مع تدشين ثورة 14 يناير لعهد جديد في تونس، ازدهرت فيه الحريات وانطلقت المبادرات الشعبية من عقالها في داخل البلاد أو في المهجر، تأسست العديد من الجمعيات الطوعية كجمعية التعاون السويسري التونسي للتنمية المستدامة، ومؤسسة الجامعيين التونسيين بسويسرا عبد الحفيظ العبدلي- swissinfo.ch- الوسط التونسية: مع تدشين ثورة 14 يناير لعهد جديد في تونس، ازدهرت فيه الحريات وانطلقت المبادرات الشعبية من عقالها في داخل البلاد أو في المهجر، تأسست العديد من الجمعيات الطوعية كجمعية التعاون السويسري التونسي للتنمية المستدامة، ومؤسسة الجامعيين التونسيين بسويسرا، وغيرها.. وتعمل هذه المؤسسة الأخيرة، والتي هي حديثة التأسيس وحريصة على حيادها السياسي، إلى تعبئة جهود الجامعيين والتونسيين عامة المقيمين بسويسرا لدعم التنمية في بلادهم، وتعزيز التبادل العلمي والثقافي بين تونس وسويسرا. مهمات هذه الجمعية متعددة ومتنوّعة، ولكن يمكن حصرها في ثلاثة محاور كبرى هي تنشيط التبادل العلمي، والتعريف بتونس ومميّزاتها الحضارية والثقافية، وتقديم العون والمساعدة للمحتاجين. ويقول علي شقير، مهندس تونسي وخرّيج المعهد التقني الفدرالي العالي بلوزان في مجال المعلوماتية والإتصال: "تأسست هذه الجمعية لتوحيد جهود التونسيين وخلق حالة من التضامن بينهم أوّلا، وبينهم وبين السويسريين ثانيا". اما زميله محمّد القفصي، طالب دكتوراه وباحث بالمعهد نفسه، وأحد المؤسسين لهذه الجمعية أيضا فيضيف: "كانت هذه المبادرة نتيجة حوار معمّق بين فاعلين في الفضاء الجامعي بسويسرا تجمعهم القناعة بضرورة مساعدة بلادهم في هذه الفترة الانتقالية الحاسمة من تاريخها". ويرجع علي شقير تعدد المبادرات التي أطلقها التونسيون بالمهجر بعد ثورة 14 يناير، إلى حالة الإحباط والحسرة التي أصابتهم لأنّه لم تتح لهم الفرصة، بسبب البعد، المشاركة الميدانية والفاعلة في أحداث الإنتفاضة ضد النظام السابق. وكذلك مأساوية الأوضاع الإجتماعية التي تعيشها فئات من المجتمع التونسي ولم يكتشفها الرأي العام المحلّي والدولي إلا بعد الثورة مما ولّد لدى كل تونسي حالة من التعاطف والاستعداد لمدّ يد المساعدة. وبقدر ما تتطلّب معالجة هذا الوضع تدخّلا سريعا وعاجلا، عبر تقديم العون والمواساة، فإنها تتطلّب أيضا "عملا من أجل تنمية مستدامة على المدى الطويل، تستفيد فيها تونس من تجارب الأمم الاخرى ومكاسب المعارف المعاصرة، وللتونسيين في الخارج دور حيوي في هذا المجال"، على حد قول السيد شقير. يميل المشرفون على هذه الجمعية التي تريد ان تكون حاضرة في كل الجامعات السويسرية إلى الإسهام الفعّال في جهود التنمية المستدامة. ورغم أن عمر هذه الجمعية لم يتجاوز بضعة أشهر، استطاعت، وعبر تنظيم العديد من اللقاءات الإعلامية خاصة في جنيف ولوزان، من جلب المزيد من المنخرطين والمعجبين، وقد تجاوز عدد أعضائها إلى حد الآن المائة ونيف. كما شرعت في تحقيق جزء من خطّتها، واستطاعت في هذه المدة الوجيزة القيام ببعض الأعمال المثمرة. المهندس علي شقير انجازات معتبرة.. انصبّ عمل هذه الهيئة بعد التأسيس في مرحلة أولى على تعزيز علاقات التنسيق والتعاون بين الجامعيين التونسيين في سويسرا، وعلى تنشيط التبادل العلمي بين المؤسسات البحثية السويسرية ونظيرتها التونسية. ضمن هذيْن المسلكيْن، اتخذت العديد من المبادرات، تمثلت أولاها في تنظيم منصة "كسكسي للجميع" في إطار الأسبوع العالمي الذي تنظمه سنويا منظمة "مهندسو العالم"، وقد بيع خلال هذه التظاهرة أزيد من 300 أكلة تونسية ساعدت مواردها في تمويل أنشطة الجمعية. ويشرح محمّد القفصي الغرض من تنظيم هذه الفعالية فيقول: "كان الهدف من جهة لفت الأنظار لهذه الجمعية، وتوفير فرصة للطلبة وللجامعيين عموما للتعرّف على أهدافها، والدخول في حوار مع الفاعلين في الفضاء الجامعي، ومن جهة اخرى تحسيس هؤلاء الطلبة للوضع