبي محمد ولا لامارتين (أنظر المقال حول الرسوم الصباح 09 فيفري 2006) ولا ما خطه أدوار سعيد قبل وفاته عن الإسلام وعن أخطاء الغرب المقصودة وغير المقصودة في نظرته إليه. ولا ما قيل ودوّن في الحوارات بين الأديان التي انتظمت بمباركة من الفاتيكان وهو أحد دعائمه إذا فالاستنتاج الأول هو أن البابا ما هو بجاهل ولا بغافل بل هو سيد العارفين بما أتى به الإسلام إلى الغرب من إنارة العقل عن طريق ابن رشد ومن تبعه من فطاحل المنطق من أمة محمد. ابن رشد صاحب الأثر المدون عام 1180 «فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال» والذي أقر فيه أن العقل والإيمان صنوان «وأن الحكمة هي صاحبة الشريعة والأخت الرضيعة». عوضا عن ذلك فقد آثر البابا حشرترهات امبراطور حاقد ولكن ما هو أدهى وغير ظاهر هو أن المتحدث رجل دين ورجل دولة في ذات الوقت ومن موقعه على رأس الكنيسة فهو يرى لزاما عليه أن يحد من تراجع المقبلين على الكاثوليكية (أنظر افتتاحية جريدة Le monde 16 سبتمبر 2006). بينما الاقبال على اعتناق الاسلام يتزايد بانتظام ويدخل الشباب الأوروبي والأمريكي في دين اللّه أفواجا وذلك خلافا لما يعتقده الامبراطور البيزنطي لا بحد السيف بل إيمانا بأن هذا الدين الذي ارتضاه الخالق لعباده الذين أتم عليهم نعمته هو دين الرحمة والمحبة والمجادلة بالتي هي أحسن وأنه براء من الظلم والقهر والعبودية والجور. إن الأجيال الجديدة في الغرب لها أعين ولها آذان وهي تبصر ما يقترفه المهيمنون المعاصرون. للبابا الحق في أن يعبئ منظوريه ولكن هل كان يجب أن يتم ذلك على حساب أعظم خلق اللّه كلهم؟ فهل كان لا بد له أن يشارك من حيث يدري أو لا يدري في هذه الحملة المتأججة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ضد دين أصبح ينعت عند البعض بالفاشي وأضحى رسوله موضع رسوم كاريكاتورية؟ هل لم يكن أولى للبابا أن يعتذر للإنسانية عن تحريض سلفه أوربان الثاني الذي أطلق العنان للحروب الصليبية في القرن الحادي عشر وهو الذي سماها كذلك، وعن الصمت المخزي لسلفه بي 12 إيان المحرقة النازية؟ وفي المحصلة فإن كانت هناك إساءة في حديث البابا فهي بالأساس موجهة للمؤسسة البابوية إذ أن قدسيته نجحت بعد سنة واحدة من ارتقائها إلى سدة الحبر الأعظام من أن تنسف من خلال استعارة سخيفة كما هائلا من الحوارات بين الأديان. وعلى الرغم مما حصل - وبفضله - وتزامنا مع التمادي في الدعوة إلى المجادلة الهادئة فلا بد من مواصلة الجهد لبناء ذاتنا وعدم الانصراف إلى ما يلهينا عن أمهات قضايانا وذلك بالأخذ بناصية المعرفة والعلوم وتحديث مجتمعاتنا وتمتين اقتصادياتنا وتثمين ثرواتنا. عندئذ يكف الأخر عن جلدنا ويقرأ لنا ألف حساب فيعرف قدره ويمكث دونه «فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون» سورة يسن.