المستجدّ في تونس، وترويج صورة جيّدة على هذا البلد المغاربي في هذا المعهد السويسري الذي يؤمّه طلبة وأساتذة ينحدرون من كل أصقاع العالم تقريبا". ثم كانت المبادرة الثانية في شكل منصّة خاصة للتعريف بتونس ضمن فعاليات تظاهرة «Vivapoly 2011» الثقافية التي يحضرها ما يزيد عن 20 ألف طالب، وقد لاقت تلك المشاركة نجاحا باهرا بحسب المهندس علي شقير: "عرضنا خلال مشاركتنا أكلات ومنتجات وأزياء تونسية الهدف منها التعريف بمميّزات تونس، ولبس جميع الأعضاء لباسا موحّدا كتب عليه "أحبّك يا تونس"، بالإضافة إلى الشاشية (الكبّوس التونسي)، وذلك للفت أنظار الحضور، وقد سمح لنا ذلك بالحديث إلى العديد من المؤسسات السويسرية بما في ذلك وكالات اسفار وخبراء وشركات، حول آفاق الأوضاع في تونس بعد الثورة، وقمنا بتوزيع هدايا على بعض الحضور تذكّرهم ببلدنا". أما المشروع الاوّل في مجال المساعدات الإجتماعية والدعم اللوجستي لتونس، الذي اطلقته هذه الجمعية فتمثّل في جمع أجهزة كمبيوتر بمعداتها المختلفة لتهيئة 15 قاعة معلوماتيّة في اعداديات وثانويات بمدن تونس الداخلية، ويتمّ حاليا انجاز هذا المشروع عبر الاتصال بالشركات والجامعات والمدارس العليا وبالبنوك في سويسرا للحصول على تلك المعدات، التي سيتمّ لاحقا شحنها إلى تونس، لتشرف على توزيعها واختيار الجهات المستفيدة منها مؤسسات تنموية دولية تعمل على عيْن المكان. ويؤكّد المهندس شقير أن "فرص النجاح في هذا المشروع في سويسرا كبيرة وكبيرة جدا. حيث استطعنا حتى الآن جمع أزيد من 160 كمبيوتر، لا تنقصها إلا الشاشات، وقد وعدتنا السفارة التونسية بشحن وتيسير وصول هذه المعدات إلى الجهات التي سوف يقع الاختيار عليها في تونس". وفي نفس الإطار: "حصلنا على دعم العديد من البنوك السويسرية الخاصة، بالإضافة على بعض الجامعات والمدارس العليا خلال انجازنا لهذا المشروع". مشروعات في الأفق : تسعى هذه الجمعية كذلك إلى أن تكون مؤثّرة في العملية التعليمية في تونس، وذلك في مرحلة أولى عبر لفت أنظار الحكام الجدد هناك إلى النموذج السويسري في مجال التعليم والتكوين، والتأكيد على أن النموذج الفرنسي ليس هو النموذج الوحيد المتاح. وللوصول إلى ذلك، يؤكّد الباحث محمّد القفصي على ان هذه الجمعية تنوي تنشيط الزيارات والتبادل بين الجامعات التونسية والجامعات السويسرية، وإرسال الخبراء السويسريين لإلقاء محاضرات في تونس، واستدعاء أساتذة تونسيين إلى سويسرا. كما يؤكّد تلقي جمعيته طلبات من جمعيات سويسرية مثل جمعية "مهندسو العالم" تطالبها بالتدخّل لتيسير إرسال طلبة سويسريين لقضاء فترة في الجامعات التونسية في إطار تعاون شمال – جنوب. أما في سويسرا، فتنوي هذه المؤسسة مستقبلا تنشيط الحياة الطلابية التونسية على مستوى الجامعات السويسرية، وذلك عبر توفير الرعاية الضرورية للطلبة الجدد الملتحقين بسويسرا بما يساعدهم على سرعة الإندماج في الحياة الجامعية، والحفاظ على صلتهم وعلاقتهم بموطنهم الأصلي عبر الحفاظ على علاقة تضامن وتوحد بين أبناء البلد الواحد. كذلك أوضح القفصي أن خطتهم للعام القادم: "تشتمل على تنظيم تظاهرات ثقافية، وندوات سياسية تحييها وجوه ثقافية وشخصيات سياسية تونسية، وعرض افلام ومسرحيات تعرّف بالثقافة التونسية، وتقدّم صورة حقيقية على الأوضاع في تونس غير تلك التي تبثها القنوات التلفزيونية". ومن شأن هذه التظاهرات كذلك أن تفتح آفاقا للحوار والتعاون مع سويسرا وتونس على أكثر من صعيد. هذا التحفّز والحرص على خدمة القضية التونسية من طرف إبنائها المهاجرين تنبع من احساس الجميع بان البلاد تمرّ بمنعرج حاسم، فإما أن تسير إلى الأمام وتحقق تقدّمها ورقيّها، وإما أن ترتكس إلى الوراء، وتنتكس. ولتعدي هذه المرحلة يختم محمّد القفصي: "تونس تحتاج اليوم إلى كل ابنائها". عبد الحفيظ العبدلي- swissinfo.ch لوزان 30 ديسمبر 2011 -تحديث - 4:12